«سبوتلايت» و«حقيقة» يستعيدان سينما الصحافة في السبعينات

فيلمان جديدان عن صراع الإعلام والسياسة

كيت بلانشيت في «حقيقة»  -  مايكل كيتون (يسارًا) ومارك روفالو في «سبوتلايت»
كيت بلانشيت في «حقيقة» - مايكل كيتون (يسارًا) ومارك روفالو في «سبوتلايت»
TT

«سبوتلايت» و«حقيقة» يستعيدان سينما الصحافة في السبعينات

كيت بلانشيت في «حقيقة»  -  مايكل كيتون (يسارًا) ومارك روفالو في «سبوتلايت»
كيت بلانشيت في «حقيقة» - مايكل كيتون (يسارًا) ومارك روفالو في «سبوتلايت»

عندما يجد روبرت ردفورد نفسه محاصرًا بالمخاطر، يتصل بمدير ذلك القسم في «المخابرات المركزية الأميركية» (CIA) الذي دبّر عملية اغتياله ورفاقه ويهدده بأنه سوف يرسل بمعلوماته وشهادته إلى الصحف. المدير (كليف روبرتسون) يفاجأ بالأمر. هو صاحب سُلطة نافذة في الوكالة، لكنه لا يستطيع بسط سلطته لتشمل الصحافة. يتراجع ويحتفظ ردفورد بحياته.
ورد هذا في فيلم سيدني بولاك «ثلاثة أيام من الكوندور» سنة 1975، العام الذي تلا قيام المخرج آلان ج. باكولا بتقديم فيلم آخر عن سُلطة الصحافة عنوانه «المنظر المختلف» (The Parallax View) بطولة وورن بيتي. وورن بيتي وروبرت ردفورد من أعمدة الممثلين اليساريين في تلك الحقبة وسيجد المهتم عددًا ملحوظًا من أفلامهما في الستينات والسبعينات التي تكشف عن ذلك، لكنّ هذين الفيلمين يتناقضان عند نقطة مفصلية: فيلم سيدني بولاك ينتهي والصحافة (مغيّبة في الأحداث إلا من ذكرها في المشهد أعلاه) وقد انتصرت، أو بالأحرى ساعدت موظف الوكالة المطارَد على الانتصار. لكن «ذا بارالاكس فيو» يكشف عن هوانها حيال القوّة: هناك من يعمل على قتل شهود على قضايا فساد سياسي. صحافي لا يعرفه أحد (بيتي) في جريدة محلية محدودة الدخل يحقق. يُطلب منه أن يكف عن التحقيق. لا يفعل. يتم تسميم رئيس تحريره ثم تدبير مكيدة ليقع هو فيها. النهاية مظلمة.

* وجها العملة الواحدة
هناك حاليًا فيلمان جديدان يتعاملان والإعلام بصورة عامّة هما «سبوتلايت» و«حقيقة». كلاهما مأخوذ عن وقائع حقيقية ويعملان، تلقائيًا، على إعادة السينما الأميركية إلى حيث حفلت بكثير من الأفلام التي دارت حول علاقة الصحافة بالسياسة والإعلام بكشف الحقائق.
«سبوتلايت» لتوم مكارثي مأخوذ من ملفات صحيفة «بوسطن غلوب» في أحداث عاينتها في أواخر التسعينات في القرن الماضي ولعدة سنوات من بداية القرن الحالي عندما تم اكتشاف فضائح جنسية يمارسها رهبان وقساوسة كاثوليكيون تزيد عن مجرد حالات فردية لتشمل وضعًا عامًا وخطيرًا.
«حقيقة» (Truth) لجيمس فاندربيلت يتناول أحداثًا مهمّة دارت في خلفية البرنامج السياسي المعروف «60 دقيقة» الذي كان يقدّمه الإعلامي الشهير دان راذر. الورطة، التي أدت إلى قيام راذر بتقديم استقالته وأحالت المنتجة ماري مابس وأعوانها، وبل بعض كبار محطة «CBS» الشهيرة، هي تقديم حلقة تؤكد أن الرئيس السابق جورج و. بوش زوّر تاريخه العسكري قبل أن يفاجأ أرباب المحطة والبرنامج معًا بتراجع الشهود عن شهاداتهم ما جعل البرنامج الأكثر نجاحًا بين أترابه من البرامج السياسية التحليلية يبدو كما لو زوّر الشهادات ولفّق القضية.
كما الحال في «ثلاثة أيام من الكوندور» يدل «سبوتلايت» على قوّة الصحافة وقدرتها، وكما الحال في «المنظر المختلف»، ينتهي «حقيقة» وقد خسر الإعلام معركته ضد القوى الأعلى.
«حقيقة» مأخوذ عن مذكرات المنتجة ماري مابس المنشورة في كتاب عنوانه الكامل «حقيقة وواجب: الصحافة، الرئيس وامتيازات السُلطة» وتقوم بها على الشاشة كايت بلانشيت في حين يقوم روبرت ردفورد (ثانية) بتشخيص دان راذر ويشترك معهما نخبة جيدة من الممثلين المساندين بينهم درموت مولروني وستايسي كيتش وبروس غرينوود وإليزابيث موس ودنيس كوايد.
كايت بلانشيت تقود بجدارتها المهنية المعروفة. تؤدي شخصية المنتجة التلفزيونية الحريصة على إتقان عملها وجمع معلوماتها الصحيحة في الوقت الذي تعرف فيه قيمة السبق الإخباري. حين تجمع شهادة البعض لتزوّد الإعلامي راذر بالمادة التي سيستخدمها في مقابلاته، تحرص ومساعدوها على التأكد من المعلومات المتوفرة. تجمع وثائق وتسجل أحاديث، لكن الذي يحدث لاحقًا هو تراجع من أدلى بها أو نفيه لها أساسًا، وذلك بعدما وصل بوش إلى الحكم فعلاً.
لا يحتاج المشاهد إلى محلل آخر ليربط بين الوصول إلى الرئاسة وبين الانقضاض على السُلطة الرابعة كنتيجة. وهذا الانقضاض لم يكن من الخارج فقط، بل - وكما يشرح الفيلم - من داخل المؤسسة الإعلامية ذاتها التي قررت الاستغناء عن الفريق بكامله.

* متاعب المدينة
هذا لا يحدث في وقائع فيلم «سبوتلايت» (أحد الأفلام المرشّحة للأوسكار). مثل «60 دقيقة»، هناك فريق خاص يعمل داخل صحيفة بوسطن غلوب مؤلّف من رئيس اسمه وولتر (مايكل كيتون) وثلاثة محررين هم مايك (مارك روفالو) وساشا (راتشل ماكأدامز) ومات (برايان دارسي جيمس). تبعًا لتقاليد بعض الصحف العريقة، مثل هذا الفريق يعمل بشكل مستقل. ليس مطلوبًا منه تحقيق صحافي كل يوم أو حتى كل أسبوع، لكنه يُسأل فقط عما يعمل عليه من قضايا راهنة، وهذا أول ما طلب الناشر الجديد مارتي (لييف شرايبر) معرفته قبل أن يترك الكرة مجددًا لملعب الفريق.
القضية التي يعمل الفريق عليها بدأت بوصول إشارات لوجود عدّة قضايا انتهاكات واعتداءات جنسية يمارسها بعض القساوسة في المدينة ذات الغالبية الكاثوليكية. ما إن ينطلق الجميع للبحث والتقصي حتى يتبدّى له أن المسألة أبعد بكثير من مجرد حالات فردية منفصلة. هناك، حسبما يرد في الفيلم المكتوب مباشرة للسينما ولو عن أحداث حقيقية، 86 قضية مماثلة في كنائس المدينة. فجأة تقع أحداث 2001 ويتم تحويل كل الطاقات لمتابعتها، ما يوقف حركة العمل على تلك الفضيحة، لكن أعضاء الفريق يعاودون العمل لكشف الموضوع ويحصلون، بعد خلافات تهدد سير القضية، على الاعترافات والوثائق التي يوفرونها للمحكمة لملاحقة المتورطين.
«سبوتلايت» و«حقيقة» فيلمان بالغا الجودة في كل أطراف ومستويات العمل، كتابة وتمثيلاً وإخراجًا وتصويرًا. لكن الأول خطف الانتباه أكثر ولو أن كلا الفيلمين اعتبر عودة إلى سينما التحقيقات السياسية التي شهدتها السبعينات وارتبط اسم كل منهما بفيلم ثالث من بطولة روبرت ردفورد هو «كل رجال الرئيس» (إخراج آلان ج. باكولا أيضًا) الذي تعامل وقضية كشف فضيحة ووترغيت على أيدي الصحافيين بوب وودوورد (ردفورد) وكارل برنستين (دستين هوفمن) اللذين كانا يعملان في صحيفة «ذا واشنطن بوست».
من يبحث يجد عشرات الأفلام التي دارت حول العلاقة بين السياسة والإعلام والنزاع الدائم بينهما.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز