ريان كروكر لـ {الشرق الأوسط}: على الرياض وواشنطن العمل معًا لمواجهة الخطر الإيراني

السفير الأميركي السابق لدى 6 دول بالمنطقة أكد أن واشنطن ليست على الحياد في النزاع بين السعودية وإيران.. بل تقف مع الرياض

ريان كروكر لـ {الشرق الأوسط}: على الرياض وواشنطن العمل معًا لمواجهة الخطر الإيراني
TT

ريان كروكر لـ {الشرق الأوسط}: على الرياض وواشنطن العمل معًا لمواجهة الخطر الإيراني

ريان كروكر لـ {الشرق الأوسط}: على الرياض وواشنطن العمل معًا لمواجهة الخطر الإيراني

قال السفير الأميركي السابق ريان كروكر إن السعودية والولايات المتحدة تقفان مع بعضهما البعض، كما فعلا خلال السنوات السبعين الماضية، و«لن نسمح لأي شيء بأن يفرقنا أو بأن يفصل بيننا»، مشيرا إلى ضرورة «بذل جهود أكبر لإعطاء إشارة لشعبينا ولأصدقائنا وبالذات لمناوئينا».
ريان كروكر الذي عمل سفيرًا للولايات المتحدة ست مرات خلال 37 عامًا، يعرف الكثير من خفايا السياسة في الشرق الأوسط. وعمل سفيرا لدى لبنان والكويت ثم سوريا وباكستان والعراق، واستدعاه الرئيس باراك أوباما ليكون سفيرًا لدى أفغانستان عام 2011، خدم أيضا في قطر وإيران، وكان شاهدًا على الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 وقصف السفارة الأميركية وتفجير المارينز عام 1983.
وأكد كروكر في حديث مطول مع «الشرق الأوسط»، أنه لا يطلب من الإدارة الأميركية الآن إرسال المارينز إلى المنطقة بل إرسال وزير الخارجية جون كيري «فورًا إلى السعودية لإعطاء الإشارة للسعوديين ولأصدقائنا والأهم للإيرانيين بأننا لسنا على الحياد في هذا النزاع بين إيران والسعودية، بل إننا نقف مع السعوديين». وقال إن الإيرانيين يسعون لتوسيع نفوذهم بأي وسيلة «ويجب أن نتصدى لهم». وانتقد فك الارتباط الأميركي بالمنطقة، واعتبره خطيرًا، لكنه رأى أن الرئيس أوباما لا يريد أن يذكره التاريخ بأنه الرئيس الأميركي الأول بعد الحرب العالمية الثانية الذي ترك منطقة الشرق الأوسط تشتعل.
وتحدث كروكر عن سوريا، وعن التدخل الروسي وقيام محور «طهران - موسكو - دمشق»، واستبعد على المدى القريب سقوط بشار الأسد، «وإذا سقط سيكون سقوطه ضربة كبيرة للإيرانيين». وهنا نص الحديث:
* هل السعودية والولايات المتحدة الأميركية شريكان أم فقط حليفان؟
- أعتبر أن العلاقة ما بين السعودية والولايات المتحدة هي العنصر الأساسي لسياستنا شرق الأوسطية، وهي كانت هكذا منذ عام 1945، لا توجد علاقة أكثر أهمية بالنسبة إلينا. لدينا خلافات بين وقت وآخر، لكن أيًا من الطرفين يجب ألا يتناسى أهمية هذه العلاقة للسعودية ولأميركا وللمنطقة على حد سواء.
* لكن لماذا تبدو الولايات المتحدة غير مستعدة لتحدي إيران وليست قلقة من استغلال إيران لتخفيف العقوبات الذي سوف تتلقاه قريبًا؟
- أعتقد أن إدارة الرئيس أوباما قلقة بالنسبة إلى إيران. طبعًا أنا أتمنى لو كانت أكثر فعالية ليس فقط على إيران بل على المنطقة ككل. ومع قولي هذا لا أعتقد أن الرئيس تحت أي وهم عما تفعله إيران في المنطقة.
* يعرف؟
- أعتقد ذلك.
* نعرف أن إدارة أوباما لا تريد أن ترى تفاقمًا للصراعات ما بين السنة والشيعة في المنطقة. لكن ما تقوم به إيران في العراق، وسوريا، والبحرين، واليمن، ألا يفاقم الأوضاع أكثر؟
- لا تنسي لبنان. لقد كنت في لبنان في ديسمبر (كانون الأول) الماضي ورغم كل التأكيدات، ورغم ما يحصل في سوريا وعدم انتخاب رئيس، تبقى الحياة حلوة في لبنان. اللبناني يعرف أن يعيش وهذه ميزته. بالنسبة للشق الأول من السؤال. أنا كنت دائمًا أطالب بأن على الولايات المتحدة أن تشارك أكثر في المنطقة لعدد من الأسباب. أهمها أن تقف وتتصدى لما يقوم به الإيرانيون في كل الدول التي ذكرتها. أنا أفكر كثيرًا في العراق مثلاً. لقد قررنا أننا انتهينا من العراق، سحبنا قواتنا، والأهم أننا سحبنا مشاركتنا السياسية وتحرك الإيرانيون ليملأوا المساحة. الآن هناك الميليشيات الشيعية المتطرفة مدعومة من «فيلق القدس»، وهي أقوى من الجيش العراقي. علينا أن نتحرك ضد ذلك وأن لا نسمح باستمراره.
المثير في العراق أننا نرى حيدر عبادي رئيس الوزراء وهو شيعي، يوضح أنه لن يتخذ خطوات لسحب السفير العراقي من الرياض، وطرد السفير السعودي من بغداد، هذا عمل شجاع، علينا فعل المزيد لدعمه كزعيم سياسي مستقل. نحن كأننا فككنا الارتباط، وهذا يعطي دولة مثل إيران هامشًا واسعًا للتحرك. وهذا أمر سيئ لنا وللمنطقة.
* أي تكلفة ستتكلفها إيران كي تحترم ميثاق فيينا بالنسبة إلى حماية واحترام السفارات؟
- من الواضح لي، أن الإيرانيين، أو على الأقل الرئيس حسن روحاني أدركوا أنهم ارتكبوا خطأ. إما أنهم تركوا الأمور تخرج من تحت السيطرة، أو عن قصد رتبوا للهجوم لكنهم لم يحسبوا نوعية رد الفعل التي سيتلقونها. هذا يذكرنا بالأيام السيئة جدًا بعد ثورة 1979، ارتكبوا خطأ وسيدفعون الثمن مقابل ذلك، إن في المنطقة أو في المواقف الدولية من إيران.
* على مر السنوات رأت الولايات المتحدة السعودية قوة للاستقرار الإقليمي، والمفتاح لاستقرار إمدادات النفط، وكانت الرياض للغرب أفضل أمل للسلام في الشرق الأوسط. هل تغير كل هذا أم ماذا؟
- كما قلت في بداية الحوار، فإن العلاقات السعودية - الأميركية يجب أن تكون أساس كل الجهود لتوفير الاستقرار والأمن في المنطقة. وهي مهمة الآن كما كانت في السنوات الماضية، وكوننا نواجه مشاكل كثيرة في سوريا، وليبيا واليمن الخ، فإن على الرياض وواشنطن أن تعملا معًا وعن كثب، على الأقل لإيقاف التدهور في المنطقة، وللبدء في اتخاذ خطوات وإجراءات مع أصدقاء آخرين لتحسين الوضع. لا نستطيع أن نسمح لأي شيء بأن يفرقنا أو أن يفصل بيننا. علينا الآن أن نفعل الأكثر لإعطاء إشارة لشعبينا ولأصدقائنا وبالذات لمناوئينا بأن السعودية والولايات المتحدة تقفان مع بعضهما البعض كما فعلا خلال السنوات السبعين الماضية.
* لكن اقترب موعد رفع العقوبات وتقريبًا كل أصدقاء أميركا في المنطقة بمن فيهم العرب وإسرائيل مقتنعون بأن إيران سوف تقدم الدعم الإضافي لأتباعها بمجرد رفع العقوبات. والكل ينتظر ما سيكون رد الفعل الأميركي؟
- أنا أراقب ذلك عن قرب. العقوبات لم تمنع إيران من توفير الدعم والجهد لخلق المشاكل في اليمن والعراق وسوريا، سيجد الإيرانيون الأموال لدعم أعمالهم في هذه الدول، سيأخذونها من المجتمع ويتركون الناس والمعاناة. لا أتوقع تغييرًا فيما تقوم به إيران لزعزعة الاستقرار في المنطقة نتيجة لرفع العقوبات. لأنها تملك كل المصادر، ما يمكن أن نراه أن الوضع الاجتماعي في الدولة سيبدأ بالتحسن.
أما ما على الولايات المتحدة أن تفعله فهذا ما أطرحه منذ أشهر. نحتاج أن نكون أكثر حسمًا وجزمًا بالوقوف إلى جانب أصدقائنا وضد ما يقوم به الإيرانيون. في سوريا مثلاً، وبسبب أننا لم نكن مهتمين بفعالية، أعطينا مساحة ليس فقط للإيرانيين بل أيضا للروس الذين دخلوا وتحالفوا مع إيران. لهذا هناك الآن محور «طهران - موسكو - دمشق» ولم نفعل شيئا لمنعه.
* إذن، من تلوم؟ هل تلوم الإدارة وترددها؟
- ألوم كل طرف. يجب ألا يغيب عن بالنا، وأنا كنت ناقدًا للإدارة، أن المشكلة الحقيقية هي بشار الأسد وموسكو وطهران اللتان تدعمانه. علينا أن نبدأ بفعل أكثر مما نقوم به. ونبدأ ببذل كل جهد لتقوية التقارب ما بين السعودية والولايات المتحدة.
* بعد غزو العراق مباشرة عام 2003، كان السياسيون الإيرانيون في حالة اهتياج لإفهامكم بأنهم يريدون السلام مع أميركا. تذكر ذلك!
- بعضهم نعم.
* هذا يعني أن إيران إذا كانت تحت الضغوط أو شعرت بالخطر فهي على استعداد للمساومة وإيجاد حل وسط؟
- كنت في العراق آنذاك. لدي إحساس أن الإيرانيين لم يشعروا بالخطر أو أنهم تحت الضغط. راقبونا نتخلص من عدوهم شرقًا في أفغانستان، ثم رأونا نقضي على عدوهم الأكبر صدام حسين. لا أعتقد أنهم اعتقدوا ولو للحظة أن الولايات المتحدة بعد ذلك ستتحول ضدهم. أظن أنه في ربيع 2003 كانوا يشعرون بسعادة.
* لكنهم أصبحوا أكثر عدائية عندما بدأ الخوف من الغزو الأميركي يتراجع، عرفوا أن الولايات المتحدة لا تنوي غزو إيران. الآن وكأنهم يعتمدون النمط نفسه، يشعرون بأن المقاطعة ستُرفع وأن الأميركيين لن يقفوا مع أي طرف بالنسبة إلى ما يجري بين إيران والسعودية!
- أظهر الإيرانيون أنهم يستمرون بالاندفاع إذا لم يكن هناك أحد أو أي شيء ليوقفهم. عندما انسحبنا من العراق دخلوا، وأنا قلق. علينا أن نتخذ موقفًا أكثر تشددًا، لأنهم سيستمرون في الاندفاع، وهذا خطر على المنطقة.
* ما الخطوات التي يجب اتخاذها لإيقاف اندفاعهم؟
- ما أقترحه الآن وما يجب على الولايات المتحدة الإقدام عليه فورا، ليس عملاً عسكريًا، بل عمل سياسي. أعتقد أن جون كيري وزير الخارجية قام بزيارة واحدة إلى العراق كوزير للخارجية، وأعتقد أن هيلاري كلينتون قامت أيضا بزيارة واحدة إلى العراق عندما كانت وزيرة للخارجية. على الإدارة أن تبدأ الآن، بإرسال الوزير كيري أولاً إلى المنطقة للتشاور مع حلفائنا وعلى رأسهم السعودية، وبعدها يتوجه إلى العراق. عليه أن يبقى هناك لأسبوع أو أسبوعين ويلتقي مع كل الشخصيات السياسية ويساعدهم على التوصل إلى حلول سياسية لا يمكنهم اتخاذها بمفردهم، ولا يمكنهم اتخاذها في ظل ضغوط إيرانية. أنا لا أدعو لإرسال المارينز، بل أدعو لإرسال وزير الخارجية.
* هل تشجعه لزيارة السعودية قريبًا؟
- هذا ما كنت أقترحه. عليه أن يذهب فورًا وأولاً إلى السعودية لإعطاء الإشارة للسعوديين ولأصدقائنا والأهم للإيرانيين، بأننا لسنا على الحياد في هذا النزاع بين إيران والسعودية. بل إننا نقف مع السعوديين. أظن أن عليه إرسال هذه الإشارة.
* الدكتور كيسنجر قال إنه اختلف مع أوباما بسبب عدم رغبته في تحديد موقع استراتيجي للولايات المتحدة ونتيجة لذلك أعطى انطباعًا بانسحاب أميركي من المنطقة مع أنه لا تزال هناك قوات أميركية؟
- كما ذكرت لك، أنا أيضا كنت وما زلت قلقًا من الشعور بفك الارتباط الأميركي مع المنطقة. والانطباع السائد في المنطقة أن الولايات المتحدة لم تعد تشارك على الإطلاق وهذا أمر خطير.
* هل تعتقد أن التطورات الأخيرة بين الرياض وطهران ستكون بداية لسباق تسلح بين الدولتين، لأن السعوديين يرون عدم الارتباط الأميركي، إضافة إلى العمر القصير نسبيًا للالتزام بالاتفاق النووي من قبل إيران، بمثابة فتيل مشتعل تحت المملكة؟
- الاثنتان، إيران والسعودية، مسلحتان تسليحًا فائقًا، لذلك لا أعرف ما إذا كان هذا سيشعل سباق تسلح جديدا أم لا. من الواضح أن المنطقة تمر في مرحلة توتر كبير خصوصًا بين الرياض وطهران. أعتقد أننا كلنا راغبون بتخفيض التوتر، لكن هذا يمكن أن يتحقق، أولاً: إذا وقف التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وبالتنسيق مع السعودية في مواجهة إيران. وهذا يجب تسويته سياسيا، لكنني أعرف أن الظروف لذلك غير جيدة، لأن الإيرانيين لا يرون أنهم يواجهون معارضة قوية في المنطقة وأبعد منها، وعلينا تغيير ذلك. تغيير المناخ يستدعي أن نؤكد أنفسنا في وجه الإيرانيين، عندها نحصل على شروط أفضل للتفاوض حول حل سياسي.
* أحد المعلقين البريطانيين كتب أنه لم يعد سرًا في العالم العربي أن إيران تريد إسقاط الأنظمة ولا تتطلع إلى وسيلة للتعايش. هل ذهب بعيدًا؟
- يمكن للمرء أن يصل إلى هذا الافتراض، لكنني لا أرى قدرًا كبيرًا من الأدلة التي تدعم ذلك. إن الإيرانيين يريدون توسيع نفوذهم حيث يستطيعون. في بعض الحالات رأيناهم يحاولون قلب النظام، مثلاً في اليمن، وفي حالات أخرى مثل سوريا يحاولون دعم النظام، وفي العراق يعتمدون طريقة مختلفة، حيث يريدون إضعاف النظام والتأثير عليه إنما لا يريدون إزاحته. أعتقد، واعتمادًا على الظروف يعدلون سياساتهم في كل حالة. إنهم يبحثون عن الأوضاع لتوسيع نفوذهم.
* لكننا لاحظنا أنه رغم كل مصادرها وقوات القدس والجنرال قاسم سليماني، فإن إيران غير قادرة على ضمان بقاء النظام السوري. ثم في اليمن نلاحظ أن الحوثيين يخسرون باطراد الأراضي. هل صحيح أنه، كما قال أحد الأئمة الإيرانيين، إن إيران إذا خسرت سوريا لا تستطيع المحافظة على طهران؟
- في سوريا، يهيأ لي، مع التدخل الروسي، أن الخطر على الإطاحة ببشار تضاءل عما كان عليه قبل وصول الروس. النظام حافظ في بعض الأماكن على موضعه وفي أماكن أخرى تقدم. لا أرى على المدى القريب أي احتمال أن الأسد سيسقط. إذا سقط، لست متأكدًا ما إذا كان هذا سيؤثر مباشرة ويُسقط النظام الإيراني، بل سيكون سقوطه ضربة كبيرة للإيرانيين. تعرفين أكثر من أي شخص آخر، فأنت لبنانية، أن تمدد النفوذ الإيراني إلى لبنان عبر سوريا، بعد غزو عام 1982، كان أول جهد للجمهورية الإسلامية لإقامة مراكز قوة خارج حدودها. إذن هذه الوصلة السورية مهمة جدًا لهم، وسيكون ذلك خسارة كبيرة، لكن لن أتمادى بالتخمين أن سقوط الأسد سيؤدي إلى سقوط النظام الإيراني.
* قلت سابقًا أن دولاً مثل سوريا وإيران يمكنها أن تلعب لعبة طويلة المدى، لمعرفتها بأننا كأميركيين لا نستطيع. هل تعتقد أن هذا درس للسعوديين يمكن أن يتبعوه؟
- أعتقد أن هذا درس للسعوديين والأميركيين كي يجلسوا معًا ويتباحثوا. تلعب السعودية لعبة أطول مدى من تلك التي تقوم بها أميركا في المنطقة، فهي جزء منها. لكن أعتقد أن هذه لحظة حاسمة، حيث على الرياض وواشنطن أن تقوما بمحادثة طويلة وجدية حول ما يحصل في المنطقة، وإلى ماذا يتطلع كل طرف في المنطقة، وما يجب علينا عمله معًا لدعم الأمن والاستقرار ضد الذين يحاولون تعطيلهما. عام 1945 أقدمنا على التزام متبادل، منذ 70 سنة، وهذا وقت للتأكيد عليه والقول إننا سنواصل العمل معًا لدعم أصدقائنا ومواجهة مناوئينا. نحتاج إلى إجراء هذه المحادثات الاستراتيجية.
* هل تعتقد أن الرئيس أوباما سيصغي خصوصًا أنه في السنة الأخيرة من رئاسته؟
- لا أعتقد أن الرئيس أوباما، يريد أن يذكره التاريخ، بأنه الرئيس الأميركي الأول منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الذي ترك منطقة الشرق الأوسط تشتعل. لا أعتقد أنه يريد ذلك. وألا يفعل شيئا على مدى عام كامل أمر خطير جدًا، آمل أن يدرك ذلك، وأنه لا يستطيع أن يبقى ساكنًا حتى نهاية رئاسته من دون أن تحدث أشياء مرعبة إضافية. وأعتقد أصلا أن أصدقاءنا السعوديين يذكرونه بذلك.
* هل تعتقد أنه مع ما يحدث من تطورات، أن إيران ستنجح في بناء مجالها للنفوذ الشيعي انطلاقًا من العراق إلى سوريا حتى المتوسط؟
- من المؤكد أنهم يحاولون. لكن كما تعرفين جيدًا، إن الشيعة في العراق ليسوا إيرانيين، إنهم عرب ولديهم تاريخ دموي طويل مع إيران، الحرب العراقية - الإيرانية التي قتلت عشرات الآلاف من الشيعة العراقيين العرب. هنا في الغرب نتناسى أنها وقعت، إنما في العراق فإنهم لا ينسونها. هناك الكثير من الشيعة الذين لا يحبون إيران إطلاقًا، لكن، كمن تركوا لوحدهم عندما انسحبنا.
هناك الكثير مما يمكن عمله لمواجهة النفوذ الإيراني، بالتأكيد في العراق، والسعوديون يبذلون جهدًا لتحجيمه كما في البحرين، علينا العمل معًا، واتخاذ القرار، بأننا سنكون مصرين، كما الإيرانيين، ولن نسمح لهم بنيل ما يخططون له.
* آخر مرة قُطعت العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية كانت في الثمانينات واحتاجت لأربع سنوات لإعادتها. هل تعتقد هذه المرة أنها ستأخذ هذا الوقت، أو أقل أو أكثر؟
- من الصعب التخمين. حسب تجربتي عندما تقطع العلاقات الدبلوماسية فإنها تأخذ وقتًا لإعادتها. أعتقد أن علينا قياس ذلك بالسنوات وليس بالأشهر، لكن لا أستطيع التخمين.
* هل تعتقد أن الرئيس أوباما تواق لرؤية سفير أميركي في طهران قبل أن يغادر الرئاسة؟
- آمل، لا ولمجرد التفكير بذلك، المطلوب تغيير جذري عميق في السياسات الإيرانية. إطلاقًا يجب ألا نفكر بعلاقات دبلوماسية مع إيران، حيث تصرفاتها كما هي الآن. لا أعتقد أن الرئيس سيقدم على ذلك.
* عندما كنت في العراق، لم تلتق قاسم سليماني وجهًا لوجه، لكن تعرفه جيدًا. ما هي رؤيته بالنسبة إلى العراق حيث إنك قلت سابقًا: إن دافعه ليس الدين، بل القومية، وشوقه للقتال!
- نظريتي الخاصة المتعلقة بسليماني تعود إلى الحرب العراقية – الإيرانية، وكما هو معروف حارب طوال السنوات الثماني بما فيها معركة الفاو التي كانت الأشرس والأدمى في الحرب. أنا أعتقد أنه بالنسبة إلى سليماني، كما لكثير من الإيرانيين فإن وقف إطلاق النار الذي تحقق عام 1988 كان أمرًا جدًا، نذكر وصف آية الله الخميني له بالسم. سليماني ومقاتلون مخضرمون إيرانيون يشعرون بأن الحرب لم تنته بعد، والآن جاءت فرصتهم لتحقيق النصر، ولرؤية العراق منهزم بشكل نهائي، يعني بتقسيمه إلى عدة مناطق، إذا لم يكن التقسيم رسميًا فعلى الأقل يكون قائمًا على الأرض. لهذا كما أعتقد، ما زال الإيرانيون يدفعون في العراق، ولهذا يدعمون الميليشيات الشيعية لمعرفتهم بأن السنة يكرهونهم. وعراق منقسم ما بين الأكراد والسنة العرب والشيعة العرب هو عراق قد انهزم أخيرًا، وبالتالي فإن الحرب الإيرانية - العراقية انتهت بانتصار إيران. هذه بنظري رؤية الجنرال سليماني أنه يتطلع إلى تدمير العراق.
* هذا يذكرنا بعام 1982 عندما شعر الخميني بأن هناك فرصة، أمر قواته بمواصلة القتال لـ«تحرير» العراق والاندفاع حتى الى القدس. وكأن هذه الفكرة لا تزال تسيّر القيادة الإيرانية حتى اليوم؟
- نعم يجب أن نعرف أن إيران تعتبر نفسها قوة عظمى وتفكر بأبعد من حدودها بغض النظر عما إذا كان الحكام آيات الله أو الشاه. أذكر عندما استعمل الشاه محمد رضا بهلوي بحريته لأخذ الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) من الإمارات، ثم استعمل جيشه للقتال في عُمان، ما كان يقصده هو القول إننا إيران وإننا قوة عظمى سننشر القوة خارج حدودنا. آيات الله يفعلون الشيء نفسه، إنما يلجأون إلى الميليشيات والإرهاب بدل القوات النظامية. إنها نفس نظرة إيران الجيو - سياسية، بأنه لا يمكن احتواء إيران داخل حدودها، بل يجب أن نظل مندفعين.
* هذا يعني أنها مشكلة مستمرة على الشرق الأوسط أن يعيش معها؟
- بعض المشاكل يجب إدارتها لاحتوائها، لهذا من الأفضل أن ننطلق بإدارة المشكلة واحتوائها.
* بعد سوريا واليمن، استنتج عدد من المراقبين بأن قوة إيران الناعمة في معظم العالم العربي السنّي قد انهارت. وأنها تقتصر الآن على ممارسة القوة الصلبة في النزاعات الطائفية؟
- أعتقد أن الإيرانيين سيلجأون ويستخدمون كل ما يتوفر لهم من نفوذ وقوى تكون فعالة، وللأسف هذا زمن القوة الصلبة في أماكن مثل سوريا. بالطبع اليمن سهل للإيرانيين، ليس عليهم التورط مباشرة، الوضع أكثر تحديًا في سوريا، لأنه يتطلب منهم المواجهة المباشرة. الإيرانيون يستعملون كل ما يتوفر لديهم ويعتقدون أنه فعال.. ناعم، صلب، لا يهم، والهدف واحد وهو توسيع النفوذ الإيراني في المنطقة.
* كانت لك اتصالات مع الإيرانيين بعد عمليات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية، واستمرت طوال حرب أفغانستان، ووصفت عبارة «محور الشر» التي أطلقها الرئيس جورج دبليو بوش، بأنها غيّرت التاريخ. هل ما زلت متأسفًا لأن بوش قالها؟
- أفكر أنه كانت هناك مرحلة قصيرة ما بين عمليات سبتمبر 2001 وخطاب «وضع الاتحاد» في يناير (كانون الثاني) 2002، عندما كان الإيرانيون يراجعون سياستهم تجاه الولايات المتحدة، بمن فيهم سليماني، إذ كانوا يفكرون بإمكانية أن تعمل الدولتان معًا بعد عمليات سبتمبر وبعد الإطاحة بـ«طالبان». خطاب «محور الشر» أنهى تلك الفترة. هل كادت أن تؤدي إلى أي مكان؟ من يدري، لكنها كانت لحظة تغيير تاريخي.
* ومع هذا، اعتقدت أن باستطاعتك تحويل إيران العدو إلى صديق للولايات المتحدة وأبلغت المفاوض الإيراني عندما كنت في أفغانستان أنك تعتقد أنكم متوجهون إلى العراق.
- نعم الإشارات كانت واضحة منذ عام 2001.
* هل استمروا في التعاون؟
- بعد عبارة «محور الشر» ظلت هناك بعض الاتصالات، لكن تصلبت سياسة الإيرانيين تجاه الولايات المتحدة وتحولت إلى المواجهة، وهي على هذا النحو منذ ذلك الحين.
* أنت أيضا شاهد على أن إيران تؤوي مقاتلي «القاعدة». ففي مايو (أيار) 2003 وصلتك إشارة أمنية بأن مقاتلي «القاعدة» في إيران يستعدون للهجوم على أهداف غربية في السعودية. حاولت تحذير الإيرانيين إنما من دون جدوى، وهاجم أولئك 3 مجمعات سكنية قتلوا 35 مدنيا من مختلف الجنسيات بينهم 9 أميركيين. يعني هذا أن الاستراتيجية الإيرانية على تحريض المتطرفين السنة قائمة منذ البداية؟
- لا نقاش في ذلك أبدا. ورأينا هذا في العراق وأيضا في المناطق الكردية، حيث «أنصار الإسلام» من السنة المتطرفين يتلقون الدعم من الإيرانيين، وكان هذا عامي 2001 و2002. كان لديهم هذا النوع من التعاون مع «القاعدة» ومثيلاتها بين السنة منذ فترة طويلة. إنه جزء من سياستهم باستعمال هذه المجموعات ضدنا وضد الحكومات العربية الصديقة.
* إذن، معهم حق بعض المراقبين الأوروبيين الذين قالوا إن سليماني أراد استنزاف الأميركيين فاستدعى «المقاتلين الاسلاميين»، لكن الأمور أفلتت من تحت السيطرة؟
- سيطرة من؟
* بمعنى أنه فقد سيطرته على «المقاتلين الاسلاميين»، فظلوا يتجمعون فرقًا وأطيافًا وانتهينا بـ«القاعدة» و«داعش» و«النصرة»، وشاركت بالطبع دول أخرى، لكن هذا لا يعني أن إيران ليست بعيدة عن مساعدة السنة المتطرفين؟
- هذا صحيح. رأينا ذلك كما قلت في العراق، وهجوم «القاعدة» في السعودية عام 2003. الإيرانيون على استعداد للتعاطي مع كل الوسائل بما فيها المجموعات المتطرفة التي هي معادية للنظام الإيراني نفسه. إنه «زواج في الجحيم». وأعتقد أنه صحيح أيضا أن هذه لعبة خطيرة جدًا، لأنه لا حدود لهذه المجموعات وهذا ما نراه للأسف في المنطقة.
* هذا يقلقنا أيضا، إذ حتى لو جلست الدول المتصارعة وتصالحت فإن هذه المجموعات لن تفعل ذلك؟
- هذا صحيح أيضا، لذلك كل هذا المفهوم حول مفاوضات السلام بالنسبة إلى سوريا، لا أراه ذا معنى، فإذا عقدت المحادثات، فلن تكون «جبهة النصرة» أو «داعش» جزءًا منها، لأن هذه المجموعات لا تفاوض.
* ألا ترى أي أمل في استئناف مفاوضات السلام مع نهاية هذا الشهر؟
- أعتقد أن الأزمة الجديدة بين السعودية وإيران جعلت هذه المحادثات مستحيلة.
* وسوريا قصة طويلة؟
- آه... في مارس (آذار) سيكون مضى عليها 5 سنوات، لا أرى نهاية لها. تذكرنا نحن الاثنين بالحرب الأهلية اللبنانية، هذه أخذت 15 عامًا، ولا تنسي أن لا «سوريا» في سوريا لتتدخل.
* أظن أن هذا من حظ السوريين رغم كل المآسي هناك.
- ضحك...



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.