حكايات جنوب السودان بلغة ليست لغتها

تروي قصصها باللغة العربية

الروائية ستيلا غياتنو وصفها أحد المعلقين من جنوب السودان بأنها «سفيرتنا إلى العالم العربي» (نيويورك تايمز)
الروائية ستيلا غياتنو وصفها أحد المعلقين من جنوب السودان بأنها «سفيرتنا إلى العالم العربي» (نيويورك تايمز)
TT

حكايات جنوب السودان بلغة ليست لغتها

الروائية ستيلا غياتنو وصفها أحد المعلقين من جنوب السودان بأنها «سفيرتنا إلى العالم العربي» (نيويورك تايمز)
الروائية ستيلا غياتنو وصفها أحد المعلقين من جنوب السودان بأنها «سفيرتنا إلى العالم العربي» (نيويورك تايمز)

عندما احتشدت عشرات الأشخاص داخل إحدى القاعات في هذه المدينة العاصمة للاحتفال هذا العام بنشر آخر مجموعة من القصص القصيرة للروائية ستيلا غياتنو، وصفها أحد المعلقين من جنوب السودان بأنها «سفيرتنا إلى العالم العربي». وتضمن الاحتفال كتابا من السودان، وعندما أتيح الكتاب للبيع بعد بضعة أشهر في العاصمة السودانية الخرطوم، تلقى الناس الكتاب بحفاوة بالغة.
يقول عمر أوشاري، وهو زميل جامعي سابق للسيدة غياتنو والمشرف على الاحتفالية في الخرطوم: «كان ذلك ما اعتادت ستيلا أن تفعله في الكلية، تجمع الناس سويا».
استطاعت السيدة غياتنو (33 عاما)، أن تبني سمعة متميزة ككاتبة تجلب إلى الحياة واقع وتجارب سكان جنوب السودان، الذين تحملوا ويلات الحروب والنزوح الجماعي حال تشكل دولتهم الجديدة والهشة، ثم واجهوا التهديد بتفكيكها بعدئذ. ولأكثر من ذلك، رغم كل شيء، فإنها تروي قصصها باللغة العربية، لغة البلاد التي انشقوا عنها.
تقول الكاتبة غياتنو: «أحب اللغة العربية. إنني مثل الكاتب الذي يكتب بلغة أخرى غير لغة بلاده، إنني غير مختلفة عن أحد».
حازت جنوب السودان على الاستقلال في عام 2011، عقب استفتاء جاء بعد سنوات من الصراع مع الشمال. هناك العشرات من اللغات المحلية في تلك البلاد، ولكن اللغة المشتركة في العاصمة جوبا هي اللغة العربية، وهي العربية المبسطة. والنخبة التي تلقت تعليمها في الخارج أو من خلال الإرساليات المحلية يتحدثون اللغة الإنجليزية بشكل عام، بينما يتحدث اللغة العربية جمع من خريجي الجامعات الذين يعيشون في الشمال، مثل السيدة غياتنو.
فر والداها، وهم من أفراد قبيلة لاتوكا، من بلدة توريت، فيما يُعرف الآن بجنوب السودان، في أواخر عقد الستينات، مع اندلاع شرارة الحرب الأهلية السودانية الأولى. ولجأوا إلى الخرطوم، حيث ولدت السيدة غياتنو.
تعلمت الكثير من اللغات هناك حيث تتحدث لغة اللاتوكا في موطنها، ولغة جوبا العربية مع مواطني جنوب السودان من القبائل الأخرى، والعربية السودانية مع المجتمع السوداني الكبير. تعلمت اللغة العربية الفصحى في المدرسة، ثم درست الصيدلة في الكلية باللغة الإنجليزية.
تقول السيدة غيتانو: «كنا جيل من المبدعين الذين أجبروا على التعامل مع جبهات متعددة. ولذلك استطعنا فتح البوابات مع كل دائرة ثقافية تعاملنا معها».
نشأت السيدة غياتنو، وترتبيها الثالث بين سبع أخوات، في حي الحاج يوسف، وهو حي فقير على أطراف العاصمة الخرطوم. واشتعل خيالها الحي إثر القصص والحكايات التي كانت تسمعها من جدتها ووالدتها ونساء أخريات من أقربائها.
وتقول عن ذلك: «الجنوب، بالنسبة لي، كان مكانا خياليا. وكنت أتعرف عليه من خلال القصص التي يرويها أولئك الذين ذهبوا إلى هناك ثم عادوا إلى الخرطوم».
استلهمت حب الكتابة في وقت مبكر من شغفها الأول بالقراءة، التي تضمنت أعمال الروائيين السودانيين أمثال الطيب صالح والتراجم العربية لأعمال غابرييل غارسيا ماركيز وإيزابيل الليندي.
وتقول عن الكتابة إن «الكتابة هي الابنة الشرعية للقراءة».
وتعرفت في جامعة الخرطوم على الكتاب والمفكرين والنشطاء، ثم بدأت في تنمية أسلوبها الأدبي: «بدأت في الكتابة عن ذاتي، وأسرتي، وأقاربي».
وبعد ظهيرة أحد الأيام، كتبت، إثر تشجيع من والدتها، واحدة من أولى قصصها القصيرة، «بحيرة في حجم البابايا» في نصف ساعة فقط. وتقول عنها: «كانت بمثابة الإلهام».
وهي قصة فتاة برفقة جدتها في جنوب السودان كانوا قد غادروا للنجاة بأنفسهم بعد وفاة والدة الفتاة أثناء المخاض، ومقتل والدها بواسطة جاموس وحشي، ثم إعدام جدها على أيدي سلطات الاحتلال البريطاني. ولقد حازت تلك القصة جائزة الأدب السوداني في عام 2003.
تقول الكاتبة غياتنو: «كان من المهم بالنسبة لي أن يدرك شمال السودان أن هناك حياة، وقيم، وأناس في الجنوب يعتنقون ثقافة مغايرة، ويبحثون عن مساحة من الاعتراف والاحترام».
واجهت السيدة غياتنو في رواية «الزهور الذابلة» التحديات التي يواجهها السكان الذين هربوا من الصراعات الدامية في الجنوب السوداني، ودارفور، وجبال النوبة، وظلوا يعيشون في مدن الصفيح بالقرب من العاصمة الخرطوم.
كانت الأمهات المكافحات والآباء السكارى مع الحوامل من المراهقات الذين يعيشون جميعا في حياة الفقر المدقع بعيدا عن أوطانهم ومع مساعدات حكومية ضئيلة هي الشخصيات البارزة في رواية «كل شيء هنا يغلي».
*خدمة «نيويورك تايمز»



تونس: إحالة 40 متهماً بينهم 20 أمنياً إلى «دائرة الإرهاب»

الفارون الخمسة من أكبر سجون البلاد قبل 14 أحيلوا مع 40 متهماً بينهم 20 أمنياً على دائرة الإرهاب (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)
الفارون الخمسة من أكبر سجون البلاد قبل 14 أحيلوا مع 40 متهماً بينهم 20 أمنياً على دائرة الإرهاب (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)
TT

تونس: إحالة 40 متهماً بينهم 20 أمنياً إلى «دائرة الإرهاب»

الفارون الخمسة من أكبر سجون البلاد قبل 14 أحيلوا مع 40 متهماً بينهم 20 أمنياً على دائرة الإرهاب (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)
الفارون الخمسة من أكبر سجون البلاد قبل 14 أحيلوا مع 40 متهماً بينهم 20 أمنياً على دائرة الإرهاب (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)

أعلنت مصادر حقوقية أن دائرة الاتهام المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب لدى محكمة الاستئناف في تونس قررت إحالة نحو 40 متهماً، بينهم 20 أمنياً وضابطاً، إلى «الدائرة الجنائية لقضايا الإرهاب».

وحدة من قوات النخبة قرب محكمة تونسية (صور متداولة في وسائل الإعلام التونسية)

أعلنت مصادر حقوقية أن دائرة الاتهام المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب لدى محكمة الاستئناف في تونس قررت إحالة نحو 40 متهماً، بينهم 20 أمنياً وضابطاً، على «الدائرة الجنائية لقضايا الإرهاب»، في علاقة بملف فرار 5 مساجين مصنَّفين «إرهابيين خطيرين» يوم 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 من أكبر سجون البلاد، سجن المرناقية، الذي يعتقل فيه عادة أبرز المتهمين في قضايا جنائية بينها ملفات «المجموعات المسلحة والإرهاب والتآمر على أمن الدولة» .

وحسب لسان الدفاع عن المتهمين فإن «دائرة الاتهام» دعمت قرار ختم البحث الذي أعده قاضي التحقيق قبل أسابيع، وتمسكت بإحالة كل المتهمين إلى المحاكمة بعد أن وجهت إليهم اتهامات كثيرة بينها «تكوين وفاق إرهابي والمساعدة على ارتكاب جرائم إرهابية واستعمال تراب الجمهورية لارتكاب جرائم إرهابية ضد بلد آخر ومواطنيه، والتحضير لذلك، وتوفير بأي وسيلة كانت المعدات والأزياء ووسائل النقل والمواد والتجهيزات والمؤونة والمواقع الإلكترونية والوثائق والصور لفائدة تنظيم إرهابي للمساعدة على ارتكاب جرائم إرهابية».

فريق الدفاع عن المحامية عبير موسي: مندوبتنا مهددة بالإعدام (متداولة في وسائل الإعلام التونسية)

نقاط استفهام ؟

ومنذ إعادة إيقاف السجناء الفارين الخمسة المتهمين في قضايا ذات صبغة إرهابية خطيرة فتحت السلطات الأمنية والقضائية أبحاثاً حول ملابسات الفرار من «أكبر سجون البلاد تحصيناً وحراسة»، وأُوقِفَ عدد من كبار المسؤولين في قطاعات المخابرات والسجون والأمن العمومي في وزارتي الداخلية والعدل عن العمل، وأحيل عشرات السجناء والأمنيين والضباط على التحقيق.

وأسفرت الأبحاث المطولة عن إيقاف عدد من المسؤولين الأمنيين وحراس السجون وضباط الأمن، وتوجيه الاتهام كذلك إلى عدد من السجناء الآخرين وعائلات موقوفين.

كما أضيفت إلى لائحة الاتهامات الموجهة إلى الموقوفين والمتهمين المساجين والأمنيين وعائلات المتهمين بـ«المشاركة» في تهريب المساجين المتشددين الخمسة تهم «إفشاء وتوفير ونشر معلومات بأي وسيلة كانت لفائدة تنظيم إرهابي، أو شخص له علاقة بالإرهاب بقصد المساعدة على ارتكاب جرائم إرهابية، وعدم إشعار السلط ذات النظر حالاً بما أمكن له الاطلاع عليه من أفعال، وما بلغ إليه من معلومات أو إرشادات حول ارتكاب جرائم إرهابية، والفرار من السجن، والمشاركة في الاعتداء على الأملاك والأشخاص، وجمع أموال لفائدة وفاق وتنظيم إرهابي وأشخاص لهم علاقة بالإرهاب».

لكن محامين وحقوقيين ممن يتابعون هذا الملف منذ أكثر من عام طرحوا نقاط استفهام حول بعض ملابساته من بينها حول مبررات إيقاف زوجة سجين فر من السجن، وإصدار بطاقة إيداع ضدها بسبب عدم إعلام السلطات القضائية بفرار زوجها.

أحكام بالمؤبد والإعدام

يُذْكر أن بعض المتهمين المدنيين والعسكريين في هذه القضية يواجهون أحكاماً ثقيلة تصل إلى المؤبد والإعدام، علماً أن الفارين الخمسة الذين وقعت إعادة إيقافهم أحيلوا إلى المحاكمة بتهم المشاركة في جرائم إرهابية بينها قتل أمنيين وعسكريين ومدنيين في جرائم إرهابية ارتُكبت ما بين عاميْ 2013 و2015، بينها جريمتا اغتيال المعارضين السابقين محمد الإبراهيمي وشكري بالعيد.

من جهة أخرى، نظَّم محامون ونشطاء سياسيون من فريق الدفاع عن المحامية عبير موسي، رئيسة «الحزب الدستوري الحر» الموقوفة منذ أكتوبر 2013 أمام قصر الرئاسة في قرطاج، تحركات انتقدت توجيه تهم خطيرة جداً إليها تصل عقوبتها للإعدام، وفق الفصل 72 من القانون الجزائي، بينها «تبديل هيئة الدولة». وطالب هؤلاء النشطاء والمحامون بالإفراج عنها، لكن المحكمة رفضت طلبات الإفراج، وأحالت موسي في قضايا كثيرة بعضها رفعتها ضدها الهيئة العليا للانتخابات.

في الوقت نفسه، أكد قياديون من «جبهة الخلاص الوطني»، التي تضم نحو 10 أحزاب سياسية وشخصيات حقوقية معارضة، أن المحاكم ستبدأ قريباً النظر في ملفات عشرات المتهمين في قضايا «التآمر على أمن الدولة والفساد وتبييض الأموال، وبينهم رجال أعمال وبرلمانيون ومسؤولون سابقون في الحكومة وإعلاميون ونشطاء».

وكانت الإيقافات في هذه القضايا قد بدأت أواخر 2022 باعتقال رئيس الحكومة الأسبق علي العريض ومقرَّبين منه، ثم توسعت منذ شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار) 2023 لتشمل رجل الأعمال والسياسي المثير للجدل منذ عقود كمال اللطيف وسياسيين معارضين مستقلين وقياديين في أحزاب عدة، بينهم عصام الشابي الأمين العام لـ«الحزب الجمهوري»، وغازي الشواشي الأمين العام السابق لحزب «التيار الديمقراطي»، ورضا بلحاج الأمين العام لحزب «أمل» والوزير السابق، والحقوقيان جوهر بن مبارك وخيام التركي، وعشرات من قيادات حركة «النهضة»، بينها رئيسها راشد الغنوشي ونائباه العجمي الوريمي ومنذر الونيسي ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري.

وقد وجَّهت دائرة الاتهام مؤخراً إلى عدد من هؤلاء الموقوفين اتهامات تصل عقوبتها للسجن المؤبد والإعدام، بينها التآمر على أمن الدولة و«الإرهاب».