في الشهر الماضي، نشرت مجلة «بدون» الأميركية الإنجليزية الورقية (المتخصصة في ثقافات الشرق الأوسط) في موقعها في الإنترنت محتويات أعدادها السابقة، منذ بداية صدروها قبل عشرة أعوام تقريبا. لأن المجلة لم تكن تصدر بانتظام، ولم تكن كثيرة التوزيع في أميركا، وكانت نادرة التوزيع في الشرق الأوسط. وفر موقع الإنترنت معلومات وتعليقات كثيرة عن أول مجلة من نوعها: أميركية ثقافية شرق أوسطية خاصة. وكانت ليزا فرجام، وهي أميركية إيرانية ومؤسسة المجلة ورئيسة تحريرها، قد قالت لصحيفة «نيويورك تايمز» بأنها اختارت اسم المجلة: «بدون»، لتصور هويتها هي. وذلك لأن والديها ولدا في إيران، وولدت هي في أميركا، وكانت تعيش في أوروبا. وقالت: «أحس بأني من دون وطن. أنتمي إلى عدة أوطان، أو إلى لا وطن».
وذكرت أنها، منذ سنوات الجامعة، أحبت الكتابة والعمل الصحافي، واهتمت بمواضيع مثل تداخل الحضارات والثقافات، وخاصة وسط الجيل الثاني من المهاجرين الشرق أوسطيين إلى الدول الغربية.
لحسن حظها، كان والدها رجل أعمال ناجحا في دبي. شجع بنته، وتبرع بدعم صدور المجلة من نيويورك (منذ عام 2010. صارت تصدر عن مؤسسة خيرية). لكن، لم تصدر المجلة بصورة منتظمة. كانت تصدر أحيانا مرة كل أربعة شهور، وصدرت مرة كل عام، بل لم تصدر منذ ثلاثة أعوام. والشيء المثير أن الصحافيين والكتاب يعملون فيها تطوعا، ومنهم كبيرة المحررين نجار أزيمي.
وصارت المجلة مع الزمن منبرا لكتاب الجيل الثاني من المهاجرين، ومن أبرزهم صوفيا الماريا (نصفها بدوي ونصفها أميركي) عن «البنت التي هبطت إلى الأرض». بعد ذلك بعامين، أصدرت سيرة حياتها في كتاب بنفس الاسم. وفي هذا العام، سيقام لها معرض في متحف ويتني (في نيويورك) اعتمادا على الكتاب.
ومن مبادرات المجلة المهمة نشرها رسومات كارتونية تحت عنوان: «سترايك امبايار باك» (اضرب الإمبراطورية) من وحي أفلام «ستار وورز» (حروب النجوم). وفيها أن أول فيلم «حروب النجوم» عرض في العراق كان في عام 1980، في مبنى قيادة حزب البعث، وبإشراف عدي صدام حسين (قتل مع أخيه قصي بعد غزو العراق عام 2003).
كان عمر عدي 15 عاما. وصار مغرما بسلسلة هذه الأفلام. بعد ذلك بسنوات، صار عدي قائدا لمنظمة «فدائي صدام» العسكرية. وأمر بأن يلبس الجنود ملابس تشبه ملابس أفلام «حروب النجوم»، ولبس هو زي «دارث فيدر»، قائد الإمبراطورية. ومن المواضيع الأخرى: ربيع العرب، أفلام باكستان المخيفة، مغني الراب الأميركي «إم أي إيه».
وتربط المجلة علاقات وثيقة مع مؤسسات ثقافية شرق أوسطية مثل: «أرت دبي» و«سيناماتيك طنجة» و«الشارقة الألفية» و«أشكال ألوان بيروت». لكن لم تحصر موضوعات المجلة بالشرق أوسطيين، بل نشرت للأفريقي بنيافانغا وينينا، والهندي أشين برابهالا، والأميركي غاري دوفلين.
ربما أكثر موضوع له صلة بزميلات مجلة «بدون» العربيات الشرق أوسطيات هو الذي كتبته أتيل عدنان، الشاعرة والرسامة الأميركية اللبنانية الشهيرة، التي كتبت عن زياراتها إلى الشرق الأوسط، وعن مجلات لبنان الثقافية، قائلة: كانت في بيروت، قبل أربعين عاما، مجلة ثقافية صغيرة باللغة الفرنسية اسمها: «موفي سانغ». لكن، لم تعش طويلا. كما أذكر أني نشرت في مجلة «شعر». وعندما كان يوسف الخال في أميركا، حاول إصدار مجلة شعرية، لكنه لم ينجح. وحين عاد نهائيا إلى لبنان عام 1955، أصدر مجلة «شعر» التي كانت تطبع في مطابع أخيه رفيق الخال. ومن الذين كتبوا فيها: نازك الملائكة، فدوى طوقان، إبراهيم شكر الله، أدونيس، سعدي يوسف، بدوي الجبل. كذلك أذكر «غاليري ون» في بيروت الذي كان يديره يوسف الخال وزوجته هيلين. كنا نسهر في منزل الخال في حي ظريف، وفي نهاية السهرة، يدعونا الخال لزيارة الغاليري، وفي نهاية الزيارة يشتري كل واحد منا لوحة أو أكثر. كذلك اشتهر يوسف الخال أيضا بإدارة «صالون الخميس» الذي كان يرتاده أدباء مثل: أدونيس، أنسي الحاج، شوقي أبو شقرا.
في عام 1966. زارت أتيل عدنان المغرب، وكتبت عن مجلة ثقافية صغيرة باللغة الفرنسية اسمها: «سوفليه» (أنفاس) التي كان ينشرها عبد اللطيف اللعبي. وكان يكتب فيها أدونيس، والأديب المغربي مصطفى نيسابوري، والأديب المغربي الفرنسي الطاهر بن جلون.
وصار عدنان واللعبي صديقين. تقول عن تلك المرحلة: «خلال تلك السنوات، كنا نؤمن بالقومية العربية. وكنا نحلم بالولايات العربية المتحدة. وقلت للعبي: لا يجب أن ننتظر حتى تؤسسها الحكومات، لنؤسسها نحن». وفي وقت لاحق، أغلقت «غاليري ون»، ومجلة «شعر» في لبنان (عام 1970). وفي المغرب، أغلقت مجلة «سوفليه»، وسجن اللعبي. وكانت أتيل عدنان ترسل له كتبا فنية وثقافية وهو في السجن.
(في عام 2009. نال اللعبي جائزة «جونكور» للشعر، وكان قد انتقل إلى فرنسا بعد إطلاق سراحه عام 1980.
«بدون».. تعنى بثقافة شرق أوسطية وكل كتابها متطوعون
مجلة أميركية أفرزتها مرحلة ما بعد 11 سبتمبر
«بدون».. تعنى بثقافة شرق أوسطية وكل كتابها متطوعون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة