خبراء أمنيون ومسؤولون يختلفون حول كون «داعش» تهديدًا إلكترونيًا

حتى قبل مقتل «جنيد حسين» العقل الإلكتروني للتنظيم الإرهابي الجهود كانت تتركز على التجنيد وليس شن هجمات

جنيد حسين العقل الإلكتروني للتنظيم قتل بغارة درون أغسطس الماضي («الشرق الاوسط»)
جنيد حسين العقل الإلكتروني للتنظيم قتل بغارة درون أغسطس الماضي («الشرق الاوسط»)
TT

خبراء أمنيون ومسؤولون يختلفون حول كون «داعش» تهديدًا إلكترونيًا

جنيد حسين العقل الإلكتروني للتنظيم قتل بغارة درون أغسطس الماضي («الشرق الاوسط»)
جنيد حسين العقل الإلكتروني للتنظيم قتل بغارة درون أغسطس الماضي («الشرق الاوسط»)

ذكر وزير الخزانة البريطاني «جورج أوزبورن»، في خطاب ألقاه الشهر الماضي، أن مسلحي تنظيم داعش كانوا يحاولون تطوير قدراتهم لتنفيذ هجمات إلكترونية على أنظمة حيوية، مثل المستشفيات، وأنظمة التحكم في حركة النقل الجوي، ومحطات الطاقة.
وخلال هذا الشهر في الولايات المتحدة، توقع «كليفتون تريبليت»، مستشار الأمن الإلكتروني، الذي تعاقد مكتب إدارة شؤون الموظفين معه لمساعدته في العودة إلى مساره السليم بعدما تعرض لسلسلة هجمات إلكترونية من جانب الصين، أن يتمكن «داعش» في نهاية المطاف من اختراق أنظمة المكتب الفيدرالي أيضا. لكن الباحثين في مجال الأمن الخاص ممن يتعقبون أنشطة «داعش» على شبكة الإنترنت يقولون إن قدرات التنظيم في الحقيقة ليست أفضل بكثير من قدرات المراهقين البارعين في أمور التقنية الذين يشوهون المواقع من أجل الحصول على الإثارة. وتوضح تلك الرؤية وجود فجوة إدراكية متزايدة بين مخاوف المسؤولين وما يعده خبراء الأمن تهديدا معقولا.
وفي الواقع، تهمش الرجلان اللذان يعدان أكثر القراصنة تطورا لدى «داعش»، أحدهما قد مات، والآخر يقبع في السجن.
وقال «كريستوفر أهلبيرغ»، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة الاستخبارات الأميركية «ريكورديد فيوتشر»، التي تحلل التهديدات على الإنترنت: «إلى الآن، كانت الهجمات الإلكترونية المنسوبة لـ(داعش) محرجة، لكنها ليست بالضرورة معقدة أو متطورة».
وحذر أهلبيرغ من أن «داعش» يحاول توظيف بدائل للقراصنة الذين فقدهم، لكن تبدو قدراته في القرصنة - حتى الآن - بدائية.
وفي أبريل (نيسان) الماضي، شن القراصنة هجوما على المحطة التلفزيونية الفرنسية «تي في 5 موند»، فقطعوا البث عنها طوال يوم كامل تقريبا. ونُسب الهجوم في البداية إلى تنظيم داعش، إلا أن خبراء أمنيين ربطوه فيما بعد بجماعة روسية تشارك فيما بدا أنها عملية عدوانية لمكافحة التجسس - استهدفت تجميع مزيد من المعلومات حول «داعش». وفي الواقع، انصب تركيز أعضاء «داعش» والمتعاطفين معه على الإنترنت على التجنيد، وليس على شن هجمات إلكترونية.
وكشف بحث أجرته شركة «ريكورديد فيوتشر» على منتديات «داعش» المحمية بكلمة مرور على الإنترنت عن مجرد مناقشة طفيفة حول هجمات إلكترونية نُفذت في أماكن أخرى على شبكة الإنترنت، على سبيل المثال، تلك الهجمات التي أطلقتها مجموعة القراصنة الناشطين المعروفة باسم «ليزارد سكواد». ولا يبرز سوى القليل عن التخطيط القرصني الذي تحركه دوافع سياسية أو ما يشابهها.
وقال السيد أهلبيرغ إن شركته - التي تجمع معلومات استخباراتية من المنتديات المفتوحة والمغلقة على شبكة الإنترنت، ومنتديات الدعاية التابعة لـ(داعش)، ووسائل الإعلام الاجتماعي، ومجموعة من الأدوات الإعلامية الأخرى - لم تشهد حتى الآن أي تصريح علني من تنظيم داعش يشير إلى أنه قد اكتسب قدرات القرصنة. وترد هجمات القرصنة بالكاد في مجلة «دابق» الخاصة بالتنظيم على الإنترنت، وكذلك في الوثائق الإرشادية الأخرى، وفقا لتحليل أجرته «ريكورديد فيوتشر». ولا تظهر كلمات «الإلكتروني» و«الهجوم الإلكتروني» و«القرصنة» في أي من 740 مادة دعائية وإرشادية حديثة خاصة بـ«داعش» فحصتها شركة السيد أهلبيرغ. وكذلك لا تركز أي من مواد «داعش» على تلك الهجمات كطموح أساسي. ومن بين اثنين من المتعاطفين مع تنظيم داعش يُعتقد أنهما يمتلكان مهارات القرصنة الأكثر تطورا، يقبع أحدهما - «أرديت فيريزي»، مواطن كوسوفي، عمره 20 عاما - في السجن في ماليزيا، وينتظر تسليمه إلى الولايات المتحدة، حيث يواجه عقوبة تصل إلى 35 عاما في السجن، وفقا للائحة اتهام وزارة العدل.
وقُتل الثاني – «جنيد حسين»، العقل الإلكتروني للتنظيم الإرهابي وهو باكستاني مولود في بريطانيا، عمره 21 عاما، مسؤول عن اختراق حسابات «تويتر» و«يوتيوب» الخاصة بالقيادة المركزية الأميركية في يناير (كانون الثاني) – إثر غارة جوية بطائرة من دون طيار على سوريا في أغسطس (آب).
ومع ذلك، يشعر المسؤولون بالقلق من أنه حتى في ظل استنزاف صفوف القراصنة الموهوبين لدى «داعش»، قد يتمكن التنظيم في يوم ما من تجنيد قراصنة أكثر تطورا. وقد أظهر التنظيم بالفعل براعة في استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي لجذب أعضاء جدد، بحسب «ريتا كاتز»، المديرة التنفيذية والمؤسسة المشاركة لشركة «سايت» الاستخباراتية، التي تراقب أنشطة «داعش» على الإنترنت. وجرت المناقشات الإلكترونية بين أعضاء «داعش» بشكل حصري تقريبا في المنتديات المحمية بكلمة مرور، بحسب كاتز. غير أن مواقع «تويتر» و«يوتيوب» و«تمبلر» تعرض جمهورا أكبر بكثير، فضلا عن أنها وسيلة للتواصل مع المقاتلين الآخرين والمجندين المحتملين. وقد ظهر السيد حسين والسيد فيريزي - كلاهما قرصانان معروفان - مجددا كمقاتلين تابعين لـ«داعش» على «تويتر». فقد حرض السيد حسين علنا على شن هجمات إلكترونية، ونشر معلومات عن القوات العسكرية والضباط الأميركيين، وهلل للمقاتلين الآخرين التابعين لـ«داعش»، وفقا للسيدة كاتز. وذكر السيد أهلبيرغ: «جنيد حسين وأرديت فيريزي هما بالضبط هذا النوع من الأشخاص الذين يحاول (داعش) تجنيدهم».
كانا شابين، ومنفرين من المجتمع، وماهرين في استخدام الكومبيوتر. وُلد السيد حسين في برمنغهام بإنجلترا، وبدأ في القرصنة عندما كان مراهقا مع مجموعة مؤيدة للفلسطينيين تسمى «تيم بويزون»، التي ضربت مجموعة من الأهداف، بما فيها الصفحة الشخصية لـ«مارك زوكربيرغ» على «فيسبوك»، وموقع حلف شمال الأطلسي (ناتو). وبعد قضاء ستة أشهر في السجن في بريطانيا بعد اتهامه باختراق دفتر عناوين «توني بلير»، عاد السيد حسين للظهور مع هوية جديدة: في صورته الجديدة على «تويتر»، وشاح يغطي النصف السفلي من وجهه، ويشير بسلاح إلى المشاهد، واكتسب الاسم الحركي: أبو حسين البريطاني.
* خدمة «نيويورك تايمز»



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.