الموصل تحت وطأة «داعش»

التنظيم المتطرف استفاد من الاختلاف المدني ـ الحضري ـ القبلي

الموصل تحت وطأة «داعش»
TT

الموصل تحت وطأة «داعش»

الموصل تحت وطأة «داعش»

مدينة الموصل ثاني مدن العراق من حيث السكان بعد بغداد وعاصمة محافظة نينوى في شمال البلاد، هي اليوم أهم حاضرة سكانية يحتلها تنظيم داعش المتطرف في سوريا والعراق. ومنذ يونيو (حزيران) 2014 عندما سقطت المدينة العريقة التي يقدر تعداد سكانها بأكثر من مليوني نسمة، والتي كانت أرضها مهد حضارة آشور وتحمل محافظتها اسم عاصمتها، وهي تعيش في شبه عزلة عن العالم. غير أن ثمة مؤشّرات على أن الظروف الراهنة تبدو مواتية لتوقع إنهاء معاناتها المستمرة منذ احتلالها، ولا سيما إذا أفلحت الجهود الدولية في تأمين المناخ السياسي المساعد على تحريرها.
ومعلوم أن تجارب الماضي القريب في عدة محطات ما كانت تشجع على التفاؤل، وخصوصًا في ظل ضعف صدقية الحكومة العراقية في الشارع السني، وهيمنة القيادات الشيعية القريبة من إيران على ميليشيا «الحشد الشعبي» الذي تعتبره الحكومة منظمة شرعية.
مدينة الموصل، التي غدت في يونيو 2014 «العاصمة العراقية» لـ«داعش»، تعيش حاليًا وضعًا مأساويًا بعد أكثر من سنة ونصف السنة من سقوطها تحت سيطرة التنظيم المتشدد، بحسب ما ورد في تقارير عدد من الناشطين والمعارضين. ما هو مصير السكان هناك، وما هي الديناميكيات التي تسمح للمنظمة بالسيطرة على المدينة؟
نجحت الغارات الجوية التي نفذتها قوات التحالف أخيرًا على مقرات التنظيم المتطرف في الموصل ومحيطها بضرب قلب الكيان الإرهابي. إذ استهدف القصف مكاتب البلدية في منطقة الفيصلية والمحاكم الشرعية لـ«داعش» مسفرا في مدينة الكسك وحدها عن مقتل 33 عضوا من بينهم القائد العسكري لـ«داعش» فيها «أبو الختوني». وفي منطقة البعّاج قتل 38 عضوا في غارات جوية استهدفت الأنفاق وورشة لإعداد السيارات المفخخة ومستشفى متنقلاً تابعًا للتنظيم، وفق ما ذكره موقع «عين الموصل» Mosul Eye. كذلك قضى «أبو أيوب الشاريع»، أحد أهم القضاة الشرعيين لـ«داعش» في غارة على الموصل، هذا بالإضافة إلى ما يزيد على 50 عنصرا جرى استهدافهم في مناطق مختلفة في المدينة.
من جهة ثانية، حول الخسائر التي مُني بها التنظيم ورد في كتاب «الموصل بين احتلالين: 2003 – 2014: مذكرات مواطن عراقي» أنه بعد تزايد استهداف عناصر التنظيم، لاحظ سكان مدينة الموصل إخلاء عناصر «داعش» شوارع المدينة ليلاً وانتشارهم فيها نهارًا ما يؤكد حالة التخبط الأمني التي يعيشها التنظيم المتطرف نتيجة لتكرار استهدافه ولتعاون الكثير من أبناء المدينة مع القوات الأمنية في تحديد أماكن وجود عناصره.
هذا الأمر يفسر تزايد الضغوط في المدينة، وحقًا أورد الموقع الإخباري آرا (Ara News) أن «داعش» أقدم أخيرًا على إعدام ثلاثة أئمة في شمال غرب الموصل بحجة أنهم رفضوا حث الشباب على الانضمام إلى صفوف التنظيم. وكان الضحايا من الشخصيات البارزة الملتزمة التزاما حقيقيًا بالإسلام، والتي كانت قد عارضت في السابق فظائع «داعش» التي نُفذت باسم الله.
كذلك كان قد صدر في الآونة الأخيرة قرار ألزم جميع أئمة المساجد في مدينة الموصل «بالدعوة إلى الجهاد» وتجنيد الشباب للانضمام إلى صفوف التنظيم. وأضافت الوكالة الإخبارية «آرا» أن بين التجاوزات الدامية للتنظيم إقدام مسلحين من أفراده على قتل مدّرس عراقي اسمه أشواق آل نعيمي، رميا بالرصاص، وذلك لأنه رفض تدريس المناهج الجديدة التي فرضها «داعش» في مدارس الموصل.
يوافق غانم العابد، المعارض العراقي وابن الموصل، قائلاً إن التنظيم عمد إلى تضييق الخناق وملاحقة الشخصيات البارزة في المدينة «بحيث خطف قبل أسبوعين أكثر من 400 من أفراد الجيش النقشبندي ومن البعثيين القدامى، الذين لا يزال مصيرهم مجهول حتى الآن».
والجدير بالذكر، أنه منذ ظهور التنظيم في الموصل خلال النصف الأول من يونيو 2014، لم يتوانَ عن ممارسة أقصى سياسات البطش والعسف «ما سبب نزوحًا قسريًا لجميع سياسيي نينوى سواءً كانوا من المسؤولين الحكوميين أو من قادة الأحزاب وكوادرها نحو إقليم كردستان - العراق وبغداد. وحسب المصادر استقر الغالبية من ساسة الموصل ومسؤوليها في إقليم كردستان - العراق بفعل القرب الجغرافي والتسهيلات التي قدمتها حكومة الإقليم لهم ونتيجة للعلاقة المتأزمة مع بغداد بالنسبة للكثير منهم، بينما لم يستقر في بغداد سوى البعض القليل»، (حسب ما ورد في كتاب «الموصل بين احتلالين 2003 – 2014: مذكرات مواطن عراقي»).
ووفق المعلومات المتوافرة، وبينما تتزايد التقارير عن التحضير لعملية تحرير الموصل، عمد التنظيم المتطرف، بعدما ضمن إحكام قبضته على السكان، إلى تحصين مواقعه في المدينة. والرأي الغالب الآن هو أن هذه الإجراءات اتخذت على الأرجح تأهبًا لصد هجوم محتمل مشترك لقوات البيشمركة الكردية والقوات العراقية الحكومية بدعم من قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، الذي تتوقع جهات حسنة الاطلاع حدوثه في غضون الأشهر القليلة المقبلة.
في الواقع، ثمة إجماع على أن وضع الموصل بات في الآونة الأخيرة صعبًا جدًا، ولا سيما مع تكثيف عمليات التحالف وقطع الطريق بين الموصل ومدينة الرقة السورية، القاعدة الرئيسية للتنظيم في سوريا، وخصوصًا، إثر سقوط بلدتي سنجار وتلعفر العراقيتين وهما مركزان قضائيان يتبعان محافظة نينوى (عاصمتها الموصل) في أيدي الميليشيا الكردية. وكان من أبرز معالم تدهور الوضع داخل المدينة ومحيطها تراجع مستوى الخدمات العامة التي كان التنظيم المتطرّف يفخر بتقديمها في المناطق التي يبسط سيطرته عليها. وحسب العابد فإنه بعد احتلال «داعش» للمدينة فرض التنظيم تعليماته في ميدان التربية، وبادر إلى إغلاق معاهد الفنون الجميلة ومدرسة القانون التابعة للتربية. كذلك جرى فصل النساء عن الرجال من الكوادر التعليمية، وإلغاء أو تعديل عدد من المناهج مثل الجغرافية والتاريخ، وقام التنظيم بإعداد مناهج جديدة تتضمن أفكاره ليقوم بتدريسها للطلاب.
أيضًا، حسب كتاب «الموصل بين احتلالين» أسس «داعش» ما يُسمى «ديوان الركاز» ليكون مسؤولاً عن كل ما يركز أو يستقر داخل الأرض من نفط أو آثار أو أي شيء آخر، وترتبط بهذا الديوان شركة المنتجات النفطية التابعة لوزارة النفط العراقية.
ووفق المصدر نفسه، كان «داعش» قد تمكن في العام الماضي من تأمين بعض الخدمات في أعقاب سيطرة التنظيم على مديرية بلدية الموصل التي تملك أكبر عدد من الآليات في المدينة فضلا عن وارد إيجارات أملاك مديرية بلدية الموصل الذي يصل إلى ما يقارب 02 مليار دينار سنويًا، فضلا عن عدد كبير من معامل الإسفلت والطابوق الخاص بأرصفة الشوارع وغيرها من المعامل التابعة للبلدية.. «وقام تنظيم داعش باستغلال مديرية بلدية الموصل، حيث أصدر ديوان الخدمات عددًا من التعليمات تتعلق بالنظافة، وفرض غرامات على من يرمي الأوساخ وقام التنظيم بإطلاق حملات تنظيف عدد من المناطق بواسطة آليات وكوادر مديرية بلدية الموصل التي لم يصرف لها التنظيم أي مبالغ مادية إنما تعمل كوادرها بتمويل من الحكومة العراقية التي ترسل رواتب الموظفين لهم، وعمد (داعش) إلى تنظيم أسواق بيع الخضراوات والمواد الغذائية ونفذ عمليات مثل تبليط مدخل مدينة الموصل».
ويذكر «الموصل بين احتلالين» أيضًا أن التنظيم المتطرف «سيطر على مديرية للماء وللمجاري في المحافظة وعلى كل ما يتبع لهاتين المديريتين من محطات ضخ وآليات نزح وآليات حوضية وغيرها من المعدات وألحقها بما يسمى ديوان الخدمات في المدينة، ومن الجدير بالذكر أن مرجعية هاتين الدائرتين لا تزال المديرية العامة في بغداد والتي يتسلم منها مهندسو المديريتين رواتبهم ومستحقاتهم». وتعليقا على ذلك أكد العابد أنه «لا تزال بعض الخدمات متاحة في المدينة، مثلاً، لا يزال عمال التنظيف يقومون بتنظيف الطرقات أو بالإصلاحات، وإنما انقطاع الكهرباء تزايد، وباتت الأدوية غير متوافرة، كما تعاني المدينة أزمة مياه بعد أن استهدفت غارات التحالف محطات المياه».
أما أثيل النجيفي، محافظ نينوى السابق، فقال في حديث مع «الشرق الأوسط» إن «بعض المستشفيات تعمل، لكن ليس لها ملتزمات كافية، كما أن الخطوط التجارية متعثرة». وهذا يضاف إلى الوضع الاقتصادي الكارثي، إذ بعدما أوقفت الحكومة دفع رواتب الموظفين العامين تزايدت البطالة ما ساهم في زيادة إفقار السكان الذين مُنعوا من مغادرة المدينة. ولم يثنِ هذا الأمر تنظيم داعش عن فرض ضرائب عدة على السكان وأصحاب الأعمال، ومن رفض منهم أو امتنع عن الدفع، كان مصيره القتل من دون سابق إنذار، ومن ثم أخذ الأموال مجددًا من عائلته مع التهديد بتصفية فرد آخر من أقربائه. والجدير ذكره، أن التنظيم يحصل على مبلغ مليونين إلى 5 مليون دولار شهريًا من الإتاوات التي يفرضها على المواطنين، حسب ما ورد في كتاب «الموصل بين احتلالين» نقلا عن زهير الجلبي رئيس «لجنة إسناد أم الربيعين» في الموصل.
في المقابل، على الرغم من تدهور الأوضاع، تمكّن «داعش» من الإبقاء إلى حد بعيد على نفوذه في المدينة مستغلاً إلى أقصى الحدود واقع الموصل والاختلافات والعداوات القبلية والاجتماعية فيها. فالنسيج الاجتماعي في الموصل قائم في الغالب على تجمّعات قبلية تمكنت من اكتساب قوة هائلة منذ بداية عملية تحرير العراق عام 2003. ووفقًا لموقع «عين الموصل»، كان النفوذ القبلي في المدينة موجودًا منذ حقبة النظام البعثي قبل الحرب نتيجة استراتيجية الرئيس العراقي صدام حسين القائمة على «ترييف» المناطق الحضرية في الموصل و«عسكرة» المجتمعات القبلية. وبعده حاولت سلطة الاحتلال الأميركية ما اعتبرته «إعادة التوازن في المجتمع» من خلال اختيار اللواء غانم باسو رئيسًا مؤقتًا لمجلس المدينة، وهو عضو سابق في حزب البعث وشقيق سالم باسو الطيار الذي أعدمه صدام بتهمة الخيانة والتحضير لانقلاب، وللعلم، فإن عائلة باسو تمثل المجتمع المدني في المناطق الحضرية في الموصل ولا علاقة لها على الإطلاق بالقبائل والأرياف. غير أن باسو لم يتمكن من اتخاذ تدابير جذرية، وبالتالي فشل في إحراز أي تغيير. وفي ما بعد، مارس «داعش» ونجح في سياسة استقطاب القبائل الذين يزيد عددهم على العائلات الحضرية في الموصل ومحيطها وعلى استقطاب مشايخهم نظرا لقدرتهم على التأثير على أتباعهم. وبالتالي، وفق موقع «عين الموصل» بقيت الاضطرابات قائمة في الموصل وظهر الكثير من الجماعات المسلحة. وباتت الجماعات القبلية حاضنة للحركات المتطرفة والإرهابية. ولم يكن زعماء القبائل ومشايخها الهدف الوحيد الذي سعى «داعش» لاستغلاله، بل استغل أيضًا طغيان سكان القرى والمهاجرين من الريف على عديد الجماعات المسلحة، حيث تمكنوا من تبوؤ مراكز مرموقة ضمن التنظيم. ومن جديد، تمكن القسم الريفي من الموصل من السيطرة على القسم الحضري. وحسب «عين الموصل» مَن يعرف الموصل جيدًا، يعلم معنى كلمة «مهاجري تلعفر» وكذلك معنى عبارة «عفري». فتلعفر هي منطقة ريفية في محافظة نينوى تبعد نحو 100 كلم غرب الموصل.. «سكانها هم بغالبيتهم من التركمان السنّة والشيعة، ولقد زادت الخلافات والصراعات بينهم في ظل حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي إثر التوترات المتزايدة بسبب سياسات الحكومة المناهضة للسنة»، وفق العابد. ويتابع العابد شارحًا أنه في الفترة التي تلت عام 2003، التحق الكثير من سكان تلعفر السنّة بتنظيم القاعدة، وكثيرون منهم انضم اليوم إلى «داعش» محتلين مواقع مهمة في المجموعة الإرهابية.
أضف إلى ما تقدّم أن أهل تلعفر الذين نزحوا إلى مدينة الموصل قاموا بشراء العقارات والشركات بطريقة واضحة جدًا، «فتعاونهم مع (داعش) سمح لهم بجمع مبالغ كبيرة من المال واقتناء عدد كبير من الممتلكات»، وفق العابد، الذي يستطرد قائلا: «حتى أنا ابن الموصل لم أتمكن بعد من شراء مسكن خاص بي». ويشرح موقع «عين الموصل»، أنه بعد سقوط الموصل في أيدي «داعش» بات ظهور أهل تلعفر جليا «فهم متغطرسون واستفزازيون، لا يبدون أي رحمة بعدما باتوا في موقع قوة، وهم ينفذّون انتقامهم عبر نهب المنازل ويصفّون من لهم عليه حسابات شخصية». وبالتالي، الواضح في مدينة الموصل حتى الآن أن التلاعب الحذق بالديناميكيات المحلية ما زال يسمح لـ«داعش» بالسيطرة على السكان. وهنا يضيف النجيفي أن «الخوف من الميليشيات الشيعية يعطي (داعش) حقنة حياة».
غير أن التوترات المتزايدة والتدابير القسرية التي يتخذها التنظيم المتطرف تشير إلى أنه يمر بمرحلة عصيبة، كما أن ازدياد أعداد الخطف والقتل تشير إلى أن التنظيم يحاول وضع حد لأي معارضة قد تنشأ عقب هجوم محتمل على المدينة، الذي وفقا لبعض المصادر بات وشيكًا. إذ من المؤكد أنه يتبع هذا الهجوم جهد ثقافي واجتماعي لمسح آثار ما يفعله «داعش».. ويذهب مؤلف كتاب «الموصل بين احتلالين» إلى حد القول «إن تحرير مدينة الموصل من (داعش) ليس هو الحل النهائي والسحري للمشكلات، إنما هو الخطوة الأولى لمواجهة المشكلات الحقيقية، فبعد تحرير المدينة من (داعش) لا بد من خلق نظام اجتماعي وأخلاقي جديد وبث مفاهيم جديدة»، واحتواء الأجيال التي تأثرت بسياسة «داعش» القائمة على البطش والتعذيب وتدمير كل المفاهيم الإنسانية الحديثة.

مدينة المثقفين والمبدعين والفنانين

* اشتهرت الموصل قبل احتلال «داعش» بالمثقفين والمبدعين والفنانين. فالموصل هي مسقط رأس المهندسة المعمارية العالمية الشهيرة زها حديد (ابنة السياسي والاقتصادي اللامع الراحل محمد حديد) والمطرب الموسيقار كاظم الساهر، وفي العصور الأقدم الموسيقيان الشهيران إبراهيم وإسحاق الموصلي. كما نبضت المدينة في الماضي بالثقافة والعلم منذ أن أسس فيها الملك الآشوري آشوربانيبال أول مكتبة معروفة في العالم تحتوي على آلاف الرقم والصحف. وهي مدينة الشاعر السري الرّفاء والمؤرخ ابن الأثير (المولود في جزيرة ابن عمر على الحدود التركية العراقية حاليًا) وأبو يعلى الموصلي والشيخ فتحي العلي وقضيب البان والإمام يحيى أبو القاسم والشيخ الرضواني والموسيقي عثمان الموصلي وغيرهم من العلماء والمفكرين والمبدعين.
الموصل.. سكانها وبيئتها

* الموصل هي مركز محافظة نينوى وثاني أكبر مدينة في العراق من حيث عدد السكان، إذ يقطنها نحو مليونين. وتتميز المدينة بتنوع تركيبتها المجتمعية، حيث يمثل العرب الغالبية العظمى من سكان المدينة، بالإضافة إلى الأكراد والشبك والتركمان والإيزيديين في مناطق سنجار والشيخان. كما تتميز بالتركيبة الفسيفسائية للديانات الموجودة فيها، وأكبرها الإسلام وتليه المسيحية والإيزيدية، إضافة إلى وجود عوائل قليلة من طائفة الصابئة المندائيين.
تتميز الموصل بموقع جغرافي متميز، إذ يمر نهر دجلة داخل المدينة ويقسمها إلى ضفتين متساويتين تقريبا (الساحل الأيمن) الغربي (والساحل الأيسر) الشرقي.
كذلك تقع الموصل في موقع استراتيجي مهم، حيث تربط العراق بسوريا عن طريق معبر ربيعة الحدودي، وترتبط بحدود مع محافظات دهوك وأربيل وكركوك من الجهة الشمالية والجنوبية الشرقية، وترتبط بالجنوب بمحافظة صلاح الدين ومنها إلى مدينة بغداد.
مدينة الموصل هي مركز محافظة نينوى، التي تضم تسعة أقضية هي: الموصل، وتلعفر، والحمدانية، وتلكيف، والحضَر، وسنجار، والبعّاج، ومخمور، والشيخان. وتتميز الموصل بوجود منطقة سهلية هي من أهم المناطق الزراعية في العراق، بل تعد سلة خبز العراق، بحسب العابد، وذلك بسبب اعتدال طبيعة الجو – ما أكسبها لقبها «أم الربيعين» - ووجود نهر دجلة وروافده، إضافة لوجود المشاريع الإروائية الكبيرة فيها.



دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو
TT

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

دوما بوكو
دوما بوكو

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا، إثر فوزه في الانتخابات الرئاسية بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. «عناد» الرئيس الجديد قاده، وعلى نحو مذهل، لإزاحة خصمه الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه حزب قويّ هيمن على السلطة قرابة 6 عقود مرّت على استقلال بوتسوانا. ويبدو أن وعورة طريق بوكو إلى الانتصار لن تحجب حقيقة أن وديعة الفقر والفساد والبطالة و«تمرّد الاستخبارات»، التي خلفها سلفه ماسيسي، ستكون أخطر الألغام التي تعترض مهمة بوكو، الذي دشّن مع بلاده تداولاً غير مسبوق للسلطة، في بلد حبيسة جغرافياً، اقترن فيها الفقر مع إنتاج الماس.

إلى جانب «العناد في ساحة القتال» والتواضع المُقترن بالثقة في النفس، يبدو أن رهان الانتصار للفقراء والطبقات الدنيا هو المحرّك الرئيسي في المسارات المتوقعة للرئيس البوتسواني الجديد دوما بوكو. وبالفعل، لم يبالغ الرئيس المنتخب في أول تصريحاته لوسائل الإعلام عندما خاطب شعبه قائلاً: «أتعهد بأنني سأبذل قصارى جهدي وعندما أفشل وأخطئ، سأتطلع إليكم للحصول على التوجيه».

هذه الكلمات قوبلت باهتمام واسع من جانب مراقبين، بعد أداء بوكو (54 سنة) اليمين الدستورية أمام حشد من آلاف من الأشخاص في الاستاد الوطني بالعاصمة خابوروني، في مراسم حضرها قادة مدغشقر، وناميبيا، وزامبيا وزيمبابوي، وبدأت معها التساؤلات عن مستقبل بوتسوانا.

من هو دوما بوكو؟

وُلد دوما جديون بوكو عام 1969، في قرية ماهالابي الصغيرة التي تبعد 200 كلم عن العاصمة خابوروني، وترعرع وسط أسرة متواضعة، لكن اللافت أنه كان «يتمتع بثقة عالية في النفس واحترام أهله وذويه في طفولته وصباه»، وفق كلام لأقاربه لوسائل إعلام محلية. وهذه الصفات الإيجابية المبكرة، اقترنت لدى الرئيس الجديد بـ«إيمان عميق بالعدالة»، وفق عمته، وربما أكسبته هذه الصفات ثقة زملاء الدراسة الذين انتخبوه رئيساً لاتحاد الطلاب في المدرسة الثانوية.

أكاديمياً، درس بوكو القانون في جامعة بوتسوانا، لكنه - بعكس أقرانه اليساريين في العالم - كان منفتحاً على إكمال دراسته القانونية في الولايات المتحدة، وبالذات في كلية الحقوق بجامعة هارفارد العريقة، حيث تشربت ميوله اليسارية بـ«أفكار ديمقراطية» انعكست على مستقبله السياسي. أما عن المشوار المهني، فقد ذاع صيت بوكو بوصفه أحد ألمع محامين بوتسوانا.

مشوار التغيير

نقطة التحول في رحلة الرئيس الجديد باتجاه القصر الرئاسي، بدأت بتوليه زعامة حزب «جبهة بوتسوانا الوطنية» عام 2010.

يومذاك، كانت «الجبهة» تتمسك بأفكار شيوعية تلاشت مع أفول شمس الإمبراطورية السوفياتية، إلا أن بوكو بحنكته وواقعيته، مال بها نحو اشتراكية «يسار الوسط». ولم يتوقف طموح بوكو عند هذه النقطة، بل خطا خطوة غير مسبوقة بتشكيله ائتلاف «مظلة التغيير الديمقراطي» عام 2012، وهو تحالف من الأحزاب المعارضة للحكومة بينها «الجبهة». وأطلق بهذا الائتلاف عملياً «شرارة» التغيير بعد إحباط طويل من هزائم المعارضة أمام الحزب الديمقراطي البوتسواني، المحافظ،، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1966.

طوال 12 سنة، لعب المحامي اليساري الديمقراطي بوكو دوراً حاسماً في قيادة الائتلاف، ولم ييأس أو يستسلم أو يقدم تنازلات على الرغم من الهزائم التي لحقت بالائتلاف.

وفي غمار حملة الدعاية بانتخابات الرئاسة البوتسوانية الأخيرة، كان المحللون ووسائل الإعلام منشغلين بانعكاسات خلاف قديم بين الرئيس (السابق) ماسيسي وسلفه الرئيس الأسبق إيان خاما، في حين ركّز بوكو طوال حملته على استقطاب شرائح من الطبقات الدُّنيا في بلد يفترسه الفقر والبطالة، وشدّدت تعهدات حملته الانتخابية عن دفاع قوي عن الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع وتعاطف بالغ معها.

ووفق كلام الصحافي إنوسنت سيلاتلهوا لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كان بوكو «يناشد أنصاره الاقتراب من الناس والاستماع إلى شكاواهم». وبجانب أن أسلوب الرئيس الجديد - الذي استبعد الترشح لعضوية البرلمان) - كان «جذاباً وودوداً دائماً» مع الفقراء وطبقات الشباب، حسب سيلاتلهوا، فإن عاملاً آخر رجَّح كفّته وأوصله إلى سدة السلطة هو عودة الرئيس الأسبق خاما إلى بوتسوانا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي من منفاه في جنوب أفريقيا، ليقود حملة إزاحة غريمه ماسيسي عبر صناديق الاقتراع.

انتصار مفاجئ

مع انقشاع غبار الحملات الانتخابية، لم يتوقع أكثر المتفائلين فوز ائتلاف بوكو اليساري «مظلة التغيير الديمقراطي» بالغالبية المطلقة في صناديق الاقتراع، وحصوله على 36 مقعداً برلماناً في انتخابات 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مقارنة بأربعة مقاعد فقط للحزب الديمقراطي. وبالتالي، وفق دستور بوتسوانا، يحق للحزب الذي يسيطر على البرلمان اختيار الرئيس وتشكيل حكومة جديدة. ولقد خاضت 6 أحزاب الانتخابات، وتقدم أربعة منها بمرشحين لرئاسة الجمهورية، في حين سعى ماسيسي لإعادة انتخابه لولاية ثانية رئيساً للدولة.

تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة

مستويات عالية جداً من البطالة نسبتها 27.6 % فضلاً

عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 %

وبقدر ما كانت هذه الهزيمة صادمة للحزب الديمقراطي والرئيس السابق ماسيسي - الذي سارع بالاعتراف بالهزيمة في حفل التنصيب - فإنها فاجأت أيضاً بوكو نفسه، الذي اعترف بأنه فوجئ بالأرقام.

تعزيز العدالة الاجتماعية

لعل بين «أسرار» نجاح بوكو، التي رصدها ديفيد سيبودوبودو، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بوتسوانا، «بروزه زعيماً حريصة على تعزيز العدالة الاجتماعية». وفي مسار موازٍ رفعت أسهمه خبرته الحقوقية وخاصة حقوق قبيلة الباساروا (السان)، وهم السكان الأصليون في بوتسوانا، وفق موقع «أول أفريكا». هذا الأسبوع، دخلت وعود الرئيس الجديد محك التجربة في مواجهة مرحلة بلد يعاني مرحلة «شكوك اقتصادية»؛ إذ تكابد بوتسوانا التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، مستويات عالية جداً من البطالة تبلغ 27.6 في المائة، فضلاً عن معدلات فقر تقترب نسبتها من 38 في المائة، وفق أرقام رسمية واستطلاعات رأي. وخلص استطلاع حديث أجرته مؤسسة «أفروباروميتر» إلى أن البطالة هي مصدر القلق «الأكثر إلحاحاً» للمواطنين مقارنة بالقضايا الأخرى.

الأرقام السابقة تصطدم بوعود أعلنها بوكو برفع الراتب الأساسي وعلاوات الطلاب ومعاشات الشيخوخة، والاهتمام بشريحة الشباب، علماً بأن نحو 70 في المائة من سكان البلاد دون سن الـ35 سنة. ويتمثل التحدي الأكبر بتعهد الرئيس بـ«تنويع الاقتصاد» الذي يعتمد في 90 في المائة من صادراته على الماس. لذا؛ قال الباحث سيبودوبودو لموقع «أول أفريكا» شارحاً: «حكومة بوكو في حاجة إلى تحويل الاقتصاد بحيث يخلق فرص العمل، وهذا أمر صعب في خضم ركود سوق الماس، أكبر مصدر للدخل في البلاد». في المقابل، يرى المحلل السياسي ليسولي ماتشاشا أن الرئيس بوكو «شغوف بالمعرفة والتعليم، ولديه دائماً فهم جيد للشؤون والقضايا الداخلية الجارية في بوتسوانا... وكذلك فهو جاد في إصلاح البلاد».

... الدافع الحقوقي

وفي موازاة الهاجس الاقتصادي، يبدو أن الدافع الحقوقي سيشكل عنصراً مهماً في أجندة بوكو الرئاسية؛ إذ عبر في مقابلة مع «بي بي سي» عن عزمه منح إقامة مؤقَّتة وتصاريح عمل لآلاف المهاجرين الذين وصلوا خلال السنوات الأخيرة بشكل غير نظامي إلى البلاد من الجارة زيمبابوي. وفي معرض تبريره هذا القرار، أوضح بوكو: «إن المهاجرين يأتون من دون وثائق؛ ولذا فإنَّ حصولهم على الخدمات محدود، وما يفعلونه بعد ذلك هو العيش خارج القانون وارتكاب الجرائم». ثم تابع مستدركاً: «ما يجب علينا فعله هو تسوية أوضاعهم».

ترويض مديرية الاستخبارات

لكن، ربما تكون المهمة الأصعب للرئيس الجديد هي ترويض «مديرية الاستخبارات والأمن»، التي يرى البعض أنها تتعامل وكأنها «فوق القانون أو هي قانون في حد ذاتها».

وهنا يشير الباحث سيبودوبودو إلى تقارير تفيد بأن الاستخبارات عرقلت التحقيقات التي تجريها «مديرية مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية» في قضايا فساد، تتمثل في تربّح بعض أقارب الرئيس السابق من المناقصات الحكومية، وأنباء عن انخراط الجهاز الاستخباراتي في أدوار خارج نطاق صلاحياته، وتضارب عمله مع الشرطة ومديرية الفساد. «وبناءً على ذلك قد تبدو مهمة بوكو صعبة في إعادة ترتيب مؤسسات الدولية السيادية، علماً بأن (مديرية الاستخبارات والأمن) كانت مركز تناحر بين الرئيس السابق وسلفه إيان خاما، كما أن المؤسسات التي كان من المفترض أن توفر المساءلة، مثل (مديرية مكافحة الفساد) والسلطة القضائية، جرى إضعافها أو تعريضها للخطر في ظل صمت الرئيس السابق».أخيراً، من غير المستبعد أن يفرض سؤال محاكمات النظام السابق نفسه على أجندة أولويات الرئيس الجديد، وفق متابعين جيدي الاطلاع، مع الرئيس السابق الذي لم يتردد في الإقرار بهزيمته. بل، وأعلن، أثناء تسليم السلطة، مجدداً أن على حزبه «التعلم الآن كيف يكون أقلية معارضة».