مسؤولون وخبراء أميركيون: «القاعدة» تريد أن تحل محل «داعش»

عودتها القوية في أفغانستان فاجأت إدارة الرئيس أوباما

مروحيتان مدمرتان في معسكر قديم لـ«القاعدة» داخل أفغانستان (نيويورك تايمز)
مروحيتان مدمرتان في معسكر قديم لـ«القاعدة» داخل أفغانستان (نيويورك تايمز)
TT

مسؤولون وخبراء أميركيون: «القاعدة» تريد أن تحل محل «داعش»

مروحيتان مدمرتان في معسكر قديم لـ«القاعدة» داخل أفغانستان (نيويورك تايمز)
مروحيتان مدمرتان في معسكر قديم لـ«القاعدة» داخل أفغانستان (نيويورك تايمز)

مع استمرار هزائم منظمة داعش في سوريا والعراق، قال مسؤولون وخبراء أميركيون إن منظمة القاعدة تستغل الحرب العالمية ضد «داعش» لزيادة نفوذها.
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» من مراسليها في أفغانستان واليمن أن «القاعدة» توسعت في كل من البلدين، مستغلة انسحاب القوات الدولية من أفغانستان، وعملية «عاصفة الحزم» في اليمن.
وقالت الصحيفة عن أفغانستان: «توجد حفنة مخيمات لـ(القاعدة) هنا. إنها ليست كبيرة مثل تلك التي كانت في عهد أسامة بن لادن، الذي أسس (القاعدة) قبل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. إذا كانت (القاعدة) عادت هكذا إلى السطح منذ عدة سنوات، كان الرئيس أوباما سيوجه نيرانه نحوها. لكن، في الوقت الحاضر، صارت (القاعدة) واحدة من منظمات كثيرة يواجهها أوباما».
ونقلت الصحيفة على لسان مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين قولهم إن عودة «القاعدة» قوية في أفغانستان فاجأ إدارة الرئيس أوباما.
قال مايكل موريل، نائب سابق لمدير وكالة الاستخبارات المركزية، ومؤلف كتاب «الحرب العظمى في عصرنا»: «أحس بقلق كبير بسبب عودة (القاعدة) في أفغانستان، وذلك لأني أعرف ما هو هدفها: نحن. ولأنه، تماما مثلما حدث في الماضي، ستوفر طالبان ملاذًا آمنا لها».
لكن، قال مسؤول رأيًا مختلفًا، وهو أن زيادة نشاط «القاعدة» في أفغانستان سببه العمليات العسكرية الباكستانية التي ضغطت على مقاتلي «القاعدة» عبور الحدود إلى أفغانستان. في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خلال استجواب في الكونغرس، قال الجنرال جون كامبيل، قائد القوات الأميركية في أفغانستان: «تواجه قوات حكومة أفغانستان عراقيل كثيرة في محاولتها القضاء على (القاعدة)»، وأضاف: «يحاول تنظيم القاعدة إعادة بناء شبكات الدعم، وأجهزة التخطيط، بهدف إعادة قدرته لضرب المصالح الأميركية والغربية هناك».
قبل شهرين، أصدر البنتاغون تقريرًا عن أفغانستان، جاء فيه أن ظهور معسكرات تدريب جديدة لـ«القاعدة».. «يأتي وسط تآكل في مجال الأمن في معظم أنحاء أفغانستان. خلال النصف الثاني من عام 2015، تدهور الوضع الأمني العام في أفغانستان، مع زيادة في هجمات فعالة من جانب المتطرفين».
وأشار التقرير إلى أنه، في أكتوبر الماضي، شنت القوات الخاصة الأميركية، بالتعاون مع قوات حكومة أفغانستان ومدعومة بعشرات من الغارات الجوية الأميركية، هجمات على معسكر لتنظيم القاعدة في جنوب أفغانستان. ووصف التقرير هذا المعسكر بأنه أكبر المعسكرات الإرهابية التي اكتشفوها أخيرًا هناك.
وأن الهجمات استمرت لعدة أيام، وأن حجم المعسكر كان أكبر من 30 ميلا مربعا. وكان يضم كثيرا من الأنفاق والتحصينات، وأن الهجمات أسفرت عن قتل نحو 200 من عناصر «القاعدة».
وفي وقت زيادة عمليات «القاعدة» في أفغانستان، قال خبراء أميركيون إن «القاعدة» تريد أن تحل محل «داعش» الذي يواجه تحالفًا عسكريًا دوليًا قاتلا.
وقال سيث جونز، خبير في معهد «راند» بكاليفورنيا، إن «القاعدة» صارت تتشدد في مواجهة «داعش»، ولم تعد ترحمها، وصارت تستهدف مواقعها، وتقتل أنصارها دون هوادة. وأضاف: «هذه هجمات عسكرية وعقائدية في الوقت ذاته».
وقال ارون زيلين، خبير في معهد واشنطن للشرق الأدنى: «يبدو أن (القاعدة) تريد أن تلعب لعبة طويلة. لا تريد فرض نفسها وسياساتها مثل (داعش)، تريد سلوك وسيلة هادئة ومرنة لتتغلغل وسط الناس في منطقتها»، وأضاف: «أرى أن نموذج (القاعدة) هو نموذج تنظيم دائم، وأعتقد أن كثيرًا من الناس لا يعرفون ذلك».
وأشار ثيودور كاراسيك، خبير سابق في معهد «راند» بكاليفورنيا، والآن خبير في الخليج، إلى أن «اعش»، في عام 2014 بعد أن انشق عن «القاعدة».. «بدأ يسرق قلوب وعقول المتطرفين، الذين يريدون أن يكونوا متشددين»، وأضاف: «هذا سباق نحو الدمار. صار واضحًا أن ساحات الحرب وسط المتطرفين تتوسع بشكل كبير».
وقال فواز جرجس، أستاذ سابق في كلية سارا لورنس في نيويورك، والآن في مدرسة لندن للاقتصاد، إن «(القاعدة) وحلفاءها يحاولون مواجهة تحدي (داعش) لإثبات إخلاصهم في القتال». وأضاف، مشيرًا إلى هجمات «القاعدة» في باماكو، عاصمة مالي، في الشهر الماضي: «تظل (القاعدة) تحاول تنفيذ هجمات مذهلة، لتثبت قدرتها».
* خدمة «نيويورك تايمز»



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.