أوكرانيا.. من يدفع الثمن؟

خيارات أميركا وأوروبا في التعامل مع طموحات {الدب} الروسي

أوكرانيا.. من يدفع الثمن؟
TT

أوكرانيا.. من يدفع الثمن؟

أوكرانيا.. من يدفع الثمن؟

لا أحد يعرف كيف يمكن أن تتطور الأزمة الأوكرانية، المتفائلون يعزفون على وتر الحلول الدبلوماسية والضغوط الأميركية والأوروبية ومجموعة العقوبات الاقتصادية التي يمكن أن تكون رادعا قويا لرد طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتجبره على التراجع عن مزيد من التحركات العسكرية وإشاعة الإضرابات في أوكرانيا.
والمتشائمون يرون أن الأزمة التي تعد الأسوأ أوروبيا، منذ حرب البوسنة والهرسك، يمكن أن تعيد مرة أخرى أجواء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا، بل يمكن أن تشعل لهيب حرب بين البلدين قد تتصاعد لحرب نووية حيث يملك كل من الولايات المتحدة وروسيا نحو 16.700 سلاح نووي.
وفي نظر المتشائمين يمكن أن تؤدي حرب نووية بين البلدين إلى نهاية العالم وانقراض الجنس البشري. لكن من غير المرجح أن ينتهي الأمر بحرب نووية أو تقليدية كما يقول أصحاب الرأي الوسط، لكن بزيادة جرعة التعاون بين روسيا وأوروبا والولايات المتحدة لتحقيق السلام في المنطقة.
ووسط هذه الأجواء تشتعل حرب التصريحات المتبادلة بين الجانبين والتهديدات والتأهب العسكري واستعراض القوة العسكرية، والتلويح بإجراءات رادعة، وكلها أمور تفتح الباب أمام سيناريوهات سيئة.
الأمر المؤكد حاليا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يجيد اللعب بأوراق التاريخ والجغرافيا والسياسة بطرق تضمن له تحقيق أطماعه التوسعية وضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا. فهو يتحكم إلى حد كبير في قواعد اللعبة، فالتصويت المقرر في السادس عشر من مارس (آذار) الجاري من المرجح أن يأتي لصالح ضم القرم لروسيا حيث يسيطر نواب من أصول روسية على نسبة كبيرة من البرلمان في شبه جزيرة القرم.
ومن المرجح أيضا أن يتلاعب بوتين في النتيجة لصالح ضم القرم إلى روسيا، والتي كانت جزءا من روسيا حتى نقل رئيس الوزراء السوفياتي (الأوكراني الأصل) نيكيتا خروتشوف تبعيتها لأوكرانيا عام 1954.
وتتوقع واشنطن هذه التطورات واستبقتها بعدة تصريحات عن مسؤولين أميركيين بأن التصويت لن يكون شرعيا بموجب القانون الدولي. وهدد الرئيس أوباما بأن أي تصويت بانفصال القرم من أوكرانيا والانضمام إلى روسيا سيكون خرقا للقانون الدولي.
والسؤال ماذا ستفعل واشنطن إذا صوت برلمان القرم لصالح الانضمام لروسيا، هل سيكون لواشنطن خيارات عسكرية تدرسها، وكيف تقنع بها الرأي العام والكونغرس. من جانب آخر فإن القيام بخطوة عسكرية أميركية من شأنه تعزيز ادعاءات بوتين - الذي يحظى بشعبية كبيرة بين القوميات الروسية في أوكرانيا - أنه يدافع عنهم ضد التدخل الغربي.
* المخاوف الأميركية الأوروبية
من المهم تحديد الهدف في التعامل مع الأزمة الأوكرانية، كما يرى خبراء السياسة، لأن استفزازات بوتين يمكن أن تؤدي إلى تقسيم أوكرانيا كحل لإنهاء الصراع حيث تخضع الأجزاء الشرقية لأوكرانيا (الموالية لروسيا) لسيطرة روسيا وتخضع الأجزاء الغربية (الموالية لأوروبا) للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، لكن مخاطر هذا السيناريو كارثية حيث يعيد مشهد مواجهة بين القوات الأميركية والروسية عند حدود تم تقسيمها بفرض الأمر الواقع.
يبدو أن بوتين يختبر تحركات واشنطن في رقعة شطرنج يملك فيها اليد العليا، وإذا نجحت خطته في السيطرة على شبه جزيرة القرم فإنه من المرجح أن يتحرك نحو أجزاء أخرى من أوكرانيا. وقد سبق لروسيا القيام بنفس التصرفات في جورجيا عام 2008 ووقتها قامت إدارة الرئيس بوش بإرسال البوارج الأميركية إلى البحر الأسود ومنعت موسكو من تحقيق أهدافها بالإحاطة بالحكومة المنتخبة في جورجيا.
مهلا.. يشير المحللون في واشنطن إلى أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي يملكون الكثير من أوراق اللعب لكن عليهم أولا الاتفاق على استراتيجية للتعامل مع هذه الأوراق. أولى تلك الأوراق هي الترسانة الأميركية المتنامية في إمدادات الطاقة والتي من المتوقع أن تجعل الولايات المتحدة أكبر مصدر للطاقة بحلول عام 2020. وبالاتفاق على خطة لتخفيض اعتماد الدول الأوروبية وبصفة خاصة أوكرانيا على الغاز الروسي فإن النفوذ الروسي سيتلاشى كما سيتأثر الاقتصاد الروسي بانخفاضات أسعار النفط والغاز إذا تبدل اعتماد أوروبا على استيراد الطاقة من الولايات المتحدة.
ويصف المحللون ورقة الطاقة بأنها ستقلب المائدة على بوتين الذي يستخدم ورقة الطاقة كسلاح للضغط على الدول الأوروبية وبصفة خاصة ألمانيا.
ويشير الخبراء إلى أوراق ضغط أخرى مثل فرض عزلة دبلوماسية على روسيا وتجميد الأصول وفرض قيود على منح تأشيرات سفر لطبقة رجال الأعمال الروس الذين يملكون مشاريع واستثمارات ضخمة في أوروبا
ويشير بعض المحللين إلى ضرورة أن تتماشى خطط العقوبات مع خطط لمساعدة أوكرانيا اقتصاديا، وخطط لإجراء مناورات عسكرية تعزيز الدفاع الجوي مع دول البلطيق.
وفي مقابلة تلفزيونية ببرنامج «واجه الصحافة» شدد ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي السابق على ضرورة قيام إدارة أوباما بالإبقاء على الخيارات العسكرية على الطاولة ردا على غزو روسيا لشبه جزيرة القرم. وقال «أشعر بالقلق عندما نبدأ في التعامل مع الأزمات وأول شيء نقوم به هو إسقاط خيارات من على الطاولة». وأضاف «عندما يقول (أوباما) لا خيار عسكريا في أوكرانيا فإن هناك خيارات عسكرية لا تنطوي على وضع قوات على الأرض في شبه جزيرة القرم».
واقترح تشيني استئناف العمل على أنظمة دفاع صاروخية في بولندا وجمهورية التشيك التي بدأتها إدارة الرئيس السابق جورج بوش، وأوقفتها إدارة أوباما منذ بضع سنوات، والقيام بمناورات عسكرية مشتركة في المنطقة وتوفير التدريب والمعدات للقوات الأوكرانية.
وأشار تشيني إلى قدرة الولايات المتحدة على مد أنابيب الغاز «كيستون اكي إل» دون تكلفة كبيرة مما يدعم صادرات الغاز الأميركي إلى أوروبا ويخفض من اعتماد الدول الأوروبية على الغاز الروسي.
وحذر نائب الرئيس الأميركي السابق من أن تردد إدارة أوباما في التعامل مع الأزمة السورية جعل الحلفاء أكثر تشككا في القدرة على الاعتماد على الولايات المتحدة والمشاركة معها في جهود دولية، وقال تشيني «لقد خلقنا صورة من الضعف والتردد (لأميركا) في جميع أنحاء العالم وليس فقط أمام الروس».
يقول الأستاذ بجامعة ميتشغان ملفين ليفيتسكي الدبلوماسي الأميركي السابق والخبير في العلاقات الأميركية الروسية إن روسيا انتهكت التزاماتها وفقا لميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر توجيه ضربات عسكرية من جانب واحد، وانتهكت اتفاق عام 1994 مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الذي يحظر استخدام القوة في أوكرانيا مقابل تخلي أوكرانيا عن الأسلحة النووية السوفياتية.
وحول السياسة التي يمكن للولايات المتحدة اتباعها يقول ليفيتسكي «أعتقد أن الروس لديهم موقف أفضل من أوروبا الغربية والولايات المتحدة خاصة وهم ينظرون إلى الولايات المتحدة بعد أن خاضت حربين في العراق وأفغانستان ولا تريد خوض حر أخرى وقد بدا ذلك واضحا في الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس أوباما بشأن سوريا. ويعتقد الروس أنهم يمكنهم الإفلات».
ويضيف «تستند الإجراءات التي اتخذها بوتين إلى إحساس خاطئ بالفخر والانتصار واستعادة أمجاد روسيا ويجب أن تأخذ واشنطن ذلك في حسبانها خاصة أن تطورات الأحداث تعرض حلفاء مثل جورجيا ومولدوفا والحكومة الأوكرانية الجديدة لمزيد من المخاطر ويجب أن تكون تلك الدول على استعداد للمواجهة، وتعتمد الحكومة الروسية على استراتيجية استفزاز لزيادة وتيرة التوتر العرقي في أوكرانيا، وإذا صعدت الولايات المتحدة الموقف بإرسال سفن حربية إلى البحر الأسود، أو وضعت خطا أحمر فإن تورطها في هذا الصراع سيصبح واجبا وليس مجرد خطوات استراتيجية».
وتشير الباحثة بالشؤون الأوروبية جودي ديمبسي بمعهد كارنيجي إلى أن قادة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عاجزون عن وقف روسيا ودفعها للتفاوض مع الحكومة المؤقتة في كييف خاصة بعد أن تجاهلت روسيا كافة الجهود الدبلوماسية الأوروبية.
وتقول «إن بوتين يسعى لكسب مزيد من الوقت لترسيخ قبضته على شبه جزيرة القرم والتمادي إلى ما هو أكثر من ذلك؛ إلى بولندا ودول البلطيق والسويد، ويمكن للاتحاد الأوروبي مقاطعة قمة دول الثماني وفرض قيود على تأشيرات السفر للمسؤولين الروس، وهي في أحسن الأحوال تدابير رمزية لكنها لن تغير الحقائق على أرض الواقع، والأفضل هو تجميد الأصول الروسية في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة».
وتؤكد الباحثة على ضرورة النظر بجدية لمثل هذه العقوبات وتحرك القادة الأوروبيين لتطبيقها بسرعة قبل أن تضيع شبه جزيرة القرم.
وفي مقال بصحيفة «واشنطن بوست» قال وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر (1973 - 1977) «كل المناقشات حول أزمة أوكرانيا تركز على المواجهة، لكننا لا نعرف أين نحن ذاهبون، وقد رأيت في حياتي أربع حروب بدأت بحماسة كبيرة وتأييد شعبي وجميعها لم نكن نعرف كيف ننهيها، وثلاث حروب منها انسحبنا من جانب واحد، والاختبار الحقيقي للسياسة هو الخاتمة وليس البداية».
يقول كيسنجر إن النقاش ليس هل تنضم أوكرانيا إلى الشرق أم إلى الغرب وإنما كيف يمكن بقاء أوكرانيا على قيد الحياة وأن تكون جسرا بين الشرق والغرب، مشيرا إلى أن أوكرانيا كانت جزءا من روسيا لعدة قرون وتملك تاريخا معقدا وتركيبة سكانية متعددة اللغات وأي محاولة من جناح واحد من أوكرانيا السيطرة على الآخرين من شأنها أن تؤدي إلى حرب أهلية وتعرقل أي احتمال لجلب روسيا والغرب إلى نظام دولي تعاوني.
ويضيف كيسنجر «على بوتين أن يدرك أن سياسة الإملاءات العسكرية من شأنها أن تنتج الحرب الباردة مرة أخرى وعلى واشنطن التعامل بصبر لفرض القواعد».
واقترح كيسنجر خطة يكون لأوكرانيا فيها حق الانضمام بحرية إلى التجمعات الاقتصادية والسياسية وحرية تشكيل حكومة يتوافق عليها الشعب الأوكراني تحقق سياسة المصالحة بين مختلف أجزاء البلاد، والضغط على روسيا للاعتراف بسيادة أوكرانيا على شبه جزيرة القرم، وإزالة أي غموض حول أسطولها في البحر الأسود. ورفض كيسنجر انضمام أوكرانيا لحلف الناتو.
ويرى زيباغو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق (1977 - 1981) أن مصير الأزمة الأوكرانية يعتمد على ما سيفعله فلاديمير بوتين في الأيام المقبلة، وتقديراته لما سيقوم به حلف الناتو والولايات المتحدة، وحساباته لرد فعل الشعب الأوكراني ضد تكرار أي عدوان روسي، وأيضا مدى ثقة الأوكرانيين في الاعتماد على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
ويقول بريجنسكي إن نجاح بوتين في ضم شبه جزيرة القرم قد يغريه بالتقدم أكثر في أوكرانيا واستغلال الاضطرابات السياسية في تحقيق مزيد من التقدم للقوات الروسية لقلب نظام الحكم في كييف، وستكون نتيجة مماثلة لما قام به هتلر في ميونيخ عام 1938 واحتلال براغ وتشيكوسلوفاكيا أوائل عام 1939.
ويؤكد مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق أن الأمر يتوقع على قدرة الغرب في إقناع «ديكتاتور الكرملين» أن حلف الناتو لا يمكن أن يقف صامتا إذا اندلعت حرب في أوروبا، لكن هذا لا يعني أن الغرب أو الولايات المتحدة ينبغي أن تهدد بالحرب لكن ينبغي الضغط على روسيا لكي تعترف بالحكومة الحالية لأوكرانيا وعلى الغرب مساعدة الجيش الأوكراني بما يعزز قدراته الدفاعية وألا يكون هناك مجال للشك أن أي هجوم روسي ضد أوكرانيا سيؤدي إلى اشتباك طويل ومكلف.
ويطالب بريجنسكي حلف شمال الأطلسي بالاستعداد بخطط طوارئ، ورفع حالة التأهب وإقامة جسور جوية لوحدات أميركية لأوروبا مما سيكون له مغزى سياسيا وعسكريا، وألا يكون هناك أي غموض لدى الكرملين أن أي تحرك سيكون مغامرة باستخدام القوة في وسط أوروبا، على أن يتوازى ذلك بجهود لتفادي أي حسابات خاطئة يمكن أن تؤدي إلى حرب والتأكيد على رغبة الغرب في إقامة علاقات هادئة مع روسيا ومساعدة أوكرانيا على التعافي اقتصاديا واستعادة الاستقرار سياسيا وطمأنة روسيا أن الغرب لا يسعى لضم أوكرانيا إلى الناتو أو تحويلها ضد روسيا.
وأعلن الناتو أول من أمس، إرسال طائرات استطلاع من نوع «أواكس» للقيام بمهمات استكشافية في أجواء بولندا ورومانيا، في إطار «مراقبة» الأزمة في أوكرانيا.
ويقول مسؤول في الحلف في بروكسل إن مجلس الحلف الأطلسي الذي يضم سفراء الدول الـ28 الأعضاء «قرر القيام بطلعات استطلاعية لطائرات (أواكس) فوق بولندا ورومانيا.. ستعزز قدرة الحلف على مراقبة الوضع» في أوكرانيا. و«ستجري فقط فوق أراضي» الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي، وبالتالي لن تحلق فوق أوكرانيا.
ويشعر الاتحاد الأوروبي بالقلق إزاء التطورات المتسارعة للأزمة في أوكرانيا، وما تقوم به روسيا وخاصة فيما يحدث حاليا في شبه جزيرة القرم.
وهناك أسباب كثيرة لهذا القلق، منها ما يتعلق بعوامل اقتصادية أو أمنية أو سياسية أو اجتماعية، ولكن في الوقت نفسه لا يزال يراهن التكتل الأوروبي الموحد على إمكانية إيجاد حل دبلوماسي للأزمة من خلال عملية تفاوضية سواء عبر التفاوض الثنائي بين روسيا وأوكرانيا أو من خلال آلية متعددة الأطراف.
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» تقول مايا كوسيانتيش المتحدثة باسم منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي «نحن لا نزال نشعر بالقلق وسط تزايد التصعيد على الأرض، وتزايد الحشود الروسية العسكرية في شبه جزيرة القرم».
وتضيف «هناك تقارير تشير إلى عمليات ضرب واعتقالات وخطف لصحافيين وناشطين مدنيين وأيضا قطع قنوات التلفزة الأوكرانية من البث المباشر، إلى جانب عرقلة وصول مراقبين عسكريين غير مسلحين إلى شبه جزيرة القرم». وحول التعامل الأوروبي مع تلك التطورات تقول المتحدثة باسم كاثرين أشتون، إن هناك إصرارا على الحاجة إلى دخول روسيا في حوار مع أوكرانيا من أجل التفاوض بشأن حلول للخروج من الأزمة في ظل الاحترام الكامل للقانون الدولي وسلامة الأراضي الأوكرانية سواء كانت تلك المفاوضات في إطار ثنائي أو في إطار متعدد الأطراف. و«نحن في أوروبا مستعدون للمشاركة في هذه الآليات من أجل تحقيق نتائج ملموسة وتهدئة الوضع».
وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس حذر بفرض عقوبات جديدة على روسيا قد تبدأ خلال الأسبوع الحالي، في حال عدم تجاوب القيادة الروسية مع الاقتراحات الغربية لوقف التصعيد الأوكراني، ومن أبرزها إلغاء الاستفتاء على انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا والمقرر له يوم الأحد المقبل.
فابيوس قال متحدثا لإذاعة «فرانس إنتر» «أرسلنا عبر (وزير الخارجية الأميركي) جون كيري اقتراحا للروس من أجل (وقف التصعيد) في أوكرانيا»، دون أن يوضح تفاصيل هذا المقترح. وتابع أن الروس «لم يردوا بعد وإن ردوا إيجابا، فسوف يتوجه جون كيري إلى موسكو، وعندها لن تكون العقوبات فورية. وإذا لم تحدث استجابة أو كان الرد سلبيا، فستكون هناك مجموعة عقوبات قد يجري فرضها اعتبارا من هذا الأسبوع».
وقال إن هذه العقوبات «ستتضمن تجميد أموال شخصية بحق روس وأوكرانيين وعقوبات تستهدف التنقلات على صعيد تأشيرات الدخول».
من جهتها تقول روسيا إن السلطات الأوكرانية الجديدة وصلت إلى الحكم بانقلاب على السلطة الشرعية، وإن واشنطن لم تبد الاستعداد للانضمام إلى المساعي الدبلوماسية التي من شأنها فتح قنوات حوار مباشر بين كييف وموسكو.
وتقول ألمانيا إن عدم استعداد الحكومة الروسية لتقديم تنازلات بخصوص الأزمة الأوكرانية سيؤدي إلى فرض مزيد من العقوبات ضد موسكو.
وذكر وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير في تصريح صحافي أن «روسيا إذا لم تكن مستعدة لتقديم تنازلات في الأزمة الأوكرانية فإن ذلك سيؤدي بالتأكيد إلى الوصول إلى مرحلة العقوبات». وأشار شتاينماير إلى أن العقوبات ستشمل قرارات بحظر السفر على شخصيات سياسية متورطة في الأزمة الأوكرانية بالإضافة إلى تجميد حسابات بنكية لهؤلاء الأشخاص.
ويرى الكثير من المراقبين والمحللين في بروكسل أن أوروبا تريد أن تظهر بصورة المراقب للموقف من بعيد وأنها لم تلعب أي دور في الأحداث فيما عدا دور الوساطة.
في غضون ذلك تواصل القوات الموالية لروسيا تعزيز سيطرتها على شبه جزيرة القرم الأوكرانية دون أي مقاومة، ويواصل الغرب والولايات المتحدة تحقيق التقارب مع حكام أوكرانيا الجدد، من خلال لقاء مرتقب لرئيس الوزراء الأوكراني الجديد أرسيني ياتسينيوك اليوم الأربعاء مع الرئيس باراك أوباما تلبية لدعوة من البيت الأبيض، دعوة تقول واشنطن إنها اعتراف بالدور المسؤول الذي لعبته الحكومة الجديدة في أوكرانيا.
وما زال الرئيس الأوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش يؤكد أنه الرئيس الشرعي لأوكرانيا والقائد الأعلى للقوات المسلحة، قائلا إنه يعتقد أنه سيتمكن من العودة قريبا إلى كييف.
ولا تبدي بعض المصادر الأوروبية الكثير من التفاؤل بإمكانية تراجع موسكو عن مواقفها، «هناك من يعتقد في أوروبا أن موسكو ستبذل كل جهدها لمنع أي تقارب مستقبلي لأوكرانيا سواء مع الاتحاد الأوروبي أو مع حلف شمال الأطلسي»، وعبرت عن قناعتها بأن الروس قد يلجأون إلى كافة الوسائل لتحقيق غرضهم، ولو كان ذلك على حساب وحدة أراضي أوكرانيا.

* احتجاجات أوكرانيا
* اندلعت المظاهرات في نوفمبر (تشرين الثاني) بدءا من كييف، بعدما رفض الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش اتفاقية تؤمن المزيد من التقارب الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي لصالح التقارب مع روسيا. لكن للأزمة جذورها، فأوكرانيا بلد متعدد الإثنيات والأعراق والأديان واللغات. وهو منقسم بين شرق يتكلم سكانه الروسية ويرون في روسيا بلدهم الأم، ويانوكوفيتش واحد من هؤلاء، وبين غرب يتكلم اللغة الأوكرانية ويدعو إلى الانضمام لأوروبا.
الانقسام إذن سياسي ثقافي اقتصادي ويجد عمقه في أزمة الهوية التي يعيشها البلد الذي نال استقلاله في عام 1991 بعد سقوط الاتحاد السوفياتي السابق.
ماذا لو اجتاحت روسيا أوكرانيا؟
من الصعب التكهن بما ستؤول إليه الأمور.. ولكن الحقائق على الأرض تقول الآتي:
* تَمد روسيا بـ31 في المائة من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز، 27 في المائة من واردات البترول الخام، 24 في المائة من واردات الفحم، و30 في المائة من واردات اليورانيوم. كما أن روسيا ثالث أهم مزود كهرباء للاتحاد الأوروبي.
* لكن هذه المعطيات لا تدل على تبعية اقتصادية أوروبية بحتة، حيث إن الاتحاد الأوروبي ليس فقط أكبر شريك اقتصادي لروسيا، بل يمثل كذلك سوقا استهلاكية لـ88 في المائة من الصادرات الروسية للبترول ولـ70 في المائة من صادراتها الغازية ولـ50 في المائة من صادرات الفحم.
* فضلا عن ذلك فإن صادرات الطاقة للاتحاد الأوروبي تشكل ما يجاوز 40 في المائة من ميزانية روسيا.
* نظرا للترابط الاقتصادي القوي بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، فمن الأرجح أن يعاني كلا الطرفين من خسائر اقتصادية جسيمة في حال ما تهورت روسيا وكثفت من وجودها العسكري في أوكرانيا، أو أسوأ من ذلك، إن قررت اجتياحها.
* لكن روسيا، عكس نظيراتها من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، ستعاني، بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية، من عزلة في المجتمع الدولي، بدأت علاماتها تظهر من خلال تعليق تحضيرات قمة مجموعة الثماني التي كان من المرتقب أن تنعقد بسوتشي في حزيران (يونيو) المقبل.
* وجدير بالذكر أن بورصة موسكو هبطت بما يعادل 10 في المائة خلال أول يوم مداولات بعد تحركاتها العسكرية التي حدثت في الحدود مع أوكرانيا الأسبوع الماضي.
* ستُعد أي محاولة لاجتياح الأراضي الأوكرانية بمثابة اعتداء إمبريالي بحت سيؤدي إلى عزل روسيا من طرف المجتمع الدولي.
* عواقب اجتياح أوكرانيا قد تنعكس سوءا على المصالح الروسية بالداخل كذلك؛ حيث إن انتهاكها لسيادة أوكرانيا الجغرافية قد يشجع أقلياتها العرقية في مناطق مثل سيبيريا الشرقية، الغنية بمواردها المعدنية وأراضيها الزراعية الخصبة، على المطالبة باستقلالها.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.