موسكو في الوحل السوري

ضغوط سياسية وعسكرية ومراوحة ميدانية .. والأشهر المقبلة حاسمة.. وتوقعات بمواجهات مباشرة بين روسيا وتركيا

عنصر من القوات الروسية يحمّل قذيفة على متن مقاتلة «سوخوي» في قاعدة حميميم الجوية في 22 أكتوبر الماضي (رويترز)
عنصر من القوات الروسية يحمّل قذيفة على متن مقاتلة «سوخوي» في قاعدة حميميم الجوية في 22 أكتوبر الماضي (رويترز)
TT

موسكو في الوحل السوري

عنصر من القوات الروسية يحمّل قذيفة على متن مقاتلة «سوخوي» في قاعدة حميميم الجوية في 22 أكتوبر الماضي (رويترز)
عنصر من القوات الروسية يحمّل قذيفة على متن مقاتلة «سوخوي» في قاعدة حميميم الجوية في 22 أكتوبر الماضي (رويترز)

تحت عنوان محاربة تنظيم داعش دخلت روسيا الشرق الأوسط من البوابة السورية في عام 2015 فارضة نفسها لاعبا أساسيا في أي عملية سياسية لحل الأزمة عبر وجودها العسكري وتأمين قاعدة طرطوس البحرية، لكنها وإن نجحت في إطالة عمر النظام وتحريك الملف السوري دوليا لم تستطع ومنذ سبتمبر (أيلول) الماضي في إحراز تغيرات عسكرية ملحوظة على الأرض.
وبفضل التدخل في سوريا، بات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قلب الأحداث، بحيث نسج علاقات مع مصر وأصبح محاورا رئيسيا للأردن ودول الخليج، ووضع نفسه في موقع مساوٍ مع الولايات المتحدة في التوصل إلى حل للنزاع السوري.
ويرى مدير الأبحاث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولي كريم بيطار في حديثه لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أنه «من الممكن شرح تصلب الموقف الروسي في سوريا انطلاقا من عوامل عدة: حماية واحدة من آخر الدول الحليفة لها في الشرق الأوسط، سخطها تجاه السياسة الغربية في ليبيا، إرادتها بفرض نفسها حامية لمسيحيي الشرق، وخوفها من تمدد المتشددين إلى القوقاز، وأخيرا ذهنية الانتقام الموجودة لديها على ضوء الإذلال الذي لحق بها مرارا منذ 1989».
ويوضح إدغار كورتوف رئيس تحرير المجلة الروسية «مشكلات الاستراتيجية الوطنية» المقربة من الكرملين، بالقول إن «المصلحة الوطنية تدفع الروس إلى التحرك في الشرق الأوسط لئلا تضطر إلى مكافحة هذه النيران (المتطرفين) قرب حدودنا». ويضيف: «يأمل القادة الروس أيضًا باستعادة روسيا لموقعها في السياسة العالمية، على غرار ما كان عليه موقع الاتحاد السوفياتي».
في المقابل، يشير الباحث السياسي وأستاذ العلاقات الدولية اللبناني الدكتور سامي نادر إلى أن التدخل الروسي جاء بعد التراجع الأميركي وعلى حساب اللاعب الإيراني في المنطقة ودور تركيا والمنطقة الآمنة التي كانت تعمل الأخيرة على إقامتها. وهو ما قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية ومباشرة في المرحلة المقبلة بين تركيا وروسيا خاصة إذا أكملت موسكو مخططها باتجاه دعم الأكراد وإقامة كردستان سوريا، موضحا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «المواقف التركية الرسمية ونبرتها العالية تعكس قلق أنقرة من هذا الموضوع، وكان آخرها ما أعلنه رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو بقوله: (لن نسمح أن تكون كردستان على طول حدودنا)».
وأضاف نادر: «وهذا الأمر إذا تحقق يعني سقوط حلب بيد النظام وروسيا ليصبح عندها تحالف (روسيا - النظام – الأكراد) هو المؤهل لملء الفراغ الذي يتركه (داعش)، وخير دليل على هذا الأمر هو أن موسكو التي تدّعي أنها تحارب (داعش) تركّز ضرباتها على (أحرار الشام) و(النصرة) اللذين كانا من المتوقع أن يملآ هذا الفراغ».
وليس بعيدا عن مخطط موسكو نفسه، قتل الأسبوع الماضي بغارة روسية، قائد «جيش الإسلام» في الغوطة الشرقية زهران علوش وعدد من قيادات التنظيم الذي يعتبر أكبر فصيل للمعارضة العسكرية ويعرف باختلافه الفكري مع «داعش» و«القاعدة»، وهو ما اعتبرته المعارضة السورية «ردًا على اجتماع الرياض» الذي شارك فيه علوش، أرادت موسكو من خلاله «اغتيال جنيف3» وإطلاق رصاصة الرحمة على جهود الأمم المتحدة لاستئناف التسوية السياسية في سوريا، مع العلم بأن إسقاط الطائرة المدنية الروسية في شبه جزيرة سيناء في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كان أحد أبرز النتائج للتدخل في سوريا قبل أن تنفذ تركيا تحذيرها لموسكو من خرق أجوائها عبر إسقاط طائرة روسية، في منطقة هاتاي الحدودية، في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وهو الأمر الذي نتج عنه تأزما في العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين وتصعيدا في المواقف إلى درجة غير مسبوقة.
وعلى الصعيد العسكري لم يسجل التدخل الروسي أي تقدم ملحوظ على الأرض، إذا وفي حين لم يكن له التأثير الواضح على مواقع «جبهة النصرة» و«داعش» فإن آلاف ضرباته ارتكزت على مواقع المعارضة في إدلب وحلب وريف دمشق ودرعا واللاذقية، بينما لم يطرأ أي تعديل يذكر على خطوط الجبهات وميزان القوى على الأرض بين مختلف الأطراف.
وفي وقت يبدو واضحا ومعلنا التنسيق والتعاون العسكري بين الأكراد وموسكو في الشمال السوري، تؤكد كل التقارير أن الضربات الروسية في سوريا التي تكلّف مئات آلاف الدولارات لا ترتكز على استهداف تنظيم داعش، بل استهدفت بشكل أساسي المعارضة المعتدلة إضافة إلى مناطق مدنية مستخدمة كذلك القنابل العنقودية، ووصف ما تقوم به بأنه يرقى إلى جرائم حرب.
وكانت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية قد نقلت عن جان بير فيليو المتخصص في الشرق الأوسط قوله «إن التدخل الروسي في سوريا من شأنه تقوية تنظيم داعش في هذا البلد كما كان الحال مع التدخل الأميركي في العراق عام 2003.
وفي حين أشارت معلومات إلى أن موسكو رفعت عدد مستشاريها العسكريين من ألفين إلى 4 آلاف، في وقت لم تنجح فيه قوات النظام وحلفاؤه باستعادة أكثر من 0.4 في المائة من الأراضي، قال تقرير صادر عن مؤسسة العفو الدولية «أمنستي» في 23ديسمبر (كانون الأول) إن مئات المدنيين السوريين قتلوا جراء الضربات الروسية التي فشلت في تركيز أهدافها على الأهداف العسكرية فقط.
وأضاف التقرير أن روسيا اضطرت للكذب مرارا وتكرارا للتغطية على سقوط المئات من المدنيين في سوريا خلال قصف أهداف غير عسكرية، كاستهداف مسجد ومستشفى ميداني، وفقا لشهود أجرت معهم المنظمة الدولية عدة مقابلات.
وذكرت «أمنستي» في تقريرها أنها توصلت إلى أدلة تثبت استخدام روسيا قنابل عنقودية في مناطق مدنية، وأضافت أن عدد المدنيين الذين قتلوا جراء هذه الغارات تجاوز عدد العسكريين القتلى، فبعد مراجعة ست غارات للطيران الروسي، تبين مقتل 200 شخص من غير العسكريين مقابل أقل من عشرين عسكريا قتلوا في نفس تلك الغارات.
وقال فيليب لوثر، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «أمنستي»: «يبدو أن بعض الهجمات الروسية هاجمت بشكل مباشر أهدافا مدنية من خلال ضرب مواقع سكنية لا تحمل أي طابع عسكري. مثل هذه الهجمات يمكن أن نعتبرها جرائم حرب».
لكن روسيا تنفي هذا الأمر وتؤكد أن هجماتها دقيقة ولا تستهدف إلا عناصر «داعش».
وكشف معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في تقرير له، في 23 ديسمبر، أن التكلفة اللوجيستية والمادية للقوات الروسية التي شاركت في الحرب السورية، ستكلف موسكو مليار دولار سنويًا.
كما أكد المعهد أن التكلفة اليومية للذخائر تبلغ 750 ألف دولار، فيما بلغت كلفة الصواريخ الباليستية التي تطلقها المقاتلات الروسية من بحر قزوين ما بين 1.2 و1.5 مليون دولار، وكشف التقرير عن وجود طائرات من دون طيار وأخرى استخباراتية في سوريا.
وأمام هذا الواقع، يرى نادر أن التدخل العسكري الذي حوّل سوريا إلى ساحة دولية وبات ينذر بحرب عالمية وأدى إلى تحريك الحل السياسي قد ينتج عنه تسوية للأزمة في عام 2016، بعدما كان قد أعطى دفعا للمسار الدبلوماسي نحو الواجهة وتوصل إلى قرار في مجلس الأمن وإن كان غير قابل للتطبيق حتى الآن.
وأوضح: «مما لا شك فيه أنّ الأشهر القليلة المقبلة في بداية العام ستكون حاسمة عسكريا وسياسيا، إذ إن روسيا ستحاول بعد تدخلها عسكريا فرض نفسها سياسيا في أي حكومة انتقالية في سوريا، وليس مستبعدا أن تضع الأسد ونظامه تحت الأمر الواقع، مقابل مصالحها، وتذهب بتسوية التخلي عن الأسد
إذا كان رحيله يحقّق مصالحها فهي لن تتمسك به بعد ذلك، وتقول له فعلت ما بإمكاني فعله».
وأضاف نادر: «إيران تدفع الأثمان في سوريا عسكريا وروسيا تنجح وتفرض دورها دبلوماسيا وستدفع باتجاه الحل السياسي لأنها غير قادرة على الصمود مدة أطول في ظل العقوبات الاقتصادية التي ترزح تحتها وعدم تحقيقها تقدما عسكريا في سوريا وبالتالي تحاول استثمار هذا الأمر في السياسة وتحسين شروطها قبل الدخول في الحل السياسي انطلاقا من أن موازين القوى هي التي تلعب دورا في رسم صورة الحكم الانتقالي في سوريا لاحقا»، مؤكدا أن المرحلة المقبلة لن تكون سهلة كما أنها قد تشهد مفاجآت سياسية وعسكرية، لا سيما على صعيد خطر التدخل التركي ومواجهة عسكرية بين أنقرة وموسكو.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.