«اقتصاد الماكينات» في ألمانيا يحتاج إلى «صيانة دورية»

اللاجئون سلاح ذو حدين.. ورجال الأعمال يخشون انهيار «الأوروبي»

لاجئون يحتفلون بأعياد الميلاد في أحد معسكرات الإيواء في مدينة هانو الألمانية (رويترز)
لاجئون يحتفلون بأعياد الميلاد في أحد معسكرات الإيواء في مدينة هانو الألمانية (رويترز)
TT

«اقتصاد الماكينات» في ألمانيا يحتاج إلى «صيانة دورية»

لاجئون يحتفلون بأعياد الميلاد في أحد معسكرات الإيواء في مدينة هانو الألمانية (رويترز)
لاجئون يحتفلون بأعياد الميلاد في أحد معسكرات الإيواء في مدينة هانو الألمانية (رويترز)

يواجه الاقتصاد الألماني، الأكبر في الاتحاد الأوروبي، تحديات جمة نتيجة أزمة اللاجئين التي ارتفعت وتيرتها على أعتاب العام الجديد. ووسط صمود «المرأة الحديدية» والأقوى عام 2015 المستشارة أنجيلا ميركل بقرارات حاسمة، قال مراقبون ومحللون إنها ستحسن الوضع الاقتصادي للدولة المنهكة اقتصاديًا، بينما رأى آخرون أنها ستجلب أزمات مالية هم في غنى عنها، بل ذهب البعض خاصة من رجال الأعمال إلى أن تلك المشكلات قد تؤدي لانهيار الاتحاد الأوروبي.
فرغم كثرة استطلاعات الرأي الألمانية التي تظهر منحى ضد استقبال مزيد من اللاجئين، إلا أن تمسك ميركل بموقفها الداعم لهم مثّل تحديًا كبيرًا لاقتصاد ألمانيا والاتحاد الأوروبي كله، لاقتناعها بأن اللاجئين يمثلون القوة الدافعة الجديدة التي قد تنعش وتحرك الماكينات الألمانية التي تباطأت حركتها بشكل ملحوظ الفترة الأخيرة. وهو ما ظهر في ارتفاع النفقات الحكومية الإضافية المخصصة للاجئين في ألمانيا بقيمة 21 مليار يورو، وهو ما رفع التوقعات لأن يسهم هذا الإنفاق في تحسين معدلات النمو.
وأمام هذا التحدي، أظهر أحدث استطلاع رأي في ألمانيا أن 16 في المائة فقط من الألمان يتفقون مع مقولة: «موجة اللاجئين ستجلب إلينا فرصًا اقتصادية أكثر من المشكلات»، مما يعني أن تدفق مزيد من اللاجئين يحظى بحماس أقلية ضئيلة من الألمان.
ووفقًا لنتائج الاستطلاع الذي أجراه معهد إبسوس، لم يتفق مع مقولة إن صورة ألمانيا في العالم تحسنت باستقبالها للكثير من اللاجئين سوى 20 في المائة فقط من الألمان.
ويرى هورست أوباشوفسكي، الباحث في مجال المستقبل بمدينة هامبورغ، أن الهجرة إلى ألمانيا لا تشكل بالضرورة إشكالية بالنسبة للبلاد إذا توافرت مبادئ واضحة للتعايش كما هو الحال في الولايات المتحدة، وساق مثالاً على ذلك شركات أميركية ناجحة يعمل لديها موظفون من 80 جنسية مختلفة.
ويجذب اقتصاد ألمانيا الملايين من المهاجرين من مختلف أنحاء العالم، لتحتل المركز الثالث في عدد المهاجرين، ورابع أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي بعد الولايات المتحدة والصين واليابان. إضافة إلى كونها السوق الأهم في أوروبا بما تحققه من أكبر ناتج قومي إجمالي وبما تمتلكه من أكبر عدد للسكان (نحو 82 مليون نسمة)، ما يصب في مصلحة «القوة الشرائية».
وتوقع رئيس معهد «آي إف أو» الألماني الاقتصادي هانز فيرنر سين، أن يحقق الاقتصاد الألماني نموًا قويًا في العام المقبل مع وجود مخاطرتين كبيرتين. موضحًا أن هاتين المخاطرتين تتمثلان في تسجيل الاقتصاد الصيني تراجعًا أقوى في العام المقبل، ووقوع أزمة جديدة في منطقة اليورو حيث يجري التغطية على المشكلات.
وطالب سين، ألمانيا بأن تعوض النفقات الإضافية المخصصة للاجئين من خلال اقتطاعات في مجالات أخرى لسداد الديون، مستبعدًا أن ترفع الحكومة الضرائب قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وحذر من انتهاج سياسة اقتصادية تعتمد على الديون، قائلاً: «لا أحد سينقذ ألمانيا ولن يخفف أحد الديون علينا»، مشيرًا إلى أن الديون السيادية في ألمانيا تشكل أكثر من 70 في المائة من إجمالي الناتج المحلي السنوي، وهذا مستوى مرتفع للغاية. وتوقع سين أن يحقق إجمالي الناتج المحلي لألمانيا العام المقبل ارتفاعًا بنسبة 9.1 في المائة، وهي نسبة أعلى من توقعات معاهد أخرى وكذلك البنك المركزي الألماني «بوندسبنك».
ويدعم تدفق اللاجئين بعض القطاعات في الاقتصاد الألماني، الأمر الذي بدأ يؤتي ثماره من خلال توسعات لعدد من الشركات خلال الفترة الأخيرة لتفي بالطلبات المتزايدة، كان أبرزها القطاع العقاري والبناء والتشييد بعد زيادة الطلب أمام المعروض، مما خلق فرص عمل جديدة، ويمثل قطاع البناء أربعة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا، وهو قطاع توظيف كبير إذ يتجاوز عدد العاملين فيه 5.2 مليون شخص في أكثر من 300 ألف شركة.
ومن المتوقع أن يؤدي الطلب في قطاع العقارات، إلى جانب ضخ الحكومة 13 مليار يورو (14 مليار دولار) العام المقبل لتحديث الطرق والجسور، إلى زيادة المبيعات في قطاع الإنشاءات 5.2 في المائة إلى 235 مليار يورو، وهو أعلى مستوى منذ عام 2000 بحسب اتحاد «بي في بي» المرتبط بالقطاع. وتعطي هذه الانتعاشة زخمًا لتعافي الاقتصاد المحلي الذي يعوض تباطؤ التجارة الخارجية إذ تعاني شركات التصدير من التباطؤ في الأسواق الناشئة.
لكن البنك المركزي الألماني، أشار إلى مشكلة تخص اللاجئين مستقبلاً تتمثل في «البطالة»، موضحًا أنهم لن يتمكنوا من دخول سوق العمل إلا بشكل تدريجي.
وقال البنك المركزي في تقريره الاقتصادي الشهري في ديسمبر (كانون الأول) إنه بحلول نهاية 2017، فإن حجم الهجرة الصافية لطالبي اللجوء في ألمانيا قد يصل إلى مليون ونصف مليون شخص. وأضاف أن الدراسات تظهر أن هذه القوة العاملة الإضافية ستجد نفسها ضحية البطالة بسبب ضعف أو انعدام المؤهلات إضافة إلى العوائق الثقافية واللغوية. معتبرًا أنه رغم الظروف المواتية لسوق العمل، فإن نسبة بطالة تناهز سبعين في المائة متوقعة خلال العام الأول الذي يلي الاعتراف بصفة اللاجئ، على أن تبقى بمستوى 40 في المائة بعد ثلاثة أعوام.
وتابع البنك في تقريره أن المؤهلات المهنية للاجئين أدنى بكثير من تلك التي لدى الألمان أو مهاجرين آخرين، مما يشكل تحديًا كبيرًا بالنسبة إلى نظام التعليم الألماني. وتتوقع ألمانيا تسجيل أكثر من مليون لاجئ هذا العام فروا خصوصًا من الحرب في سوريا، وهو عدد قياسي يثير معارضة متنامية لدى الرأي العام المحلي. في المقابل، أورد البنك أن «النفقات العامة الإضافية للاجئين ستؤدي إلى ازدياد عام للطلب» وستسهم في دعم النمو الألماني في الأعوام المقبلة.



الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الناتج السوري خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً

TT

الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الناتج السوري خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً

الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)
الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)

كشف الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية الدكتور عبد الله الدردري، أن الأمم المتحدة أعطت البرنامج الضوء الأخضر لبدء التواصل مع الحكومة المؤقتة السورية الجديدة تعزيزاً للعمل الإنساني وبدء مسار التعافي لإعادة تفعيل الاقتصاد السوري، خصوصاً أن البلاد خسرت 54 مليار دولار من ناتجها المحلي خلال 14 عاماً.

وقال الدردري في حديث إلى «الشرق الأوسط» بمناسبة وجوده في الرياض للمشاركة في فعاليات مؤتمر «كوب 16»، إنه وجّه مكتب البرنامج في دمشق اعتباراً من (الخميس) للتواصل مع الجهات الحكومية وبدء عملية التقييم التي تحتاج إليها البلاد.

كان نظام بشار الأسد قد ترك خلفه تحديات اقتصادية كبيرة مع انهيار شبه كامل للبنية التحتية الاقتصادية وتدمير آلاف المنازل وتشريد الملايين.

رجل سوري يتحدث عبر هاتفه المحمول وهو يقف على درج مبنى مدمَّر في مدينة حرستا شرق دمشق (أ.ب)

واستعرض الدردري الوضع الراهن في سوريا، فقال «إن تقديراتنا الأولية أن الاقتصاد السوري خسر حتى الآن 24 عاماً من التنمية البشرية، فيما سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً كبيراً من 62 مليار دولار في عام 2010 إلى 8 مليارات فقط اليوم، أي خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً. أما معدل الفقر، فارتفع من نحو 12 في المائة عام 2010 إلى أكثر من 90 في المائة. وبات معدل الفقر الغذائي يتجاوز 65 في المائة من السكان».

وإذ أوضح أن أمام سوريا مرحلة صعبة، قال إن تقديرات البرنامج تشير إلى أنه من أصل 5 ملايين و500 ألف وحدة سكنية، فإن نحو مليوني وحدة سكنية دمِّرت بالكامل أو جزئياً.

وعن تكلفة عملية إعادة الإعمار، أوضح الدردري أن احتساب تكلفة إعادة بناء الوحدات السكنية يحتاج إلى تحديث، كون أسعار البناء تختلف اليوم. لكنه شدد على أن أخطر ما جرى في سوريا هو الضعف المؤسساتي مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عام 2011، «حيث كانت هناك مؤسسات دولة قوية، فيما تراجعت بشكل كبير اليوم». من هنا، فإن تركيز برنامج الأمم المتحدة اليوم هو على الدعم المؤسساتي، «لأنه من دون مؤسسات قادرة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة، لا توجد تنمية ولا إعادة إعمار»، كما يركز على القطاع الخاص الذي استطاع أن يصمد رغم كل الهزات، والجاهز اليوم لتلقف أي حالة من الأمن والانفتاح للعمل.

وقال: «خلال الساعات الـ48 الأخيرة، ولمجرد أن الحكومة المؤقتة أعلنت أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد سوق حر مع بعض الإجراءات السريعة لتسيير عمل التجارة وغيرها، تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من 30 ألف ليرة إلى 14 ألف ليرة، مما يعني تحسناً بأكثر من 50 في المائة».

رجل يعد النقود بمحطة بنزين في مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

ولكن كيف يرى نائب الوزراء السوري السابق للشؤون الاقتصادية بين سنوات 2006 و2011، خريطة طريق إعادة النهوض بالاقتصاد السوري؟ أجاب: «في الحقيقة، لا أرى فرقاً بين دوري في الأمم المتحدة وبين عملي سابقاً. فسوريا تحتاج إلى إصلاح حوكمي سريع وفعال، بمعنى أنها تحتاج إلى إصلاح القضاء، وتطوير المؤسسات وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، وترسيخ القانون. كما أنها بحاجة إلى رؤية للمستقبل، وإلى حوار وطني. تحتاج إلى تحديد الوضع الراهن في المجال الاقتصادي وأين هو موقع البلاد في هذا الإطار. هي تحتاج إلى رسم سيناريوهات التعافي والنمو... وهو ما تراه الأمم المتحدة أيضاً لإعادة إحياء البلاد».

وأضاف: «سندعم كل ما من شأنه أن يجعل سوريا جاذبة للاستثمار، وإرساء منظومة لحماية اجتماعية فاعلة... فنمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص وعدالة اجتماعية من خلال منظومات حماية اجتماعية متكاملة هما ما تحتاج إليه سوريا، وهما ما سنعمل عليه».

وعود بمساعدة غزة

وفي ما يتعلق بالوضع في غزة، قال الدردري إن التقديرات الأولية جداً تشير إلى أنها تحتاج إلى 50 مليار دولار، موضحاً أن إعادة تعويم الاقتصاد الفلسطيني إلى ما كان عليه في عام 2022، إنما يحتاج إلى معونات إنسانية تقدَّر بـ600 مليون دولار سنوياً على مدى السنوات العشر المقبلة.

فلسطينيون يتفقدون الدمار في منطقة استهدفتها غارة جوية إسرائيلية قرب مخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

وعن الجهات المستعدة لتأمين هذه المبالغ، قال: «هناك وعود بأن المجتمع الدولي مستعد للمساعدة، ولكن إلى الآن لا شيء ملموساً».

وأضاف: «هناك حاجة ماسة إلى رفع القيود عن عمل الفلسطينيين، وعن أموال المقاصة التي يجب أن تذهب إلى السلطة الفلسطينية، وأن يُسمح للاقتصاد الفلسطيني بالاندماج».

خسائر لبنان من الحرب

وشرح الدردري أن لبنان خسر 10 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بسبب الحرب مع إسرائيل، تضاف إلى ما نسبته 35 في المائة خسارة في الناتج المحلي منذ 2019. في حين دُمر نحو 62 ألف منزل وأكثر من 5 آلاف منشأة اقتصادية.

شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

ووُضع برنامج للتعافي الاقتصادي في لبنان يعتمد بشكل أساسي على تعزيز المجتمعات المحلية والشركات الصغيرة وإعادة إحياء التمويل في لبنان، وعلى دعم البلديات التي تأثرت بشكل كبير، وعلى الجمعيات الأهلية. وتوقع أن يستعيد لبنان تعافيه مع استمرار حالة الهدوء، وذلك بفعل أهمية الدور الذي يلعبه قطاعه الخاص.