لبنان: قرار الإفراج عن ميشال سماحة يتفاعل والسنيورة يؤكد أنه لن يمر

قرطباوي لـ {الشرق الأوسط}: الحل يبدأ بإلغاء كل المحاكم الاستثنائية

لبنانية ترفع ملصقا في بيروت يستنكر إطلاق الوزير السابق سماحة أمس (إ.ب.أ)
لبنانية ترفع ملصقا في بيروت يستنكر إطلاق الوزير السابق سماحة أمس (إ.ب.أ)
TT

لبنان: قرار الإفراج عن ميشال سماحة يتفاعل والسنيورة يؤكد أنه لن يمر

لبنانية ترفع ملصقا في بيروت يستنكر إطلاق الوزير السابق سماحة أمس (إ.ب.أ)
لبنانية ترفع ملصقا في بيروت يستنكر إطلاق الوزير السابق سماحة أمس (إ.ب.أ)

لم تهدأ الأوضاع في لبنان بعد العاصفة السياسية والشعبية التي أثارها قرار محكمة التمييز العسكرية القاضي بالإفراج عن المستشار السياسي للرئيس السوري بشار الأسد الوزير الأسبق ميشال سماحة، الذي يحاكم في قضية إدخال متفجرات من دمشق إلى بيروت، والتخطيط لتفجيرها في شمال لبنان بهدف إثارة الفتنة الطائفية وقتل نواب ورجال دين ومعارضين سوريين.
ولقد حفل اليوم الثالث لتحرير سماحة بوقفة سياسية قرب قبري رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ورئيس شعبة المعلومات السابق في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن في وسط بيروت، تضمّن مواقف تصعيدية أكدت أن هذا القرار لن يمرّ، بينما نفذّت أمهات وزوجات الموقوفين الإسلاميين المضربين عن الطعام اعتصامين أمام مبنى المحكمة العسكرية وقرب سجن رومية، مطالبات خلالهما بإطلاق سراح أبنائهن أسوة بسماحة.
وبعيدًا عن ردود الفعل والغوص في مدى صوابية قرار إطلاق سماحة من عدمه، رأى وزير العدل اللبناني السابق شكيب قرطباوي، أن «الحلّ يبدأ من إلغاء كل المحكمة الاستثنائية في لبنان بدءًا من المحاكم العسكرية إلى المجلس العدلي وصولاً إلى المحاكم الروحية». وقال قرطباوي - وهو حليف سياسي للنائب ميشال عون - في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «منذ أن كنت نقيبًا للمحامين في عام 1996 ونحن نصرخ في مجلس النواب وعلى كل المنابر ونطالب بإلغاء المحكمة العسكرية التي يمكن إسناد مهامها إلى أي غرفة في المحاكم المدنية. هذا موقفي المبدئي ولا أبنيه من رفضي لقرار أو حكم معيّن». لكنه أردف أنه «في ظلّ الوضع الحالي الذي يعيشه لبنان، فإن الأمور لا تحلّ بكبسة زر، بل تحتاج إلى خطوات متدرجة».
ومن ثم أضاف قرطباوي: «عندما كنت وزيرًا للعدل كلّفت لجنة من قضاة سبق لهم أن عملوا في المحكمة العسكرية وهم القاضي جان فهد (رئيس مجلس القضاء الأعلى الحالي)، والقضاة المتقاعدون: منير حنين وفوزي داغر ورشيد مزهر والنقيبان السابقان للمحامين رشيد درباس (وزير الشؤون الاجتماعية الحالي) وبطرس ضومط. وأعدت هذه اللجنة مشروع قانون قدمته إلى مجلس الوزراء، ينص على زيادة عدد القضاة العدليين في المحاكم العسكرية وتخفيف القضايا التي لا تعني هذه المحاكم لا من قريب ولا من بعيد». وشدد على أن «الخطوة الأولى للتغيير تبدأ من تخفيف صلاحيات المحاكم العسكرية، وإدخال تعديلات على بعض المواد في قانون أصول المحاكمات الجزائية، وحسم اللغط المتعلّق بالصلاحيات الفضفاضة لهذه المحاكم».
عودة إلى الاحتجاجات، إذ نفذ مئات الأشخاص ظهر أمس وقفة احتجاجية أمام قبري الحريري والحسن في ساحة الشهداء وسط بيروت، يتقدمهم رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة ووزير الداخلية نهاد المشنوق وعدد من النواب والشخصيات السياسية في قوى «14». ومن المكان قال السنيورة إن «جريمة إطلاق ميشال سماحة لن نسمح لها أن تمر، بينما يقبع آخرون كثيرون في السجون لمجرد الشبهة والوشاية»، لافتا إلى أن «القرار الذي اتخذته المحكمة العسكرية ليس إلا استخفافا بدماء الشهداء الأبطال والأبرار، وتشجيعا على الاستمرار في القتل والاغتيال». ودعا رئيس الحكومة الأسبق كل المحامين والقضاة ورجال القانون، إلى «وقفة صمت ورفض واحتجاج ظهر غد في كل المحاكم اللبنانية، وفي كل المناطق اللبنانية، لكي نقول جميعا وبصوت واحد، لا لإطلاق سراح المجرم ميشال سماحة الذي ويا للأسف ويا للعار عندما خرج من السجن دخلت مكانه المحكمة العسكرية التي أخلت سبيله». وتابع «لن نسمح أن تستمر هذه المحاكم التي تسمح لحزب السلاح (حزب الله) والقمصان السود التحكم بها، ساعة باسم القانون شكليا، وساعة أخرى باسم التجاوز على القانون عمليا وواقعيا وعلنيا».
أيضًا، أمام مبنى المحكمة العسكرية في بيروت، اعتصمت عشرات النساء، من أمهات وزوجات وبنات الموقوفين الإسلاميين، اللواتي رفعن اللافتات المطالبة بإطلاق سراح الموقوفين الذين اعتقل أكثرهم من دون ذنب، عدا عن أن التهم المنسوبة إليهم وهي أقل بكثير من الجرائم التي ارتكبها سماحة. وطالبوا بـ«عدالة واحدة بدل الكيل بمكيالين». وبعد انتهاء الاعتصام انتقلن إلى مبنى سجن رومية المركزي (في جبل لبنان) وتفقدن أبناءهن وأزواجهن الذين بدأوا إضرابا عن الطعام والدواء منذ ثلاثة أيام، على أثر صدور قرار الإفراج عن سماحة.
واعتبر «اللقاء التشاوري الصيداوي» خلال اجتماعه في دارة آل الحريري في صيدا بدعوة من النائب بهية الحريري وحضور الرئيس فؤاد السنيورة ومفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان وشخصيات سياسية ودينية، وتطرق اللقاء إلى قرار محكمة التمييز العسكرية إخلاء سبيل ميشال سماحة، أنه «قرار غير مبرر وغير مقبول»، مبديا استغرابه لصدور مثل هذا القرار، مطالبا هذه المحكمة بـ«عدم الكيل بمكيالين في إصدار وتنفيذ الأحكام القضائية، خصوصا أن هناك عددا كبيرا من الموقوفين منذ سنوات لمجرد الاشتباه أو في قضايا صغيرة لا ترقى إلى الجرم الموصوف والمثبت بالدلائل الذي ارتكبه سماحة».
واتهم النائب عماد الحوت، فريقًا في الحكومة بـ«التواطؤ مع هذا الحكم». وقال في تصريح له إن «فضيحة إطلاق سماحة ليست بسيطة ما يعني أننا عدنا إلى أيام الممارسة السورية، فسماحة الذي هو جزء من النظام السوري محترف سياسي أمني مخابراتي، وبالتالي عمله السياسي يتضمن الاغتيالات وإيجاد بلبلة أمنية»، داعيا إلى «إعادة النظر بالمحكمة العسكرية نفسها التي ليست جزءًا من القضاء السليم وهي محكمة استثنائية، وإلى وجوب إحالة هذا الملف إلى الرأي العام وجعله مطلب اللاعودة لننجح فيه».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم