حسام تحسين بيك لـ«الشرق الأوسط»: مسلسلات البيئة الشامية شوهت الماضي

الفنان السوري متفرغ لتصوير دوره في «عطر الشام»

حسام تحسين بيك لـ«الشرق الأوسط»: مسلسلات البيئة الشامية شوهت الماضي
TT

حسام تحسين بيك لـ«الشرق الأوسط»: مسلسلات البيئة الشامية شوهت الماضي

حسام تحسين بيك لـ«الشرق الأوسط»: مسلسلات البيئة الشامية شوهت الماضي

يتفرغ الفنان السوري حسام تحسين بيك حاليًا لتصوير دوره في المسلسل الشامي «عطر الشام» وهو دور كبير ومهم ومحوري، وفي حوار معه يتحدث الفنان تحسين بيك لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «اعتذرت عن المشاركة في عدة مسلسلات للموسم الحالي بسبب تفرغي لدوري في مسلسل (عطر الشام)، وهو دور محوري وصعب حيث أجسد فيه شخصية مسؤول الإنارة في الحارة، أي (الدومري) ويتعرض لمشكلة اجتماعية صعبة، إذ يُعْتَدى على ابنته فتتحول حياته لمأساة، وكنت قد أنهيت أخيرًا تصوير دوري في سباعية تلفزيونية». وحول إن عُرِض عليه المشاركة في الجزأين الجديدين التاسع والعاشر من سلسلة (باب الحارة)، وهو المسلسل الذي شارك فيه بدور حارس الحارة، يوضح تحسين بك: «علمت أنه لم تتم الموافقة على هذين الجزأين، وبرأيي يجب أن تتوقف مثل هذه المسلسلات فإما أن تقدم البيئة الشامية بشكل صحيح أو لا، وهي لا تقدمها بشكلها الصحيح، ولذلك تؤثر على الجيل الجديد من المشاهدين الذي لا يعرف الماضي بشكله الصحيح، بينما من يعرفه يتوجع عندما يشاهد مثل هذه المسلسلات ويقول إننا لم نكن هكذا، ولذلك فالمسلسلات الشامية تقدّم البيئة بشكل مشوّه، وأقترح هنا لكي نتجاوز هذه المشكلة أن تُقدّم نصوص من الواقع فحياتنا في الماضي كانت تحكمها أدبيات، ومنها أن أي شخص يخطئ كانوا يخرجونه خارج الحارة، فالناس منضبطة اجتماعيًا من خلال الأعراف والتقاليد وكانت الألفة موجودة بين الناس وليس العداوات كما تصورها بعض هذه المسلسلات، كان هناك مشكلات ولكن ضمن المنطق ويتم حلّها بموجب هذه الأعراف التي كانت كالقوانين. ولكن يلحق الكتاب الشيء الدارج والمطلوب بينما يجب عليهم أن يكون لديهم مقولة يقدمونها للناس من خلال هذه المسلسلات البيئية وهذا غير موجود ولذلك هذه المسلسلات لا تقدم أشياء مهمة».
وحول المواضيع الأخيرة للدراما السورية وتناول بعضها مشاهد جريئة بعيدة عن التقاليد الشرقية يقول حسام: «أنا لا أتابع المسلسلات فهناك ازدحام بها، قد تسألني عن السبب، سأقول لك إنني في سن لا تسمح لي بالانفعال، وأنا أشاهد مسلسلا ما قد يستفزني ويعصبني، ولذلك الأفضل لي أن لا أشاهد المسلسلات. أما المسلسلات التي تناولت الأزمة السورية، فكون الأرض خصبة وهناك حكايات كثيرة فالكتاب اتجهوا للارتجال، خصوصًا أن الأمر له علاقة بالمردود المادي، بحيث يستسهل الكتّاب تناول الحكايات الموجودة حاليًا ويضعونها في مسلسلاتهم، وتبقى هناك قصص حقيقية وأخرى غير حقيقية ومن الجيد أن يتم تسليط الأضواء على أشياء مهمة، ولكن ليس من المستحسن أن يتم تقديم مثلاً مشكلات وأحداث نعيشها في النهار بشكلها الحقيقي فيقوم الكتاب والمخرجون والمنتجون بجعلي أشاهدها في الليل بمسلسل تلفزيوني، ليس من المنطق أن تريني وجعي مرة ثانية! ليكتبوا ويقدموا أشياء مهمة وليس قصصًا نعيشها كل يوم وتوجعنا».
وحول غياب الدراما التاريخية ودراما السيرة الذاتية، التي كان له مشاركات فيها يقول تحسين بيك: «أنا سعيد لغياب الدراما التاريخية، لأنها قدّمت تاريخنا بشكل سيئ جدًا، فالآخرون يأخذون الجانب المضيء من تاريخهم ليقدموا منها شيئًا ما بينما نحن نقزّم أنفسنا من خلال تقديم تاريخنا بشكل مبتذل. وحتى مسلسلات السيرة الذاتية إذا كان من المهم تسليط الضوء على شخصية ما فليكن بالشكل الصحيح، وليس لأنها موضة أو للحصول على المال فقط».
والمعروف أن للفنان حسان تحسين بيك مشاركات كثيرة في الكوميديا، التي يرى أنها «لم تعد تقدّم النص المضحك الهادف، هناك تهريج واستسهال بالكوميديا، والسبب أنها تلحق رأس المال، فحسب ما يطلبه المنتجون يقوم البعض بتقديم أعمالهم».
وحول تعمق ظاهرة الشللية في الوسط الفني، يتنهد تحسين بيك معلقًا: «صدقني لا أعرف عنها شيء، أسمع بها ولا أعرفها.. فأنا لا أذهب لشركات الإنتاج، إن رنّ هاتفي أجيب، وإن طلبوا مني المشاركة في مسلسل ما فأدرس طلبهم وقد أوافق أو لا حسب ظروف عملي».
وحول عدم مشاهدته مخرجًا لمسلسلات تلفزيونية يقول تحسين بيك: «لدي الإمكانية للإخراج ولكن لم ولن أخوض هذا الميدان، لسبب أن الإخراج عمل صعب ومتعب وممرض ويحتاج لتفرغ وجهد وإرهاق.. أخرجت أخيرًا عملاً غنائيًا وليس مسلسلاً، وقدمته في دار الأوبرا، ولكنه إخراج مختلف وحالة أخرى».
وحول امتلاكه لصوت دافئ ومتميز في الغناء يبتسم تحسين بيك: «أنا مؤدٍّ ولست مغنيًا وأؤدي الأغاني في مسلسلات تلفزيونية أو مسرحيات إذا تطلب الدور ذلك، ولكن بالتأكيد ليس لدي مشروع لتسجيل أغانٍ، أنا ممثل ولست مطربًا. لديّ هواية كتابة سيناريو مسلسلات وحاليًا (يتابع تحسين بيك) أنجزت نصين؛ الأول بيئي شامي تدور أحداثه في أربعينات القرن الماضي والآخر كوميدي. ولكن لا أريد حاليًا عرضهما. هناك ازدحام بالمسلسلات ولا أرغب في دخول هذه الزحمة؟!».
وأسأل الفنان حسام عن تواصله مع زملائه القدماء الذين عمل معهم، وخصوصًا دريد لحام ورفيق سبيعي، فيجيب: «هناك تواصل دائم مع الفنان دريد لحام، واشتركت معه أخيرًا بعمل غنائي استعراضي قُدّم على دار الأوبرا، بعنوان: (هي إلنا)، أما مع الفنان رفيق سبيعي فالتواصل قليل جدًا».
وعن رأيه بولديه، الفنانة نادين والفنان راكان، يضحك حسام: «راكان لم يأخذ فرصته بعد في التمثيل قد يكون تأخر بسبب عمله كماكيير، أما نادين فهي تملك حسًا فنيًا رائعًا وأداء متميزًا، وهي إضافة للتمثيل تمتلك صوتًا جميلاً وعازفة موسيقى، وسأشركها في عملي الاستعراضي المقبل، ولكن ليس غناء. قد يكون في مجال آخر، كالعزف الموسيقي».



سمية بعلبكي: خسرت صوتي لأسابيع بعد تفجير منزلنا في الجنوب

تفجير منزلها العائلي في الجنوب أفقدها صوتها لأسابيع (سمية بعلبكي)
تفجير منزلها العائلي في الجنوب أفقدها صوتها لأسابيع (سمية بعلبكي)
TT

سمية بعلبكي: خسرت صوتي لأسابيع بعد تفجير منزلنا في الجنوب

تفجير منزلها العائلي في الجنوب أفقدها صوتها لأسابيع (سمية بعلبكي)
تفجير منزلها العائلي في الجنوب أفقدها صوتها لأسابيع (سمية بعلبكي)

بعد نحو 30 عاماً من مسيرة غنائية رصّعتها الفنانة سمية بعلبكي بالطرب الأصيل، جرى تكريمها أخيراً، في حفل جائزة الـ«موركس دور»، ولكنها تلقّتها بغصّة في القلب. فهي جاءت مباشرة بعد حرب دامية شهدها لبنان، وإثر تفجير منزل بعلبكي العائلي في قريتها العديسة الجنوبية. اختلط طعم فرح النجاح بمرارة خسارة ذكريات الطفولة، فتمنت لو أن هذه المناسبة جاءت في وقت ثانٍ كي تشعر بسعادة التقدير الحقيقية. وتقول بعلبكي لـ«الشرق الأوسط»: «أنبذ الحروب بكل أوجهها حتى المقدّسة منها. فهي مبنية على صراعات تبحث عنها البشرية عبر التاريخ، ولكنها لم تحمل يوماً إلا النتائج السلبية في طيّاتها».

تصف سمية بعلبكي خسارة منزل العائلة كمن فقد قطعة من وجدانه. «إنه يمثّل الذكريات والهوية ومسافة أمان في الوطن. عندما تلقيت الخبر أحسست بالفراغ وكأن سقفاً اقتلع من فوق رأسي، صارت السماء مكشوفة. داهمني الشعور بالغربة، لأن لكل منّا بيتين، أحدهما منزل نقيم فيه، والثاني هو الوطن. وعندما نفقد بيتنا الصغير يتزعزع شعور الأمان بمنزلك الكبير».

أثناء تسلّمها جائزة {موركس دور} (سمية بعلبكي)

في تكريمها بجائزة «موركس دور» تقديراً لمسيرتها وعطاءاتها الفنية، خلعت بعلبكي لبس الحداد على بيتها للحظات. وتعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «كنت بحاجة إلى الأمل وإلى غد أفضل. رحلتي هي كناية عن جهد وتعب وتحديات جمّة. فرحت بالجائزة لأنها تكرّم مسيرة صعبة. فالموسيقى بالفعل تشفي من الجراح، لا سيما أن قلبي كان مكسوراً على وطني وأرضي. يا ليت هذا التكريم جاء في توقيت مغاير لكان وقعه أفضل عليّ».

تألقت سمية بعلبكي وهي تتسلّم جائزتها وفرحة ملامح وجهها كانت بادية على وجهها. وتوضح: «لقد سألت نفسي عند مصابي كيف أستطيع تجاوزه ولو للحظات. كانت الموسيقى هي الجواب الشافي. خرجت بعبارة (سنغني قريباً) لعلّ الجرح يطيب. تأثري بفقدان منزلنا العائلي ترك بصماته عليّ. ولا أعتقد أنني أستطيع تجاوز هذا الحزن ولو بعد حين. فإثر إعلامنا بخبر تفجير البيت بقيت لأسابيع طويلة فاقدة القدرة على الغناء. صمت صوتي وما عدت أستطيع ممارسة أي تمارين غنائية لصقله. الألم كان كبيراً، لا سيما أننا لم نتمكن بعد من لمس المصاب عن قرب. لم نر ما حصل إلا بالصور. أرضنا لا تزال محتلة ولا نستطيع الوصول إليها كي نلملم ما تبقى من ذكرياتنا، فنبحث عنها بين الردم علّها تبلسم جراحنا».

الانسلاخ عن الفن طيلة هذه الفترة، لم تستطع سمية بعلبكي تحمّل وزره. «إننا شعب يحب الحياة ويكره الحروب. وأنا بطبعي لا أنكسر أو أستسلم للكآبة والإحباط. نفضت غبار الحرب عني، وقررت إكمال الطريق رغم كل شيء».

تقول بعلبكي إن أحلاماً كثيرة تراودها ولم تستطع تحقيقها بعد. «أحياناً يقف الزمن حاجزاً بيني وبينها. مرات أخرى لا تأتي الفرصة المناسبة لاقتناصها. هناك العديد من أبناء جيلي أقفلوا باب الغناء وراءهم وغادروا الساحة بسبب مصاعب واجهوها. ولكن من ناحيتي، حبّ الناس كان عزائي الوحيد. لقد أحياني وأسهم في إكمالي المشوار».

تمسّكت سمية بعلبكي بالأغنية الأصيلة فاتخذتها هوية لا تتنازل عنها. جميع أعمالها الفنية تتسّم بالرقي والطرب الأصيل. يحلّق معها سامعها في سماء يكمن ازرقاقها بصوتها الشجي. هل شكّلت هويتها هذه عائقاً لانتشار أوسع؟ ترد: «لقد تربيت في منزل فني بامتياز يقوم على الأصالة. والدي ووالدتي الراحلان زرعا في داخلي حب الفن الحقيقي غير المستهلك، فكانا أول من شجعني على دخول الفن. تمحور حلم والدي على رؤيتي فنانة تعتلي المسرح وتغني الأصالة. وما أقوم به ينبع من داخلي ومن شغفي للفن، ولا أستطيع يوماً تغيير هويتي هذه».

تحضّر أغنية جديدة من ألحان الراحل إحسان المنذر (سمية بعلبكي)

وما تلاحظه اليوم على الساحة هو توارث هذا الفن عند مواهب الغد. «يلفتني غناء مواهب صغيرة في برامج الهواة للأغنية الطربية. هم يؤدونها بأسلوب رائع يستوقفني. فهو أمر يفرّحني بحد ذاته؛ كون الأغنية الطربية لها مكانتها في هذا النوع من البرامج، ويتربى الجيل الجديد عليها. أصوات رائعة سمعناها في السنوات الأخيرة. وأتمنى أن تلاقي الفرص المناسبة كي تبدع وتتألّق».

ولكن هل شعرت بالإحباط أو الخيبة في لحظات معينة؟ «لكل منا لحظات من هذا النوع. أصبت بخيبات كثيرة وواجهت معاكسات مختلفة وفقدان فرص مؤاتية، وأصعب هذه اللحظات هي تلك التي يغيب فيها التقدير. ولكنني أعود وأنتصب دائماً وأبذل الجهد من جديد. لم أعرف يوماً (البزنس) في الفن لأني مسكونة بالموسيقى الأصيلة. فهي جزء لا يتجزأ من كياني ووجودي».

سبق وتم تكريم سمية بعلبكي بجوائز عدة، ولكن لجائزة الـ«موركس دور» نكهتها الخاصة لا سيما أنها جاءت بعد حرب منهكة. في بداية مسارها حازت على جائزة «الميكروفون الذهبي» في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون. كان ذلك في عام 1994 في تونس. جرى تكريمها إلى جانب مجموعة من المغنين مثل أنغام وصابر الرباعي وأمل عرفة وغيرهم.

وتختم: «كانت روح المنافسة الحلوة تحضر في تلك الحقبة، وكانت الجوائز التكريمية قليلة وتحمل معاني كثيرة. ولكن اليوم مع جائزة (موركس دور) وفي حفل لبناني بامتياز النكهة تختلف. أهديتها لوالدي الراحلين تكريماً لعطائهما الفني، فانطبع الحدث بالأمل والشعور بغدٍ أفضل نترقبه رغم كل شيء».

تستعد سمية بعلبكي لإصدار مجموعة أغنيات جديدة. وتخبر «الشرق الأوسط» عنها: «قبل الحرب كنت أحضّر لأغنية بعنوان (يعني ارتحت)، من كلمات منير بو عساف وألحان بلال الزين. وعندما انتهينا من تصويرها اندلعت الحرب، فامتنعت عن إصدارها في ظروف مماثلة. وهي تتناول قصة المرأة المعنّفة. وأفكّر بإطلاقها قريباً في الأشهر القليلة المقبلة. كما أن هناك قصيدة للراحل نزار قباني أنوي غناءها. وهي من ألحان المبدع الراحل إحسان المنذر. كما ندرس وأخي المايسترو لبنان بعلبكي إمكانية إقامة حفل موسيقي في بيروت احتفالاً بلبنان الصلابة».