إجراءات عقابية تستهدف حسابات نواب حزب الله في المصارف اللبنانية

البنوك شرعت في التنفيذ التزامًا بالقرارات المالية الدولية

جانب من العمل في مصرف لبنان المركزي ببيروت (}غيتي})
جانب من العمل في مصرف لبنان المركزي ببيروت (}غيتي})
TT

إجراءات عقابية تستهدف حسابات نواب حزب الله في المصارف اللبنانية

جانب من العمل في مصرف لبنان المركزي ببيروت (}غيتي})
جانب من العمل في مصرف لبنان المركزي ببيروت (}غيتي})

يبدو أن العقوبات المالية التي فرضها قانون الكونغرس الأميركي الجديد على حزب الله لن تقف عند حدّ التضييق على المؤسسات التجارية التابعة له أو المتمولين الذين يدورون في فلكه، بل هي آخذة إلى التوسع والتصعيد في ظلّ معلومات تتحدث عن إجراءات عقابية بدأت تطال حسابات نواب الحزب في البرلمان اللبناني الموجودة في المصارف اللبنانية، من خلال قرار تبلغته جمعية المصارف اللبنانية، يحمل تحذيرًا واضحًا من تعامل أي مصرف مع نواب حزب الله المشمولين بقائمة العقوبات الأميركية.
هذه المعلومات المتقاطعة أقرّ بها معنيون بهذا القرار، وهو ما فسّر اللهجة العالية التي استخدمها أمين عام حزب الله حسن نصر الله في خطاب تأبين عميد الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية سمير القنطار الذي قتل في غارة إسرائيلية في منطقة جرمانا في إحدى ضواحي دمشق قبل أسبوعين، ودعا فيه الدولة اللبنانية إلى عدم الانصياع إلى القانون الأميركي، معتبرًا أن «أي مصرف يخالف هذا القانون لن يتأذى أبدًا، لكون حزب الله لا يملك حسابات في المصارف».
وكان الكونغرس الأميركي أصدر منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي قانونًا وقّعه الرئيس الأميركي باراك أوباما، يتعهّد بأشد العقوبات الأميركية على حزب الله، وأي منظمة أو فرد تابع لها، وأي مؤسسة مالية في أي مكان في العالم تسهّل أعماله عن دراية.
والتقت كل المعلومات على نقطة ثابتة واحدة، وهي أن الإجراءات العقابية على حسابات نواب الحزب سلكت طريقها إلى التنفيذ، وهذا لم ينكره أحد نواب الحزب، الذي اعترف بأن «القرار الأميركي يعبّر عن إفلاس الإدارة الأميركية ويفتقد إلى أي مسوغ قانوني وأخلاقي». النائب الذي رفض ذكر اسمه، أشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «قرارا كهذا، لا يخرج عن سياق استهداف المقاومة في لبنان، لكنه لن يغيّر في قناعاتها شيئًا»، معتبرًا أن «تقيّد المصارف والمؤسسات المالية اللبنانية بالقرار يعبّر عن جبن وانصياع كلّي للأميركيين».
في هذا الوقت، كشف مصدر مصرفي لبناني أن «القرار الأميركي المتعلّق بحظر حسابات نواب الحزب، تبلغته المصارف اللبنانية بشكل فردي من خلال جمعية المصارف، وليس عبر تعميم تتبلغه البنوك بشكل علني». وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن جمعية المصارف «تركت للبنوك والمؤسسات المالية حق تقدير ملاءمة هذا الأمر على وضعها من دون أن يترك ذلك آثارًا سلبية أو يرسم علامة استفهام على تعاملاتها». ولفت إلى أن «الإجراءات لم تتوقف على النواب بل على الأشخاص الذين ينتمون إلى الحزب وحركة تحويلاتهم المالية في الداخل والخارج».
وقال المصدر: «المصارف المعنية بهذا القرار، سارعت إلى مراجعة نواب الحزب الذين لديهم حسابات فيها، طالبة منهم تسديد ما يتوجب في ذمتهم من قروض واستحقاقات مالية قبل إقفال حساباتهم، وطلبت منهم تفهم حساسية هذا الإجراء»، مضيفًا أن «رئيس مجلس النواب نبيه بري رفض أي قرارات عقابية تطال رواتب النواب اللبنانيين بمن فيهم نواب حزب الله». وأبلغ بري المعنيين أن «حسابات رواتب النواب يجب أن تبقى خارج أي إجراء، لأن النواب يتقاضون رواتبهم من خزينة الدولة اللبنانية وليس من أي مصدر آخر».
من جهته، أوضح الخبير المالي وليد أبو سليمان، أن «القطاع المصرفي اللبناني يلتزم بالكامل المعايير المالية الدولية، لا سيما العقوبات المفروضة من المجتمع الدولي وصناديق الاستثمارات الدولية». ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الإجراءات العقابية الأميركية، يفترض أن لا تطال رواتب النواب بمن فيهم نواب حزب الله لأن هذه الرواتب تحوّل إلى حساباتهم من خزينة الدولة وهي بالعملة اللبنانية وليس بالدولار، وبالتالي هي ليست محل حظر».
وأشار أبو سليمان إلى أن «الإدارة الأميركية فرضت على المصارف إقفال حسابات نواب حزب الله التي فيها حجم تداولات كبيرة على حساباتهم بالعملة الصعبة، والمصرف المركزي على دراية بهذا الأمر»، لافتًا إلى أن أمين عام الحزب أعلن أن الحزب ليس لديه أموالاً. وقال: «طبعًا هكذا أحزاب لا تأتي أموالها ومصادر تمويلها عبر المصارف، إلا إذا كان بعض التجار من بيئة حزب الله».
أما في الشق التقني المتعلّق بدعوة نصر الله الدولة اللبنانية إلى عدم التقيد بالقانون الأميركي، فشدد أبو سليمان على أن «لبنان ملزم بتطبيق القرارات والعقوبات الدولية». وقال: «في حال لم يمتثل لبنان، عندها يمكن أن تتعرض المصارف اللبنانية للحظر، خصوصًا في ما خصّ التحويلات بالعملة الأجنبية، وأن 90 في المائة من التحويلات الخارجية هي بالدولار الأميركي، وهي تمرّ حتمًا عبر مقاصّة نيويورك وليس أي مكان آخر»، مذكرًا بأن المصرف المركزي «على يقين بأنه ليس في وارد الوقوف في وجه القوانين الدولية، ومعروف عن مصرف لبنان أنه يتعاطى بمعايير حرفية بكل ما يتعلّق بتبييض الأموال أو تمويل الإرهاب».
وكان نصر الله عبّر عن غضبه للقانون الأميركي، ودعا الدولة اللبنانية إلى أن «ترفض الانصياع إلى القانون الجديد». واعتبر أن «حزب الله لن يتأذى إطلاقا بفعل هذا القانون، لأن ليس لديه أموال في المصارف اللبنانية، ولا يحوّل أموالاً وليست لديه شركات تجارية أو شركاء في أي شركات لبنانية أو غير لبنانية».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.