بوق «القاعدة».. سجل أسود في التفجير والتجنيد والاغتيال

عبد العزيز الطويلعي «أخو من طاع الله»: من ناشط إعلامي إلى أمير الاغتيالات

بوق «القاعدة».. سجل أسود في التفجير والتجنيد والاغتيال
TT

بوق «القاعدة».. سجل أسود في التفجير والتجنيد والاغتيال

بوق «القاعدة».. سجل أسود في التفجير والتجنيد والاغتيال

على الرغم من اللقب الذي ظلّ يلاحقه، منذ القبض عليه في التاسع من مايو (أيار) 2005، بأنه «وزير إعلام تنظيم القاعدة»، إلا أن صحيفة اتهام عبد العزيز بن رشيد الطويلعي العنزي الذي أعلن، أول من أمس السبت، عن تنفيذ حكم الإعدام فيه، تكشف عن سجل إرهابي أسود، شمل القيام بالتفجير والتخطيط لهجمات على كبار المسؤولين، وتشكيل خلايا اغتيالات، واستهداف منشآت الدولة الأمنية والاقتصادية، بينها محاولة تفجير مصافي النفط، وتجنيد مقاتلين، والارتباط بجماعات إرهابية في العراق بالإضافة إلى جمع الأموال وحيازة الأسلحة والمتفجرات لأغراض إرهابية، ومحاولة تجنيد غواصين لاستهداف السفن الأجنبية في البحر الأحمر.
عُرف عبد العزيز بن رشيد الطويلعي العنزي، الذي ظلّ متخفيًا سنوات عن أعين السلطات، حتى ألقي القبض عليه بعد مواجهة نارية في أحد أحياء الرياض، بأنه العقل الإعلامي لتنظيم القاعدة، وقد بدأ مسيرته مع هذا التنظيم منذ عام 2002، حين كان ناشطًا إعلاميًا ينافح عبر مواقع الإنترنت عن أفكار التنظيم ومبادئه، ودخل في حوارات طويلة مع نشطاء تابعين لحملة «السكينة»، وهي لجان مناصحة للفكر التكفيري كانت تابعة للحكومة السعودية، وكان وقتها يتخفى بأسماء مستعارة، بينها اسم ظل معروفًا في منتدى «سلفيون» المتعاطف مع «القاعدة»، هو عبد العزيز البكري.
لكن لقبه الأبرز كان «أخو من طاع الله»، وحمله حين اشتدّ عوده في إنتاج الأعمال الفكرية لتنظيم القاعدة، وكانت مسؤولاً عن إصدار مجلة «صوت الجهاد» لسان حال التنظيم، مثلما كان ناشطًا في الكتابة بمجلة «البتار»، وهي الأخرى ضمن إصدارات «القاعدة»، وفي مجال كتابة المقالات والأخبار، كان الطويلعي غزير الإنتاج، حيث دأب خلال الفترة من 2002 إلى 2005 على الكتابة لمجلة «صوت الجهاد»، وكان له فيها زاويتان ثابتتان بأسماء مستعارة؛ الأولى بعنوان «العقيدة أولاً» بالاسم المستعار «ناصر النجدي» ثم «فرحان الرويلي» وتتعلق بتكفير الحكومة السعودية، والثانية بعنوان: «فقه الجهاد» وكتبها باسم «عبد الله ناصر الرشيد»، كما كان يكتب زوايا غير ثابتة في جميع الإصدارات، مستخدمًا أسماء مستعارة بينها اسم «أخو من طاع الله» واسم «عبد الرحمن بن سالم الشمري»، كما دأب على نشر قصائد باسم «عبد العزيز بن مشرف البكري».
نشاطه الإعلامي كان يتجاوز الكتابة، إلى النشر واستخدام أساليب مبتكرة في نشر أعداد مجلة «صوت الجهاد» على شبكة الإنترنت، لكن القضاء السعودي أدانه كذلك بجرم التخابر والتنسيق مع المعارض المقيم في لندن سعد الفقيه، خصوصًا فيما يتعلق بنشر المجلة، أو تنسيق العمليات الإرهابية فيما بعد بحيث لا تتواكب مع دعوات الفقيه للتظاهر.
كان الطويلعي مسؤولاً عن رئاسة اللجنة الشرعية والإفتاء في فرع التنظيم في «جزيرة العرب»، مع عضويته في مجلس شورى التنظيم، وكان مرتبطًا بقائد التنظيم - آنذاك - عبد العزيز المقرن، وأصبح الطويلعي متحدثًا باسم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وشارك في إنتاج عدد من الإصدارات الصوتية والمرئية عن هذا التنظيم، تتضمن الدعاية له وترويج أفكاره وتجنيد مقاتلين في صفوفه، وتحامل بشدة على منهج الدولة السعودية، وعلى قيادتها، منتهجًا أسلوب التكفير والتحريض عليها، ولم يكن يتحرز في إصدار الفتاوى التي تجيز قتل الجنود أو استباحة الأموال، أو اغتيال المسؤولين الحكوميين، خصوصًا القادة الأمنيين، ومهاجمة الأجانب المقيمين في السعودية، لكن أيضًا كانت له فتاوى تجيز قتل الكتاب السعوديين الذين كانوا يخالفون منهجه، أو يتصادمون مع أفكار تنظيم القاعدة، وصدرت له فتاوى تبيح لأتباعه قتل أنفسهم «الانتحار» خوفًا من تعرضهم للاعتقال ومن ثم تعريض المعلومات التي يمتلكونها للخطر.
وتكشف صحيفة الدعوى التي تحمل التهم التي أدين بها الطويلعي، جانبًا من علاقة التنظيم الإرهابي ببعض القنوات الفضائية، حيث تشير تلك التهم إلى قيام الطويلعي بالتواصل مع أحد الصحافيين في قناة مشهورة عبر الإنترنت «لغرض خدمة تنظيم القاعدة إعلاميًا»، وعمل على ربط صحافي تلك القناة بزعيم التنظيم عبد العزيز المقرن.
السجل الأسود
نشاطه الإعلامي، كان رأس جبل الجليد في سيرته الممزوجة بالعنف والإرهاب، حيث لعب دورًا بارزًا في التخطيط والقيام بالكثير من العمليات الإرهابية منذ تفجّر الإرهاب في 2003.
يُذكر أنه في 12 مايو من عام 2003 وقع انفجار استهدف ثلاثة مجمعات سكنية في الرياض، وأدت إلى مقتل 29 شخصًا، وإصابة نحو مائتين، وأعلنت «القاعدة» مسؤوليتها عن هذه الهجمات، كما يعتبر تفجير مجمع المحيا السكني غرب مدينة الرياض في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2003 من أشد الأعمال الإرهابية التي نفذها تنظيم القاعدة، وأسفر الهجوم عن مقتل العشرات من السكان القاطنين في المجمع، واستخدمت في تفجير المجمع سيارة مفخخة بحمولة تزن 300 كيلوغرام في عملية انتحارية نتج عنها وفاة 17 شخصًا، وإصابة 122 من جنسيات مختلفة.
وفي 29 مايو 2004 اقتحمت مجموعة مسلحة، مجمع الواحة السكني في مدينة الخبر (شرق السعودية)، واحتجزت 45 رهينة، وتم قتل عدد من السكان، قبل أن تتمكن قوات الأمن السعودي من اقتحام المبنى بعد 48 ساعة، وتحرير الرهائن.
وفي 6 يونيو (حزيران) 2004، أدت عملية إرهابية في حي السويدي بالعاصمة السعودية الرياض إلى مقتل المصور التلفزيوني الآيرلندي سيمون كامبرز وإصابة زميله البريطاني فرانك غارنر مراسل هيئة الإذاعة البريطانية لشؤون الأمن، تلاها في 6 ديسمبر (كانون الأول) 2004 محاولة اقتحام فاشلة لمبنى القنصلية الأميركية في جدة، انتهت بمقتل 3 مسلحين، وإلقاء القبض على 2 آخرين، وسقوط عدد من القتلى من غير الأميركيين.
وفي 29 ديسمبر 2004 قام إرهابيون بعملية متزامنة، استهدفت الأولى مقر وزارة الداخلية في الرياض، عبر انتحاري فجّر سيارة، وأصيب رجل أمن عند حراسات البوابة الشرقية، والثانية استهداف مقر مركز تدريب قوات الطوارئ الخاصة في الرياض، عبر انتحاريين حاولا تفجير سيارة بالقرب من المركز، قبل أن تفجرهما السلطات الأمنية قبل دخول السيارة إلى مقر المركز.
خلال هذه الفترة، كان الطويلعي لاعبًا بارزًا في التخطيط وتنفيذ الأعمال الإرهابية، فضلاً عن نشاطه الإعلامي الذي عرف به.
واستغل الطويلعي الأحداث التي عقبت تفجير مجمع المحيا في تشكيل خلايا إرهابية تتولى التخطيط لأعمال ضخمة تستهدف النفط، واغتيال شخصيات، وكان هو شخصيًا مسؤولاً عن «إمارة خلية الاغتيالات»، وتحديد الأهداف المستهدفة، وهم «الأجانب، ورجال الأمن والضباط، المحققون، وبعض العلماء، وكبار مسؤولي الدولة، وقيادة قوات الطوارئ الخاصة، وبعض الكتّاب»، وكذلك التخطيط لاختطاف شخصيات من هذه الفئات والتنكيل بها وتسجيل اعترافات مصورة لها.
وشارك الطويلعي، فعليًا، في اغتيال نائب رئيس الحرس الوطني المساعد - آنذاك - من خلال التخطيط لاستهداف سيارته بقذائف مطورة من أكواع متفجرة، كما اشترك في التخطيط للقيام بعمليات اغتيال لولي العهد والنائب الثاني ووزير الداخلية ومساعده (آنذاك).
خطط الطويلعي لاستهداف المنشآت النفطية بالمنطقة الشرقية، وشرع في استهداف ميناء رأس تنورة أكبر موانئ تصدير النفط السعودي على الخليج العربي، كما خطط للقيام بعملية إرهابية تستهدف أنابيب النفط باستعمال الطلقات النارية الخارقة والأكواع المتفجرة، وكان يُعد العدة لإرسال انتحاري بسيارة مفخخة تستهدف إحدى المصالح النفطية.
وأدين كذلك بالشروع في تنفيذ عمليات تفجير إرهابية بمدينة الرياض، بينها تفجير مجمع سكني في شرق الرياض بسيارات مفخخة، وتم تحديد دوره في فرقة الاقتحام بمواجهة مدخل البوابة الرئيسة بإطلاق النار الكثيف حتى تتمكن السيارة المفخخة من تجاوز البوابة.
كذلك كان ضمن الخلية التي قامت بالتفجير في حي السفارات، وكان دوره مع أحد الإرهابيين الوقوف أمام موقع قوات الأمن الخاصة، وحمل كمية كبيرة من الأكواع المتفجرة، ورماها عليهم لإعاقتهم من الوصول للموقع المستهدف.
كما خطط لاستهداف مركز المباحث العامة بالرياض بعمليات إرهابية واستهداف مبنى مباحث الزلفي بعملية إرهابية، واشتباكه ضمن مجموعته مع قوات الأمن أثناء عملية مداهمة قوات الأمن لمنزل في حي الفيحاء، وهي المواجهة التي تمكن من الفرار بعد حمله سلاحه الرشاش «الكلاشنيكوف» ولبس الجعبة التي تحتوي على قنبلتين يدويتين وثلاثة مخازن مليئة بالذخيرة الحية للرشاش، وتمكنه من رمي قنبلة يدوية خارج سور المنزل باتجاه رجال الأمن في الخارج.
الطويلعي كان متهمًا بإطلاق النار على دورية أمنية ومدرعة كانتا مشاركتين ضمن مواجهة لرجال الأمن أثناء مداهمة منزل بحي الملك فهد، وكان وقتها متسلحًا بجعبته محتوية على ثلاثة مخازن رشاش مليئة بالذخيرة الحية وقنبلة يدوية وكوع متفجر ومسدس عيار 9 ملم ورشاش.
ومن بين العمليات الهجومية التي اشترك فيها الطويلعي اشتباكه مع قوات الأمن أثناء مداهمة في مكة المكرمة، حيث تمكن من الهروب مع رفقائه والاستيلاء على سيارتين من أصحابهما تحت تهديد السلاح، كما اشترك مع أعضاء التنظيم في مواجهة رجال الأمن أثناء مداهمة تمت قرب استاد الملك فهد، وقيامه بإطلاق النار بشكل مباشر على دوريتي الأمن وإشعاله الفتيل باثنين من الأكواع المتفجرة التي كانت بحوزته وإلقائها على الدوريات الأمنية.
كذلك محاولته تجنيد غواصين يجري تدريبهم على الغوص لاستهداف السفن الأجنبية أثناء مرورها بالمياه الدولية بالبحر الأحمر.
هو كذلك متهم بالمشاركة في تطوير سلاح تقليدي والمتمثل في استخدام الأكواع كقذائف، والتخطيط لتطوير ذلك السلاح ليكون أقوى تأثيرًا، كما تشير صحيفة اتهامه، إلى مشاركته بصنع قذيفتين بمنزل خلية الاغتيالات بمدينة الرياض، وسعيه لصنع كمية كبيرة من تلك القذائف لاستخدامها في عمليات تنظيم القاعدة داخل السعودية.
تكشف صحيفة الدعوى أن الطويلعي كان على علم بالعلاقة التي ربطت بين زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عبد العزيز المقرن، وزعيم التنظيم في العراق أبو مصعب الزرقاوي، وقيام المقرن بإرسال مقاتلين سعوديين إلى العراق لتهريب الأسلحة إلى السعودية، وكذلك التستر على مخطط الزرقاوي بزرع مقاتلين منظمين ومدربين داخل المناطق السعودية بانتظار ساعة الصفر التي يحددها، حيث طلب الزرقاوي من المقاتلين الكمون حتى يتصل بهم ليقوموا بالعمل المسلح داخل السعودية.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».