دخول «نتفليكس» إلى المنطقة العربية.. كيف سيؤثر على محطات البث التلفزيوني المجاني والمدفوع؟

مزايا وتحديات تسهم في رفع الجودة في ظل المنافسة على نسب المشاهدة وطلب متزايد على المحتوى العربي الحصري

دخول «نتفليكس» إلى المنطقة العربية.. كيف سيؤثر على محطات البث التلفزيوني المجاني والمدفوع؟
TT

دخول «نتفليكس» إلى المنطقة العربية.. كيف سيؤثر على محطات البث التلفزيوني المجاني والمدفوع؟

دخول «نتفليكس» إلى المنطقة العربية.. كيف سيؤثر على محطات البث التلفزيوني المجاني والمدفوع؟

كشف الرئيس التنفيذي لشركة «نتفليكس» Netflix في 6 يناير (كانون الثاني) الحالي من معرض إلكترونيات المستهلكين CES 2016 في مدينة لاس فيغاس الأميركية، أن الخدمة أصبحت متوافر في 190 بلدا من بينها الدول العربية، وبمحتوى يصاحبه ترجمة باللغات المحلية. وتتخصص الخدمة ببث المحتوى الترفيهي عبر الإنترنت عند الطلب عبر تطبيقات خاصة بها متوافرة على الكثير من الأجهزة والتلفزيونات الذكية، ومن دون وجود أي إعلانات.
وتطرح التساؤلات حول أثر هذه الخدمة على القنوات التلفزيونية المجانية والمدفوعة في المنطقة العربية. فهل سنشهد هجرة جماعية للمشاهدين من مشاهدة المحتوى بجداول زمنية محددة وإعلانات مكثفة إلى بيئة خالية من الإعلانات بعد هذه الولادة الرقمية؟
وبالنسبة للبث التلفزيوني، فستواجه القنوات المجانية تحديا جديدا يتمثل في انخفاض عدد مشاهدي المحتوى الذي تقدمه جراء استخدام المشاهدين لـ«نتفليكس»، بالإضافة إلى منافسة القنوات الفضائية المدفوعة وبعض المحطات الإقليمية لبث المحتوى عبر الإنترنت للحصول على نسبة من المشاهدين، واعتماد الكثير من المشاهدين على تحميل المحتوى المقرصن من الإنترنت. وسينعكس هذا الأمر على شكل انخفاض نسب مشاهدة تلك المحطات، وبالتالي انخفاض نسبة الشركات المعلنة فيها، الأمر الذي يعني انخفاضا في الأرباح. وإن لم تستطع تلك القنوات مجاراة التطورات في عالم التقنية وتبني الإنترنت لصالحها، فسيكون له وقع كبير عليها وعلى جودة الخدمات المقدمة.
وبإمكان محطات البث التلفزيوني تبني التقنية لصالحها، بحيث تقدم محتوى عبر الإنترنت من خلال تطبيقات على الأجهزة الذكية والكومبيوترات الشخصية، وتقديم محتوى حصري للمحافظة على المتابعين، وإقناع الشركات المعلنة بأن تلك المحطات ما تزال المنصة الرئيسية لإيصال الرسائل المستهدفة إلى الجمهور، وخصوصا أن «نتفليكس» لا تبث الإعلانات على الإطلاق. ومن المتوقع أن تحول بعض المحطات التلفزيونية المجانية أو المدفوعة آلية عملها لتتحول كليا إلى خدمة مشابهة تبث المحتوى عبر الإنترنت، وعند الطلب، مثل محطة «بي بي سي 3» BBC3 البريطانية. أضف إلى ذلك أن الفئة العمرية لمشاهدي المحتوى الترفيهي هي 5 - 45 سنة، بينما تركز الفئات العمرية الأكبر سنا على مشاهدة المحطات التلفزيونية المجانية أو المدفوعة، وذلك لسهولة استخدامها.
الجدير ذكره أن خدمات بث المحتوى عبر الإنترنت عند الطلب لا تقدم (حاليا) نشرات الأخبار والبث المباشر للفعاليات المحلية والإقليمية والمباريات الرياضية والمسابقات الفنية الكثيرة، بل تركز على المحتوى الترفيهي فقط، الأمر الذي يسجل كنقطة لصالح المحطات التلفزيونية المجانية. ولكن يجب التنويه إلى أن هذه البرامج لا تشغل جدول العرض لـ24 ساعة كل يوم، بل يبقى للمحتوى الترفيهي حصة كبيرة. وتواجه محطات البث التلفزيوني احتمال توجه الاستوديوهات المنتجة للعروض المحلية إلى «نتفليكس» لقاء عوائد مالية مغرية، وذلك لتقديم المسلسلات العربية والترفيهية حصريا لهذه الخدمة، الأمر الذي يعني الحصول على شريحة كبيرة من المتابعين.
ويتوقع أن تحصل «نتفليكس» على حصة مشاهدة عالية في الدول العربية التي تقدم باقات إنترنت سريعة وبأسعار منخفضة أو هامشية نسبة إلى الدخل الشهري للمستخدمين (مثل دول منطقة الخليج العربي)، ولكنها لن تنتشر في الكثير من الدول التي يعتبر فيها دخل الفرد منخفضا ولا يسمح بالاشتراك بخدمات الترفيه أو بباقة إنترنت كافية للحصول على جودة مقبولة من «نتفليكس» سواء عبر خطوط الهاتف أو شبكات الجيل الرابع، أو في الدول التي تقدم شركات الاتصالات فيها باقات محدودة لتحميل البيانات، حيث تعتبر السرعة الأقل لتحميل العروض عادية الدقة 3 ميغابت في الثانية، و5 ميغابت للعروض عالية الدقة، و25 ميغابت للعروض فائقة الدقة 4K. وتستهلك العروض عادية الدقة نحو 300 ميغابايت في الساعة، بينما يبلغ الحجم 700 ميغابايت للعروض متوسطة الدقة، و3 غيغابايت للعروض عالية الدقة، و7 غيغابايت للعروض فائقة الدقة.
النقطة التي تضاف لصالح انتشار «نتفليكس» هي تكاملها داخل الكثير من التلفزيونات الذكية الحديثة، وأجهزة الألعاب الإلكترونية، ووجود تطبيقات سهلة الاستخدام لها على الأجهزة المحمولة والكومبيوترات الشخصية وجهاز «آبل تي في»، وانخفاض تكاليف الاشتراك الشهري (8 إلى 12 دولارا أميركيا في الشهر).
ويتوقع أن تحضر محطات البث التلفزيوني المدفوع نفسها لمواجهة إعصار «نتفليكس» في المنطقة العربية بتقديم عروض القيمة المضافة، مثل أشهر مجانية سنويا، وتوفير أجهزة استقبال بث بمزايا متقدمة مجانا، واشتراكات أقل تكلفة، ومحتوى أفضل من السابق، وإبرام شراكات مع شركات الاتصالات لتقديم المحتوى عبر شبكات الجيل الرابع للمشتركين أثناء التنقل، وهدايا قيمة مع كل اشتراك، وتفعيل برامج نقاط الولاء لدى تجديد الاشتراك، وغيرها.
ويجب عدم النظر إلى «نتفليكس» على أنها القاتل المحترف لشبكات البث التلفزيوني في المنطقة العربية، حيث إن طبيعة المشاهد العربي تختلف عن غيره في الكثير من البلدان الأخرى، نظرا لمتابعته للمحتوى باللغة العربية أكثر من غيرها، وأهمية متابعة نشرات الأخبار لمعرفة المجريات اليومية في المنطقة، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية وتحديات البنية التحتية في الكثير من الدول. ويكفي النظر إلى الأثر الهامشي لخدمات «أمازون برايم» و«آبل تي في» و«هولو» لبث المحتوى الترفيهي عبر الإنترنت في المنطقة العربية لمعرفة عدم انتشارها إلا بين شريحة صغيرة جدا مقارنة بمجمل الناس. ويمكن القول بأن «نتفليكس» ستتعايش مع خدمات البث التلفزيوني المجاني والمدفوع، وقد تسهم في تطوير جودة الخدمات والمحتوى لمحطات التلفزيون، وخصوصا في الدول التي تقدم باقات إنترنت لا محدودة بأسعار منخفضة وباتصال غير متقطع، إلى حين حصول «نتفليكس» على محتوى عربي حصري ذي جودة عالية. ويعني هذا الأمر أن «نتفليكس» لا تتنافس مباشرة مع محطات البث التلفزيوني لتقديم المحتوى الترفيهي، بل مع مشغلات الأفلام الليزرية «دي في دي» و«بلو راي».
وكنا قد شاهدنا في السابق محاربة قطاع الموسيقى لعملية التحول الرقمي، حيث لم يستطع مجابهتها، لتتبناها شركات الإنتاج والتوزيع وتصبح جزءا منها. ورأينا كيف أن الكثير من الفنانين يطلقون ألبوماتهم عبر خدمات «آي تونز» و«غوغل بلاي ميوزيك» وغيرها من الخدمات، بل ويقدمون أغاني حصرية من خلال هذه المنصات، ليحصلوا على مصدر جديد للدخل إلى جانب مبيعات الأقراص الليزرية. ويمكن القول بأن الغالبية العظمى من مبيعات الموسيقى العالمية اليوم أصبحت رقمية، حيث أصبح الجميع يستمعون إلى الموسيقى أثناء التنقل والسفر من خلال الهاتف الجوال أو الكومبيوتر المحمول، سواء من الملفات المخزنة داخليا أو عن طريق بثها عبر الإنترنت من خدمات خاصة، أو لدى حفظها سحابيا عبر خدمات التخزين الكثيرة. واستفاد الكثير من الفنانين المغمورين من هذه الخدمات لإطلاق ألبوماتهم وتسويقها بتكاليف منخفضة جدا مقارنة بالطرق التقليدية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».