من التاريخ: الحملة الصليبية الأولى

من التاريخ: الحملة الصليبية الأولى
TT

من التاريخ: الحملة الصليبية الأولى

من التاريخ: الحملة الصليبية الأولى

تناولنا الأسبوع الماضي الأسباب المختلفة لظهور الحملات الصليبية على مصر والشام، وكيف أن العالم الكاثوليكي بدأ يستعد تدريجيا لفتح المجال أمام أكبر مشروع استعماري لاتيني/ كاثوليكي حتى هذا التاريخ، فقد ألهبت خطبة البابا أوروبان الثاني مشاعر الجميع، وفتحت المجال أمام شهوات الفقير والغني على حد سواء، فالغني رأى في هذه الحملات وسيلة لتوسيع ممالكه التي بدأت تضيق عليه في أوروبا، بينما سعى الفقير لمحاولة الترقي الاجتماعي والمالي بعدما أصبح النظام الإقطاعي يحول بينه وبين مثل هذه الأحلام. وأيا كانت حقيقة الأهداف، فإننا لا يمكن أن ننفي حقيقة أن كثيرين من الذين ذهبوا لتلبية نداء البابا كانت أهدافهم روحية ولديهم اقتناع الكامل بأن عملهم هذا لوجه الله سبحانه، خاصة أن البابا وعد غفرانا لكل من يشاركون في الحملات.
وهكذا اندلعت الحملات الصليبية، ولكنها تأخرت أشهرا طويلة قبيل انطلاقها الفعلي، ويرجع ذلك لعدد من الأسباب؛ على رأسها أن المزارعين اضطروا للانتظار لموسم الحصاد ليجهزوا المواد الغذائية التي كان من المقرر أن يذهبوا بها في رحلتهم، كما أن الوقت لم يسعفهم من أجل بيع مقتنياتهم أو ماشيتهم استعدادا لهذه الخطوة المصيرية والهجرة المنتظرة. وقد بدأت جحافل المزارعين من غرب أوروبا، خاصة في الدول المعروفة اليوم بفرنسا وألمانيا وبدرجة أقل إنجلترا، في التحرك صوب القسطنطينية في منتصف الربيع من عام 1096، وذلك في مقابل انتظار للفرسان والنبلاء الذين كانوا يسيرون إما بالخيل أو من خلال البحر.
لعل من أكثر الشخصيات تعبيرا التي نقلتها لنا كتب التاريخ كانت شخصية بطرس الناسك Peter the Hermit، وهو راهب كاثوليكي يقال إنه أخذ التكليف مباشرة من أوروبان الثاني لجمع جيش المزارعين تحت اسم «جيش الرب»، فقام يخطب في الفقراء والمساكين ويعدهم بالجنة ويحرضهم على المسلمين «سافكي الدماء ومدنسي الأعتاب الكريمة»، وقد كان له أسوأ الأثر في إلهاب المشاعر العدائية الشديدة تجاه المسلمين، وقد وصفته بعض كتب التاريخ بأنه كان دميم المنظر يجوب المدن بحماره، وهو ما يذكرنا في التاريخ الإسلامي بـ«ذي الحمار»، أو «الأسود العنسي» الذي ارتبط شخصه بالحمار الذي كان يمتطيه ويجعله يقوم بأعمال سحرية بناء على أوامره. وقادت هذه الشخصية الدميمة جيوش المزارعين إلى أن وصلت إلى القسطنطينية، وتشير أغلبية المصادر التاريخية إلى أن أول ضحايا الحملات الصليبية لم يكونوا المسلمين؛ بل اليهود والمسيحيون، فيقال إن جيش الناسك كان يعتريه تطرف ديني شديد للغاية، لم يسمح له بتحديد العدو الحقيقي، فدفعت شرق أوروبا الأثمان غالية من أبنائها من غير الكاثوليك.
واقع الأمر أن الإمبراطور البيزنطي جزع أشد الجزع عندما رأى هؤلاء، فلم يسمح لهم بدخول المدينة خوفا منهم، وأسرع، بناء على إصرارهم، إلى نقلهم بسفنه عبر البوسفور لآسيا الصغرى وبلاد المسلمين، ولم ينتظر الناسك وصول الإمدادات، بل أصر على المضي قدما لمحاربة المسلمين، وهو ما كلفه جزءا كبيرا من جيشه، حيث لقي هزيمة متوقعة من جيوش إسلامية أحسن تدريبا من جيش المزارعين الذي يقوده، وعندما وصل الجيش الحِرَفي الكبير من الفرسان الأوروبيين إلى القسطنطينية، قام الإمبراطور بمساعدتهم، ولكنه رفض الانضمام إليهم، وكانت أهم الشخصيات التي صارت على رأس هذه الجيوش جودفري دي بوويون وغيره من النبلاء الأوروبيين، وقد انضم للجيش فلول جيش بطرس الناسك، وبدأت الحملات الصليبية تأخذ شكلها المتوقع والمنتظر، علما بأنها لم تكن خاضعة لقيادة موحدة، وهو ما سمح بهزيمتها.
لقد كان واقع المسلمين صعبا للغاية، فدولة السلاجقة الأتراك كانت ضعيفة بعد صراعات ممتدة مع الدولة البيزنطية، ولم تكن لها طاقة بمثل هذه الجحافل القادمة التي لم يكن المسلمون يدركون أنها مشروع استعماري واسع النطاق، فظنوا أنها عمليات متفرقة لدعم الدولة البيزنطية، كذلك، فإن الشام أصبح دويلات صغيرة مرتبطة بالمدن الكبيرة، ولم تكن الألفة السياسية هي الميزة التي ميزتهم؛ بل إنهم كانوا في صراعات توازن قوى ممتدة، وذلك في الوقت الذي كانت فيه الدولة الفاطمية تمر بظروف صعبة بعض الشيء، وعلى الرغم من أنها كانت تملك بيت المقدس وبعض المدن الساحلية، فإن حالة الفرقة والانعزالية أضعفت فرص المقاومة الإسلامية، حيث كان من الممكن القضاء عليها قضاء مبرما لو كانت الوحدة سائدة وهو ما لم يحدث.
كانت مدينة نيقية أول ضحية كبرى للحملات الصليبية، ولم يستطع قلج أرسلان سلطان السلاجقة أن يحول دون سقوط المدينة، خاصة أن الجيوش الصليبية كانت مشتعلة بالكراهية والجوع في آن واحد، مما صعب مهمة إيقافها على الرغم من أنها كانت على وشك الهزيمة في المعارك التي خاضتها حتى سقوط هذه المدينة. وكانت الإمارة الكبيرة التالية التي وقعت في براثن الحملات الصليبية هي الرها التي تحولت فيما بعد إلى مملكة صليبية منفصلة، ثم تحركت الجحافل الصليبية صوب الجنوب بمحاذاة الساحل حتى وصلت إلى مدينة أنطاكيا وفرضت عليها الحصار، ولكنها لم تنجح في كسر مقاومة هذه المدينة، وقد ترامى إلى مسامع الصليبين أنباء قدوم جيش فارسي كبير بقيادة كوبوجا ليفك الحصار ويواجه الصليبيين، وقد اضطر الصليبيون إلى التحرك السريع، ومن خلال خيانة أحد الأرمن جرى دخول المدينة واستباحتها تماما، ولكنها سرعان ما اضطرت للتجهيز لجيش كوبوجا القادم، وعندما ضاقت السبل، لجأ الصليبيون لحيلة جديدة لمواجهة هذا الجيش من خلال إعلان أحد الرهبان أن السيد المسيح عليه السلام جاء له في المنام وكشف له مكان الحربة المقدسة التي استخدمت لنغز جسده وهو على الصليب، وقد وجدوها، وبالفعل انتشرت هذه الظاهرة بين المتطرفين وألهبت الحماس الشديد فيهم، وحفزتهم على هزيمة الجيش الإسلامي الجديد، وقد اضطر الراهب صاحب مشروع الحربة المقدسة لتعريض نفسه لمحكمة مقدسة Trial by Ordeal حيث أدخل نفسه بين النيران لإثبات صدقه، وقد خرج الرجل ليموت بعد أيام قليلة من هذه المحاكمة، وبالفعل أصبحت مدينة أنطاكيا هي الإمارة الصليبية الثانية.
أدرك الفاطميون أن الأمر أصبح غاية في الخطورة، فقد تصبح مصر في أي لحظة في مهب الريح الصليبية، وهو ما اضطرهم لتجهيز حملة برية وبحرية للبدء في طرد المستعمرين الجدد، ولكن الجيش الفاطمي لقي هزيمة ساحقة، وبدا واضحا أن الصليبيين قد ضمنوا انتصارا استراتيجيا كبيرا جعل ممالكهم الثلاث في مأمن ممتد، خاصة مع غياب أي قوة إسلامية قادرة على اتخاذ أي رد فعل، بل إن من أهم آثار هذه الهزيمة العسكرية أنه جرى تحييد مصر لفترة زمنية في هذا الصراع الصليبي. وهكذا استباح الصليبيون أراضي الإسلام لتنفيذ أغراضهم الاستعمارية بستار من الدين. ولعل من سخرية القدر أن موحي هذا المشروع البابا أوروبان الثاني لم يمهله القدر ليستمتع بخبر سقوط بيت المقدس، تماما مثلما حدث لكثير من الساسة على المستوى الدولي الذين عاقبهم الموت بحرمانهم من رؤية حلم عمرهم يتجسد.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.