سجن مستشار وزير الدفاع ومسؤول الأمن الرئاسي

سجن مستشار وزير الدفاع ومسؤول الأمن الرئاسي
TT

سجن مستشار وزير الدفاع ومسؤول الأمن الرئاسي

سجن مستشار وزير الدفاع ومسؤول الأمن الرئاسي

اللافت أن 2015 كان عامًا حالكًا على الجنرالات؛ فعزل «توفيق» ثم «سجن حسان»، أضيف له اعتقال وسجن جنرال آخر معروف بمواقفه السياسية المتشددة ضد الرئيس بوتفليقة وشقيقه وقائد أركان الجيش. ففي نهاية سبتمبر تعرض حسين بن حديد مستشار وزير الدفاع الأسبق للاعتقال في الشارع وهو بداخل سيارته رفقه نجله. انتشر الخبر بسرعة في قاعات التحرير، وتلقفته وكالات الأنباء العالمية. فالأمر يتعلق بواحد من كبار ضباط الجيش الذين وقفوا ضد تولي بوتفليقة الرئاسة، وأحد المحسوبين على الجنرال «توفيق».
وضع بن حديد (75 سنة) في السجن الاحتياطي، بتهمة «ضرب معنويات الجيش». سبب التهمة أنه خاض على أمواج إذاعة خاصة تبث برامجها على النت، في «سمعة الجنرال قايد صالح» الذي تحدث عنه بأقبح الأوصاف وبأنه «مسؤول لا يحترمه لا الضباط ولا الجنود». وتقول مصادر من المؤسسة العسكرية إن صالح ثارت ثائرته لما بلغه بالتفاصيل ما قاله عنه بن حديد. أكثر من هذا اتهم بن حديد بـ«إفشاء أسرار عسكرية»، تعود إلى تعاطيه إعلاميًا مع تفاصيل مفاوضات جرت بين المخابرات والإسلاميين المسلحين، منتصف تسعينات القرن الماضي. كما تناول قضايا حساسة تتعلق باختراق صفوف الجماعات الإسلامية المسلحة، من طرف المخابرات.
واتضح جليًا أن وزارة الدفاع هي من تابعته قضائيا، لكن بخلاف «حسان» يلاحق بن حديد في القضاء المدني، لأنه وقت الوقائع كان في التقاعد. وعجز المحامون عن إقناع المحكمة بمنح الجنرال الإفراج المؤقت، رغم الملف الطبي الذي وضعوه بين يدي قاضي التحقيق الذي يثبت أنه مريض بحاجة إلى رعاية خاصة. وقال أشهر المحامين خالد بورايو، على أثرها إن «قيادة العسكر وعصبة بوتفليقة مصممتان على تصفية حسابهما مع بن حديد».
وكان رجل الأعمال الشهير، علي حداد رئيس «منتدى رؤساء المؤسسات»، المقرّب جدًا من بوتفليقة وشقيقه، أعلن في الوقت نفسه عزمه متابعة نفس الجنرال بتهمة «السب والتشهير». وقد صرح بن حديد، قبلها بأيام، للصحافة بأن «الفضل في القذف بحداد إلى رأس منتدى رؤساء المؤسسات، يعود إلى السعيد بوتفليقة». ونال السعيد «حقَّه» هو أيضًا من هجوم بن حديد، إذ وصفه بـ«الرجل المخبول». وقال أيضًا إنه «سيلتهم رأس قايد صالح بعدما كان وراء عزل الجنرال توفيق».
في خضم هذه التطورات أدانت محكمة قسنطينة بشرق البلاد، مسؤول الأمن برئاسة الجمهورية اللواء كحال مجذوب السجن ثلاث سنوات، وذلك بتهمة «التهاون في تأدية مهام أمنية». أصل القضية هي حادثة تعود إلى يونيو (حزيران) الماضي، بالإقامة الرئاسية بزرالدة (الضاحية الغربية للعاصمة)، حيث حاول مسلحون مجهولون اقتحامها، للوصول إلى الجناح الذي يقضي فيه الرئيس بوتفليقة فترة نقاهة منذ ثلاث سنوات، على أثر إصابته بجلطة دماغية. وتم التعامل مع الحادثة على أنها محاولة انقلاب استهدفت الرئيس، فاتخذ قرارًا بعزل اللواء مجذوب ومعه الجنرال أحمد مولاي ملياني رئيس الحرس الجمهوري. فيما سجن ضابط آخر. واتهم الثلاثة بـ«التقصير والتهاون في حماية المنشأة الرئاسية».
وقبلها منع أمن مطار العاصمة مجذوب من مغادرة البلاد، لما كان يستعد للسفر إلى الخارج. ويقول من رآه في المطار وهو يحرم من الخروج، إنه غضب غضبًا شديدًا وسمع وهو يصرخ متحدثًا في الهاتف مع شخص بدا أنه مسؤول كبير. وقد أصيب بنوبة وهو في قمة الغضب، فنقل إلى المستشفى العسكري بالعاصمة على جناح السرعة. وعلم مجذوب بعدها أن قاضي التحقيق بمحكمة الشراقة (غرب العاصمة) أصدر أمرًا مكتوبًا لشرطة المطارات والموانئ، بحظر خروج مجذوب من التراب الجزائري، بحجة أنه معني بالتحقيق الحالي في قضية الاعتداء على الإقامة الرئاسية. وكان القاضي تلقى تعليمات صارمة من وزارة الدفاع، بالتشدد مع مجذوب الذي احتجت عائلته في رسالة للصحافة، على سجنه وقالت إنه «خدم بوتفليقة طيلة 15 سنة كاملة».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.