الحصاد الثقافي السعودي: معرض دولي آخر للكتاب ومهرجان للأفلام السعودية

لقاء خادم الحرمين بالمثقفين يدفع عجلة الثقافة للأمام.. والإعلان عن عودة «الجنادرية» بعد توقف عام

جانب من {معرض جدة للكتاب} - ملصق {مسابقة أفلام سعودية} ({الشرق الأوسط})
جانب من {معرض جدة للكتاب} - ملصق {مسابقة أفلام سعودية} ({الشرق الأوسط})
TT

الحصاد الثقافي السعودي: معرض دولي آخر للكتاب ومهرجان للأفلام السعودية

جانب من {معرض جدة للكتاب} - ملصق {مسابقة أفلام سعودية} ({الشرق الأوسط})
جانب من {معرض جدة للكتاب} - ملصق {مسابقة أفلام سعودية} ({الشرق الأوسط})

مرت السعودية خلال عام 2015 بأحداث ثقافية كان لها الأثر في زيادة وتيرة الحركة الثقافية السعودية، وبعض هذه الأحداث كان أبرز ما شهدته البلاد خلال العام.
في هذا المجال يبرز لقاء خادم الحرمين الشريفين بالمثقفين السعوديين كأحد أهم أحداث العام الثقافية. وكان معرض جدة الدولي للكتاب حدثًا بارزًا، ليس على المستوى المحلي فقط بل تجاوزه إلى المستوى العربي، وكذلك إقامة معرضين دوليين للكتاب، أحدهما في الرياض والآخر في جدة، مع فارق زمني، معرض الرياض في الربع الأول للعام، وجدة في الربع الأخير للعام، أيضًا من الإنجازات الثقافية في 2015.
الدكتور عبد الله الحيدري رئيس نادي الرياض الأدبي يصف لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في العام الماضي بالمثقفين والإعلاميين، وهو أحدهم، بالأهم كحدث ثقافي محلي في عام 2015. ويقول عن ذلك: «اللقاء الذي شاركت فيه ضم شرائح مختلفة من المثقفين رجالاً ونساء، مما يعطي دلالة واضحة على ما يكنه خادم الحرمين الشريفين من اهتمام وعناية بالثقافة والمثقفين، وبأهمية دورهم في تشكيل الوعي وبث التنوير». وكان للقاء، كما يضيف الحيدري دلالة أخرى، وهي «أهمية توحيد الجهود وتحديد الرؤية والتخطيط للطرح الإعلامي والخطاب الثقافي للتصدي للهجمات الظالمة التي تتعرض لها السعودية بين آونة وأخرى من بعض وسائل الإعلام المأجورة أو المعادية». وهو يرى أن لقاء المثقفين مع خادم الحرمين الشريفين وحواره معهم «سيكون له الأثر الكبير في تأكيد مكانتهم، وقوة وتأثير رسالتهم في الوقت الذي نجد فيه بعض الشباب يختطف من خلال أفكار شاذة وأطروحات غريبة».
وأشار إلى أن هذا اللقاء هو فاتحة للقاءات أخرى يحظى من خلالها المثقفون بالدعم المعنوي المستمر، لأداء رسالتهم المنوطة بهم في الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون التي تسعى دومًا لتحقيق الأهداف التي رسمت لها، ومن بينها الاهتمام بفئة الشباب.
شهدت السعودية في فبراير (شباط) الماضي عودة مسابقة أفلام السعودية التي تجتذب هواة الفن السابع من السعوديين، وذلك بعد توقف دام سبع سنوات، حيث أقيمت الدورة الأولى في عام 2008، في حين أعلنت الجهة المنظمة للمسابقة قبل نهاية العام الحالي بدء استقبال المشاركات للدورة الثالثة التي ستنظم في فبراير من عام 2016.
ويرى الدكتور عبد المحسن القحطاني صاحب مركز عبد المحسن القحطاني للدراسات الثقافية والإعلامية أن أبرز أحداث العام على التوالي معرض جدة الدولي للكتاب، وتوقف مهرجان الجنادرية لهذا العام، الذي ناهز ثلاثين عامًا من العمر وأحدث في السعودية على مر هذه السنين حراكًا ثقافيًا وأدبيًا لا يستهان به.
يذكر أنه تم الإعلان قبل نهاية العام عن عقد الدورة الجديدة للمهرجان الذي سيرعاه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في دورته الثلاثين التي تعقد في الثالث من شهر فبراير 2016.
ويرى القحطاني أن من أحداث العام ازدهار الصالونات الأدبية والثقافية بسماح وزارة الثقافة والإعلام للأفراد بإنشاء مراكز دراسات ثقافية، وحصل هو على تصريح بإنشاء مركز للدراسات الثقافية الإعلامية.
ويقول عبد العزيز السماعيل، مدير الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، إن عام 2015 شهد زيادة فروع الجمعية في مختلف مناطق السعودية، وتولت فروع الجمعية قيادة المشهد الثقافي العام. وتنوع الفعاليات التي نظمتها يدل دلالة واضحة على تسيدها للمشهد الثقافي العام في السعودية.
ومن أحداث العام، عودة مسابقة الأفلام السعودية للمرة الثانية بعد توقف طويل.
أما على مستوى النشر، فيقول خالد اليوسف المهتم بحركة النشر إن عام 2015 حمل كثيرا من الأخبار والفعاليات السارة بالنسبة إلى المثقفين السعوديين، فقد بلغ عدد العناوين في مختلف الفنون الأدبية نحو 430 عنوانًا شملت النقد والقصة والرواية وغيرها من فنون الأدب، كذلك شكل عام 2015 قفزة في مجال التأليف، حيث كانت المنشورات في تصاعد مستمر منذ سنوات.
وهو يعتبر معرض جدة الدولي للكتاب مكسبا للثقافة السعودية على وجه الخصوص والعربية بشكل عام، إذ جرت العادة أن يقام معرض واحد للكتاب في كل دولة باستثناء بعض الدول مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، وإضافة معرض جدة إلى أجندة حركة النشر العربية يعطي دفعا للثقافة المحلية والعربية والحركة النشر بشكل عام.
بدوره يعتقد عادل الحوشان، ناشر سعودي، أن أبرز الأحدث هو معرض جدة الدولي للكتاب، فبعد أن كان السعوديون ينتظرون مناسبة واحدة لمعرض الكتاب تقام في العاصمة سنويًا، أصبحت الآن هناك مناسبتان هامتان لمعرض الكتاب ينتظرها المثقفون بكل شغف.
من جهة أخرى، يقول عباس حايك، كاتب مسرحي، إن عام 2015 كان فأل خير على المهتمين بالأفلام والعروض السينمائية في السعودية، وذلك بعودة مهرجان الأفلام في الدمام بعد سبع سنوات غياب، إذ نظم دورته الثانية في فبراير الماضي.
كما أطلق المهرجان والقائمون عليه البرنامج الوطني لتطوير صناعة الفيلم بشراكة كاملة بين جمعية الثقافة مع مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي، وفتح الباب لعروض أفلام مستمرة في مقار الفروع.
ومن بين ما ميز هذا العام أيضًا إقامة مهرجان الشعر في جمعية الثقافة والفنون بالدمام، الذي كان مهرجانًا ثقافيًا تمازجت فيه الفنون والآداب، بين الشعر والتشكيل والسينما والأفلام، بالإضافة إلى حفلات توقيع دواوين شعرية نظمتها الجمعية. وكذلك يشكل معرض الكتاب الدولي بجدة بعد غياب سنوات، من وجهة نظر حايك، واحدًا من أبرز أحداث العام الثقافية، لكنه يرى بالمقابل أن «التقشف» الذي أعلنته جمعية الثقافة والفنون كان الأكثر إثارة للجدل في عام 2015، خصوصا لدى المسرحيين، فالقرار أفرز حالة من الإحباط والتذمر أثر على الحركة المسرحية في البلد عموما. وعلى أثر ذلك لم تقدم فروع الجمعية عروضًا حسب المخطط له أو تنظم مهرجانات مثل مهرجان الدمام لمسرح الكبار ولمسرح الصغار أيضًا، إضافة إلى ذلك فقد حمل العام للمسرحيين إحباطا جديدًا بفشل الجمعية العمومية لجمعية المسرحيين السعوديين وبقاء هذا الكيان معطلاً بعد سنوات من الخلافات بين أعضاء مجلسه.



أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

أليخاندرا بيثارنيك
أليخاندرا بيثارنيك
TT

أليخاندرا بيثارنيك... محو الحدود بين الحياة والقصيدة

أليخاندرا بيثارنيك
أليخاندرا بيثارنيك

يُقال إن أكتافيو باث طلب ذات مرة من أليخاندرا بيثارنيك أن تنشر بين مواطنيها الأرجنتينيين قصيدة له، كان قد كتبها بدافع من المجزرة التي ارتكبتها السلطات المكسيكية ضد مظاهرة للطلبة في تلاتيلوكو عام 1968. وعلى الرغم من مشاعر الاحترام التي تكنها الشاعرة لزميلها المكسيكي الكبير فإنها لم تستطع تلبية طلبه هذا، لأنها وجدت القصيدة سيئة. ربما يكون هذا مقياساً لعصرنا الذي ينطوي من جديد على صحوة سياسية، ليس أقلها بين الشباب، وفي الوقت الذي تتعرض فيه الشرطة للمتظاهرين وتطلق النار عليهم كما حدث عام 1968، فإن شاعرة «غير سياسية» بشكل نموذجي مثل أليخاندرا بيثارنيك تشهد اليوم انبعاثاً جديداً، ففي إسبانيا لقيت أعمالها الشعرية نجاحاً حقيقياً وهي مدرجة بانتظام في قوائم أهم شعراء اللغة الإسبانية للألفية الفائتة، وهي تُقرأ وتُذكر في كل مكان، بالضبط كما حدث ذلك في الأرجنتين خلال السبعينات.

وإذا لم أكن مخطئاً، فإن هذا النوع المميز من شعرها «الخالص» يُفهم على أنه أبعد ما يكون عن السياسة. إن انجذابها للاعتراف، وسيرتها الذاتية الأساسية، إلى جانب التعقيد اللغوي، تمنح شعرها إمكانية قوية لمحو الحدود بين الحياة والقصيدة، تبدو معه كل استعراضات الواقع في العالم، كأنها زائفة وتجارية في الأساس. إنها تعطينا القصيدة كأسلوب حياة، الحياة كمعطى شعري. وفي هذا السياق يأتي شعرها في الوقت المناسب، في إسبانيا كما في السويد، حيث يتحرك العديد من الشعراء الشباب، بشكل خاص، في ما بين هذه الحدود، أي بين الحياة والقصيدة.

تماماَ مثل آخرين عديدين من كبار الشعراء في القرن العشرين كانت جذور أليخاندرا بيثارنيك تنتمي إلى الثقافة اليهودية في أوروبا الشرقية. هاجر والداها إلى الأرجنتين عام 1934 دون أن يعرفا كلمة واحدة من الإسبانية، وبقيا يستخدمان لغة اليديش بينهما في المنزل، وباستثناء عم لها كان يقيم في باريس، أبيدت عائلتها بالكامل في المحرقة. في الوطن الجديد، سرعان ما اندمجت العائلة في الطبقة الوسطى الأرجنتينية، وقد رزقت مباشرة بعد وصولها بفتاة، وفي عام 1936 ولدت أليخاندرا التي حملت في البداية اسم فلورا. لقد كانت علاقة أليخاندرا بوالديها قوية وإشكالية في الوقت نفسه، لاعتمادها لوقت طويل اقتصادياً عليهما، خاصة الأم التي كانت قريبة كثيراً منها سواء في أوقات الشدة أو الرخاء، وقد أهدتها مجموعتها الأكثر شهرة «استخلاص حجر الجنون».

في سن المراهقة كرست أليخاندرا حياتها للشعر، أرادت أن تكون شاعرة «كبيرة» ووفقاً لنزعات واتجاهات الخمسينات الأدبية ساقها طموحها إلى السُريالية، وربما كان ذلك، لحسن حظها، ظرفاً مؤاتياً. كما أعتقد بشكل خاص، أنه كان شيئاً حاسماً بالنسبة لها، مواجهتها الفكرة السريالية القائلة بعدم الفصل بين الحياة والشعر. ومبكراً أيضاً بدأت بخلق «الشخصية الأليخاندرية»، ما يعني من بين أشياء أُخرى أنها قد اتخذت لها اسم أليخاندرا. ووفقاً لواحد من كتاب سيرتها هو سيزار آيرا، فإنها كانت حريصة إلى أبعد حد على تكوين صداقات مع النخب الأدبية سواء في بوينس آيرس أو في باريس، لاحقاً، أيضاً، لأنها كانت ترى أن العظمة الفنية لها جانبها الودي. توصف بيثارنيك بأنها اجتماعية بشكل مبالغ فيه، في الوقت الذي كانت نقطة انطلاق شعرها، دائماً تقريباً، من العزلة الليلية التي عملت على تنميتها أيضاً.

بعد أن عملت على تثبيت اسمها في بلادها ارتحلت إلى باريس عام 1960، وسرعان ما عقدت صداقات مع مختلف الشخصيات المشهورة، مثل خوليو كورتاثار، أوكتافيو باث، مارغريت دوراس، إيتالو كالفينو، وسواهم. عند عودتها عام 1964 إلى الأرجنتين كانت في نظر الجمهور تلك الشاعرة الكبيرة التي تمنت أن تكون، حيث الاحتفاء والإعجاب بها وتقليدها. في السنوات التالية نشرت أعمالها الرئيسية وطورت قصيدة النثر بشكليها المكتمل والشذري، على أساس من الاعتراف الذي أهلها لأن تكون في طليعة شعراء القرن العشرين. لكن قلقها واضطرابها الداخلي سينموان أيضاً ويكتبان نهايتها في الأخير.

أدمنت أليخاندرا منذ مراهقتها العقاقير الطبية والمخدرات وقامت بعدة محاولات للانتحار لينتهي بها المطاف في مصحة نفسية، ما ترك أثره في كتابتها الشعرية، بطبيعة الحال. وهو ما يعني أنها لم تكن بعيدة بأي حال عن الموت أو الأشكال المفزعة، إلى حد ما، في عالم الظل في شعرها بما يحوز من ألم، يعلن عن نفسه غالباً، بذكاء، دافعا القارئ إلى الانحناء على القصيدة بتعاطف، وكأنه يستمع بكل ما أوتي من مقدرة، ليستفيد من كل الفروق، مهما كانت دقيقة في هذا الصوت، في حده الإنساني. على الرغم من هذه الحقيقة فإن ذلك لا ينبغي أن يحمل القارئ على تفسير القصائد على أنها انعكاسات لحياتها.

بنفس القدر عاشت أليخاندرا بيثارنيك قصيدتها مثلما كتبت حياتها، والاعتراف الذي تبنته هو نوع ينشأ من خلال «التعرية». إن الحياة العارية تتخلق في الكتابة ومن خلالها، وهو ما وعته أليخاندرا بعمق. في سن التاسعة عشرة، أفرغت في كتابها الأول حياتها بشكل طقوسي وحولتها إلى قصيدة، تعكس نظرة لانهائية، في انعطافة كبيرة لا رجعة فيها وشجاعة للغاية لا تقل أهمية فيها عن رامبو. وهذا ما سوف يحدد أيضاً، كما هو مفترض، مصيرها.

وهكذا كانت حياة أليخاندرا بيثارنيك عبارة عن قصيدة، في الشدة والرخاء، في الصعود والانحدار، انتهاءً بموتها عام 1972 بعد تناولها جرعة زائدة من الحبوب، وقد تركت على السبورة في مكتبها قصيدة عجيبة، تنتهي بثلاثة نداءات هي مزيج من الحزن والنشوة:«أيتها الحياة/ أيتها اللغة/ يا إيزيدور».

ومما له دلالته في شعرها أنها بهذه المكونات الثلاثة، بالتحديد، تنهي عملها: «الحياة»، و«اللغة»، و«الخطاب» (يمثله المتلقي). هذه هي المعايير الرئيسية الثلاثة للاحتكام إلى أسلوبها الكتابي في شكله المتحرك بين القصائد المختزلة المحكمة، وقصائد النثر، والشظايا النثرية. ولربما هذه الأخيرة هي الأكثر جوهرية وصلاحية لعصرنا، حيث تطور بيثارنيك فن التأمل والتفكير الذي لا ينفصل مطلقاً عن التشابك اللغوي للشعر، لكن مع ذلك فهو يحمل سمات الملاحظة، أثر الذاكرة، واليوميات. في هذه القصائد يمكن تمييز نوع من فلسفة الإسقاط. شعر يسعى إلى الإمساك بالحياة بكل تناقضاتها واستحالاتها، لكن لا يقدم هذه الحياة أبداً، كما لو كانت مثالية، وبالكاد يمكن تعريفها، على العكس من ذلك يخبرنا أن الحياة لا يمكن مضاهاتها أو فهمها، لكن ولهذا السبب بالتحديد هي حقيقية. في قصائد أليخاندرا بيثارنيك نقرأ بالضبط ما لم نكنه وما لن يمكن أن نكونه أبداً، حدنا المطلق الذي يحيط بمصيرنا الحقيقي الذي لا مفر منه، دائماً وفي كل لحظة.

* ماغنوس وليام أولسون Olsson ـ William Magnus: شاعر وناقد ومترجم سويدي. أصدر العديد من الدواوين والدراسات الشعرية والترجمات. المقال المترجَم له، هنا عن الشاعرة الأرجنتينية أليخاندرا بيثارنيك، هو بعض من الاهتمام الذي أولاه للشاعرة، فقد ترجم لها أيضاً مختارات شعرية بعنوان «طُرق المرآة» كما أصدر قبل سنوات قليلة، مجلداً عن الشاعرة بعنوان «عمل الشاعر» يتكون من قصائد ورسائل ويوميات لها، مع نصوص للشاعر وليام أولسون، نفسه. وفقاً لصحيفة «أفتون بلادت». على أمل أن تكون لنا قراءة قادمة لهذا العمل. والمقال أعلاه مأخوذ عن الصحيفة المذكورة وتمت ترجمته بإذن خاص من الشاعر.