من التاريخ: عصر النهضة الإسباني

من التاريخ:  عصر النهضة الإسباني
TT

من التاريخ: عصر النهضة الإسباني

من التاريخ:  عصر النهضة الإسباني

أذكر أنني قمت بزيارة لإسبانيا منذ فترة غير بعيدة بعد انقطاع دام أكثر من عشرين عامًا، وبمجرد أن بدأت التجول في بعض مدنها، ومنها العاصمة مدريد، وجدتني أشعر بارتياح لا أشعر به في مدن أوروبية أخرى. وتقديري أن هناك الكثير من الأسباب التي سمحت بشعور الألفة الذي تملكني يومئذٍ، فإلى جانب أنني أتكلم الإسبانية وهو ما سمح لي بالانخراط المباشر في هذه المدينة وشعبها بلا حواجز. تقديري أن هذه العاصمة هي من أكثر العواصم الأوروبية قربًا للثقافة العربية بما جعلها قريبة إلى الوجدان، فاللغة الإسبانية بها ألفاظ كثيرة مشتقة من اللغة العربية. ولكن الأهم هو قرب هذه المدينة من الثقافة العربية بصفة عامة بعدما كان العرب يحتلون إسبانيا لقرون كثيرة حتى جاء عام 1492 فتم توحيد الدولة الإسبانية على أيدي الملك فرديناند والملكة إيزابيلا اللذين أصدرا «مرسوم الهمبرا» الذي بمقتضاه تم طرد العرب واليهود من إسبانيا لكي تحتفظ الدولة الإسبانية بالديانة الكاثوليكية خالصة. مع ذلك احتفظت الدولة الإسبانية بالكثير من تراث العرب وتأثير اليهود، خاصة، بعد أن آثر بعضهم التحول للكاثوليكية ولو ظاهريًا للبقاء في بيوتهم.
واقع الأمر أن العام نفسه شهد وميض ضوء سمح لإسبانيا بعد ذلك بتبوؤ مكانة دولية لم تشهدها من قبل، إذ اكتشف كريستوفر كولومبوس «العالم الجديد» عندما أبحر لصالح إسبانيا من الشرق إلى الغرب، حيث اكتشف الطريق إلى الأميركيتين، وسرعان ما أصبح القرن السادس عشر «قرن إسبانيا المشرق» بعدما ملكت إسبانيا أراضي ما يقرب من قارتين بكل غناهما وذهبهما وفضتهما وتجارتهما، وهو ما سمح لها بأن تصبح في غضون حقب غير كثيرة سيدة القارة الأوروبية لفترة وجيزة، إذ انطفأت شعلتها في فترة زمنية قليلة بسبب سوء الإدارة والفوضى السياسية والاقتصادية التي عمت البلاد خاصة بعد هزيمة أسطولها الشهير في معركة «الأرمادا» ضد إنجلترا في عام 1588.
مع ذلك وخلال هذه الفترة استطاعت إسبانيا أن تنهل من عصر النهضة Renaissance الذي كان قد ازدهر في إيطاليا، ثم هولندا، وغيرها من الدول، خاصة في مجالي الفن والرواية، اللذين كان لهما طابعهما الخاص الذي عكس ظروف الدولة الإسبانية في ذلك الوقت خاصة من حيث الدين وعمقه والهوية الإسبانية ذاتها. هذه الأمور لن تخفى على زائر متحف «البرادو» العظيم الذي يعد من أجمل المتاحف في العواصم الأوروبية، فروح عصر النهضة تكاد تكون مسيطرة على اللوحات المختلفة والتي لن تغيب العين عن ملاحظتها، فهذه اللوحات تعكس بوضوح هذا العصر خاصة لوحات الفنان العظيم «إل غريكو Elgreco»، وهو رسام من جزيرة كريت استوطن إسبانيا ولهذا أطلق عليه هذا الاسم والذي يعني بالإسبانية «اليوناني» نسبة إلى موطنه الأصلي. ولقد لفت نظري في هذا المتحف الكبير لوحة كبيرة للغاية يقدم فيها مجموعة من اليهود المال إلى رجال الدولة والكنيسة من أجل البقاء في إسبانيا بعد مرسوم الطرد، وهي تعكس بوضوح روح العصر والرباط الكاثوليكي - السياسي الذي ظل لقرون طويلة يسيطر على الدولة الإسبانية. وارتباطًا بالفترة ذاتها فإن اللوحة عكست روح عصر النهضة من حيث التركيز على معالم الوجوه والتراجيديا الحقيقية ونوع من الظلام الواضح للعين، وذلك شأن كثير من لوحات هذا الفنان التي عكست نفس الروح خاصة روح محاكم التفتيش Inquisition الإسبانية التي كانت تطرد من البلاد كل من لا ينتمي إلى الديانة المسيحية الكاثوليكية وهناك الكثير من اللوحات التي تعكس عمل هذه المحاكم.
لقد انعكست هذه الروح أيضًا في الأدب الإسباني في ذلك الوقت، خاصة كتابات الكاتب العظيم لوبي دي فيغا Lope de Vega الذي يعد من أهم الروائيين الإسبان، خصوصا أنه كتب ما يقرب من ألف وخمسمائة رواية لم يصل منها إلينا إلا ما يقرب من خمسمائة فقط. وتتركز كتاباته في تعظيم الملك والقضاء على الإقطاع والحفاظ على التراث الديني الكاثوليكي لإسبانيا والذي يعد جزءًا لا يتجزأ من هويتها السياسية والثقافية. كذلك شهد ذلك العصر بعض روايات للروائي ترسو دي مولينا الذي يعد من أشهرها روايته الشهيرة «دون جوان» المتناولة مغامرات أحد النبلاء النسائية وغيرها، والتي أدت في النهاية إلى هلاكه.
مع ذلك فإن أشهر ما أنجبته إسبانيا من الروائيين في عصر النهضة كان ميغيل دي سيرفانتس المؤلف الشهير لرواية «دون كيخوته Don Quixote» العظيمة. وهي رواية يرى البعض أنها أفضل رائعة على مستوى العالم. ومضمونها قصة أحد النبلاء الإسبان المضطربين نفسيًا إثر قراءاته المتعمقة في الرومانسية والبطولات العسكرية لعصر الفرسان، ما دفعه إلى القيام بدور الفارس ومحاربة طواحين الهواء على اعتبارها كائنات شيطانية. فبات يشن غاراته على قطعان من الخرفان على اعتبارها جيوشًا تمثل أعداء الدولة الإسبانية. وكانت لشخصية تابعه «سانشو بانزا»، وهو من أهم ركائز الرواية، فهي تعكس الشخصية العملية التي تعرف أن سيدها يعاني من خلل نفسي، لكنه يستمر معه سعيًا وراء العيش الرغد ويقبل بالأمر الواقع، ولقد عبرت هذه الرواية بوضوح عن نهاية عصر الإقطاع في إسبانيا وبداية عصر النهضة الإسبانية.
واقع الأمر أن عصر النهضة الإسبانية لم يدم طويلاً، فسرعان ما طويت صفحاته بحلول منتصف القرن السابع عشر لأسباب عدة منها أن إسبانيا أخذت تضعف على الساحة الدولية، كما أن تركيزها الأساسي كان على مستعمراتها الجديدة وسبل تعظيم الاستفادة المادية منها بعيدًا عن الفن والرواية. ولكن من أهم الأسباب التي أدت إلى نهاية عصر النهضة الإسبانية كان طردها العرب واليهود من البلاد، ومن ثم اعتمادها بشكل كبير على أبنائها فقط دون الأثر الخارجي، بعكس ما حدث في إيطاليا على سبيل المثال، وهو ما أضعفها بدرجة كبيرة. لذلك فإن الأدب والفن الإسبانيين لم يشملا الكثير من اللوحات والروايات بالمقارنة مع إيطاليا خلال عصر النهضة، ذلك أن الأخيرة كانت أكثر انفتاحًا على العالم الخارجي، وإن كان هذا لم يمنع من ظهور رسامين عظام من أمثال غويا خلال القرن الثامن عشر بعد ذلك.
أذكر جيدًا الانطباع الذي جاءني بعد جولاتي في متحف «البرادو» وفي مدينة مدريد الجميلة بعد مشاهدة اللوحات العظيمة والتثقف ببعض روايات الأدب الإسباني. يومها أيقنت أن القوة السياسية والعسكرية لا بد أن يكون لها مرادف فكري وفني. ثم إن الشعوب لا تحيا بمعزل عن التفاعل بعضها مع بعض، وأن بواعث النهضة والثقافة والفكر لا تتدفق من العزلة والبعد عن الآخر، بل من التقرب والتناغم، بل والاختلاف، وما أدل على ذلك من الفن والرواية، فهذه سنة الله في خلقه.



أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
TT

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)

من شائع القول، أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يجب أن تكون مفتوحة لمشاركة جميع سكان العالم، لما لنتائجها من تأثير سياسي واقتصادي وأمني على الصعيد الدولي الواسع. لكن مما لا شك فيه أن أميركا اللاتينية التي تعد «الحديقة الخلفية» لواشنطن، والتي طالما كان ليد الإدارات الأميركية الطولى وأجهزة استخباراتها الدور الحاسم في تحديد خياراتها السياسية والاقتصادية، هي الأشد تأثراً بوجهة الرياح التي تهبّ من البيت الأبيض. «الصوت اللاتيني» كان هذه المرة موضع منافسة محتدمة بين الجمهوريين والديمقراطيين خلال الحملة الانتخابية، وكان راجحاً في كفّة المرشح الفائز، كما دلّ على أهميته قرار الرئيس العائد دونالد ترمب اختيار منافسه في الانتخابات الأولية، السيناتور الكوبي الأصل ماركو روبيو، لمنصب وزير الخارجية في الإدارة الجديدة. إلا أن ردود الفعل في بلدان أميركا اللاتينية على فوز دونالد ترمب بولاية رئاسية ثانية، جاءت متفاوتة ومتأرجحة بين القلق الدفين في أوساط الأنظمة اليسارية والتقدمية، والابتهاج الظاهر بين الحكومات والأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة.

أول المحتفلين بفوز الرئيس دونالد ترمب والمُنتشين لعودته إلى البيت الأبيض كان الرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرف خافيير مَيلي الذي سارع، بعد أسبوع من إعلان الفوز، لملاقاته في مقره بولاية فلوريدا حيث أعرب له عن «استعداد الأرجنتين الكامل لمساعدته على تنفيذ برنامجه».

أيضاَ، المعارضة البرازيلية التي يقودها الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو - الذي يخضع حالياً للمحاكمة بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم وهو ممنوع من السفر خارج البلاد - لم تكن أقل ابتهاجاً من الرئيس الأرجنتيني أو المعارضة الفنزويلية التي عادت لتعقد الآمال مجدّداً على رفع منسوب الضغط الأميركي على نظام نيكولاس مادورو اليساري في فنزويلا والدفع باتجاه تغيير المعادلة السياسية لصالحها.

حذر في المكسيك

في المقابل، حاولت السلطات المكسيكية من جهتها إبداء موقف حذر على الرغم المخاوف التي تساورها من أن يفي الرئيس الأميركي العائد بالوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية حول الهجرة والتجارة ومكافحة المخدرات، والتي تجعل من المكسيك أكثر بلدان المنطقة تعرّضاً لتداعيات السياسة الشعبوية المتشددة التي ستتبعها إدارته الثانية اعتباراً من العام المقبل. ومعلوم أن ترمب كان قد جعل من بناء «الجدار» على الحدود الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة عنواناً لحملته الانتخابية الأولى وأحد ركائز حملته الثانية، إلى جانب خطابه العنصري المناهض للمهاجرين المكسيكيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المهاجرين اللاتينيين إلى الولايات المتحدة. كذلك، كان ترمب قد هدد الرئيسة المكسيكية الاشتراكية الجديدة كلاوديا شاينباوم بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على السلع المستوردة من المكسيك ما لم تمنع تدفق المهاجرين من أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة عبر أراضي المكسيك.

الرئيسة شاينباوم قلّلت من شأن تهديدات ترمب، وقالت إن بلادها - كالعادة - «ستتمكن من تجاوز الأزمة»، لكن لا أحد يشك في أن الدولة المرشحة لأكبر قدر من الضرر جرّاء عودة ترمب إلى البيت الأبيض هي المكسيك، أولاً نظراً لكونها الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، وثانياً لأن العلاقات بين البلدين المتجاورين هي أشبه بزواج لا طلاق فيه.

من جهة ثانية، كان لافتاً أن سوق المال (البورصة) المكسيكية لم تتعرّض لأي اهتزازات تذكر بعد إعلان فوز ترمب، خلافاً لما حصل بعد فوزه بالولاية الأولى عام 2016. وهو ما يدلّ على التأقلم مع أسلوبه والتكيّف معه، وأيضاً على متانة «اتفاقية التجارة الحرة» بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة كإطار يحكم المبادلات التجارية بين البلدان الثلاثة.

المشهد البرازيلي

في البرازيل، كما سبقت الإشارة، كان الرئيس السابق جايير بولسونارو بين أوائل المهنئين بفوز دونالد ترمب. إذ أعرب عن ابتهاجه لهذا «النصر الأسطوري الذي منّ به الله تعالى على الولايات المتحدة والعالم»، في حين اكتفت حكومة الرئيس الحالي اليساري الحالي لويس إيناسيو (لولا) بالطقوس الدبلوماسية المألوفة، بعدما كان «لولا» قد أعلن صراحة دعمه لمرشحة الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس المودّعة كمالا هاريس.

أكثر من هذا، تابع إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس السابق والعضو في مجلس النواب البرازيلي، عملية فرز نتائج الانتخابات الأميركية في منزل ترمب بفلوريدا، حيث صرّح بعد إعلان الفوز: «ها نحن اليوم نشهد على قيامة مقاتل حقيقي يجسد انتصار الإرادة الشعبية على فلول النخب التي تحتقر قيمنا ومعتقداتنا وتقاليدنا». وبالمناسبة، لا يزال بولسونارو «الأب» عازماً على الترشّح للانتخابات الرئاسية البرازيلية في عام 2026. على الرغم من صدور حكم قضائي مُبرم يجرّده من حقوقه السياسية حتى عام 2030 بتهمة سوء استخدام السلطة والتحريض على الانقلاب.

بالتوازي، كان «لولا» قد تعرّض للانتقاد بسبب تأييده الصريح لهاريس، الذي ضيّق كثيراً هامش المناورة أمامه بعد هزيمتها. لكنه علّق بعد تهنئته ترمب: «الديمقراطية هي صوت الشعب الذي يجب احترامه».

اليوم يعتقد أنصار بولسونارو أن المشهد السياسي الأميركي الجديد، والدور الوازن الذي يلعبه الملياردير إيلون ماسك داخل إدارة ترمب، قد يشكّلان ضغطاً على الكونغرس البرازيلي والمحكمة العليا لإصدار عفو عن الرئيس البرازيلي السابق يتيح له الترشح في انتخابات عام 2026 الرئاسية. أما على الصعيد الاقتصادي، فتخشى البرازيل، في حال قرّر ترمب رفع الرسوم الجمركية وفرض إجراءات حمائية، خفض صادراتها إلى الولايات المتحدة وتراجعاً في قيمة موادها الخام. كذلك، من شأن إغلاق السوق الأميركية أمام السلع الصينية أن يؤدي إلى خفض الطلب على المواد الخام التي تشكّل عماد المبادلات التجارية البرازيلية. أما على الصعيد البيئي، فقد حذرت وزيرة البيئة البرازيلية مارينا سيلفا من أن الأسرة الدولية ستكون مضطرة لمضاعفة جهودها للحد من تداعيات أزمة المناخ إذا قرر ترمب المضي في تنفيذ سياساته البيئية السلبية المعلنة.

مَيلي متحمّس ومرتاح

الرئيس الأرجنتيني خافيير مَيلي، من جانبه، احتفى بفوز ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعهد بالتعاون مع إدارته لتنفيذ برنامجه الانتخابي، معوّلاً على استثمارات أميركية ضخمة في القطاعات الإنتاجية الأرجنتينية. وانضمّ أيضاً إلى «التهاني» من معسكر اليمين الأرجنتيني الرئيس الأسبق ماوريسيو ماكري، الذي يشارك حزبه المحافظ في حكومة مَيلي الائتلافية، والذي سبق أن كان شريكاً لترمب في صفقات عقارية في الولايات المتحدة.

يُذكر أن ترمب كان قد لعب دوراً حاسماً في منح صندوق النقد الدولي قرضاً للأرجنتين بقيمة 44 مليار دولار أميركي عام 2018 ما زالت عاجزة عن سداده. وفي حين يأمل مَيلي بأن تساعده الإدارة الأميركية الجديدة بالحصول على قرض جديد من صندوق النقد يحتاج إليه الاقتصاد الأرجنتيني بشدة للخروج من أزمته الخانقة، فإنه يعرف جيداً أن ترمب سيكون بجانبه في «الحرب الثقافية» التي أعلنها على اليسار الدولي وأجندته التقدمية.

فنزويلا وكوبا

في الدول الأميركية اللاتينية الأخرى، علّق إدموندو غونزاليس أوروتيا، مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية - المنفي حالياً في إسبانيا والذي تدلّ كل المؤشرات على فوزه - علَّق على فوز ترمب بوصفه هو أيضاً الفائز الذي اعترفت به دول عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقال: «هذه إرادة الشعب الأميركي وأهمية التناوب على الحكم».

أما زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، التي اضطرت للتنازل عن ترشيحها لصالح غونزاليس بعدما جرّدها القضاء من حقوقها السياسية - فقد هنأت ترمب بقولها: «نعرف أنك كنت عوناً لنا دائماً، والحكومة الديمقراطية التي اختارها الشعب الفنزويلي ستكون حليفاً موثوقاً لإدارتك».

من الجانب الآخر، اختارت الحكومة الفنزويلية اليسارية التزام الحذر في تعليقها الأول على فوز ترمب، وجاء في تهنئتها البروتوكولية: «نوجه التهنئة لشعب الولايات المتحدة على هذه الانتخابات. إن فنزويلا على استعداد دائماً لإقامة علاقات مع الإدارات الأميركية في إطار الحوار والرشد والاحترام». وأضاف البيان الذي صدر عن الرئاسة الفنزويلية مستحضراً خطابه المعهود: «إن الاعتراف بسيادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها هو الأساس لقيام عالم جديد يسوده التوازن بين الدول الحرة»، في إشارة إلى المفاوضات المتعثّرة منذ سنوات بين واشنطن وكاراكاس لإيجاد مخرج من الأزمة الفنزويلية التي تمرّ اليوم بأكثر مراحلها تعقيداً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ترمب كان قد فرض إبان ولايته الرئاسية الأولى ما يزيد عن مائة عقوبة على فنزويلا، وانتقد بشدة قرارات إدارة بايدن برفع بعضها. غير أنه ليس واضحاً بعد كيف ستكون مقاربته لهذا الملف، خاصة، أن فنزويلا يمكن أن تساعد على تلبية الاحتياجات الأميركية من الطاقة في ظروف دولية معاكسة بسبب الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في الشرق الأوسط.

وبما يخصّ كوبا، تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض معها أيضاً «سحباً سوداء» فوق كوبا التي تتوقع تشديد العقوبات والمزيد منها. وكان ترمب قد حطّم جميع الأرقام القياسية في العقوبات التي فرضها على النظام الكوبي، وأدرجها على قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، الأمر الذي يضفي صعوبات جمّة على علاقات الدولة الكوبية المالية مع الخارج. ويلفت أن الحكومة الكوبية - حتى كتابة هذه السطور - لم تعلّق بعد على فوز دونالد ترمب بولاية ثانية.

تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض

معها «سحباً سوداء» فوق كوبا

التي تتوقع تشديد العقوبات

الرئيس المكسيكية الاشتراكية كلاوديا شاينباوم (رويترز)

كولومبيا تثير موضوع غزة

كولومبيا أيضاً يسود فيها الترقّب الحذر لمعرفة الوجهة التي ستسير بها العلاقات بين ترمب والرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بترو اللذين لا يجمع بينهما أي رابط شخصي أو عقائدي. بيد أن هذا لم يمنع بترو من توجيه رسالة تهنئة إلى الرئيس الأميركي العائد لعلها الأكثر صراحة في مضمونها السياسي والمواضيع التي ستتمحور حولها علاقات المعسكر التقدمي في أميركا اللاتينية مع الإدارة الأميركية اليمينية المتشددة الجديدة. وجاء في رسالة بترو: «إن السبيل الوحيد لإغلاق الحدود يمرّ عبر ازدهار بلدان الجنوب وإنهاء الحصار»، في إشارة واضحة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا وكوبا. ثم تناولت الرسالة موضوع غزة، الذي يستأثر باهتمام كبير لدى الرئيس الكولومبي، وأوردت: «الخيار التقدمي في الولايات المتحدة لا يمكن أن يقبل بالإبادة التي تتعرّض لها غزة».

باقي اليمين يرحب

في المقابل، اكتفت رئيسة البيرو، دينا بولوارتي، التي منذ سنة لا تتمتع بتأييد سوى 8 في المائة من مواطنيها، بتوجيه رسالة تهنئة «للمرشح دونالد ترمب على فوزه في الانتخابات الديمقراطية التي أجريت في الولايات المتحدة»، بينما غرّد دانيال نوبوا، رئيس الإكوادور اليميني الذي تشهد بلاده أزمة سياسية وأمنية عميقة منذ أشهر، على حسابه مرحباً: «مستقبل زاهر ينتظر قارتنا بفوز دونالد ترمب».

وفي تشيلي - التي يحكمها اليسار - كان أول المهنئين خوسيه أنطونيو كاست، زعيم الحزب الجمهوري اليميني المتطرف الذي يطمح للفوز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وفي المقلب الآخر، على الصعيد الرسمي بادر وزير الخارجية التشيلي ألبرتو فان كلافيرين إلى التهنئة المبكرة قائلاً: «نتيجة الانتخابات كانت واضحة وكاشفة على أكثر من صعيد. نقيم علاقة دولة مع الولايات المتحدة، والعلاقات هي بين الدول، ونطمح لأفضلها مع حكومة الرئيس ترمب الجديدة». أما الرئيس التشيلي اليساري غابريل بوريتش، الذي كان آخر المهنئين بين زعماء المنطقة، فجاء في رسالته: «تؤكد تشيلي التزامها توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق تنمية شاملة، واحترام حقوق الإنسان والعناية بالديمقراطية».

 

حقائق

واقع العلاقات والمخاوف في أميركا الوسطى

في أميركا الوسطى، وتحديداً السلفادور، وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط رئيسها نجيب أبو كيلة (الفلسطيني الأصل) مع دونالد ترمب، كما تَبيّن خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي المنتخب، فإن ثمة مخاوف ملموسة من التهديدات التي أطلقها ترمب خلال حملته الانتخابية بطرد جماعي للمهاجرين غير الشرعيين. للعلم، فإن ملايين من مواطني السلفادور يعيشون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية، ويُشكِّلون مصدر الدعم الاقتصادي الأساسي لعائلاتهم في وطنهم الأم. وحقاً تعدّ تحويلات المهاجرين الواردة من الولايات المتحدة المحرّك الرئيسي لاقتصاد السلفادور، إذ بلغت في العام الماضي ما يزيد على 5 مليارات دولار.وراهناً، يسود الاعتقاد بين المراقبين الأميركيين اللاتينيين - على امتداد القارة - بأن دونالد ترمب، الذي استطاع خلال 8 سنوات أن يهدم المجتمع الأميركي ويعيد تشكيله على مزاجه وهواه، يشكّل اليوم - في أحسن الأحوال - مصدر قلق عميق بالنسبة لبلدان المنطقة. ويتوقع هؤلاء أن تكون التداعيات المحتملة لولايته مرهونةً بأمرين: الأول، مدى اعتماد هذه البلدان سياسياً واقتصادياً على الولايات المتحدة. والثاني، أين سيكون موقع أميركا اللاتينية بين أولويات السياسة عند الإدارة الجديدة في واشنطن.