بوق «القاعدة».. سجل أسود في التفجير والتجنيد والاغتيال

عبد العزيز الطويلعي «أخو من طاع الله»: من ناشط إعلامي إلى أمير الاغتيالات

بوق «القاعدة».. سجل أسود في التفجير والتجنيد والاغتيال
TT

بوق «القاعدة».. سجل أسود في التفجير والتجنيد والاغتيال

بوق «القاعدة».. سجل أسود في التفجير والتجنيد والاغتيال

على الرغم من اللقب الذي ظلّ يلاحقه، منذ القبض عليه في التاسع من مايو (أيار) 2005، بأنه «وزير إعلام تنظيم القاعدة»، إلا أن صحيفة اتهام عبد العزيز بن رشيد الطويلعي العنزي الذي أعلن، أول من أمس السبت، عن تنفيذ حكم الإعدام فيه، تكشف عن سجل إرهابي أسود، شمل القيام بالتفجير والتخطيط لهجمات على كبار المسؤولين، وتشكيل خلايا اغتيالات، واستهداف منشآت الدولة الأمنية والاقتصادية، بينها محاولة تفجير مصافي النفط، وتجنيد مقاتلين، والارتباط بجماعات إرهابية في العراق بالإضافة إلى جمع الأموال وحيازة الأسلحة والمتفجرات لأغراض إرهابية، ومحاولة تجنيد غواصين لاستهداف السفن الأجنبية في البحر الأحمر.
عُرف عبد العزيز بن رشيد الطويلعي العنزي، الذي ظلّ متخفيًا سنوات عن أعين السلطات، حتى ألقي القبض عليه بعد مواجهة نارية في أحد أحياء الرياض، بأنه العقل الإعلامي لتنظيم القاعدة، وقد بدأ مسيرته مع هذا التنظيم منذ عام 2002، حين كان ناشطًا إعلاميًا ينافح عبر مواقع الإنترنت عن أفكار التنظيم ومبادئه، ودخل في حوارات طويلة مع نشطاء تابعين لحملة «السكينة»، وهي لجان مناصحة للفكر التكفيري كانت تابعة للحكومة السعودية، وكان وقتها يتخفى بأسماء مستعارة، بينها اسم ظل معروفًا في منتدى «سلفيون» المتعاطف مع «القاعدة»، هو عبد العزيز البكري.
لكن لقبه الأبرز كان «أخو من طاع الله»، وحمله حين اشتدّ عوده في إنتاج الأعمال الفكرية لتنظيم القاعدة، وكانت مسؤولاً عن إصدار مجلة «صوت الجهاد» لسان حال التنظيم، مثلما كان ناشطًا في الكتابة بمجلة «البتار»، وهي الأخرى ضمن إصدارات «القاعدة»، وفي مجال كتابة المقالات والأخبار، كان الطويلعي غزير الإنتاج، حيث دأب خلال الفترة من 2002 إلى 2005 على الكتابة لمجلة «صوت الجهاد»، وكان له فيها زاويتان ثابتتان بأسماء مستعارة؛ الأولى بعنوان «العقيدة أولاً» بالاسم المستعار «ناصر النجدي» ثم «فرحان الرويلي» وتتعلق بتكفير الحكومة السعودية، والثانية بعنوان: «فقه الجهاد» وكتبها باسم «عبد الله ناصر الرشيد»، كما كان يكتب زوايا غير ثابتة في جميع الإصدارات، مستخدمًا أسماء مستعارة بينها اسم «أخو من طاع الله» واسم «عبد الرحمن بن سالم الشمري»، كما دأب على نشر قصائد باسم «عبد العزيز بن مشرف البكري».
نشاطه الإعلامي كان يتجاوز الكتابة، إلى النشر واستخدام أساليب مبتكرة في نشر أعداد مجلة «صوت الجهاد» على شبكة الإنترنت، لكن القضاء السعودي أدانه كذلك بجرم التخابر والتنسيق مع المعارض المقيم في لندن سعد الفقيه، خصوصًا فيما يتعلق بنشر المجلة، أو تنسيق العمليات الإرهابية فيما بعد بحيث لا تتواكب مع دعوات الفقيه للتظاهر.
كان الطويلعي مسؤولاً عن رئاسة اللجنة الشرعية والإفتاء في فرع التنظيم في «جزيرة العرب»، مع عضويته في مجلس شورى التنظيم، وكان مرتبطًا بقائد التنظيم - آنذاك - عبد العزيز المقرن، وأصبح الطويلعي متحدثًا باسم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وشارك في إنتاج عدد من الإصدارات الصوتية والمرئية عن هذا التنظيم، تتضمن الدعاية له وترويج أفكاره وتجنيد مقاتلين في صفوفه، وتحامل بشدة على منهج الدولة السعودية، وعلى قيادتها، منتهجًا أسلوب التكفير والتحريض عليها، ولم يكن يتحرز في إصدار الفتاوى التي تجيز قتل الجنود أو استباحة الأموال، أو اغتيال المسؤولين الحكوميين، خصوصًا القادة الأمنيين، ومهاجمة الأجانب المقيمين في السعودية، لكن أيضًا كانت له فتاوى تجيز قتل الكتاب السعوديين الذين كانوا يخالفون منهجه، أو يتصادمون مع أفكار تنظيم القاعدة، وصدرت له فتاوى تبيح لأتباعه قتل أنفسهم «الانتحار» خوفًا من تعرضهم للاعتقال ومن ثم تعريض المعلومات التي يمتلكونها للخطر.
وتكشف صحيفة الدعوى التي تحمل التهم التي أدين بها الطويلعي، جانبًا من علاقة التنظيم الإرهابي ببعض القنوات الفضائية، حيث تشير تلك التهم إلى قيام الطويلعي بالتواصل مع أحد الصحافيين في قناة مشهورة عبر الإنترنت «لغرض خدمة تنظيم القاعدة إعلاميًا»، وعمل على ربط صحافي تلك القناة بزعيم التنظيم عبد العزيز المقرن.
السجل الأسود
نشاطه الإعلامي، كان رأس جبل الجليد في سيرته الممزوجة بالعنف والإرهاب، حيث لعب دورًا بارزًا في التخطيط والقيام بالكثير من العمليات الإرهابية منذ تفجّر الإرهاب في 2003.
يُذكر أنه في 12 مايو من عام 2003 وقع انفجار استهدف ثلاثة مجمعات سكنية في الرياض، وأدت إلى مقتل 29 شخصًا، وإصابة نحو مائتين، وأعلنت «القاعدة» مسؤوليتها عن هذه الهجمات، كما يعتبر تفجير مجمع المحيا السكني غرب مدينة الرياض في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2003 من أشد الأعمال الإرهابية التي نفذها تنظيم القاعدة، وأسفر الهجوم عن مقتل العشرات من السكان القاطنين في المجمع، واستخدمت في تفجير المجمع سيارة مفخخة بحمولة تزن 300 كيلوغرام في عملية انتحارية نتج عنها وفاة 17 شخصًا، وإصابة 122 من جنسيات مختلفة.
وفي 29 مايو 2004 اقتحمت مجموعة مسلحة، مجمع الواحة السكني في مدينة الخبر (شرق السعودية)، واحتجزت 45 رهينة، وتم قتل عدد من السكان، قبل أن تتمكن قوات الأمن السعودي من اقتحام المبنى بعد 48 ساعة، وتحرير الرهائن.
وفي 6 يونيو (حزيران) 2004، أدت عملية إرهابية في حي السويدي بالعاصمة السعودية الرياض إلى مقتل المصور التلفزيوني الآيرلندي سيمون كامبرز وإصابة زميله البريطاني فرانك غارنر مراسل هيئة الإذاعة البريطانية لشؤون الأمن، تلاها في 6 ديسمبر (كانون الأول) 2004 محاولة اقتحام فاشلة لمبنى القنصلية الأميركية في جدة، انتهت بمقتل 3 مسلحين، وإلقاء القبض على 2 آخرين، وسقوط عدد من القتلى من غير الأميركيين.
وفي 29 ديسمبر 2004 قام إرهابيون بعملية متزامنة، استهدفت الأولى مقر وزارة الداخلية في الرياض، عبر انتحاري فجّر سيارة، وأصيب رجل أمن عند حراسات البوابة الشرقية، والثانية استهداف مقر مركز تدريب قوات الطوارئ الخاصة في الرياض، عبر انتحاريين حاولا تفجير سيارة بالقرب من المركز، قبل أن تفجرهما السلطات الأمنية قبل دخول السيارة إلى مقر المركز.
خلال هذه الفترة، كان الطويلعي لاعبًا بارزًا في التخطيط وتنفيذ الأعمال الإرهابية، فضلاً عن نشاطه الإعلامي الذي عرف به.
واستغل الطويلعي الأحداث التي عقبت تفجير مجمع المحيا في تشكيل خلايا إرهابية تتولى التخطيط لأعمال ضخمة تستهدف النفط، واغتيال شخصيات، وكان هو شخصيًا مسؤولاً عن «إمارة خلية الاغتيالات»، وتحديد الأهداف المستهدفة، وهم «الأجانب، ورجال الأمن والضباط، المحققون، وبعض العلماء، وكبار مسؤولي الدولة، وقيادة قوات الطوارئ الخاصة، وبعض الكتّاب»، وكذلك التخطيط لاختطاف شخصيات من هذه الفئات والتنكيل بها وتسجيل اعترافات مصورة لها.
وشارك الطويلعي، فعليًا، في اغتيال نائب رئيس الحرس الوطني المساعد - آنذاك - من خلال التخطيط لاستهداف سيارته بقذائف مطورة من أكواع متفجرة، كما اشترك في التخطيط للقيام بعمليات اغتيال لولي العهد والنائب الثاني ووزير الداخلية ومساعده (آنذاك).
خطط الطويلعي لاستهداف المنشآت النفطية بالمنطقة الشرقية، وشرع في استهداف ميناء رأس تنورة أكبر موانئ تصدير النفط السعودي على الخليج العربي، كما خطط للقيام بعملية إرهابية تستهدف أنابيب النفط باستعمال الطلقات النارية الخارقة والأكواع المتفجرة، وكان يُعد العدة لإرسال انتحاري بسيارة مفخخة تستهدف إحدى المصالح النفطية.
وأدين كذلك بالشروع في تنفيذ عمليات تفجير إرهابية بمدينة الرياض، بينها تفجير مجمع سكني في شرق الرياض بسيارات مفخخة، وتم تحديد دوره في فرقة الاقتحام بمواجهة مدخل البوابة الرئيسة بإطلاق النار الكثيف حتى تتمكن السيارة المفخخة من تجاوز البوابة.
كذلك كان ضمن الخلية التي قامت بالتفجير في حي السفارات، وكان دوره مع أحد الإرهابيين الوقوف أمام موقع قوات الأمن الخاصة، وحمل كمية كبيرة من الأكواع المتفجرة، ورماها عليهم لإعاقتهم من الوصول للموقع المستهدف.
كما خطط لاستهداف مركز المباحث العامة بالرياض بعمليات إرهابية واستهداف مبنى مباحث الزلفي بعملية إرهابية، واشتباكه ضمن مجموعته مع قوات الأمن أثناء عملية مداهمة قوات الأمن لمنزل في حي الفيحاء، وهي المواجهة التي تمكن من الفرار بعد حمله سلاحه الرشاش «الكلاشنيكوف» ولبس الجعبة التي تحتوي على قنبلتين يدويتين وثلاثة مخازن مليئة بالذخيرة الحية للرشاش، وتمكنه من رمي قنبلة يدوية خارج سور المنزل باتجاه رجال الأمن في الخارج.
الطويلعي كان متهمًا بإطلاق النار على دورية أمنية ومدرعة كانتا مشاركتين ضمن مواجهة لرجال الأمن أثناء مداهمة منزل بحي الملك فهد، وكان وقتها متسلحًا بجعبته محتوية على ثلاثة مخازن رشاش مليئة بالذخيرة الحية وقنبلة يدوية وكوع متفجر ومسدس عيار 9 ملم ورشاش.
ومن بين العمليات الهجومية التي اشترك فيها الطويلعي اشتباكه مع قوات الأمن أثناء مداهمة في مكة المكرمة، حيث تمكن من الهروب مع رفقائه والاستيلاء على سيارتين من أصحابهما تحت تهديد السلاح، كما اشترك مع أعضاء التنظيم في مواجهة رجال الأمن أثناء مداهمة تمت قرب استاد الملك فهد، وقيامه بإطلاق النار بشكل مباشر على دوريتي الأمن وإشعاله الفتيل باثنين من الأكواع المتفجرة التي كانت بحوزته وإلقائها على الدوريات الأمنية.
كذلك محاولته تجنيد غواصين يجري تدريبهم على الغوص لاستهداف السفن الأجنبية أثناء مرورها بالمياه الدولية بالبحر الأحمر.
هو كذلك متهم بالمشاركة في تطوير سلاح تقليدي والمتمثل في استخدام الأكواع كقذائف، والتخطيط لتطوير ذلك السلاح ليكون أقوى تأثيرًا، كما تشير صحيفة اتهامه، إلى مشاركته بصنع قذيفتين بمنزل خلية الاغتيالات بمدينة الرياض، وسعيه لصنع كمية كبيرة من تلك القذائف لاستخدامها في عمليات تنظيم القاعدة داخل السعودية.
تكشف صحيفة الدعوى أن الطويلعي كان على علم بالعلاقة التي ربطت بين زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عبد العزيز المقرن، وزعيم التنظيم في العراق أبو مصعب الزرقاوي، وقيام المقرن بإرسال مقاتلين سعوديين إلى العراق لتهريب الأسلحة إلى السعودية، وكذلك التستر على مخطط الزرقاوي بزرع مقاتلين منظمين ومدربين داخل المناطق السعودية بانتظار ساعة الصفر التي يحددها، حيث طلب الزرقاوي من المقاتلين الكمون حتى يتصل بهم ليقوموا بالعمل المسلح داخل السعودية.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».