خبطات صحافية تصبح أفلامًا سينمائية

من قاعة الأخبار إلى هوليوود

أبطال فيلم «سبوت لايت» (ضوء كاشف) نقلا عن التحقيقات الصحافية الميدانية لصحيفة «بوسطن غلوب» («الشرق الأوسط»)
أبطال فيلم «سبوت لايت» (ضوء كاشف) نقلا عن التحقيقات الصحافية الميدانية لصحيفة «بوسطن غلوب» («الشرق الأوسط»)
TT

خبطات صحافية تصبح أفلامًا سينمائية

أبطال فيلم «سبوت لايت» (ضوء كاشف) نقلا عن التحقيقات الصحافية الميدانية لصحيفة «بوسطن غلوب» («الشرق الأوسط»)
أبطال فيلم «سبوت لايت» (ضوء كاشف) نقلا عن التحقيقات الصحافية الميدانية لصحيفة «بوسطن غلوب» («الشرق الأوسط»)

في الشهر الماضي، نزل إلى دور السينما الأميركية فيلم «سبوتلايت» (ضوء كاشف)، عن خبطة صحافية نشرتها صحيفة «بوسطن غلوب»، عام 2002، عن تفشي اغتصاب الأولاد في الكنيسة الكاثوليكية الأم في بوسطن (ولاية ماساشوستس). وعن حرص قادة الكنيسة، وخاصة الكاردينال بيرنارد لو، على إخفاء ما حدث (رغم أنه أصدر أوامر بنقل قساوسة متورطين من كنيسة إلى أخرى. ورغم أنه أمر بدفع تعويضات سرية لبعض الضحايا).
كان ذلك أول تحقيق صحافي، بل أول تحقيق (لم يحدث تحقيق جنائي قبل ذلك) عن الموضوع، ليس فقط في الولايات المتحدة، ولكن، أيضا، في كل العالم.
ركز التحقيق الصحافي على القس جون غيوغان، الذي اغتصب، خلال عشرين عاما، أكثر من مائة صبي. لكن، لا هو، ولا الصبيان، ولا ثلاثة كاردينالات مروا على الكنيسة الكبرى تحدثوا علنا عن الموضوع.
بسبب الضجة التي أثارها التحقيق، أنهى رجال (كانوا صبيانا) صمتهم. ونشروا ما حدث لهم. واعترف كاردينالات بدفع تعويضات سرية. ثم اضطروا لدفع تعويضات علنية. وقال الكاردينال بيرنارد لو إن الكنيسة ستعلن الإفلاس بعد أن بلغت التعويضات مئات الملايين من الدولارات.
وقلد صحافيون في دول أخرى ما فعل صحافيو «بوسطن غلوب»، وانتشرت الفضائح في كنائس كاثوليكية رئيسية في آيرلندا، وإسبانيا، والفلبين، وغيرها.
في عام 2011، اعترف الفاتيكان، وأعلن أن ثلاثة آلاف حادث اغتصاب، خلال أربعين عاما، في 16 دولة هي «جرائم لا يمكن أن يغفر الله عنها».
ولا تذكر الخبطات الصحافية التي صارت أفلاما سينمائية، إلا وتذكر فضيحة «ووترغيت» التي كشفتها صحيفة «واشنطن بوست»، وكانت سبب استقالة الرئيس رتشارد نيكسون (عام 1975)، وكان أول رئيس أميركي يستقيل.
مثل صحافيي صحيفة «بوسطن غلوب» بعدهم بثلاثين عاما تقريبا، بدأ الصحافيان بوب وودورد وكارل بيرنشتاين بخبر صغير (بيان من شرطة واشنطن عن سطو أشخاص على رئاسة الحزب الديمقراطي في مبنى «ووترغيت» في واشنطن).
مثل خبطة «بوسطن غلوب»، صارت خبطة «واشنطن بوست» فيلما سينمائيا مشهورا، باسم «كل رجال الرئيس». مثل روبرت ريدفورد دور بوب وودوورد. (في فيلم «سبوتلايت»، مثل مايكل كيتون دور كبير الصحافيين وولتر روبنسون).
كان الإقبال على فيلم «رجال الرئيس» بنسبة ثمانين في المائة. وربما سيكون الإقبال على فيلم «سبوتلايت» بنسبة خمسين في المائة.
لكن، ربما سينخفض الإقبال على فيلم «بيغ شورت» (قصير عملاق) إلى نسبة ثلاثين في المائة. هذا فيلم بدأ عرضه في دور السينما الأميركية في الأسبوع الماضي. وهو عن خبطة صحافية للصحافي مايكل لويس (عمل في «نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال» وغيرهما). وكان تابع تطورات كارثة عام 2008 الاقتصادية، وكتب عنها كتابا بنفس اسم الفيلم.
لكن، تبدو واضحة صعوبة تحويل هذا الموضوع الاقتصادي إلى فيلم يشاهده عامة الناس. لهذا، استعمل الفيلم رسوما بيانية، ومناظر حفلات صاخبة (عن الترف المتطرف في «وول ستريت» قبيل وقوع الكارثة الاقتصادية).
في كل الأحوال، ليست جديدة العلاقة بين صالات التحرير في الصحف الأميركية الرئيسية واستوديوهات هوليوود. هذه أفلام اعتمدت على خبطات صحافية:
في عام 1957، فيلم «اون ووتر فرنت» (على جبهة النهر).
فى عام 1975، فيلم «دوغ داي افترنون» (ظهر يوم الكلب).
في عام 1977، فيلم «ساترداي نايف فيفر» (حمى ليلة السبت).
لا بد أن هوليوود تقدر الجهد الذي يبذله الصحافيون، خاصة الذين يحققون خبطات صحافية. في الشهر الماضي، نشرت مجلة «كولمبيا جورناليزم ريفيو» (تصدرها كلية الصحافة في جامعة كولمبيا، في نيويورك) قصة واحدة من هذه الخبطات الصحافية. في عام 2008، عندما رشح عضو الكونغرس باراك أوباما نفسه لرئاسة الجمهورية كأول مرشح أسود، غطى حملته الانتخابية ويل هيقغوود، الصحافي في صحيفة «واشنطن بوست». مرة، كتب عن ثلاث طالبات جامعيات بيضاوات في شارلوت (ولاية ساوث كارولاينا) قال إنهن بكين وهن يستمعن إلى المرشح أوباما. لماذا؟ لأن والدهن العنصري كان طلب منهن عدم الذهاب إلى مكان التجمع. ولأنه انتقد أوباما انتقادات عنصرية قاسية. لهذا، قال الصحافي إنه قرر أن يكتب عن صلة السود بالبيت الأبيض، وهو يعرف أن السود «دخلوا» البيت الأبيض كخدامين، وطباخين، وكناسين.
عاد إلى واشنطن، وبدأ يبحث عن سود عملوا كطباخين في البيت الأبيض. وبدأ بسؤال السود في واشنطن، في المقاهي، وفي صالونات الحلاقة، وفي المطاعم. بعد أكثر من ستين اتصالا تلفونيا، وصل إلى طباخ عمل في البيت الأبيض. وكانت ناشطة سوداء في واشنطن اتصلت بالصحافي، وعرفته بطباخ البيت الأبيض: ايوجين بتلر.
وبعد اتصالات تلفونية أخرى، اتصل برقم، وقال الرجل في الجانب الآخر: «نعم، أنا ايوجين بتلار. وكنت طباخا في البيت الأبيض».
وأضاف بتلار: «لم أعمل فقط مع ثلاثة رؤساء. عملت مع ثمانية».
بعد ثلاثة أيام من أداء أوباما القسم رئيسا للجمهورية عام 2009، وفي صدر الصفحة الأولى، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريرا تحت عنوان: «طباخ في البيت الأبيض، ورئيس جديد».
في عام 2014، نال فيلم «طباخ» جائزة أوسكار.



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».