رغم ثرواته النفطية.. العراق يواجه أكبر أزمة سياسية ومالية واجتماعية

الحكومات المتعاقبة لم تأخذ على محمل الجد التحذيرات الدولية من الفساد

عناصر في ميليشيات الحشد الشعبي يطلقون صاروخا أثناء معارك بين القوات العراقية وميليشيا تنظيم داعش على حدود مدينة علم (رويترز)
عناصر في ميليشيات الحشد الشعبي يطلقون صاروخا أثناء معارك بين القوات العراقية وميليشيا تنظيم داعش على حدود مدينة علم (رويترز)
TT

رغم ثرواته النفطية.. العراق يواجه أكبر أزمة سياسية ومالية واجتماعية

عناصر في ميليشيات الحشد الشعبي يطلقون صاروخا أثناء معارك بين القوات العراقية وميليشيا تنظيم داعش على حدود مدينة علم (رويترز)
عناصر في ميليشيات الحشد الشعبي يطلقون صاروخا أثناء معارك بين القوات العراقية وميليشيا تنظيم داعش على حدود مدينة علم (رويترز)

لم تأخذ الحكومات العراقية التي تشكلت بعد احتلال العراق عام 2003 على محمل الجد ما تنشره أو تحذر منه المنظمات الدولية والوطنية بشأن ارتفاع مؤشرات الفساد وانعدام الشفافية وارتفاع معدلات ونسب خط الفقر، معتبرة كل ما يقال بهذا الشأن مؤامرة تستهدف التجربة الجديدة في العراق.
ولعل السبب الذي يعود إلى إخفاء الساسة العراقيين رؤوسهم في الرمال حيال مثل هذه التقارير المتواترة هو الارتفاع الهائل في أسعار النفط خلال السنوات الماضية مما كان يشكل بمثابة غطاء هزيل يخفي العورة الاقتصادية والسياسية التي سرعان ما انكشفت عند بدء انخفاض أسعار النفط العالمية وعدم وجود احتياطي مالي تتمكن بواسطته البلاد من تغطية العجز بالإضافة إلى عدم وجود موارد أخرى بديلة كالصناعة أو الزراعة أو حتى السياحة الدينية التي لم يجر استثمارها بطريقة سليمة فضلا عن عدم وجود نظام ضريبي فاعل.
العراق الذي يملك ثاني أكبر احتياطي نفطي بعد السعودية ورابع دولة في الإنتاج العالمي للنفط يواجه اليوم طبقا لآراء السياسيين والخبراء الاقتصاديين أكبر أزمة مالية - سياسية - اقتصادية - اجتماعية بسبب تناقص الاحتياطي المالي للبلاد واستمرار ارتفاع العجز في الموازنة المالية لعام 2016 بأكثر من 23 مليار دولار في حين تبلغ رواتب الموظفين والمتقاعدين نحو 40 مليار دولار سنويا. ومع أن موازنة عام 2014 اختفت تماما ولم يعرف أين ذهبت الأموال التي جرى تخصيصها وتزيد على الـ140 مليار دولار قبل هبوط الأسعار فإن رئيس الوزراء العبادي حين شكل حكومته بعد تنحي سلفه نوري المالكي وجد مبلغا قدره ثلاثة مليارات دولار فقط.
وإذا كانت موازنة 2014 قد اختفت تماما فإن ميزانية عام 2015 لم تتضمن أي حصة للاستثمار حيث كانت ميزانية تشغيلية بالكامل (رواتب وأجور). أما ميزانية عام 2016 التي لا تزال موضع جدل بين الحكومة والبرلمان فإنها تعاني من عجز حقيقي وليس مخططا. كما أنها لا تتضمن أي فقرة للاستثمار فحسب بل ربما تكون غير قادرة على تأمين الرواتب والأجور وبالتالي تجري الآن مناقشة مقترح برلماني بخفض رواتب الموظفين والمتقاعدين بنسبة 3 في المائة.
ويرى الخبير الاقتصادي العراقي باسم جميل أنطوان في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه «رغم الحجم الكبير للثروة النفطية في العراق قبل انخفاض أسعار النفط والتي كانت تشكل نحو 95 في المائة من الموازنة التي بلغت نحو 140 مليار دولار أميركي فإن ما حصل وما يحصل اليوم نتيجة انخفاض الأسعار إنما يعود بالدرجة الأولى إلى عدم التفكير بالأيام اللاحقة وبالتالي لم تفكر الطبقة السياسية والحكومات التي شكلتها بتنويع مصادر الدخل والبحث عن بدائل غير النفط». ويضيف أنطوان أن «المشكلة تكمن أيضا في سوء الإدارة حيث هناك في الواقع إدارة عشوائية للاقتصاد العراقي وغالبية الساسة الذين تصدوا للحكم يجهلون إدارة الملف الاقتصادي ولم يفكروا في خلق احتياطي استثماري».
مع ذلك فإن وزير النفط عادل عبد المهدي وفي إطار رده على الانتقادات التي وجهت إلى جولات التراخيص النفطية التي قام بها سلفه حسين الشهرستاني كون أن كلف إنتاج النفط بموجبها أعلى من المردود المالي بعد أن كان دخل العراق بموجب تلك الجولات نحو 340 مليار دولار بين عامي 2009 و2014 وهو مبلغ ضخم جدا لم يجر استثماره بطريقة صحيحة في وقت أكد الوزير أن ذلك كان بمثابة إنقاذ للعراق، وهو ما يعني من وجهة نظر خبراء الاقتصاد أن العراق وفي ظل هذه الإدارة العشوائية لاقتصاده سيبقى بحاجة إلى «إنقاذ مالي فقط ومن مورد واحد هو النفط لكي يدفع الرواتب والأجور».
ورغم استمرار تنامي صادرات العراق النفطية من 2.4 مليون برميل يوميا عام 2003 إلى نحو 4 ملايين برميل حاليا فإن انخفاض أسعار النفط يجعل حتى النفط غير قادر على إنقاذ العراق ما لم يتم اتخاذ تدابير صارمة في كل المجالات والميادين.
ولا يزال الجدل بين الأرقام التي تعلنها وزارة التخطيط العراقية وما تعلنه بعثة الأمم المتحدة في العراق يؤشر فارقا في التعامل مع حقيقة الأوضاع المعيشية في البلاد والتي بدأت تنعكس بشكل خطير على الفئات الاجتماعية الأقل دخلا في البلاد سواء من شريحة المتقاعدين أو المشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية أو سكان العشوائيات التي تحيط بالعاصمة بغداد ومعظم المحافظات العراقية باستثناء محافظات إقليم كردستان.
المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «ربع سكان العراق ما زالوا يعيشون تحت خط الفقر بينهم 5 في المائة يعانون من الفقر المدقع». الهنداوي أضاف أن «النسبة تبلغ نحو 23 في المائة علما أن خط الفقر يمثل الحاجات الأساسية الغذائية وغير الغذائية». ويضيف أن «الوزارة أخذت على عاتقها القيام بمهمة رسم سياسة تنموية تستهدف الفئات الأقل دخلا من أجل تخفيض معدل خط الفقر».
في السياق نفسه، تؤشر أرقام الأمم المتحدة إلى مستوى آخر على صعيد ما يعانيه العراقيون لا سيما على صعيد خط الفقر بينما تصنف بلادهم رابع منتج للنفط وثالث مصدر. وتقول بعثة الأمم المتحدة «يونامي» في بيان لها إن «ستة ملايين عراقي من أصل 33 مليونا ما زالوا يعيشون تحت خط الفقر في بلد تتجاوز موازنته المالية السنوية 100 مليار دولار»، مشيرة إلى أنها «تريد التركيز على أهمية العمل في القضاء على الفقر من خلال برامج تنمية مستدامة تهدف إلى خلق مجتمع أكثر شمولية في العراق». وأشار البيان إلى أن «هناك تفاوتًا طبقيًا واضحًا في البلاد من حيث الدخول نتيجة تفشي الفساد على نحو واسع بعد عام 2003 وغياب العدالة الاجتماعية». ودعت الأمم المتحدة إلى أهمية «وضع سياسات شمولية تخفف من الفقر وتطوير وسائل عيش مستدامة لجميع العراقيين بالتزامن مع مساعي السياسيين لمواجهة التحديات الأمنية».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.