المعارضة السودانية ترفض لقاء البشير وتطالب بـ«تهيئة أرض الملعب»

أحزاب سياسية: الحوار مع الحكومة «عقود إذعان» لكسب الوقت

مواطنون من جنوب السودان يتظاهرون في جوبا  أمس تأييدا للرئيس سلفا كير  ورافضين التدخل الأجنبي في بلادهم (أ.ب)
مواطنون من جنوب السودان يتظاهرون في جوبا أمس تأييدا للرئيس سلفا كير ورافضين التدخل الأجنبي في بلادهم (أ.ب)
TT

المعارضة السودانية ترفض لقاء البشير وتطالب بـ«تهيئة أرض الملعب»

مواطنون من جنوب السودان يتظاهرون في جوبا  أمس تأييدا للرئيس سلفا كير  ورافضين التدخل الأجنبي في بلادهم (أ.ب)
مواطنون من جنوب السودان يتظاهرون في جوبا أمس تأييدا للرئيس سلفا كير ورافضين التدخل الأجنبي في بلادهم (أ.ب)

أجمعت قوى سياسية سودانية معارضة على رفض الحوار مع الحزب الحاكم «المؤتمر الوطني»، ورفضت المشاركة في اللقاءات التي أعلن أن الرئيس عمر البشير عازم على عقدها مع قادة أحزاب المعارضة، ابتداء من يوم أمس.
ودعا الرئيس البشير في خطاب في السابع والعشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي، القوى السياسية للحوار، وتضمن خطابه أربعة مرتكزات تشمل السلام، والمجتمع السياسي الحر، والخروج بالمجتمع السوداني من ضعف الفقر إلى أفق القوة الاستطاعة، وإنعاش الهوية السودانية.
واشترط تحالف قوى الإجماع المعارض، وهو تحالف يضم الأحزاب السياسية الرئيسة في البلاد، للدخول في حوار مع الحزب الحاكم، أهمها اتخاذ إجراءات لبناء الثقة، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات ووقف الحروب، وتكوين حكومة انتقالية تعقد مؤتمرا دستوريا وتعد لانتخابات حرة نزيهة.
بيد أن حزبي الأمة بزعامة الصادق المهدي، والمؤتمر الشعبي بقياد حسن الترابي، وهما من أكبر الأحزاب المعارضة، ورغم عضويتهما في التحالف المعارض، قبلا الحوار مع الحزب الحاكم بغير شروط، فيما رفضت بقية أحزاب قوى الإجماع الوطني والبالغة قرابة 20 حزبا، وأبرزها «الشيوعي، والبعث، والمؤتمر السوداني»، وهي أحزاب ذات ثقل ملحوظ في الطبقة الوسطى والمثقفين والطلاب، فقد اشترطت اتخاذ الحزب الحاكم لإجراءات بناء الثقة.
وأعلن في الخرطوم، أن الرئيس البشير سيلتقي قيادات من أحزاب البعث، والناصريين ابتداء من أمس، ونقلت وكالة الأنباء الرسمية «سونا» عن أمين العلاقات السياسية بالمؤتمر الوطني مصطفى عثمان إسماعيل أن الرئيس سيلتقي قادة حزب البعث والناصريين، ونفيه لعلمه بعقد لقاء بين الرئيس البشير وقادة الحزب الشيوعي، حسبما أعلن في وقت سابق على لسان وزير مجلس الوزراء أحمد سعد عمر.
من جهته نفى الحزب الشيوعي السوداني موافقته على الحوار مع المؤتمر الوطني، ووصف الخبر المنسوب إلى وزير مجلس الوزراء بأنه «عار من الصحة».
وقال عضو اللجنة المركزية بالحزب سليمان حامد في بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط»، إن حزبه لم يعلن مطلقا قبول اللقاء، ولم يسمع به إلاّ في صحف الخرطوم، وإنه لم يوافق على الحوار، إلاّ إذا وافقت سلطة الحزب الحاكم على ما سماه «موجبات تهيئة الجو» لمثل هذا الحوار، الممثلة في إلغاء القوانين المقيدة للحريات، وإتاحة الحقوق الديمقراطية التي نص عليها الدستور، ووقف الحرب في كافة مناطق السودان ووقف محاكمات متظاهري سبتمبر (أيلول) 2013م، وتقديم الذين قتلوا المئات في تلك المظاهرات، والسماح للأحزاب بإقامة ندواتها في الساحات العامة في أنحاء البلاد، وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين كافة.
وأكد حزب البعث العربي الاشتراكي أنه لن يلتقي الرئيس البشير إلاّ وفقا لشروط بناء الثقة التي وضعها تحالف قوى الإجماع الوطني، وقال المتحدث باسمه محمد ضياء الدين لـ«الشرق الأوسط»، إنه لم يتلق الدعوة للاجتماع بالرئيس، وحتى لو تلقاها فإنه لن يلتقي الرئيس إلاّ وفقا لتلك الشروط.
فيما وصف الأمين السياسي لحزب البعث القومي كمال حامد بولاد الحوار ضمن تلك الظروف بأنه نوع من أنواع «عقود الإذعان»، وأن حزبه لن يشارك فيه، وفي ذات الوقت نفى أمين سر حزب البعث السوداني محمد علي جادين تلقيه للدعوة للقاء الرئيس، وقال في حديثه للصحيفة إنه حزبه ملتزم بمطالب بناء الثقة التي حددها تحالف قوى الإجماع الوطني للدخول في الحوار، مؤكدا في ذات الوقت أن حزبه لن يدخل الحوار منفردا، بل ضمن تحالف قوى المعارضة.
وأضاف جادين أن حزبه تسلم دعوة للحوار من الحزب الحاكم، ورد عليها كتابة، لكنه لم يتسلم أي دعوة للقاء الرئيس أو رد على مقترحاته.
من جهته، قال الحزب الناصري إن مكتبه السياسي لم يجتمع بعد لتحديد موقفه النهائي من الحوار، وأوضح القيادي بالحزب ساطع أحمد الحاج للصحيفة أن حزبه ملتزم بما اشترطته قوى المعارضة.
ورغم إعلان الحزب الحاكم عن لقاء أمس، بين قادة ناصريين وبعثيين، فإن أحزاب البعث مجتمعة أكدت عدم مشاركتها في لقاء الرئيس، فيما نفى الحزب الناصري مشاركته.
ورجحت مصادر معارضة، أن يلتقي الرئيس مع مجموعات من قادة سابقين لتلك الأحزاب، أو قادة أحزاب تحمل ذات الأسماء، موالية للحزب الحاكم أصلا، ووصفت الأمر بأنه مجرد محاولات يبذلها الحزب الحاكم لكسب الوقت، تؤكد عدم جديته في الوصول لحلول لأزمات البلاد عبر الحوار السلمي.
من جهتها، وصفت «حركة الإصلاح الآن» المنشقة عن الحزب الحاكم، ويتزعمها القيادي الإسلامي غازي العتباني، في بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط» دعوات الحوار بأنها كانت «ثنائية انتقائية» مع بعض القوى، بما يعزز شبهات صفقات ثنائية حول الحوار.
وقال البيان إن مطالب قوى المعارضة بـ«تسوية أرض الملعب» لتهيئة الحد الأدنى من المناخ الدائم للحوار، والتي رفضتها قيادات في الحزب الحاكم، مجرد «تقديرات» في صلب الدستور الحالي، ولا تتجاوز المطالبة بتطبيقه.
وصف العتباني في بيانه ممارسات الحزب الحاكم بأنها تقود لـ«النهاية الحقيقية اليقينية للإنقاذ»، عادا تصريحات الرئيس البشير في مدينة بورتسودان الأسبوع الماضي، وتأكيده على بقاء نظام حكم الإنقاذ رغم أنف الكل، وأدا صريحا لمبادرة الحوار الوطني، ونسفا للاعتقاد بأن الرئيس ارتفع فوق منصة الحزبية. وسخر البيان من القوى السياسية المعارضة، وقال: إنها تنتظر ما «يلقي به رئيس الجمهورية أو المؤتمر الوطني إليها»، في الوقت الذي يتحمس فيه الشعب لقضية الحوار والإصلاح ويرى فيها الخلاص المحتمل من الأزمات الراهنة، وهو في موقف المتفرج.
ودعا بيان العتباني القوى السياسية للتحرر مما سماه «الحالة الاستجدائية السالبة» التي وضعت نفسها فيها، وإلى أن تتحرر من قبضة الوطني ورئيس الجمهورية، لوضع حد أدنى مشترك لأجندة الحوار الوطني، والتداول حولها حتى ولو تخلف عنها الحزب الحاكم.
كما طالبها باستدعاء الطاقات الشعبية وتبني طروحات الحوار والإصلاح وتمكينها من الحراك الشعبي، وهو ما وصفه بأنه يتطلب قدرة في التواصل مع الجماهير و«موهبة» في ابتكار الأساليب التي تحقق المطلوبات بأجدى وسيلة شعبية.



«فاغنر» تعتقل 6 موريتانيين وسط مخاوف من «انتهاكات»

عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
TT

«فاغنر» تعتقل 6 موريتانيين وسط مخاوف من «انتهاكات»

عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)

اعتقلت وحدة من مقاتلي «فاغنر» الروسية الخاصة 6 مدنيين موريتانيين على الأقل في إحدى القرى الواقعة داخل الشريط الحدودي بين موريتانيا ومالي، وفق ما أكدت مصادر محلية وإعلامية موريتانية، الثلاثاء.

وقالت المصادر إن مجموعة من مقاتلي «فاغنر» دخلوا قرية لقظف، الواقعة على بُعد 40 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة باسكنو، أقصى جنوب شرقي موريتانيا، غير بعيد عن الحدود مع دولة مالي. مؤكدةً أن جميع سكان قرية لقظف يحملون الجنسية الموريتانية، رغم أن القرية تقع داخل شريط حدودي «غير مرسَّم»، وبالتالي تتداخل فيه صلاحيات البلدين: مالي وموريتانيا.

موريتانيان معتقلان من طرف مجموعة «فاغنر» (إعلام محلي)

وبسبب غياب ترسيم الحدود، نفَّذ الجيش المالي المدعوم من قوات «فاغنر»، خلال العامين الأخيرين، عمليات عسكرية كثيرة داخل الشريط الحدودي، ضمن ما تطلق عليه مالي «مطاردة العناصر الإرهابية»، لكنَّ هذه العمليات راح ضحيتها عشرات المدنيين الموريتانيين.

اقتحام واختطاف

وصفت المصادر المحلية ما حدث أمس في القرية بأنه «عملية اختطاف» تعرَّض لها ستة مواطنين موريتانيين، فيما تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صور وأسماء «المختطفين»، وكان بعضهم يحمل بطاقة تعريفه الموريتانية.

وحسب المصادر نفسها، فإن قوات «فاغنر» اقتحمت القرية خلال تنظيم سوق محلية أسبوعية، وأطلقوا وابلاً من الرصاص في الهواء، قبل أن يجمعوا رجال القرية، ويقرروا توقيف 7 أشخاص، أفرجوا عن واحد منهم لاحقاً، كما صادروا خمس سيارات رباعية الدفع وعابرة للصحراء، تعود ملكيتها إلى رجال من القرية.

في غضون ذلك، نشرت الصحافة المحلية أن قوات «فاغنر» نقلت الموقوفين الستة إلى مدينة نامبالا، داخل أراضي مالي، وسلَّمتهم للجيش المالي، وسيجري نقلهم إلى العاصمة باماكو، «تمهيداً لإطلاق سراحهم»، على حد تعبير صحيفة محلية.

رعب «فاغنر»

خلال العامين الأخيرين قُتل عشرات الموريتانيين على يد الجيش المالي وقوات «فاغنر» الروسية، داخل الشريط الحدودي بين البلدين، وحتى داخل أراضي مالي، وهو ما أسفر عن برود في العلاقة بين البلدين، كاد يتطور إلى قطيعة نهائية.

وقُتل أغلب هؤلاء الموريتانيين بطرق بشعة، من بينها الحرق والدفن في قبور جماعية، مما أشعل موجة غضب عارمة في الشارع الموريتاني، لكنَّ الماليين برَّروا ذلك بالحرب التي يخوضونها ضد الإرهاب، والتي دعت الموريتانيين إلى اصطحاب هوياتهم، والابتعاد عن مناطق الاشتباك.

قوات موريتانية على الحدود مع مالي (أ.ف.ب)

ومنذ أكثر من عامين، تجري معارك عنيفة بين الجيش المالي المدعوم من «فاغنر» من جهة، و«جبهة تحرير ماسينا» التابعة لتنظيم «القاعدة» في منطقة على الحدود مع موريتانيا، وتحدث مطاردات تنتهي في الغالب داخل الشريط الحدودي.

شريط حدودي رمادي

يمتد الشريط الحدودي بين البلدين على أكثر من ألفي كيلومتر، وبعمق يزيد على 10 كيلومترات، حيث تقع فيه عشرات القرى التي يقطنها سكان من البلدين، دون تحديد إن كانت موريتانية أم مالية.

وحاول البلدان ترسيم الحدود عدة مرات منذ الاستقلال عن فرنسا قبل ستين عاماً، لكنَّ هذه المحاولات لم تُفضِ إلى نتيجة، ليشكل البلدان بعد ذلك لجنة مشتركة لتسيير الحدود.

وسبق أن هددت السلطات الموريتانية، التي احتجت على ما يتعرض له مواطنوها، بالرد والتصعيد أكثر من مرة، وطالبت في الوقت ذاته مواطنيها بالانسحاب من هذه المنطقة، حتى تنتهي المعارك. لكنَّ سكان المنطقة الحدودية من البدو، المشتغلين بتربية الأبقار والإبل والأغنام، ويعيشون منذ قرون على التحرك في المنطقة، بحثاً عن الماء والمرعى، لا يمتلك أغلبهم أي أوراق مدنية، وبعضهم الآخر يحوز الجنسيتين؛ الموريتانية والمالية.

ومع تصاعد استهداف الموريتانيين، زار قائد الجيش المالي نواكشوط، مطلع مايو (أيار) الماضي، وعقد لقاءات مطولة مع قائد الجيش الموريتاني ووزير الدفاع، أسفرت عن تشكيل لجنة مشتركة، والاتفاق على تنسيق العمليات على الأرض.

الرئيس الموريتاني أجرى مشاورات مع المسؤولين في مالي لمنع تسلل أي إرهابيين محتملين إلى أراضي بلاده (أ.ف.ب)

وكان الهدف من هذا التنسيق، حسبما أعلن الطرفان، هو منع تسلل أي إرهابيين محتملين إلى أراضي موريتانيا، لكن أيضاً تفادي أي استهداف للموريتانيين بالخطأ داخل الشريط الحدودي. ومنذ ذلك الوقت لم يُقتَل أي مواطن موريتاني داخل الشريط الحدودي، فيما تراجعت بنسبة كبيرة تحركات قوات «فاغنر» في الشريط الحدودي، وتعد عملية توقيف الموريتانيين (الثلاثاء) الأولى من نوعها منذ ستة أشهر.