20 لوحة تحاكي مآسي المنطقة.. والعالم

بشار الحروب في معرضه «شاشة صامتة» بالضفة الغربية

من المعرض
من المعرض
TT

20 لوحة تحاكي مآسي المنطقة.. والعالم

من المعرض
من المعرض

يجمع الفنان بشار الحروب في معرضه الشخصي الجديد «شاشة صامتة» ما بين عدة متناقضات، تعكس بدورها التناقض الذي نعيشه ونعايشه منذ سنوات في المنطقة العربية، ومنذ أشهر وما قبلها عقود في فلسطين، فالمتجول في قاعات «جاليري 1» بمدينة رام الله، حيث المعرض، يصدمه تلك الوجوه الشاحبة والأجساد الأقرب إلى الهياكل العظمية أو حتى الجثامين، ولو كانت جثامين مؤجلة الدفن، ولكن بعيون مفتوحة على آخرها، وشفاه تنبض فيها الحياة الحمراء، وألوان لا تعكس قتامة من يعيشون قلق الحروب، وخراباتها الكثيرة، على عكس التجارب العالمية في هذا الإطار، فألوان الحروب مشعة تبث في النفس شيئًا من أمل مفقود، وتعكس حالة تناقض نعيشها ويعيشها غيرنا في العالم، ما بين هم داخلي حد الفجيعة، ومحاولات للعيش، والبحث عن فرح ما في قومة قش.
واستطاع الحروب في لوحاته التي تجاوزت العشرين، أن ينقلنا إلى عوالم عدة، فكل لوحة هي عبارة عن نافذة مفتوحة على كثير من التأويلات، فالشاشة قد تكون جدارًا فاصلاً، أو نظامًا فاشيا، أو ديكتاتورية قاتلة، أو حتى فكرًا أصوليًا أو آخر مغرقًا في التخلف، وربما في القدم أيضًا، وقد تفتح، ليس فقط بألوانها، نوافذ أخرى على الأمل، فالشاشة هنا قد تكون «شاشة» أو ضمادة الجرح النازف.
وهناك تنويع على الجرح والأمل في لوحات «شاشة صامتة»، فما يشبه الجثامين القادمة من الموت أو الذاهبة إليه في اللوحات الثلاث الأولى والتاسعة أيضًا، تبدو للوهلة الأولى ذات ملامح موحدة، وقد يكون ذلك صحيحًا إلى درجة ما، ولكن مع التدقيق أكثر فإن تعبيرات الوجوه تتفاوت كألوان بشراتهم غير المألوفة في مثل هذه المحاكاة للمآسي التي تحدث منذ سنوات في المنطقة، والتي هي ليست استنساخًا لتجارب فنانين كبار أبدعوا لوحات تحاكي الحروب والمعارك، إلا أن للوحات الفنان الحروب، ورغم صلاحيتها لتندرج في إطار الهم الإنساني الجمعي، فإنها تحمل ليس فقط رائحة فلسطين المنطقة، بل بصمته الخاصة كفنان.
أما اللوحة الخامسة، فيظهر فيها رجل الهيكل العظمي، إن جاز التعبير، بلون أكثر اصفرارًا من شحوب الأربعة المحيطين فيه، يرتدي خوذة جندي تفتح باب التأويل مجددًا، ما إذا كان قادمًا من حرب عالمية سابقة، أو أنه جندي في جيش الاحتلال الإسرائيلي، أو أي جيش غاز مهما كان، يحمل جنينًا أخضر اللون، يذكرنا بمن يطلق عليم اسم «الغرباء» (The Alienn)، كما ظهروا ولا يزالون بصيغ مختلفة في أفلام الخيال العلمي، دون إغفال ما للون الأخضر من دلالات كثيرة، حسب علماء النفس، من أبرزها الطبيعة، والصداقة، والصحة، والنمو، والتجديد، في حين يرى آخرون أنه لون الحب والحياة، ولذلك أصبح اللون المفضل في غرف العمليات، ولازم كثيرا من غرف المشافي لسنوات طويلة، ولا يزال، بل إن جسر الانتحار في لندن (بلاك فرايار) تم تغيير لونه الأغبر القاتم إلى الأخضر، لعل نسب الانتحار من عليه تقل، وهذا ما كان بالفعل.
وهذا اللون (الأخضر) يتكرر في اللوحة العاشرة، حيث ينظر رجلان من رجال الهياكل العظمية إلى رجل أخضر أصغر منهما وأقصر، وكأنه المستقبل القادم الذي يحمل بصيصًا من أمل، وشيئًا من روح جديدة، لكن ذلك الرجل الأخضر، وفي اللوحة رقم (11) يعيش حالة الرعب ذاتها التي يعيشها ذوو الألوان الأخرى من دجاج يبدو أنه هابط من السماك فاغر الفيه، لينقرهم، أو يؤذيهم كطائرات تحمل قنابل قاتلة تستعد لإلقائها على الأبرياء، في حمل الرجل الأخضر في اللوحة رقم (12) تفاحة على رأسه، وكأنه يحاكي الأساطير والروايات الدينية عن بداية الخلق، دون إغفال الرمزيات المتعددة للتفاحة.
ويسير الحروب في محاكاته الفنية هذه (الشاشة الصامتة)، ولا يسير في الوقت ذاته، على منوال فنانين تفاعلوا مع حروب عايشوا، أو عايشها أي من أقاربهم الأكبر سنًا، وخصوصا الآباء أو الأجداد من الجنسين، تعتبر من أوائلها، إذا ما استبعدنا لوحات ومنحوتات الحضارات القديمة، لوحة بابلو أوشيلو «معركة سان رومانو» العام 1438، ولوحة دييجو فيلاثكيث «استسلام بريدا» العام 1634، في حين خرجت بعدها بأربعة أعوام لوحة بيتر بول روبينس «عواقب الحرب»، فيما برزت في عام 1770 لوحة بنيامين ويست «موت الجنرال وولف»، وهي من أوائل الإبداعات الأميركية عن الحرب، فما سبقها كان أوروبيًا، في حين كان ثمة حضور لافت للوحة «ثورة القاهرة الأولى» لأن لويه جيروديه عام 1810، والتي تمجد الانتصارات النابليونية، لتعارضها لوحة «الثالث من مايو» لفرانسيس جويا، ورسمت في ذات الفترة، ممجدة المقاومة الإسبانية لجيش نابليون.
وفي القرن العشرين برزت كثير اللوحات في هذا الإطار، من أبرزها لوحة «سلسلة الحرب» لكاثي كولويتز العام 1923، والتي تحمل رسالة مضمونها أن الحرب لا تؤذي فقط من هم في الميدان، وبطبيعة الحال لوحة «الجرنيكا» لبابلو بيكاسو في عام 1937، والتي باتت اللوحة الأشهر عن الحرب، عبر تكوينات المرأة بلا ذراع، والرجل مقطع الأوصال، والحصان المطعون، وغيرها، في محاكاة مدهشة للحرب الأهلية الإسبانية.
وبرزت منذ ستينات القرن الماضي، ما عرف بطريقة «البوب» في الرسم، على أيدي فنانين من أميركا وأوروبا، كانت مدتها الخصبة قادمة من الحرب الأميركية الفيتنامية، أو الغزو الأميركي لفيتنام، وهي الطريقة التي رسم فيها الحروب لوحاته، ولكن بأدوات متطورة، وبذائقة خاصة تعبر عن تجربته المغايرة والمتميزة فلسطينيًا، وحتى على الصعيدين العربي والعالمي، وكان من أبرز لوحات «البوب» التي تحاكي الحروب في الستينات، لوحة «وام» لروي ليختنشتاين في عام 1963.
وفي دردشة معه خلال التجوال في المعرض، يقول الحروب إنه لا يوجد انفصال تام ما بين لوحات معرضه «شاشة صامتة»، وبين الظروف التي نعيشها هذه الأيام في فلسطين، ومنذ سنوات في المنطقة العربية، فالموت المباشر الذي يحيط بنا يزجنا إلى حيث تناقض البؤس، فقد يكون المشهد الخارجي لكثير منا يبدو طبيعيا، وربما مرحًا كألوان لوحات المعرض، لكنهم من الداخل بائسون.. عمل فني كهذا لا يصور الواقع بشكل مباشر، بقادر ما يحاكي مشاعر القلق والخوف وربما الرعب لمن يعايش ويعيش هذا الواقع، أي الإنسان، وأيضًا حالة الترقب لما هو قادم، خاصة في فلسطين والمنطقة العربية، حيث تكثفت حالة اللاأمان، واللايقين، مع استحضار التاريخي الإنساني، وتعاطي الفنانين مع مثل هذه الظروف، لكن بسياق معاصر، وبألوان مغايرة، «صحيح أن الشخوص بائسة، لكن ألوانهم تحمل شيئًا من الأمل».



«الشارقة... وجهة نظر» يحتفي بتجارب أربعة فنانين في التصوير الفوتوغرافي

«الشارقة... وجهة نظر» يحتفي  بتجارب أربعة فنانين في التصوير الفوتوغرافي
TT

«الشارقة... وجهة نظر» يحتفي بتجارب أربعة فنانين في التصوير الفوتوغرافي

«الشارقة... وجهة نظر» يحتفي  بتجارب أربعة فنانين في التصوير الفوتوغرافي

تنظم مؤسسة الشارقة للفنون ضمن برنامجها لخريف 2024، الدورة الثانية عشرة من معرضها السنوي للتصوير الفوتوغرافي «الشارقة... وجهة نظر»، الذي يقام في بيت عبيد الشامسي التراثي، في الفترة بين 28 سبتمبر (أيلول) و8 ديسمبر (كانون الأول) 2024.

تسلط هذه النسخة الضوء على المصورين الصاعدين من المنطقة وخارجها، وتقام تحت عنوان «لو كنتُ غيري» المستوحى من قصيدة للشاعر محمود درويش، وتستحضر الأعمال المعروضة تجارب شخصية على مستويي التاريخ والذاكرة الجماعية، ورغم تنوّع المنهجيات المستخدمة في إنشاء الصور الفوتوغرافية، فإن جميعها تجمعها ذكريات متشظية تتناغم مع التجارب الإنسانية المشتركة.

واختارت المؤسسة أربعة فنانين من الشباب، ممن قدموا طلباتهم للمشاركة في المعرض وذلك من خلال دعوة دولية مفتوحة، هم: سارة قنطار، وثاسيل سوهارا بكر، وأروم دايو، ومشفق الرحمن جوهان، ليجمع المعرض بين أصوات وتجارب متنوعة، مجسداً روح التجريب في التصوير الفوتوغرافي المعاصر، ويقدم منصة ديناميكية تستعرض مجموعة واسعة من الأساليب، بدءاً من الوثائقية وصولاً إلى التجريبية.

تعاين أروم دايو (مواليد 1984، جاوة الوسطى، إندونيسيا) من خلال مشروعها: الثقافة والمجتمع الحديثَين في جاوة، مركِّزةً على قضايا النسوية والأمومة والضغوط التي تواجهها النساء العازبات.

ويسافر المصور الوثائقي وعالم الأنثروبولوجيا مشفق الرحمن جوهان (مواليد 1997، بنغلاديش) في جميع أنحاء بنغلاديش لالتقاط السرديات البصرية التي تسلط الضوء على القضايا الإنسانية وتوثيق مصاعب المجتمعات المهمشة في صراعها مع النزوح.

أما المصورة والمخرجة السورية سارة القنطار فتوثّق تجاربها الشخصية في المنفى ململمةً شظايا الذكريات المنسية ومعاينةً آثار النزوح عبر سلسلتها الفوتوغرافية «نحو النور»، إذ تسجل عبورها من سوريا إلى اليونان مروراً بتركيا بين ديسمبر 2015 وفبراير (شباط) 2016، حيث استخدمت هاتفها المحمول لتصوير رحلتها المحفوفة بالمخاطر، وشاركت الصور مع عائلتها، لطمأنتهم عن وضعها وسلامتها.

وفي سلسلته «شواطئ مضاءة» يعاين ثاسيل سوهارا بكر (مواليد 1992، كيرلا) مواضيع البيئة والسياسات الحيوية عبر عدسة مزدوجة عمادها المسرح والفن البصري. في رحلة استمرت استمرت لثلاثة أشهر زار فيها خمس ولايات هندية، وتتضمن صوراً التقطها خلال الاضطرابات التي عمّت البلاد، جراء جائحة كوفيد-19 وأدت إلى تشريد مجتمعات الطبقة العاملة والتسبب بخسائر فادحة في الأرواح، بما لا يتناسب مع خسائر الطبقات الأخرى.

يُذكر أن أعمال كل فنان ستُعرض في هذه الدورة بشكل مستقل على امتداد بيت الشامسي كما تتضمن برنامجاً إرشادياً مهنياً فردياً، يتيح للفنانين فرصة التواصل مع ممارسين ثقافيين محترفين يختارونهم بأنفسهم.