الاتفاق النووي وارتفاع قتلى الحرس الثوري في سوريا.. أبرز الملفات الإيرانية

الأزمة الاقتصادية تراوح مكانها.. والجدل السياسي يستبق الانتخابات المقبلة

وزراء الخارجية (من اليمين) الأميركي جون كيري والبريطاني فيليب هاموند والإيراني محمد جواد ظريف والاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أثناء المباحثات النووية في يوليو 2015 (أ.ف.ب)
وزراء الخارجية (من اليمين) الأميركي جون كيري والبريطاني فيليب هاموند والإيراني محمد جواد ظريف والاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أثناء المباحثات النووية في يوليو 2015 (أ.ف.ب)
TT

الاتفاق النووي وارتفاع قتلى الحرس الثوري في سوريا.. أبرز الملفات الإيرانية

وزراء الخارجية (من اليمين) الأميركي جون كيري والبريطاني فيليب هاموند والإيراني محمد جواد ظريف والاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أثناء المباحثات النووية في يوليو 2015 (أ.ف.ب)
وزراء الخارجية (من اليمين) الأميركي جون كيري والبريطاني فيليب هاموند والإيراني محمد جواد ظريف والاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أثناء المباحثات النووية في يوليو 2015 (أ.ف.ب)

طغت أخبار الاتفاق النووي على أبرز الأحداث التي شهدتها إيران في 2014. وأثار الملف النووي تجاذبات سياسية داخلية بين السلطة والحكومة والتيارات المعارضة للحكومة بشأن تفاصيل الاتفاق النووي بينما شكلت القضايا الاقتصادية والأمنية والحريات وفضح أبعاد الدور الإيراني في سوريا عناوين ملفات ساخنة أثارت نقاشا كبيرا لدى الرأي العام في إيران.
في بداية يناير (كانون الثاني) 2015 قالت وكالة أسوشييتد برس إن إيران وأميركا والدول الأخرى تمكنوا للمرة الأولى في ديسمبر (كانون الأول) 2014 من تحديد النقاط التي يمكن التوصل إلى اتفاق بشأنها ومن ضمنها نقاط الخلاف، إضافة إلى اتفاق مبدئي على نقل المواد النووية إلى روسيا.
لكن المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ومرضية أفخم المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية نفيا صحة الخبر. ووصفت السيدة أفخم تقرير الوكالة بأنه «افتعال أجواء إعلامية» لأغراض سياسية خاصة، تهدف إلى تخريب أجواء المفاوضات. وكان الرئيس الإيراني، حسن روحاني، قد بدأ 2015 مهاجما، قبل التوجه إلى مفاوضات حاسمة في منتصف يناير على مستوى وزراء الخارجية، بإعلانه أنه يريد «إجراء استفتاء شعبي حول القضايا الحساسة التي تهم الجميع في البلد».
وشهد منتصف يناير عودة المفاوضات الإيرانية الأميركية المباشرة، حيث كانت نزهة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ووزير الخارجية الأميركي جون كيري، في شوارع جنيف، منعطفا فی مسار الحوار النووي والعلاقات الدبلوماسية بين الطرفين بعد اقتحام السفارة الأميركية وأزمة الرهائن في 1979. بينما أثارت في الداخل الإيراني موجة من الغضب لدى الدوائر المقربة من المرشد الأعلى والتيارات السياسية الرافضة للمفاوضات النووية.
في نهاية فبراير (شباط)، استؤنفت المفاوضات في جنيف بين وزير الخارجية الأميركي ونظيره الإيراني لبحث الحلول والوصول إلى اتفاق شامل حول الملف النووي الإيراني بحضور وزير الطاقة الأميركي، أرنست مونيز، ورئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، علي أكبر صالحي، في الوقت الذي كان يزداد فيه ضغط البرلمان على فريق التفاوض الإيراني لوقف المفاوضات والانسحاب. كما صدر تقرير مفصل من الوكالة للطاقة الذرية يؤكد التزام طهران بالتزاماتها منذ العودة إلى طاولة المفاوضات، ثم أصبحت المفاوضات في مارس (آذار) أكثر جدية مع تهديد وزير الخارجية الأميركي بالانسحاب في حال عدم التوصل إلى اتفاق في نهاية الموعد المحدد.
مع حلول شهر مارس، تكثفت اللقاءات الدبلوماسية بين إيران والدول 5+1. وبموازاتها وجَّه 47 من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي رسالة مفتوحة إلى قادة إيران محذرين من التوصل إلى اتفاق نووي مع إدارة أوباما. وبالمقابل اعتبر خامنئي تلك الرسالة دليلا على «انهيار الأخلاق السياسية» في النظام السياسي الأميركي معربا عن قلقه حول مستقبل الاتفاق إذا ما توصلت إليه إيران مع الدول 5+1.
في منتصف مارس عادت الدول الست الكبرى وإيران على مستوى وزراء الخارجية إلى المفاوضات المباشرة في لوزان السويسرية. وبعد أسبوعین من المفاوضات الماراثونية أعلن «تفاهم لوزان النووي» في الثاني من أبريل (نيسان) تمهيدا للمفاوضات النهائية في يونيو (حزيران). وقرأ البيان الختامي محمد جواد ظريف، ومنسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، في مؤتمر صحافي بحضور وزراء خارجية الدول الست الكبرى.
وذكر أن إيران وافقت على شروط تتعلق بتخصيب اليورانيوم في منشأة «نطنز» وتغيير منشأة «فوردو» من مفاعل تخصيب إلى مركز أبحاث نووي وتقني من دون مواد قابلة للانشطار وتغيير قلب مفاعل أراك للمياه الثقيلة يمنع إنتاج بلوتونيوم يمكن استخدامه في برنامج التسلح. وأعلنت إيران تنفيذ البرتوكول الإضافي بشكل طوعي.
كما ستتمكن الوكالة الدولية من تفتيش منشآت إيران النووية في أي وقت وبالمقابل سترفع العقوبات الدولية عن إيران إذا تحقق من التزامها بالاتفاق. ومن أبرز التداعيات التي أثارت مواقف وردود فعل كانت ورقة الحقائق الصادرة من الخارجية الأميركية على تباين واضح مع ورقة الحقائق في النسخة الفارسية الأمر الذي سبب ضغطا متزايدا على إدارة حسن روحاني والفريق المفاوض النووي في الداخل الإيراني من قبل التيارات والمؤسسات المعارضة للمفاوضات بحجة تجاوزهم الخطوط الحمر المعلنة من المرشد الأعلى علي خامنئي، والذی بدوره لم يعلن تأییده أو رفضه لتفاهم لوزان النووي لكنه اعتبر تصريح وزير الخارجية الإيراني حول مفاوضات، تحت إشراف المرشد، كلاما غير دقيق.
وبعد شهور من الجدل حول ورقة الحقائق ونص تفاهم لوزان بين الحكومة والبرلمان والتيارات السياسية الإيرانية وتهديد الأجهزة الأمنية والعسكرية على رأسهم قادة الحرس الثوري بعرقلة التحقيق وتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية واستدعاء ظريف والفریق المفاوض النووي إلى البرلمان، صوت البرلمان الإيراني على قرار «إلزام الحكومة حفظ الإنجازات النووية» بالتزامن مع المشاورات التي كانت تجري بين إيران والدول الست الكبرى في تحرير نص الاتفاق النووي قبل التوجه إلى فيينا.
في 27 يونيو بدأت مفاوضات فيينا الحاسمة بين إيران والدول الست الكبرى قبل أن تنتهي، وذلك بعد مرور 17 يوما من المفاوضات المكثفة بإعلان منسقة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، موغيريني، ووزير الخارجية ظريف، في مؤتمر صحافي، التوصل إلى «برنامج العمل المشترك» حول الملف النووي لتكون ختام 22 شهرا منذ عودة إيران إلى طاولة المفاوضات.
ووفق اتفاق فيينا فإن إيران توافق على تعليق تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، والسماح لها بتخصيب في نسبة خمسة في المائة، وتقليص أجهزة الطرد المركزي من 19 ألفا إلى 6014. وتشغيل 5060 منها لعشر سنوات، وإعادة تصميم مفاعل أراك للمياه الثقيلة بمشاركة مجموعة العمل (الدول الست الكبرى) وتقليص ذخائر إيران من اليورانيوم من 10000 إلى 300 كلغ لفترة 15 عاما، وموافقة إيران على التفتيش الدولي للتحقق من تنفيذ الاتفاق النووي تشمل منشأة «بارشين» للتأكد من عدم تلوثها بمواد انشطارية.
كما تُوقف إيران تخصيب اليورانيوم لفترة 15 عاما في منشأة «فوردو» ولا يسمح لها بتطوير وبناء منشأة لتخصيب اليورانيوم على مدى الـ15 عاما المقبلة، ويسمح لها بالبحث وتطوير تخصيب اليورانيوم في منشأة «نطنز» لفترة ثمانية أعوام فقط، وتطبق إيران البروتوكول الإضافي بشكل طوعي طيلة فترة تنفيذ الاتفاق النووي. وبالمقابل ترفع عقوبات الأمم المتحدة المتعلقة بالملف النووي وتختصر القيود على برنامج الصواريخ الباليستية على ثمانية أعوام فقط، كما تستمر عقوبات الأسلحة المتعارفة لخمس سنوات مقبلة.
مشوار الاتفاق النووي لم ينته بإعلان فيينا إذ أصدر مجلس الأمن في يوليو (تموز) القرار 2231. وكان أهم ما تضمنه إلغاء ستة قرارات سابقة، وخروج إيران من الفصل السابع والمادة 41 ورفع العقوبات عنها بعد دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ والتحقق من خطوات طهران وفرض قيود على صناعة الصواريخ الباليستية. ولم تدرج مطالب مجلس الأمن من إيران بخصوص الصواريخ الباليستية في القرار وهي غير ملزمة، وبالتالي لا يعد عدم التجاوب خرقا للاتفاق النووي. وفي نفس اليوم أعلن الاتحاد الأوروبي تأييده للاتفاق النووي بعد التصويت عليه مما يعني رفع العقوبات النفطية عن إيران مع استمرار العقوبات المتعلقة بالصواريخ الباليستية وحقوق الإنسان.
بدوره، وافق الكونغرس الأميركي على تمرير الاتفاق النووي في سبتمبر (أيلول)، بعد محاولات الجمهوریین لعرقلته. ومن جانبه، زار مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيا أمانو، موقع «بارشين» المشتبه بقيام إيران بأنشطه نووية عسكرية فيه. وحصلت الوكالة على عينات من المكان الذي كان قادة الحرس الثوري يعدون دخوله محرما على المفتشين. وفي ذات الوقت كانت لجنة برلمانية خاصة قد تشكلت في طهران لمناقشة الاتفاق النووي من مختلف جوانبه. وكاد البرلمان يرفض الاتفاق النووي لولا دور رئيس البرلمان، علي لاريجاني في تمريره بعد التصويت عليه في الحادي عشر من أكتوبر (تشرين الأول). وفي منتصف ديسمبر (كانون الأول)، أغلقت لجنة الحكام في الوكالة الدولية للطاقة الذرية ملف التحقق من النوايا العسكرية في النشاط النووي الإيراني، ليقترب موعد يوم تنفيذ الاتفاق النووي. ووفق نص الاتفاق فإن يوم التنفيذ هو اليوم الذي تعلن الوكالة الدولية قيام إيران بالتزاماتها الأولية في منشآت «أراك» و«نطنز» و«فوردو».
بينما رحب الشارع الإيراني بتحقق الاتفاق النووي على أمل تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وهتافات تطالب بتحسين أوضاع الحقوق المدنية، عشية إعلان الاتفاق النووي. كان المشهد السیاسی الإيراني بشكل عام مسرحا لتجاذبات بين هرم السلطة، المرشد الأعلى، والدوائر التابعة له، والحكومة والبرلمان والتيارات السياسية حول الاتفاق النووي. كما كانت التفاسير والقراءات المختلفة من مواقف وخطابات المرشد الأعلى حول الملف النووي من أبرز محاور الصراع السياسي في طهران.
وبعد التوصل إلى الاتفاق النووي دشن الرئيس روحاني محاولات استثمار إنجازه لكسب الرأي العام لصالح المعتدلين والإصلاحيين، بعد شهور من الاستحقاقات الانتخابية (المقررة في فبراير 2016) على المستوى البرلماني، وانتخاب مجلس جديد لخبراء القيادة. كما بدأ التحرك من أجل ضمان مشاركة واسعة للمرشحين الإصلاحيين وعدم إقصائهم من قبل «لجنة صيانة الدستور». وفي هذا السياق أثارت تصريحات روحاني حول الجهة التي تنفذ الانتخابات، موجة من الغضب من قبل خصومه السياسيين وقادة الحرس الثوري والمرشد الأعلى.
حرب التصريحات بين المرشد الأعلى خامنئي، وقادة الحرس الثوري، اشتعلت بعد إعلان الاتفاق النووي وزيارة عدد من وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي إلى طهران. وتوج نشاط السياسة الخارجية الإيرانية، بعد اتفاق فيينا، بتبادل افتتاح السفارات بين طهران ولندن عقب انقطاع العلاقات الدبلوماسية لمدة أربعة أعوام، على إثر اقتحام السفارة البريطانية من قبل المتشددين وتطلعات رئيس الحكومة إلى استقطاب الشركات الأجنبية للاستثمار في إيران.
وبدوره، فرض المرشد الأعلى، خامنئي، سطوته على حكومة روحاني والتيارات المؤيدة له، خاصة بعد الاتفاق النووي عبر تحذيره من «تغلغل أعداء الثورة» و«استغلال الاتفاق النووي لتحريف مسار الثورة» و«الغزو الثقافي»، ودعوته إلى «الاقتصاد المقاوم» بدلا من فتح أسواق إيران أمام الدول الغربية، بعد رفع العقوبات.
وكانت تصريحات خامنئي كالعادة كلمة الرمز التي تليها عاصفة من التصريحات المؤيدة من قادة الحرس الثوري والمؤسسات الدينية ورجال الدين النافذين. ومن جانبه، اعتبر قائد الحرس الثوري، محمد علي جعفري، في أهم تصريح له العام الماضي، مرحلة ما بعد الاتفاق النووي «الفتنة الرابعة» في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
وكانت زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى طهران ولقاؤه مع المرشد خامنئي في 23 نوفمبر (تشرين الثاني)، على هامش قمة الدول المصدرة للغاز في العاصمة الإيرانية، من أبرز أحداث 2015 حيث ناقش الطرفان الأوضاع في المنطقة وسبل تعزيز العلاقات والتعاون في سوريا.

* سقوط قادة الحرس الثوري في سوريا
إقليميا، كشفت التطورات الميدانية في الحرب السورية معالم جديدة من حضور إيران العسكري عبر فيلق قدس الذراع الخارجية للحرس الثوري والميليشيات الموالية له. إذ سقط في 2015 عدد كبير من قيادات وعناصر الحرس الثوري في مختلف مناطق سوريا كما عثر على المزيد من الشواهد والأدلة على تورط الحرس الثوري في الحرب الأهلية السورية على خلاف ما تدعيه إيران حول مهمة قواتها «الاستشارية».
وكانت أقوى ضربة تلقاها الحرس الثوري، في الثامن من أكتوبر، حين قتل مستشار قائد الحرس الثوري وقائد «فيلق محمد رسول الله» في طهران، العميد حسين همداني، في معارك حلب، وهو أعلى قيادي عسكري يُقتل في سوريا. كما أنه يعتبر العقل المدبر في حرب الشوارع والميليشيات في الحرس الثوري. وبعد ذلك، وفي أقل من أسبوع، قُتل العقید حمید مختاربند، قائد لواء الحجة، وفرشاد حسوني، قائد لواء صابرین (نخبة القوات الخاصة في الحرس الثوري). كما قتل قائد فيلق 14 أصفهان، العقيد مسلم خيزاب، ونادر حميد، قائد قوات الباسيج.
وفي نوفمبر قُتل العقید عزت الله سلیماني، والعقید جبار عراقي، والعقید عبد الرشید رشوند، قائد الحرس الثوری (کتیبة الإمام الحسين في كرج). وكان قد قتل قبل ذلك، أي في يناير، المساعد الأيمن لقائد فيلق قدس، العميد محمد علي الله دادي، في غارة إسرائيلية على القنيطرة. وتشير الإحصائيات إلى أنه في نوفمبر وأکتوبر، سقط أكثر من 70 من عناصر الحرس الثوري أغلبهم في حلب.
وفي نهاية نوفمبر تناقلت وكالات الأنباء نقلا عن مصادر ميدانية سورية إصابة قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، في هجوم مضاد جنوب غربي حلب، إلا أن الحرس الثوري، وعلى لسان المتحدث باسمه، نفى صحة تلك الأخبار. ولم يظهر سليماني منذ التقارير التي جرى تناقلها عن إصابته. وكانت وكالة بلومبرغ قد ذكرت في وقت لاحق أن الحرس الثوري الإيراني بدأ سحب قوات النخبة من العملية العسكرية التي تقودها روسيا في سوريا. وذكرت أن من بين الأسباب الرئيسية الخسائر الكبيرة التي تكبدتها القوات الإيرانية في سوريا.

* أزمات وتحديات داخلية
على المستوى الداخلي، اتسعت دائرة المتهمين بالفساد الاقتصادي في البلد، بالتزامن مع التراشق الإعلامي وتبادل الاتهامات. وشملت الاعتقالات مزيدا من رجال الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد. واعتقلت السلطات مساعده التنفيذي، حميد رضا بقايي، بعد أن دخل مساعده الأول، محمد رضا رحيمي، في وقت سابق، لقضاء عقوبة السجن بتهمة تجاوزات مالية كبيرة. كما أن جلسات محاكمة الاقتصادي الذي كان مقربا من إدارة نجاد، رجل الأعمال الإيراني بابك زنجاني، احتلت واجهة الصحافة الإيرانية وأثارت الرأي العام على الرغم من التكتم الشديد حول تعاونه مع الحرس الثوري لمراوغة العقوبات الدولية على إيران.
كما استدعت السلطة القضائية سعيد مرتضوي، الرئيس السابق لمنظمة التأمين الاجتماعي، بتهمة الفساد الاقتصادي والتجاوزات الإدارية في زمن الرئيس السابق. كان مهدي هاشمي نجل الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني، أبرز من دخلوا السجن لقضاء عقوبة عشرة أعوام بتهمة الفساد المالي والإداري. ولم تستبعد الصحافة الإيرانية طيلة 2015 إمكانية التحقيق واعتقال محمود أحمدي نجاد نفسه، بتهمة الفساد الاقتصادي.
وبيّنت ملفات الفساد الاقتصادي التي اعتقل على أثرها عدد كبير من المسؤولين المتورطين في الجمهورية الإسلامية التي تقترب من عقدها الرابع، تهما متنوعة مثل تلقي الرشى والاستيلاء على الأراضي الحكومية والاختلاس واختفاء منصة نفط إيرانية.

* مشاورات الكتل الانتخابية والمشاكل الاقتصادية
وعلى الصعيد السياسي الداخلي الذي تأثر كثيرا بمناخ المفاوضات والاتفاق النووي، بدأت التيارات السياسية بالمشاورات والتحرك بهدف تشكيل الكتل الانتخابية، والتحالف لخوض الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس خبراء القيادة، في فبراير المقبل. وتراهن التيارات السياسية الإصلاحية والمعتدلة على ما تحقق في فيينا وما تبعه من تطورات لتغيير تشكيلة البرلمان الذي تسيطر عليه أغلبية أصولية في الوقت الحاضر. كما تحاول تلك التيارات وضع بصمتها على تشكيلة مجلس خبراء القيادة، ليكون لها دور في التغيير المحتمل للمرشد الأعلى.
وفي المقابل حاولت التيارات الأصولية نبذ الخلافات والتحرك وتقريب الصفوف خشية تكرار خسارة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الاستحقاقات الانتخابية في شهر فبراير. وشهد منتصف الثاني من شهر ديسمبر تقديم أوراق المرشحين إلى هيئة الانتخابات التابعة للجنة صيانة الدستور، حيث شهد أول أيام التسجيل، تقدیم 897 مرشحا للانتخابات البرلمانية من بينهم 41 امرأة و144 مرشحا لانتخابات مجلس خبراء القيادة. ولم تختلف أوضاع المواطن الإيراني ومعاناته من العقوبات الدولية عن الأعوام السابقة. إذ رهن حسن روحاني جميع وعوده الاقتصادية برفع العقوبات وتنفيذ الاتفاق النووي. وتنوعت التقارير والإحصائيات الرسمية وغير الرسمية عن ارتفاع نسبة الفقر والبطالة والمشاكل الاجتماعية الأخرى. وتجاوزت «حياة التقسيط» في إيران، المسكن والسيارات، ووصلت إلى الخبز اليومي وفقا لما نشرته وسائل الإعلام الإيرانية. وتتفاخر حكومة الرئيس روحاني بسيطرتها على التضخم وتقليصه من نحو 40 في المائة في زمن نجاد، إلى نحو 15 في المائة.



سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة

مستوطنون يرقصون في مؤتمر يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة 21 أكتوبر الماضي (تايمز أوف إسرائيل)
مستوطنون يرقصون في مؤتمر يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة 21 أكتوبر الماضي (تايمز أوف إسرائيل)
TT

سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة

مستوطنون يرقصون في مؤتمر يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة 21 أكتوبر الماضي (تايمز أوف إسرائيل)
مستوطنون يرقصون في مؤتمر يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة 21 أكتوبر الماضي (تايمز أوف إسرائيل)

دعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، مجدداً، إلى احتلال قطاع غزة، وتشجيع نصف سكانه البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة على الهجرة خلال عامين، معززاً المخاوف حول وجود خطة فعلية لذلك.

وفي حديثه خلال مؤتمر نظمه مجلس «يشع»، وهو منظمة تمثل بلديات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، قال سموتريتش: «يمكننا احتلال غزة، وتقليص عدد سكانها إلى النصف خلال عامين، من خلال استراتيجية تشجيع الهجرة الطوعية». وأضاف: «من الممكن خلق وضع كهذا... لن يكلف الكثير من المال، وحتى لو كان مكلفاً، فلا ينبغي لنا أن نخاف من دفع ثمنه».

وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش (أ.ب)

ومطالب سموتريتش باحتلال غزة ليست جديدة، لكنها تعزز المخاوف الكثيرة من أن هذه المطالب المتكررة تعكس وجود أهداف غير معلنة للحرب الحالية في غزة، وتشمل احتلالاً طويلاً وحكماً عسكرياً واستئناف الاستيطان هناك. وعلى الرغم من أن الأهداف المعلنة للحرب، ما زالت كما هي، «القضاء على (حماس)» و«استعادة المحتجزين»، لكن ما يجري في تل أبيب وقطاع غزة نفسها، لا يؤيد ذلك، ويشير إلى أهداف أخرى، إذ يمتنع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن وضع خطة لليوم التالي في قطاع غزة، وتعمل إسرائيل في غزة على تعميق السيطرة عبر توسيع المحاور، وإنشاء ما يشبه «المواقع العسكرية» الدائمة.

ولا يبدو أن إسرائيل تخطط لحكم عسكري وحسب، إذ أصبح هذا مكشوفاً إلى حد ما، لكن أيضاً لاستئناف الاستيطان هناك، وهي الخطوة الأكثر إثارة للجدل لو حدثت.

وتثير العملية العسكرية الدامية في شمال قطاع غزة القائمة على تهجير الفلسطينيين تحت النار، وعزل جزء من الشمال عن بقية مناطق القطاع المقسمة، المخاوف من أن الجيش يمهد المكان لعودة المستوطنين.

وفي وقت سابق الأسبوع الماضي، في ذروة الهجوم الإسرائيلي المنظم، قام جنود إسرائيليون في غزة بمساعدة قيادية استيطانية على دخول القطاع لمسح المواقع المحتملة للمستوطنات اليهودية دون الحصول على إذن من قادتهم.

وقالت «هيئة البث الإسرائيلية» آنذاك إن دانييلا فايس، التي تقود الجهود لإعادة الاستيطان في شمال غزة، قامت بجولة على الجانب الإسرائيلي من السياج الحدودي لغزة، وقد عبرت مع مجموعتها الحدود، من خلال وسائل غير واضحة، وسارت مسافة قصيرة داخل القطاع، مؤكدة أنها تنوي الاستفادة من الوجود العسكري في غزة لتوطين اليهود هناك تدريجياً.

وثمة ربط مباشر بين تهجير الفلسطينيين وإقامة مستوطنات جديدة في غزة. وكانت إسرائيل تقيم في غزة 21 مستوطنة، فككت جميعها بموجب خطة فك الارتباط عام 2005، والتي أدت كذلك إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع.

ويتضح من تصريحات سموتريتش أنه يضع ميزانية لاحتلال غزة. وقال سموتريتش إن «احتلال غزة ليس كلمة قذرة. إذا كانت تكلفة السيطرة الأمنية (على القطاع) 5 مليارات شيقل (1.37 مليار دولار)، فسأقبلها بأذرع مفتوحة. إذا كان هذا هو المطلوب لضمان أمن إسرائيل، فليكن».

وكانت سموترتيش يرد على مخاوف أثارتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ووزارة الخزانة من العواقب الهائلة التي قد يخلفها احتلال غزة على الاقتصاد الإسرائيلي.

وأصر سموتريتش على أن الطريقة الوحيدة لهزيمة «حماس» هي استبدال حكمها في غزة، وأن إسرائيل هي الطرف الوحيد القادر على القيام بذلك، حتى لو كان ذلك يعني تكليف الجيش الإسرائيلي بإدارة الشؤون المدنية للفلسطينيين في غزة.

وزعم سموتريتش أنه بمجرد إثبات نجاح سياسة «تشجيع الهجرة» في غزة، يمكن تكرارها في الضفة الغربية، حيث يعيش 3 ملايين فلسطيني.

وينادي رئيس حزب «الصهيونية الدينية» منذ فترة طويلة بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وأعلن في وقت سابق من هذا الشهر أن فوز الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في الانتخابات يوفر فرصة لتحقيق هذه الرؤية.

وكان سموتريتش واحداً من بين الكثير من الوزراء في الحكومة الذين حضروا حدثاً، الشهر الماضي، يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة. وقال سموتريتش قبيل مشاركته في المؤتمر إن الأراضي التي تخلت عنها إسرائيل في الماضي تحولت إلى «قواعد إرهابية أمامية إيرانية»، وعرضت البلاد للخطر.

فلسطينيون على طول الطريق بعد هطول الأمطار في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

لكن هل يستطيع سموترتيش إعادة احتلال واستيطان غزة؟ بالنسبة للكثيرين نعم، وهناك آخرون يعتقدون أنه لا يمكن ذلك، وعلى الأغلب فإن الأمر منوط بكيف ستنتهي الحرب في القطاع. وكتب عيران هلدسهايم في «تايمز أوف إسرائيل» متهماً سموتريتش بأنه يحاول أن يقنع الجمهور بسرد جديد يقوم على أنه إذا حققت إسرائيل أهدافها في الحرب وهزمت أعداءها، فإن السلام والأمن سيعودان إلى المنطقة.

وقال هلدسهايم: «في الظاهر، تبدو هذه الرواية منطقية، لكنها في الواقع شعار فارغ. ويبدو أن هذه الرواية تهدف بالأساس إلى إعداد الرأي العام لاستمرار الحرب، وفي الوقت نفسه الترويج لرؤية الاستيطان في قطاع غزة، وهو الهدف المركزي لسموتريتش ومؤيديه، لكن التاريخ يروي قصة مختلفة تماماً».

وأضاف: «يظهر التاريخ أن الحروب المطولة انتزعت ثمناً اقتصادياً باهظاً من إسرائيل، ولم تسهم في النمو». وتابع: «نهاية الحرب، كما طرحها سموتريتش، تعني الاستيلاء على مساحات واسعة في قطاع غزة. في المرحلة الأولى، يضغط الوزير بأن يكون الجيش هو من يقوم بتوزيع المواد الغذائية على السكان. وبعد أن تحظى هذه الخطوة بقبول الجمهور، يخطط سموتريتش للانتقال إلى المرحلة التالية: تطبيق الحكم العسكري الكامل في القطاع وإدارة حياة السكان الفلسطينيين بشكل مباشر. والهدف النهائي لهذه الخطة العظيمة هو إعادة الاستيطان في قطاع غزة».

ورأى الكاتب أن «رؤية سموتريتش تضع عبئاً مالياً ثقيلاً لا يطاق على كاهل إسرائيل»، مشيراً إلى أن التقديرات إلى تكلفة إضافية تبلغ نحو 20 مليار شيقل سنوياً، وهو مبلغ لا تملكه الدولة، ودون الأخذ في الحسبان تكاليف إعادة إعمار القطاع والثمن الباهظ المتمثل في حياة الجنود. ستُضطر إسرائيل إلى اعتماد خطة «الاقتصاد بعون الله» للخروج من هذا الوضع بسلام.

وتحدث الكاتب عن تهديدات خارجية أهم من «حماس» مثل إيران، وأخرى داخلية متمثلة بالتهديد الذي يقوض قدرة «الصمود الوطنية» أكثر من أي عدو. وقال: «إن ادعاء سموتريتش بأن النصر سوف يجلب الأمن، والأمن سوف يؤدي إلى النمو، يتجاهل الواقع المعقد»، وحقيقة أن الأمن الاقتصادي والاجتماعي لا يتحقق من خلال الحروب التي لا نهاية لها والحكم العسكري، بل من خلال الاستقرار الإقليمي. وأردف: «لكن كل هذه الأمور تتعارض مع الهدف الرئيسي لسموتريتش وهو الاستيطان في قطاع غزة؛ لذلك لا يمكنه إلا الاستمرار في بيع الأوهام للجمهور».