«طبائع الاستبداد» للكواكبي بالفرنسية للمرة الأولى بمقدمة من حفيده

طُرح بالأسواق.. ولقاءات حوله في الجامعات ومعهد العالم العربي بباريس

غلاف الطبعة الفرنسية
غلاف الطبعة الفرنسية
TT

«طبائع الاستبداد» للكواكبي بالفرنسية للمرة الأولى بمقدمة من حفيده

غلاف الطبعة الفرنسية
غلاف الطبعة الفرنسية

للمرة الأولى، يصدر كتاب «طبائع الاستبداد» لعبد الرحمن الكواكبي عن دار «أكت سود» - سلسلة «سندباد»، التي يديرها الناشر والمؤرخ السوري فاروق مردم بك. وقد ترجمته الصحافية هالة قضماني، وكتب مقدمته حفيده الدكتور سلام الكواكبي. وهنا نصف المقدمة:
«الكتابة عن علمٍ من أعلام الفكر النهضوي مهمة صعبة بالمطلق. وأن ينبري حفيد عبد الرحمن الكواكبي إلى تقديم هذه الوثيقة التاريخية والتي تنشر لأول مرة باللغة الفرنسية، يضع على كاهله مسؤولية ذات بعدين، علمي وعاطفي. وعلاقتي مع الجد الأكبر تمتد إلى سنوات الطفولة. وعرفت صورتيه باللباس الديني وتلك التي ارتدى فيها لباس الأمير العربي. وسمعت الكثير من الروايات المحكاة من قبل المسنين في العائلة عن أموره الشخصية. وقرأت مقتطفات مما كتب بصعوبة مترافقة مع الفخر الذي يكتنف الصغار، والتفاخر الذي يبرزونه أمام رفقائهم عند الحديث عن هذا الشخص. حتى إنني، وفي إطار الفانتازيا الطفولية، اخترعت بعضا مما لم أقرأ في تلكم السن، وبدأت أعيش مع شخصية روائية بامتياز كثيرا من المغامرات السياسية بقدر وعي المرحلة. وقبل النضوج العمري والفكري، وقبل أن أختار التخصص بالعلوم السياسية، كانت حكايات عمة أبي، ابنة الكواكبي التي عمّرت، تداعب طفولتي وتُغني أقاصيصي.
وقد كان هذا الغائب الحاضر دائما كتلة من الأساطير ومن حكايات الألغاز بالنسبة للطفل الذي كنت. وأول صدمة إيجابية ما زلت أذكرها، هي علمي بأن شيخا وعالم دين وإماما، في نهاية القرن التاسع عشر، يتوجه إلى زوجته من غربته المفروضة ويناديها يا حبيبتي. يكتب بحنان شاعري وغزلٍ مرهف إلى من أجبره الاستبداد على الابتعاد عنها، ويتوجه بوعي عميق إلى أبنائه وبناته طالبا بكل شفافية أن يعتنوا بأمهم التي يحب. كانت هذه هي الكلمات الفاتحة لي على الحب ومفاهيمه. وصرت أتخيل حوارات عاطفية بين الإمام الكواكبي وزوجته في صحن دارتهم الحلبية الفسيحة. مع انتقالي إلى مرحلة الشباب والدراسة والجامعة، أصبحت أُسأل من قبل كل من يقابلني لأول مرة عن صلتي بالكواكبي الكبير، ناعتا إياه بصفات تعظيمية متنوعة وأحيانا متناقضة. وقد كان هذا، كما في الطفولة، مدعى فخر واعتزاز في مرحلة، وأضحى عبئا ثقيلا عندما أنهيت دراستي وبدأت في إلقاء المحاضرات والكتابة والمشاركة في الندوات. والسبب يكمن في أن سقف التوقعات من أدائي كان عاليا والوصول إليه كان متعبا. إضافة، فقد كان النظر أحيانا إلى ما أقول وأكتب مرتبطا بهذه القرابة أكثر من شيء آخر لفترة. وبقدر ما يكون هذا مبعثا للنشوة، فإنه أيضا سبب للضيق، خصوصا عندما أُحاسب على عدم مواءمة ما أطرح مع ما طرحه الكواكبي منذ نيف ومائة عام. وكأنني الناطق الرسمي المعتمد، ولا يحق لي أن أختلف مع أي مما قاله.
في ما بعد، انتقل معي الكواكبي في أسفاري وفي دراساتي وفي أحلام اليقظة والمنام. فكم من مرة ظهر لي مرتديا عباءة الشيخ وحدثني بعمقٍ علماني مفاجئ. وكم مرة اصطحبت هذا الكتاب الذي ستقرأون في حلي وفي ترحالي كي أحظى بدقائق (تأمّل) قبل الخلود إلى النوم. في حقبة ربيع دمشق المؤود بداية الألفية الثانية، قام بعض المثقفين في حلب بتأسيس منتدى الكواكبي للحوار الديمقراطي والذي سرعان ما تم منعه وإغلاقه في إطار عقلية إقصائية وتسلطية تحرم المجتمع من أي فسحة حوار أو تعبير عن الرأي في دولة أمضت عقودا خمسة في ظل مصادرة المجال العام، وفي جو من التصحّر والتصحير الثقافي والفكري راعيا الظلامية والفساد بامتياز. وفي سنة 2002، وكنت حينها مسؤولا عن المعهد الفرنسي للدراسات العربية في حلب، شاركت في تنظيم ندوة فكرية مع الصديق ماهر الشريف حول مآلات الفكر النهضوي في تيار الإصلاح الديني، وذلك بمناسبة مرور مائة عام على وفاة الكواكبي. وقد حضر فيها كبار الباحثين في الفكر السياسي والديني من أمثال نصر حامد أبو زيد وآلان روسيللون وآصف بيات وفرنسوا بورغا. وبعد انتهاء أعمالها التي تميّزت بالغنى الفكري وبالحوارات الهادئة وبالحضور الكثيف، أمضيت أياما عدة ألبي استدعاءات أمنية من قبل فروع عدة لمساءلتي عما جرى، وكأن التطرق إلى الفكر التنويري المعادي للاستبداد هو عمل إرهابي.
وكانت جُلّ الاتهامات إن صحّ التعبير مرتبطة بتخوّف الأمن من تحريض التفكير لدى الناس. قالوها بصراحة ولم يخفوا رهبة الحديث عن الاستبداد في السنوات الأولى من عهد بشار الأسد وارث العرش والذي ظن البعض في سوريا وفي خارجها أنه حامل راية الإصلاح والانفتاح السياسي. وهاجمني حينذاك، وبتحريضٍ من السلطات، رجال دين رسميون – يسميهم الكواكبي بالمتعممين - معتبرين أنني، وبالحرف، قد جمعت الشيوعيين والملحدين والعلمانيين والماسونيين وعملاء الإمبريالية للتحريض على الإسلام. هذه هي عقلية النظام الذي ادعى العلمانية وصدقه الكثيرون بل وما زالوا. تجربة ممتعة ومرهقة في الآن ذاته، وقد فهمت بشدة أن الحديث عن التنوير في ظل الظلامية الدينية المبرمجة من قبل السلطات التي تدعي العلمانية هو خطيئة لا تغتفر. ومنذ ذاك الوقت، بدا أن هذا الإرث الوطني أصبح مصدر قلق للمستبد الحديث. وعلى الرغم من إيراده في الكتب المدرسية كمفكر سوري يُفتخر به، فإن تدريسه اقتصر على سرديات لا تغني ولا تسمن. وقامت الندوات الفلكلورية للحديث عن أعماله بعيدا عن كتابه الأهم والأبرز الذي بين أيديكم».



«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، بدولة قطر، مساء الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لأمير البلاد، وشخصيات بارزة، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ونخبة من الباحثين والعاملين بمجال الترجمة.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح.

الشيخ ثاني بن حمد لدى حضوره حفل تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليوني دولار أميركي.

وقال الدكتور حسن النعمة، أمين عام الجائزة، إنها «تساهم في تعزيز قيم إنسانية حضارةً وأدباً وعلماً وفناً، اقتداءً بأسلافنا الذي أسهموا في بناء هذه الحضارة وسطروا لنا في أسفار تاريخها أمجاداً ما زلنا نحن اليوم الأبناء نحتفل بل ونتيه مفتخرين بذلك الإسهام الحضاري العربي في التراث الإنساني العالمي».

وأشاد النعمة بالكتاب والعلماء الذين ترجموا وأسهموا في إنجاز هذه الجائزة، وبجهود القائمين عليها «الذين دأبوا على إنجاحها وإخراجها لنا في كل عام لتكون بهجة ومسرة لنا وهدية من هدايا الفكر التي نحن بها حريُّون بأن نرى عالمنا أجمل وأسعد وأبهج وأرقى».

الدكتور حسن النعمة أمين عام الجائزة (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، أعربت المترجمة والأكاديمية، ستيفاني دوغول، في كلمة نيابة عن الضيوف وممثلة للمترجمين، عن شكرها لجهود دولة قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة في تكريم المترجمين والمثقفين من كل أنحاء العالم، موجهة التحية لجميع الفائزين، وللغة العربية.

يشار إلى أنه في عام 2024، توصلت الجائزة بمشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربية. وقد اختيرت اللغة الفرنسية لغة رئيسية ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بينما اختيرت الهنغارية والبلوشية والتترية واليوربا في فئة اللغات القليلة الانتشار.

الفائزون بالدورة العاشرة

وفاز بالجائزة هذا العام «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية»، في المركز الثاني رانية سماره عن ترجمة كتاب «نجمة البحر» لإلياس خوري، والثالث إلياس أمْحَرار عن ترجمة كتاب «نكت المحصول في علم الأصول» لأبي بكر ابن العربي، والثالث (مكرر): ستيفاني دوغول عن ترجمة كتاب «سمّ في الهواء» لجبور دويهي.

وعن «فئة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية»، فاز بالمركز الثاني الحُسين بَنُو هاشم عن ترجمة كتاب «الإمبراطورية الخَطابية» لشاييم بيرلمان، والثاني (مكرر) محمد آيت حنا عن ترجمة كتاب «كونت مونت كريستو» لألكسندر دوما، والثالث زياد السيد محمد فروح عن ترجمة كتاب «في نظم القرآن، قراءة في نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن في ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس، والثالث (مكرر): لينا بدر عن ترجمة كتاب «صحراء» لجان ماري غوستاف لوكليزيو.

من ندوة «الترجمة من اللغة العربية وإليها... واقع وآفاق» (الشرق الأوسط)

أما (الجائزة التشجيعية)، فحصل عليها: عبد الواحد العلمي عن ترجمة كتاب «نبي الإسلام» لمحمد حميد الله. بينما فاز في «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية»، حصلت على المركز الثالث: طاهرة قطب الدين عن ترجمة كتاب «نهج البلاغة» للشريف الرضي. وذهبت الجائزة التشجيعية إلى إميلي درومستا (EMILY DRUMSTA) عن ترجمة المجموعة الشعرية «ثورة على الشمس» لنازك الملائكة.

وفي (فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية) حصل على المركز الثاني مصطفى الفقي وحسام صبري عن ترجمة كتاب «دليل أكسفورد للدراسات القرآنية» من تحرير محمد عبد الحليم ومصطفى شاه، والثاني (مكرر): علاء مصري النهر عن ترجمة كتاب «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» لستانلي لين بول.

وفي «فئة الإنجاز»، في قسم اللغة الفرنسية: (مؤسسة البراق)، و(دار الكتاب الجديد المتحدة)، و«في قسم اللغة الإنجليزية»: (مركز نهوض للدراسات والبحوث)، و(تشارلز بترورث (Charles E. Butterworth)، وفي لغة اليورُبا: شرف الدين باديبو راجي، ومشهود محمود جمبا. وفي «اللغة التترية»: جامعة قازان الإسلامية، و«في قسم اللغة البلوشية»: دار الضامران للنشر، و«في اللغة الهنغارية»: جامعة أوتفوش لوراند، وهيئة مسلمي المجر، وعبد الله عبد العاطي عبد السلام محمد النجار، ونافع معلا.

من ندوة «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة» (الشرق الأوسط)

عقدٌ من الإنجاز

وعقدت الجائزة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ندوة ثقافية وفكرية، جمعت نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، تتناول الندوة في (الجلسة الأولى): «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، بينما تتناول (الجلسة الثانية): «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور».

وخلال مشوارها في عشر سنوات، كرّمت الجائزة مئات العاملين في الترجمة من الأفراد والمؤسسات، في نحو 50 بلداً، لتفتح بذلك آفاقاً واسعة لالتقاء الثقافات، عبر التشجيع على الاهتمام بالترجمة والتعريب، ولتصبح الأكبر عالمياً في الترجمة من اللغة العربية وإليها، حيث اهتمت بها أكثر من 40 لغة، كما بلغت القيمة الإجمالية السنوية لمجموع جوائزها مليوني دولار.

ومنذ تأسيسها، كرمت الجائزة 27 مؤسسة ودار نشر من المؤسسات التي لها دور مهم في الترجمة، و157 مترجماً و30 مترجمة، حيث فاز كثيرون من مختلف اللغات الحية عبر العالم. حتى اللغات التي يتحدث بها بضعة ملايين بلغتها الجائزة وكرمت رواد الترجمة فيها من العربية وإليها. أما اللغات الكبرى في العالم فكان لها نصيب وافر من التكريم، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألانية والصينية والكورية واليابانية والتركية والفارسية والروسية.

وشملت الجائزة كذلك ميادين القواميس والمعاجم والجوائز التشجيعية للمترجمين الشباب وللمؤسسات الناشئة ذات الجهد الترجمي، وغطت مجالات الترجمة شتى التخصصات الإنسانية كاللغوية والتاريخية والدينية والأدبية والاجتماعية والجغرافية.

وتتوزع فئاتها على فئتين: «الكتب المفردة»، و«الإنجاز»، تختص الأولى بالترجمات الفردية، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسية المنصوص عليها في هذه الفئة. وتقبل الترشيحات من قبل المترشح نفسه، ويمكن أيضاً ترشيح الترجمات من قبل الأفراد أو المؤسسات.

أما الثانية فتختص بتكريم الجهود الطويلة الأمد المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، في عدة لغات مختارة كل عام، وتُمنح الجائزة بناء على عدد من الأعمال المنجزة والمساهمة في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.