مثقفون عراقيون.. الرواية والنقد أولا

أطياف رشيد - صلاح زينل - زينب فخري
أطياف رشيد - صلاح زينل - زينب فخري
TT

مثقفون عراقيون.. الرواية والنقد أولا

أطياف رشيد - صلاح زينل - زينب فخري
أطياف رشيد - صلاح زينل - زينب فخري

احتلت الرواية والنقد المرتبة الأولى في قائمة قراءات المثقفين العراقيين الذين استطلعنا آراءهم.
تقول القاصة والمسرحية أطياف رشيد: «تنوعت قراءاتي هذا العام بين الرواية والنقد والشعر، لكن كانت للرواية الحصة الأكبر فيها، وأهم ما قرأته روايات (الحديقة الصخرية) لنيكوس كازانتزاكي، و(الكافرة) لعلي بدر، و(يا مريم) لسنان أنطون، و(قميص الليل) لسوسن جميل حسن، وأعدت، كمسرحية، قراءة الأعمال الكاملة لبيتر بروك. رواية (الحديقة الصخرية) رواية تفجر كوامن الإنسان المتناقضة والمتأرجحة بين الرغبات المشروعة وبين الانحطاط والانغماس في الرذيلة، وتجسد تلك الصرخات القاسية والمكتومة التي تزأر في جوف عميق اسمه الروح. أما رواية (يا مريم) لسنان أنطون فهي رواية جريئة تبحث في تيمة الانتماء والهوية بين جيلين.. من عاش زمنا مليئا بالخير والمحبة والتآلف، وبين من يعيش واقعا مريرا ومؤلما يغلفه العنف والقتل فيريد الهرب منه. قصة عائلة عراقية مسيحية في العراق ومعاناتها في ظل الظروف التي تمر بالعراق والإنسان العراقي عموما والمسيحيين بشكل خاص، فهي رواية جريئة في طرحها».
أما الفنان والأكاديمي صلاح زينل فقال: «لقد قرأت العديد من الكتب هذا العام رغم أنني لا أحب الحديث دائما عما قرأته.. ولكن بحكم تخصصي فهناك العديد مما قرأته، من بينه رواية (المجوس) للكاتب الليبي (المغترب) إبراهيم الكوني الذي يكتب عن الطوارق دائما، وهي رواية عن بحث الإنسان الصحراوي عن السعادة وهو يعيش في الصحراء، وفق رؤية تمزج الفلسفة والوصف الجميل.. والتاريخ. هناك أيضا رواية مهمة قرأتها وكنت أنتظر إعادة قراءتها من زمان طويل وهي رواية القاص والروائي عبد الرحمن الربيعي (الوشم)، وهي تتحدث عن صراع الأحزاب العراقية في ستينات القرن الماضي وضحيتها (كنموذج) الشاب الذي ينتمي إلى أحد تلك الأحزاب.. لكنه يدخل السجن ليكتشف ضياع عمره بين النساء والأحزاب.. إلخ. وهناك أيضا كتاب مهم للكاتب الدكتور علي كمال (الشيزوفرينيا).. وهو مفهوم من عنوانه. قرأت أيضا كتاب المؤرخ الراحل نجدة فتحي صفوة (صالح جبر) وهو يتحدث عن هذه الشخصية السياسية العراقية في العهد الملكي، والتي لم يفهم بعدها السياسي والاستراتيجي إلا بعد وفاته». ويواصل: «قرأت أيضا رواية أعجبتني لأنني أميل للكتابات التاريخية، وهي رواية (ثلاثية غرناطة) للكاتبة المصرية الراحلة رضوى عاشور.. وهي المرة الأولى التي أقرأ فيها لهذه الكاتبة.. والرواية عن سقوط الأندلس واستسلام أبو عبد الله محمد الصغير. وهناك أيضا كتاب بعنوان (الهويات القاتلة) للكاتب اللبناني الفرنسي أمين معلوف، وهو يتحدث عن الانتماء والهوية الوطنية والأصل، وماهية ذلك، وكيف يقتل إنسان لأنه منتم لأصل معين أو يحمل هوية معينة».
الإعلامي والكاتب عبد الهادي مهودر قال: «إن عام 2015 يكاد يكون أقل الأعوام في عدد الكتب التي قرأتها، وأحمل مواقع التواصل الاجتماعي - (فيسبوك) خصوصا - مسؤولية تراجع قراءة الكتب لصالح قراءة التقارير والمقالات والميل نحو التفاعل والنقاش العام، ومع ذلك بقيت كتب الإعلام والسياسة والدين ودواوين الشعر في مقدمة اهتماماتي، إلى جانب كتب اللغة والفلسفة والرواية، وتركت إلى الأبد قراءة كتب التاريخ لأنني (بصراحة) فقدت الثقة بصحتها. وأشير بإعجاب إلى كتابين قرأتهما في الأشهر الأولى من هذا العام، وهما رواية (عالم صوفي) لجوستاين غاردر، المترجمة إلى عشرات اللغات العالمية، وهي رواية عميقة تدخل القارئ إلى عالم الفلسفة والذات والعالم عبر محاورات وأسئلة وإجابات فلسفية ممتعة، إضافة إلى كتاب (العقل والحرية) لعبد الكريم سروش. وأهمية هذا الكتاب ترجع لكونه يناقش قضية الدين والتدين والتراث والانفتاح. والكتاب يرى أنه لا عدالة بلا حرية، وأن الحرية هي أساس تحقيق العدالة الإنسانية، وأن التفكير العقلاني وليس الانغلاق هو الطريق الذي يوصل إلى الحقيقة. وسأختم العام الحالي بقراءة كتاب مهم عنوانه (لماذا تفشل الأمم؟)، وهو إصدار حديث حول الأنظمة الحاكمة وقضايا التنمية والفقر والازدهار والتجارب السياسية والاقتصادية وعوامل فشلها ونجاحها».
أما الإعلامية والقاصة زينب فخري، فتقول: «قرأت في هذا العام كتابا جديدا لوزير الثقافة والسياحة والآثار فرياد رواندزي، والموسوم بـ(العراق ودبلوماسية الأفاعي.. تأملات في المشهد السياسي والتأثيرات الأميركية 2004 - 2010) الصادر عن المديرية العامة للمكتبات - المكتبة العامة (2013)، وهو عبارة عن أعمدة صحافية ومقالات سياسية أسبوعية كتبها الباحث خلال أكثر من ست سنوات، ونشرت في جريدة (الاتحاد)، ويضم مجموعة من القراءات للظواهر السياسية والصراعات والخفايا التي عاش مخاضاتها الواقع العراقي. وكذلك قرأت كتاب (وطن على بعد امرأة) للكاتب المغترب مهند الشهرباني، وهي مجموعة نصوص شعرية كتبت ببراعة عالية، وبقلم متمرس، عكست معاناة أديب وانتظاره لامرأة قد تأتي وقد لا تأتي ووطن قد ينتصر على آلامه أو لا ينتصر. ولا أنسى كتاب (ربما يحدّق الجميع) للأديب كريم جخيور، رئيس اتحاد أدباء البصرة، الذي شدني فعلا بلطيف كلماته وشاعريتها، وغرابة صوره».



ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون
TT

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

أفلاطون
أفلاطون

في اليوم العالمي للتسامح الذي صادف أمس، ينبغي لنا، نحن العرب تحديداً، أن نتساءل: ما بال العالم كله ينعم بالسلام ويتقلب في رغد العيش، ونحن نخرج من حرب لنلبس لأمة الحرب من جديد؟ وإن كانت أوكرانيا قد خرقت القاعدة، إلا أن الأعم الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية، تختلف عما نراه في أفلام السينما. بمناسبة اليوم، سنمر بمحطات تاريخية ذات علائق بالموضوع، ولعل أول رمز للتسامح في تاريخ الفكر هو سقراط، كما تجلّى في محاورات تلميذه أفلاطون، وتجلّت معه روح التسامح في أسلوبه الحواري كجزء من بحثه عن الحقيقة.

في المحاورات، كان متسامحاً للغاية مع محاوريه، ويدعوهم للسعي وراء الحقيقة أينما انطلق بهم هذا السعي. ولطالما شجّع خصومه على تفنيد كل ما يقول، وأن هذه هي الطريقة المُثلى للكشف عن وجه الحقيقة. وفي إحدى المحاورات يصف نفسه بأنه يبتهج بدحض الآخرين لأقواله أكثر من ابتهاجه بدحضه أقوال الآخرين، لأن النجاة من الشر خير من إنقاذ الآخرين.

السعي وراء الحقيقة، بالنسبة إلى سقراط، مرتبط بالعقل المنفتح، وهذا الشكل من التسامح الحواري يفترض بالطبع أن يؤدي إلى رؤية موحدة للحقيقة. لا بد أن تشعر في بعض الأحيان بأن تسامح سقراط مبالغ فيه للغاية، لكن ربما هذا هو أساس فكرة «المحاورات»، أن تخلق الإنسان الكامل المرجعي في كل شيء، مع أننا نعلم أنه في النهاية إنسان، ولا بد أن يكون غضب ذات مرة، بل مرات.

محطة التسامح الثانية يمكن أن نراها واضحة وأكثر تطوراً في رواقية إبكتيتوس وماركوس أوريليوس وسينيكا، فالفكرة الرواقية هي وجوب التركيز على تلك الأشياء التي يمكننا التحكم فيها، مثل آرائنا وسلوكياتنا، مع تجاهل تلك الأشياء التي لا يمكننا التحكم فيها، وخاصة آراء وسلوكيات الآخرين. ترتبط الفكرة بالاستسلام واللامبالاة، كما هو واضح في حالة إبكتيتوس، الذي قد يفسر وضعه الاجتماعي نصائحه بالتحرر الذهني، لا الجسدي، فقد نشأ مستعبداً عند الرومان.

بطبيعة الحال، صبر المستعبد ليس مثل تسامح المتسامح الذي يملك القدرة على الرفض، قدرة لا يمتلكها المستعبد، فالتسامح فضيلة القوي، كما يقول الإمبراطور ماركوس أوريليوس. وقد يرتبط الأمر بفضائل أخرى مثل الرحمة والإحسان، غير أن نظرة الرواقيين إلى التسامح لا تصل إلى درجة احترام الاستقلالية وحرية الضمير، كما الحال في الليبرالية الحديثة، إذ لم تكن الحياة السياسية الرومانية متسامحة مثل الحياة السياسية الحديثة، وعلى الرغم من أن «تأملات» ماركوس تحتوي على نصوص كثيرة تستحضر روح التسامح، فإن ماركوس نفسه كان مسؤولاً بشكل شخصي عن سحق واضطهاد المسيحيين في زمنه.

ولم يصبح التسامح موضوعاً جدياً للاهتمام الفلسفي والسياسي في أوروبا حتى القرنين السادس عشر والسابع عشر، بل قبل ذلك خلال عصر النهضة والإصلاح في القرنين الخامس عشر والسادس عشر رفع الإنسانيون من مثل إيراسموس ودي لاس كاساس ومونتين شعار استقلالية العقل البشري ضد دوغمائية الكنيسة التي كانت توقد نيران محاكم التفتيش وتلقي بالناس فيها وتقتل المخالف.

في أعقاب الانقسامات التي خلّفها مشروع الإصلاح اللوثري والإصلاح «الكاثوليكي» المضاد، دُمرت أوروبا بسبب الحرب التي أثيرت باسم الدين، حروب بلغت ذروتها في حرب الثلاثين عاماً (1618 - 1648). بسبب هذه الحرب الشنيعة، وكل الحروب كذلك، أدرك العلماء والحكماء حجم القوة التدميرية الكامنة في التعصب، فنهضوا لاجتثاث ذلك التدمير من خلال استعادة نصوص التسامح وإعادة النظر في العلاقة بين المعتقد الديني والسلطة السياسية.

لافونتين

وكان هناك تأثير ثقافي للتيار الذي قام من أجل تعريف معنى السيادة وتطهير الدين في بريطانيا مما علق به خلال الحروب الأهلية البريطانية (1640 - 1660)، ويضاف إلى كل ذلك تكاثر المعلومات عن الاختلافات الثقافية مع بداية عهد الرحلات واكتشاف العالم، وكان لاكتشاف الصين تحديداً أعظم الأثر، فقد صُدم المسيحيون صدمة فكرية عنيفة عندما وجدوا شعباً أخلاقياً لا يؤمن بدين، بمعنى أنهم وصلوا إلى أن الدين ليس مصدر الأخلاق. ورفع الإنسانيون في حركة الإصلاح شعاراً يقول: هل لديكم معرفة منقولة عن الله معصومة من الخطأ تبرر قتل من يُتهم بالزندقة؟ ولم يلبث هذا القلق بشأن قابلية الإنسان للخطأ أن فتح الطريق إلى ما يعرف باسم «التسامح المعرفي»، ومع اقتران الاعتراف بقابلية الإنسان للخطأ وانتقاد السلطة الكنسية، نشأت أشكال جديدة وأكثر عمقاً، من التسامح السياسي. وأخذ التسامح في القرن السابع عشر صورة الممارسة العملية في أجزاء معينة من أوروبا.

ربما حدث هذا نتيجة زيادة التجارة والحراك الاجتماعي. وصاغ سبينوزا حجة للتسامح ترتكز على 3 دعاوى، أولاً، تقييد حرية الفكر مستحيل. ثانياً، السماح بحرية الفكر لا يمس بسلطة الدولة. وثالثاً، يرى سبينوزا أن السلطة السياسية يجب أن تركز على التحكم في الأفعال، وليس على تقييد الفكر. هذا التركيز على الفرق بين الفكر والفعل أصبح قضية جوهرية في مناقشات المفكرين اللاحقة حول التسامح، خصوصاً عند لوك، وميل، وكانط. ويمكن العثور على صورة مختلفة إلى حد ما عن رؤى سبينوزا الأساسية في رسالة لوك الشهيرة حول التسامح (1689)، وهي مقالة كتبها أثناء منفاه في هولندا. وتركز حجة لوك بشكل خاص على الصراع بين السلطة السياسية والمعتقدات الدينية. لقد عبّر عن وجهة نظر مبنية على دعواه بأنه من المستحيل على الدولة فرض المعتقد الديني بالإكراه. وقال إن الدولة يجب ألا تتدخل في المعتقدات الدينية التي يختارها الأفراد، إلا عندما تؤدي هذه المعتقدات الدينية إلى سلوكيات أو مواقف تتعارض مع أمن الدولة. رسالة جون لوك اليوم لا تزال هي المانيفستو الأساس لكل مطالب التسامح، رغم أنها لم تكن كاملة في البداية.