لماذا يرفض الحرس الثوري الإيراني والمتشددون الاتفاق النووي مع الغرب؟

خبراء في الشأن الإيراني أكدوا أن التيار الراديكالي لا يثق بأميركا

عناصر من الحرس الثوري الايراني لدى مشاركتهم في عرض عسكري بطهران إحياءً للذكرى السنوية لانطلاق حرب الـ8 سنوات ضد العراق (غيتي)
عناصر من الحرس الثوري الايراني لدى مشاركتهم في عرض عسكري بطهران إحياءً للذكرى السنوية لانطلاق حرب الـ8 سنوات ضد العراق (غيتي)
TT

لماذا يرفض الحرس الثوري الإيراني والمتشددون الاتفاق النووي مع الغرب؟

عناصر من الحرس الثوري الايراني لدى مشاركتهم في عرض عسكري بطهران إحياءً للذكرى السنوية لانطلاق حرب الـ8 سنوات ضد العراق (غيتي)
عناصر من الحرس الثوري الايراني لدى مشاركتهم في عرض عسكري بطهران إحياءً للذكرى السنوية لانطلاق حرب الـ8 سنوات ضد العراق (غيتي)

في الوقت الذي تسعى فيه حكومة طهران إلى فك الحصار الاقتصادي المفروض عليها منذ سنوات، بإتمام الاتفاق النووي مع الدول الغربية، تتفق التيارات المتشددة والحرس الثوري الإيراني على رفض الاتفاق لكنها تختلف على أسبابه، بينما يقف المرشد علي خامنئي في منطقة رمادية مفضلا الصمت.
ووقعت الدول الكبرى وإيران منتصف يوليو (تموز) العام الماضي اتفاقا يحدد مسار البرنامج النووي الإيراني، الذي سيكون تحت رقابة صارمة يضمن ابتعاده عن الطابع العسكري، مقابل رفع العقوبات الدولية على طهران.
ويرى الخبير في الشؤون الإيرانية، دكتور فتحي المراغي أن التيارات المتشددة والحرس الثوري يرفضان الاتفاق لكن على أرضية مواقف مختلفة، فالاتجاه الأول يرى أن إيران استطاعت أن تحقق إنجازات على مدار العقود الماضية، وبالتالي فلا بد من تحمل الظروف الاقتصادية مهما كانت.
وعقب الوصول لاتفاق مع الغرب، نقلت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء عن محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري الإيراني قوله إن «بعض أجزاء المسودة تجاوزت بوضوح الخطوط الحمراء للجمهورية الإسلامية خاصة ما يتعلق بقدرات إيران العسكرية، وهو ما لن نقبله أبدا».
ويرفض المحافظون «المتشددون» في إيران الاتفاق النووي بين طهران والدول الست الكبرى، ووصف حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة «كيهان» الإيرانية المحسوبة على تيار المحافظين، الاتفاق قائلا: «أعطينا فرسا مسرجا وحصلنا على لجام مخروق».
وأضاف المراغي، وهو أيضا أستاذ الدراسات الفارسية والإيرانية بجامعة عين شمس، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «التيار الثاني لا يثق في التعامل مع الغرب، فهم يتخوفون من إقدام طهران على تحجيم قدراتها العسكرية، فيما يعود الغرب لفرض العقوبات تحت مظلتي حقوق الإنسان والأقليات»، مشيرا إلى أن التيار الثالث يرى أن تربص الغرب يجبر طهران على حشد قدراتها أمام أي مخاطر تهددها.
من جانبه، قال الخبير في الشأن الإيراني، الدكتور محمد حفناوي، إن الحرس الثوري يرى في الاتفاق عرقلة لنجاح البرنامج النووي الإيراني، وذلك بعد خفض نسبه التخصيب التي لا تتجاوز 3.67 في المائة، وتقليل أجهزة الطرد المركزي.
وأضاف حفناوي لـ«الشرق الأوسط» أن التيار اليميني الراديكالي كان يرغب أن ترفع العقوبات الاقتصادية عنهم مرة واحدة، وليس على مراحل كما جاء في الاتفاق 14 يوليو الماضي.
وتشمل البنود الرئيسية في الاتفاق، تقييد البرنامج النووي الإيراني على المدى الطويل مع وضع حد لتخصيب اليورانيوم لا يتجاوز عتبة 3.67 في المائة، وتحويل مفاعل فوردو وهو المنشأة الرئيسية لتخصيب اليورانيوم إلى مركز لأبحاث الفيزياء والتكنولوجيا النووية، وكذلك خفض عدد أجهزة الطرد المركزي بمقدار الثلثين إلى 5060 جهازا فقط، فضلا عن السماح بدخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكل المواقع الإيرانية المشتبه بها، ومنع طهران من بناء مفاعلات تعمل بالماء الثقيل، وعدم نقل المعدات من منشأة نووية إلى أخرى لمدة 15 عاما. وأوضح حفناوي، أن عدم انحياز المرشد علي خامنئي إلى الموافقة أو الرفض في ما يتعلق بالاتفاق، ألهب حماس التيارات المتشددة في الداخل وأفسح لهم المجال ليتخذوا موقفا مضادا للحكومة، وذلك لأن المرشد يرغب في إظهار وجود معارضة داخلية متشددة ترفض الاتفاق مثل التيار المتشدد في فرنسا، إحدى دول الاتفاق.
ويسمح الاتفاق بإعادة فرض العقوبات خلال 65 يوما إذا لم تلتزم طهران. وتأمل الحكومة الإيرانية البدء في تطبيق بنود الاتفاق، للخروج من أزمتها الاقتصادية الراهنة.
وذكر التلفزيون الإيراني، الخميس الماضي، أن طهران أزالت قلب مفاعل «أراك» النووي، وقال بهروزك مالوندي المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية: «أزيل قلب مفاعل أراك. وسيزور مفتشون من الوكالة الدولية للطاقة الذرية الموقع للتحقق من ذلك ورفع تقرير للوكالة الخميس، نحن جاهزون ليوم تنفيذ الاتفاق»، وفق ما أفادت وكالة «رويترز».
لكن مع وصول الاتفاق إلى محطته النهائية شن متشددون في إيران هجوما حادا على الحكومة وصل لحد وصف أحد النواب لوزير الخارجية ظريف بأنه «خائن».
ومن شأن الاتفاق النووي أن ينهي أزمة إيران الاقتصادية وعزلتها الدولية، ويعزز موقف التيار الإصلاحي في مواجهة خصومه، كما يمثل مصدر خطر على المتشددين، الذين يواجهون ضغوطا إضافية من بينها الانتخابات البرلمانية المقرر أن تجرى في فبراير (شباط) المقبل.
ويرى مراقبون أن إنجاز الاتفاق وما يمكن أن يترتب عليه من انفراجة اقتصادية قد يعزز مواقع الإصلاحيين ويرجح كفتهم في الانتخابات، ويساهم في زيادة حظوظ روحاني خلال الانتخابات الرئاسية العام المقبل ليحظى بمدة رئاسية ثانية.
في المقابل، يستعد الجناح المتشدد في طهران للدفع بالرئيس السابق أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية في حال تمكن من إقناع الرأي العام الداخلي بتخلي الإصلاحيين عن أحد أوراق طهران الرابحة.



إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)
بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)
TT

إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)
بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)

تقدم أوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية هذا الأسبوع بحق زعماء إسرائيل و«حماس»، بسبب الجرائم التي تتهمهم بارتكابها في غزة، رؤى مهمة حول مدى اختصاص المحكمة وحدود سلطتها.

وقدم تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» ما يجب أن نعرفه عن النطاق القانوني للمحكمة، حيث تسعى إلى اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت؛ ورئيس الجناح العسكري لـ«حماس» محمد الضيف، الذي قد يكون ما زال على قيد الحياة.

لماذا تدعي المحكمة الاختصاص في هذه القضية؟

لقد انضمت أكثر من 120 دولة إلى معاهدة دولية، وهي نظام روما الأساسي، وهي أعضاء في المحكمة. تأسست المحكمة، التي يقع مقرها في لاهاي في هولندا، منذ أكثر من عقدين من الزمان لمقاضاة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية وجريمة العدوان.

واتهمت المحكمة نتنياهو وغالانت باستخدام التجويع كسلاح حرب، من بين تهم أخرى، في الصراع مع «حماس» في غزة.

واتهمت المحكمة محمد الضيف، أحد المخططين الرئيسيين لهجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك القتل والتعذيب والعنف الجنسي واحتجاز الرهائن.

لا تعترف الدول القوية، بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة والصين، بسلطة المحكمة. ولم تصادق على نظام روما الأساسي، ولا تحترم المذكرات الدولية الصادرة عن المحكمة ولن تسلم مواطنيها للمحاكمة.

لا إسرائيل ولا فلسطين عضوان في المحكمة. ولكن في حين لا تعترف العديد من الدول بدولة فلسطين، فقد فعلت المحكمة ذلك منذ عام 2015، عندما وقع قادة السلطة الفلسطينية، التي تسيطر على جزء كبير من الضفة الغربية.

وعلى الرغم من سيطرة «حماس» على غزة منذ عام 2007 ولا تعترف الجماعة المسلحة بخضوعها لدولة فلسطينية، فقد قضت المحكمة بأن لها ولاية قضائية على الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية.

وقال ديفيد شيفر، السفير الأميركي السابق والمفاوض الرئيسي في النظام الأساسي الذي أنشأ المحكمة: «أود أن أزعم أن هذا يجعل تصرفات (حماس) أكثر عرضة للمحكمة الجنائية الدولية. إن السلطة القضائية للمحكمة الجنائية الدولية لا تقتصر على (حماس) فقط، بل إن (حماس) أثبتت دورها كسلطة حاكمة لذلك الجزء من دولة فلسطين، وبالتالي فإن هذه السلطة تحمل المسؤولية، بما في ذلك ارتكاب جرائم فظيعة».

ومن الأهمية بمكان بالنسبة لسلطة المحكمة أن اختصاصها يمكن أن يمتد إلى ما هو أبعد من الدول الأعضاء. ويمنح نظام روما الأساسي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بموجب ميثاق الأمم المتحدة، سلطة إحالة جرائم الفظائع المرتكبة في أي دولة -عضو في المحكمة الدولية أم لا- إلى الهيئة القانونية للتحقيق.

وقد أحال مجلس الأمن السودان إلى المحكمة في عام 2005 بشأن الوضع الإنساني في دارفور، وأحال ليبيا في عام 2011 رغم أن كلتا الدولتين ليست عضواً في المحكمة.

وقال الخبراء إنه نظراً للتوترات الحالية بين الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة)، فمن غير المرجح أن يحيل المجلس بالإجماع فرداً إلى المحكمة للمحاكمة في أي وقت قريب.

وأشار شفير إلى أنه «نظراً للطبيعة غير الوظيفية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في السنوات الأخيرة، فمن غير المرجح أن تنجو أي إحالة مقترحة لأي حالة معينة في العالم من الفيتو».

هل سعت المحكمة إلى محاكمة زعماء من دول غير أعضاء؟

بالفعل، سعت المحكمة إلى محاكمة زعماء من دول غير أعضاء، فروسيا ليست عضواً في المحكمة، ولكن في عام 2023 أصدرت مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشأن غزو موسكو الكامل لأوكرانيا، التي لم تصبح عضواً بعد ولكنها منحت المحكمة الاختصاص ودعتها للتحقيق.

كما أصدرت المحكمة مذكرات اعتقال بحق عمر حسن البشير، الرئيس السابق للسودان، والعقيد معمر القذافي، الزعيم السابق لليبيا. ولا تتمتع أي من الدولتين بعضوية المحكمة.

في عام 2017، بدأ المدعي العام للمحكمة التحقيق في مزاعم جرائم الحرب في أفغانستان، بما في ذلك أي جرائم ربما ارتكبها الأميركيون. ورداً على ذلك، فرضت واشنطن عقوبات على فاتو بنسودا، المدعية العامة للمحكمة في ذلك الوقت، وألغت تأشيرة دخولها. وأسقطت المحكمة تحقيقاتها في وقت لاحق.

هل يمكن للمحكمة إنفاذ أوامر الاعتقال؟

في حين أن نطاق المحكمة قد يكون عالمياً تقريباً من الناحية النظرية، فإن قوتها في نهاية المطاف في أيدي أعضائها.

لا يمكن للمحكمة محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم غيابياً وليس لديها آلية لمحاكمة المتهمين. إنها تعتمد على الدول الأعضاء للعمل كجهات منفذة واحتجاز المشتبه بهم قبل أن يتمكنوا من المثول للمحاكمة في لاهاي. ومع ذلك، لا تلتزم جميع الدول الأعضاء بالاتفاق.

قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الجمعة، إنه دعا نتنياهو لزيارة بلاده، وهي عضو في المحكمة، وأنه سيتجاهل التزامه الرسمي بالتصرف بناءً على مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة.

في سبتمبر (أيلول)، زار بوتين منغوليا، وهي عضو آخر، من دون أن يتم القبض عليه.

وزار البشير جنوب أفريقيا، وهي أيضاً عضو، لحضور قمة الاتحاد الأفريقي لعام 2015.