شمال أفريقيا.. محاولات إيرانية للتفريق بين الأمازيغ والعرب

من غرداية وجربة.. إلى جبل نفوسة

شمال أفريقيا.. محاولات إيرانية للتفريق بين الأمازيغ والعرب
TT

شمال أفريقيا.. محاولات إيرانية للتفريق بين الأمازيغ والعرب

شمال أفريقيا.. محاولات إيرانية للتفريق بين الأمازيغ والعرب

ظلت العلاقة بين العرب والأمازيغ في دول شمال أفريقيا تسير على ما يرام، مئات السنين. وبتفجر ما يعرف بثورات الربيع العربي وضعف السلطات المركزية في بلدان مثل ليبيا وتونس، أخذت المناوشات بين الجانبين تطفو على السطح، خاصة في ما يتعلق بإعادة صياغة الأسس التي ينبغي أن تدار عليها كل دولة في المرحلة الجديدة. وزاد من المصاعب مشكلات اقتصادية جمة. وتتهم أطراف عربية جماعات من الأمازيغ بالنزعة الانفصالية والانغلاق على الذات بعيدًا عن الدولة القومية، لكنَّ قادة للأمازيغ يقولون إن العرب، أو بالأصح «العروبيين»، يرفضون الاعتراف بالمكونات الوطنية غير العربية. وعلى خلاف الوضع في بلدان مثل العراق وسوريا، لم تعرف غالبية الدول العربية في شمال أفريقيا «الصراع الطائفي». واتخذت معظم الحركات طابعًا قبليًا أو سياسيًا أو ثقافيًا. لكن ظهرت موجات من العنف والتحفز بين الأمازيغ والعرب في العامين الأخيرين، بالتزامن مع تسريبات استخباراتية عن نشاط إيراني وحركات تبشيرية شيعية في شمال القارة السمراء، بعد عقود من العمل الإيراني في دول وسط القارة.

تكرّرت خلال الصيف الماضي أحداث عنف دامية في منطقة المزاب الجزائرية - التي تضم مدينة غرداية وبضع بلدات محيطة بها - (600 كيلومتر جنوب الجزائر العاصمة) بين الأمازيغ الذين يتبعون المذهب الإباضي، والعرب من السُنُّة المالكيين. وأدى ذلك إلى مقتل 22 شخصا وجرح نحو 700 آخرين. وتجدر الإشارة إلى أن السكان الأمازيغ في غرداية (وبلدات المزاب) في الجزائر الجزائرية وجزيرة جربة في تونس وجبل نفوسة في ليبيا، يتبعون المذهب الإباضي، الذي يختلف، إلى حد ما، عن المذهبين السني والشيعي.
وتقع الخلافات بين الطرفين العربي والأمازيغي عادة بسبب التنافس على الوظائف وملكية الأراضي والمنازل. لكنَّ مصادر أمنية تقول إن الإيرانيين حاولوا، طوال العامين الماضيين، استغلال اللغة الأمازيغية والمذهب الإباضي لتوسيع شقة الخلافات بين مكوّنات الدولة الواحدة كان آخرها في ليبيا. ووفقًا لتحقيقات تجريها الاستخبارات الليبية، يعتقد أنه في حال فشل تشكيل حكومة توافق وطني تحت رعاية الأمم المتحدة، فإن البلاد ستكون مرشحة للتقسيم إلى أربع دويلات وليس ثلاثا.
وكما سبق لـ«الشرق الأوسط» أن أشارت في تقرير لها بهذا المعنى، إلى أنه في السابق كانت الاحتمالات تقول إن ليبيا يمكن أن تتجزأ إلى ثلاث دويلات مبنية على الأقاليم القديمة، وهي إقليم برقة في الشرق وإقليم طرابلس في الغرب وإقليم فزّان في الجنوب. بيد أن التحقيقات تشير إلى أن إيران ربما كانت تعمل، على تشجيع الأمازيغ على الانفصال في دولة رابعة مستقلة، مستقبلا، في منطقة الجبل، غرب طرابلس وجنوبها، إلا أن هشام أحمادي، عضو المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا، نفى في رده على أسئلة «الشرق الأوسط» أن يكون هناك أي نشاط إيراني في جبل نفوسة، وقال إن مقاطعة الأمازيغ للبرلمان وهيئة صياغة الدستور يرجع لمعاداة من وصفهم بـ«العروبيين الليبيين» في السلطة للمكوّن الثقافي الأمازيغي.
وخلال جولة في ليبيا هذا الأسبوع، اطلعت «الشرق الأوسط» على معلومات من تحقيقات استخباراتية ومن قادة في جمعيات دعوية سنّية، تشير إلى أن إيران، تحاول التفريق بين العرب والأمازيغ ضمن خطة تهدف إلى بسط نفوذها في شمال أفريقيا. لكن أحمادي، أضاف تعليقا على التسريبات التي خرجت حول هذا الموضع: «لقد فوجئنا بمثل هذا الكلام». وتابع «لو أردنا أن نتعامل مع الأجنبي لتعاملنا مع أميركا أو روسيا، وليس إيران».
ومع ذلك يدّعي محققون ودعاة سُنَّة في شمال أفريقيا، ومنها ليبيا، أن خطر النشاط الإيراني تزايد في الفترة الأخيرة داخل الأوساط الشبابية. وتحدث مصدر أمني في طرابلس عن أن مساعي إيران تعرّضت لضربة في العاصمة الليبية منذ وقت مبكر في مرحلة ما بعد معمر القذافي، خاصة حين أطلق مفتي ليبيا، الشيخ صادق الغرياني، صيحات تحذير مما وصفه بمحاولة الإيرانيين التدخل في الشأن الليبي، من خلال محاولتها نشر التشيع في البلاد. وجرى بعد ذلك حرق مبنى السفارة الإيرانية في طرابلس وحرق منزل السفير المواجه لها.
ولاحقًا، جرى التحقيق مع خمسة شبان على الأقل من طرابلس بعدما أعلنوا موالاتهم لمذهب آيات طهران. ووقف السُنُّة، الذين يمثلون الأغلبية في عموم البلاد، ضد محاولا التشيع، وضد مساعي بعض القيادات الجديدة التي كانت تريد فتح قنوات رسمية مع إيران. وأحرق متظاهرون مكتبة لرجل ليبي يدعى المحمودي، من أصل عراقي في الضاحية الغربية من العاصمة بعدما خصصها لترويج كتب مذهبية شيعية قيل إنها تقدح في رموز السُنُّة. وذكرت المصادر الأمنية أن فشل محاولات إيران في نشر التشيع في مناطق السنّة، ربما كان سببا رئيسيا في توجهها لاستهداف شبان وقادة محليين في منطقة جبل نفوسة ذي الأغلبية التي تتبع المذهب الإباضي.
المفتي الغرياني، دعا الأسر الليبية وأبناءها للتصدي لما وصفه بـ«الألاعيب الإيرانية»، بيد أن المصادر الأمنية تقول إن أصابع إيران ظهرت بشكل فج، بعد ذلك، في أوساط أمازيغية في الغرب، وكذلك بين مهرّبي أسلحة ومتشددين في الجنوب والشرق المتاخم للحدود المصرية. وأشارت إلى أن السلطات الليبية، وهي سلطات ما زالت ضعيفة، تجري تحقيقات حول مزاعم بشأن تحويل جهات إيرانية مبالغ مالية تصل إلى أكثر من خمسين مليون دولار لأتباع من المذهب الإباضي، بغرض تأسيس مراكز ومكتبات دينية وجمعيات خيرية.
ومن جانبه تحدث القيادي الأمازيغي، أحمادي وهو من جبل نفوسة - بثقة، عن أن ليبيا «لا يوجد فيها شيعة.. لا عائلة، ولا شخص ليبي شيعي. لا يوجد أي أثر للشيعة هنا». ويعتقد أحمادي أن من يروّج لمثل هذا الحديث «دول عربية بعينها لها عداء مع الأمازيغ في شمال أفريقيا، وتدعم العروبيين في ليبيا وفي المغرب وفي الجزائر.. هذه المعلومات موجودة لدى الاستخبارات الخاصة بنا»، كما يقول.
ما يستحق الذكر أنه منذ انتهاء نظام القذافي أصبح لدى الأمازيغ في ليبيا، مثل كثير من المناطق في هذا البلد، ما يشبه الأجهزة الأمنية الخاصة، ومجالس عسكرية لكل مدينة، وكتائب كان لها تحالف مع «قوات فجر ليبيا»، وهي تعمل الآن في طرابلس لحماية المصالح الاقتصادية للأمازيغ والعائلات النازحة هربًا من الاقتتال في بعض المناطق الغربية. ووفقا لمصادر في العاصمة الليبية فقد دخل على الخط نشاط أوروبي وفرنسي على وجه الخصوص، مع أطراف في جبل نفوسة، من خلال محاولات لرأب الصدع بين قبائل عربية وأخرى أمازيغية. وعقدت لقاءات بهذا الشأن في تونس خلال العام الماضي. بيد أن أحمادي يرفض أيضًا الإشارة إلى أي وجود فرنسي، قائلا: «للعلم.. الفرنسيون أكبر أعداء للأمازيغ تاريخيًا.. بالعكس، الفرنسيون تعاملوا مع العرب ومع الماليين، وتحالفوا ضد الطوارق الذين هم أمازيغ. الصراع قائم بين الفرنسيين والأمازيغ تاريخيا. من قام بمقاومة الاستعمار الفرنسي في الجزائر هم قبائل الأمازيغ والريفيين».
في المقابل، يقول مصدر أمني إن الوساطة الأوروبية بين قبائل أمازيغية ليبية وأخرى عربية، كانت برعاية شخصيات فرنسية، وجرت وقائعها في اجتماعات عقدت في جزيرة جربة التونسية في مارس (آذار) الماضي، إلا أن المشكلة ليست في الأوروبيين الذين يسعون لتأمين أنابيب تصدير النفط عبر البحر المتوسط من الأراضي الليبية الواقعة تحت سلطة تلك القبائل، وفقا للمصدر نفسه، بل أن المشكلة - كما يقول - تكمن في «محاولات إيران التسلل إلى داخل النسيج الليبي».
يتكون جبل نفوسة الذي يقع جنوب غربي طرابلس، ويطلق عليه الليبيون أيضًا اسم «الجبل الغربي»، من سلسلة مرتفعات صخرية تبلغ أعلى قمة فيه نحو 968 مترا، وتنبسط حول الجبل وديان تكتسي باللون الأخضر في الربيع. ومن أشهر البلدات الواقعة هناك غريان ونالوت ويفرن وجادو والقلعة والرجبان، وغيرها. ويربو إجمالي عدد سكان الجبل على 300 ألف، أغلبيتهم من الأمازيغ الذين يعتنقون المذهب الإباضي. ولأمازيغ منطقة الجبل امتداد يصل حتى البحر المتوسط من خلال مدينة زوارة الساحلية، غرب طرابلس بنحو 120 كيلومترا، وشرق الحدود التونسية بنحو 60 كيلومترا.
أيضًا، للأمازيغ أماكن أخرى في الجغرافيا الليبية خاصة في مدينة غدامس الحدودية في غرب البلاد، وفي الجنوب الغربي، حيث توجد قبائل الطوارق الشهيرة التي لها فروع في دول أفريقية عدة، منها الجزائر ومالي والنيجر، إضافة إلى انتشار فروع للطوارق في الجنوب الشرقي لليبيا، أي في بلدتي جالو وأوجلة. ولقد أدت وسائل التواصل الحديثة عبر الهواتف الجوالة والإنترنت إلى ظهور الحس القومي العابر للحدود لدى الأمازيغ. وراهنًا يرفع الأمازيغ في شمال أفريقيا علمًا موحدًا، ويوضع عادة بجوار العلم الرسمي للدولة التي يوجدون فيها. ويتكون العلم الأمازيغي من ثلاثة خطوط أفقية بالألوان الأزرق والأخضر والأصفر. وفي الوسط يوجد رمز باللون الأحمر عبارة عن عمود على طرفيه طبقان، أحدهما وجهه لأعلى والثاني وجه لأسفل. وتعكس الألوان الثلاثة الأساسية جغرافيًا الدولة الأمازيغية المفترضة، حيث إن اللون الأزرق يمثل البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، والأخضر يرمز للطبيعة والجبال الخضراء الواقعة في الشمال، والأصفر يمثل رمال الصحراء الكبرى في الجنوب.
وإلى جانب علم الدولة الليبية، وضع متحدث باسم المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا علم الشعب الأمازيغي، وهو يصف يوم 28 ديسمبر (كانون الأول) حوار الصخيرات الذي توصل لحكومة توافق وطني، برعاية الأمم المتحدة، بأنه «حوار إقصائي». وقال: «المجلس لا يؤيد ولا يعارض حوار الصخيرات، ولا أي حوارات أخرى موازية ما لم يشارك فيها».
واقعة حرق مكتبة المحمودي، بما فيها من كتب شيعية في طرابلس، من الصعب أن يحدث مثلها في أوساط أتباع المذهب الإباضي في شمال أفريقيا، كما يقول الباحث الليبي محمد بو إسماعيل، وذلك «لأسباب تعود بالأساس إلى عدم وجود حساسية تذكر لدى غالبيتهم تجاه المذاهب الأخرى». ويشير بو إسماعيل إلى «تحذير دعاة من ليبيا ومن المغرب وغيرهما، من خطورة العادة الإيرانية القديمة التي تتسلل بها لاستقطاب الشباب عن طريق التشيع ثم تحويلهم إلى (ميليشيات) كما حدث في لبنان واليمن». أو كما يقول الداعية المغربي الشيخ المصطفى لقصير، في أحد محاضراته: «بمجرد التشيّع تتحول إلى عسكر».
يعتنق المحمودي المذهب الشيعي وكان قد وفد إلى ليبيا، وحصل على جنسيتها بعد سنتين من إعلان القذافي عن توجّهاته الداعية لاستعادة بناء الدولة الفاطمية الشيعية في شمال أفريقيا. وبعد سقوط نظام القذافي، ظهر أن عدد من حصلوا على الجنسية الليبية، ممن يعتنقون مذاهب شيعية وغيرها، يبلغ عدة آلاف، وينتشرون في مناطق مختلفة، خاصة في غرب العاصمة. ويعتقد مسؤولون محليون أن العدد ربما كان أكبر من ذلك بكثير.
ولم يظهر أن المحمودي متعصب لتوجهاته الغريبة على المجتمع الليبي ذي الأغلبية السنّية، إلا بعد الثورة التي أطاحت بحكم القذافي. وفي 2012 سافر مع مجموعة من النشطاء الليبيين إلى إيران، وذلك بالتزامن مع انفتاح حكام ليبيا الجدد على طهران، وتنظيم «المجلس الانتقالي» في ذلك الوقت رحلة إلى المدن الإيرانية. وبعد عودته افتتح المحمودي مكتبة لبيع الكتب والصحف في غرب العاصمة، وبدأ في التواصل مع مجموعات جديدة من الشبان الليبيين.
ويضيف الباحث بو إسماعيل أنه تلاحظ أن الكثير من ذوي الأصول العراقية واللبنانية والسورية، ممن تجنّسوا بالجنسية الليبية وتزوجوا وأسسوا أُسرا في ليبيا خلال السنوات العشر الأخيرة، انخرط عدد منهم في أنشطة لترويج كتب شيعية بعد «ثورة فبراير» تحت اسم «التقريب بين المذاهب». ثم يقول إن الفوضى التي ضربت البلاد عقب مقتل القذافي، فتحت الباب على مصراعيه لمنح الجنسية الليبية لدفعات جديدة من العرب ممن ظهر في ما بعد أنهم يعتنقون مذاهب مختلفة منها الشيعي والبهائي والعلوي.
وحتى النصف الأول من عام 2014 كان يجري منح الجنسية لمثل هؤلاء مقابل 1500 دولار. وفي تجمّعات يكثر فيها ذوي الأصول العراقية، في عدة مناطق في غرب ليبيا، حيث إنهم يعملون في التعليم والهندسة والمستشفيات، ظهرت مصطلحات من قبيل «المذهب المظلوم» و«المستبصر» أي الذي دخل المذهب الشيعي. وراجت لعدة أشهر من العام قبل الماضي مناقشات خافتة في تلك التجمعات، وأغلبها في مدينتي طرابلس ومصراتة، تدعو إلى بناء مساجد شيعية والكشف عن مصير الإمام الشيعي موسى الصدر الذي اختفى أثناء زيارته لليبيا عام 1978.
وتعد ليبيا من الدول المهمة لإيران طوال عهد القذافي الذي اعترف بثورة الخميني عام 1979، ووقف مع إيران في حربها مع العراق من سنة 1980 إلى سنة 1988. وهنأ القذافي محمود أحمدي نجاد عند فوزه في انتخابات الرئاسة عام 2009، وفي 2010 زار وزير الخارجية الإيراني ليبيا من أجل بحث التعاون الاقتصادي خاصة في مجال مشاريع النفط والغاز. ولكن ظلت المشكلة الوحيدة بين البلدين تتعلق باختفاء الصدر.
بعدها، بدأ دعاة من الليبيين السُنُّة في التصدي لمحاولات تغيير الهوية المذهبية في طرابلس وعدة مدن في الشرق. وأخذ مشروع الترويج للمذهب الشيعي في التراجع، ضمن موجة عداء لإيران وقول المفتي الليبي إن أطرافا موالية لطهران تنشر المذهب الشيعي في البلاد، وتشجع على تسفير الشبان للدراسة المجانية في المدارس الدينية الإيرانية. بينما هاجم الداعية الليبي الشيخ سالم بن عمار ما وصفه بـ«المشروع الشيعي الذي يريد موطئًا لأقدامه في ليبيا». وأضاف: «هذا هو أخطر ما يواجه ليبيا بعد سنوات من الثورة على القذافي». وجرى منع الزوار العرب الذين سبق لهم زيارة إيران من دخول ليبيا، والتدقيق في خلفيات الأجانب ممن يطلبون الزواج من ليبيات.
وفي المقابل، ظهر نشاط مماثل في بلدات في الجبل الغربي، مثل دعاوى «التقريب بين المذاهب»، وكتيبات منها «إني اهتديت» للشيعي التونسي محمد السماوي. وشجع على ذلك، كما يقول مصدر أمني ليبي، زيارة لمناطق الأمازيغ كان قد قام بها مسؤول من إحدى الدول الصديقة لإيران، وتتبنى في نفس الوقت المذهب الإباضي. ويضيف أنه توجد مراكز في جزيرة جربة التونسية لنشر المذهب الشيعي يتردد عليها ليبيون وجزائريون ومغاربة.. «ومن جربة يجري أيضًا تنظيم سفريات لشبان معظمهم من الإباضيين إلى الحوزات الشيعية في لبنان للدراسة».
وتسبب النشاط الإيراني في ليبيا في تبادل الملاسنات المذهبية والعرقية بين مواقع وقنوات تلفزيونية ليبية وأخرى محسوبة على إيران. فبينما عرضت قناة «ليبيا 1» مقابلات مع شبان ليبيين يبدون الندم بعد أن تشيعوا على أيدي أسرهم ذات الأصول العراقية، ردّت قناة «أهل البيت» بإذاعة اتصالات مزعومة ممن أطلقت عليهم «ليبيون شيعة». كما حرصت «قناة العالم» الإيرانية على التركيز على مطالب الأمازيغ في شمال أفريقيا، بينما أطلق أحد المعلقين الليبيين ما سماه «صيحة للإباضية المخدوعين بشيعة طهران». وقال الباحث بو إسماعيل، إن «مثل هذا الضجيج المذهبي لم يكن معروفا في المنطقة من قبل».
وفي محاضرة له يقول الشيخ المغربي، لقصير، محذرًا من النشاط الإيراني في الدول المغاربية، إن إيران لم تعد تدرب الشيعة في داخلها، ولكن تدربهم في معسكرات سرية في بلد آخر.. وبالتالي حين يتردد الشبان على مثل هذه المعسكرات لا يمكن أن تجد في جوازات سفرهم ختم الدخول لدولة إيران.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.