احتفالات الميلاد تعم العالم في جو دافئ من غير جليد

غنوا بالألمانية والإنجليزية والعربية وأقاموا الزينة والأشجار في الساحات

شجرة الكريسماس في ميدان الطرف الأغر وسط لندن (تصوير: جيمس حنا) - مظاهر الاحتفال بعيدي الميلاد ورأس السنة في شارع الشعلان بدمشق- بابا نويل وصورة مع الأطفال في سوق الدويلعة الدمشقية - بائع متجول يحتفي بالأعياد في سوق دمشقية - مستعرض يرتدي زي بابا نويل في ساحة الطرف الأغر (تصوير: جيمس حنا) - عرض للضوء والصوت على واجهة مبنى مدينة رين بغرب فرنسا بمناسبة أعياد الميلاد مساء أول من أمس (أ.ف.ب) - رجل يحتفل بطريقته الخاصة بأعياد الميلاد في حديقة هايد بارك، وسط لندن أمس (رويترز).
شجرة الكريسماس في ميدان الطرف الأغر وسط لندن (تصوير: جيمس حنا) - مظاهر الاحتفال بعيدي الميلاد ورأس السنة في شارع الشعلان بدمشق- بابا نويل وصورة مع الأطفال في سوق الدويلعة الدمشقية - بائع متجول يحتفي بالأعياد في سوق دمشقية - مستعرض يرتدي زي بابا نويل في ساحة الطرف الأغر (تصوير: جيمس حنا) - عرض للضوء والصوت على واجهة مبنى مدينة رين بغرب فرنسا بمناسبة أعياد الميلاد مساء أول من أمس (أ.ف.ب) - رجل يحتفل بطريقته الخاصة بأعياد الميلاد في حديقة هايد بارك، وسط لندن أمس (رويترز).
TT

احتفالات الميلاد تعم العالم في جو دافئ من غير جليد

شجرة الكريسماس في ميدان الطرف الأغر وسط لندن (تصوير: جيمس حنا) - مظاهر الاحتفال بعيدي الميلاد ورأس السنة في شارع الشعلان بدمشق- بابا نويل وصورة مع الأطفال في سوق الدويلعة الدمشقية - بائع متجول يحتفي بالأعياد في سوق دمشقية - مستعرض يرتدي زي بابا نويل في ساحة الطرف الأغر (تصوير: جيمس حنا) - عرض للضوء والصوت على واجهة مبنى مدينة رين بغرب فرنسا بمناسبة أعياد الميلاد مساء أول من أمس (أ.ف.ب) - رجل يحتفل بطريقته الخاصة بأعياد الميلاد في حديقة هايد بارك، وسط لندن أمس (رويترز).
شجرة الكريسماس في ميدان الطرف الأغر وسط لندن (تصوير: جيمس حنا) - مظاهر الاحتفال بعيدي الميلاد ورأس السنة في شارع الشعلان بدمشق- بابا نويل وصورة مع الأطفال في سوق الدويلعة الدمشقية - بائع متجول يحتفي بالأعياد في سوق دمشقية - مستعرض يرتدي زي بابا نويل في ساحة الطرف الأغر (تصوير: جيمس حنا) - عرض للضوء والصوت على واجهة مبنى مدينة رين بغرب فرنسا بمناسبة أعياد الميلاد مساء أول من أمس (أ.ف.ب) - رجل يحتفل بطريقته الخاصة بأعياد الميلاد في حديقة هايد بارك، وسط لندن أمس (رويترز).

بالألمانية والإنجليزية والعربية، اصطف عدد من الصغار لأداء أغاني عيد الميلاد صباح أمس الجمعة تدشينا لمركز «ليزينق»، السكن الجديد لـ45 لاجئا دون الـ18 من العمر، ممن وصلوا للنمسا فرادى دون صحبة ذويهم.
الصغار، ومنهم السوري والعراقي والأفغاني الجنسية، تتراوح أعمارهم ما بين 14 - 16 عاما، وكانوا قد وصلوا فيينا الصيف الماضي، وتم حجزهم بمعسكر ترايسكيرشن سيئ السمعة والخدمات، إلى أن تمكنت بلدية فيينا من صيانة وتأسيس مقرهم الجديد الذي تعود ملكيته لمنظمة كارتيس الخيرية المسيحية.
الاحتفاء وقضاء أيام الأعياد مع اللاجئين القصر لم يقتصر على ذلك السكن، بل ساد معظم المقار والمعسكرات التي تم تزيينها وتوفرت بها كميات من الأطعمة الخاصة والهدايا، وذلك في مساع لتوفير أجواء أسرية لهذا القطاع من اللاجئين الذين تواجههم مشاكل جمة بسبب الوحدة بعيدا عن الأسرة وصعوبة الحياة في بلد غريب ومختلف لا يتحدث الصغار لغته.
مشكلة اللغة وصعوبة التفاهم بالإضافة لعوامل أخرى منها الحالة النفسية وما عاناه هؤلاء الصغار ببلادهم حيث الحروب وسوء الأحوال الأمنية والمعيشية، زادت من صعوبة وجود أسر تتبنى هؤلاء القصر كما يخطط القائمون على أمرهم من وزارة الاندماج والمنظمات الطوعية.
وحسب معلومات رسمية نشرتها وزارة الداخلية الاثنين الماضي فإن 550 قاصرا وصلوا للنمسا بمفردهم، تقدمت 260 أسرة لتبنيهم، ولم تجتز الاختبارات والشروط اللازمة غير 36 أسرة فقط.
إلى ذلك، تنظم الجهات المسؤولة بما فيها وزارة الداخلية اختبارات معينة يعقبها سمنار وتدريب للأسر المختارة التي يسمح لها بتبني طفل لاجئ، ومقابل ذلك تدعمها الحكومة بمبلغ 520 يورو شهريا.
وتشير القوائم التي نشرتها وزارة الداخلية حديثا إلى أن 10 آلاف لاجئ تم تسكينهم رسميا من بينهم 3 آلاف أعمارهم أقل من 18 سنة، من ضمنهم أولئك الـ550 الذين وصلوا بمفردهم دون رفقة أب أو أم أو أخ وأخت.
من جانبها ولمزيد من ترتيب الأمور وسهولة وصول المعلومات حتى للأميين من اللاجئين وإزالة أي سوء فهم، أعلنت وزارة الداخلية عن توزيع «مجلد مصور» مطلع عام 2016 يحتوي على معلومات بلغات مختلفة من بينها العربية، بما في ذلك رسومات توضيحية تؤكد سيادة القانون النمساوي، والمساواة بين الرجل والمرأة، وحقوق الطفل وتمنع العنف «حتى داخل الأسرة بما في ذلك ضرب الطفل أو الزوجة»، وتشدد على الحرية الدينية والشخصية، بالإضافة لمعلومات أخرى تعتبرها النمسا أساسية.
وفي هذا السياق قالت وزيرة الداخلية، جوانا ميكل رايتنر، التي تعتبر من أكثر السياسيين النمساويين تشددا والداعين لتضييق فتح أبواب النمسا أمام اللاجئين «إن الناس يأتون إلى هنا من ثقافات مختلفة تماما عما هو سائد وعما يعتبر جزءا أساسيا من حياة المواطن النمساوي، لهذا لا بد أن يعلموا تماما أن القانون النمساوي له الأولوية وأهم مكانة من أي تعاليم أخرى».
وحفلات ساهرة داخل الفنادق السياحية والبواخر النيلية والمطاعم والمقاهي، احتفلت مدينة الأقصر في صعيد مصر بحلول الكريسماس، حيث ازدانت بأشجار الكريسماس ورقص روادها حتى الساعات الأولى من صباح أمس الجمعة، على أنغام الربابة والمزمار البلدي وفرق الرقص والفلكلور الشعبي.
وجاءت الاحتفالات وسط التراجع السياحي وانخفاض نسبة الإشغال في الفنادق في تلك الفترة عن الفترات المماثلة لها، في سنوات ما قبل اندلاع ثورة يناير بنسبة 75 في المائة، إذ بلغت نسبة الإشغال ليلة أمس في الأقصر قرابة 25 في المائة، وكانت نسبة الإشغال بفنادق المدينة في فترة الكريسماس ورأس السنة تتجاوز 100 في المائة، قبيل الثورة.
وبحسب تصريحات محافظ الأقصر، الدكتور محمد بدر، لوكالة الأنباء الألمانية، فإن المناطق الأثرية والسياحية استقبلت قرابة خمسة آلاف زائر من مختلف الجنسيات بالتزامن مع احتفالات الكريسماس، وأن السياح البريطانيين جاؤوا في المقدمة، تلاهم الفرنسيون وحل السياح الألمان في المركز الثالث، فيما بلغت نسبة الإشغال بفنادق المدينة، بحسب الإحصاءات الرسمية، 25 في المائة.
وجرت الاحتفالات التي تستمر حتى ليلة رأس السنة وحلول عام 2016، وسط إجراءات أمن مشددة في محيط الفنادق والمنشآت السياحية.
وكانت سلطات المدينة التاريخية قد استبقت حلول ليلة الكريسماس وفترة الأعياد ورأس السنة بإضاءة مئات الأشجار بكورنيش نهر النيل وشوارع المدينة، ورفع مستوى المرافق والخدمات في مناطقها الأثرية والسياحية وتزيين معالم المدينة، لتظهر بصورة تتناسب ومكانتها الحضارية وصورتها التاريخية في عيون زوارها من سياح العالم.
وعلى الرغم من الحزن والكآبة الظاهرة على وجوههم وفي مفردات حياتهم بسبب الأزمة والحرب المتواصلة منذ أربع سنوات ودخولها عامها الخامس، فإن السوريين يحاولون اقتناص لحظات الفرح، خصوصا في مناسبات أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة، حيث تنتشر ومنذ بداية ديسمبر (كانون الأول) الحالي مظاهر استقبال هذين العيدين في كثير من شوارع دمشق وبعض المدن السورية الأخرى، رغم الوضع الأمني الصعب وأصوات المعارك القريبة من هذه المدن والقذائف التي تطال الناس فيها، وغياب كثير من شبابها بسبب أدائهم الخدمة الاحتياطية أو الإلزامية.
ورغم انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة صباحا ومساء، بسبب التقنين الطويل والذي طال مؤخرا حتى الأسواق الرئيسية التي كانت خارج التقنين في الفترات السابقة، خصوصًا في ساعات المساء والليل، فإن المتجول في شوارع العاصمة دمشق يلاحظ قيام كثير من الفنادق وأصحاب المحلات والشركات بتزيينها بمظاهر زينة العيدين من أشجار وغيرها، كذلك الحال في كثير من الشوارع والأسواق، حيث اكتست حلة العيد.
كذلك فعلت كنائس دمشق والمدن الأخرى بإضاءة أشجار الميلاد الضخمة في مداخلها، وأعادت إحياء كثير من الأنشطة الخيرية والاجتماعية بهذه المناسبة في صالات الكنائس والأديرة، ومنها إقامة البازارات وأسواق الميلاد والأمسيات الفنية الميلادية، واللافت هنا عودة تشييد وإضاءة الأشجار الكبيرة في وسط كثير من المدن السورية، ومنها مدينة محردة وسط البلاد ذات الأغلبية المسيحية التي أعادت وبعد أربع سنوات من الانقطاع شجرة الميلاد الضخمة إلى الساحة الرئيسية في وسط المدينة، على الرغم من وجود مدينة محردة في منطقة مشتعلة، والحال نفسها مع جارتها مدينة السقليبية التي تعد مركز منطقة سهل الغاب السوري، حيث يعيش السهل وقراه معارك يومية، والسقيلبية ذات الأغلبية المسيحية أعاد أهلها إحياء بعض مظاهر العيدين رغم قرب المعارك منها.
وفي مدينة القامشلي أقصى شمال شرقي سوريا رفعت أكبر شجرة ميلاد قيل إنها الأكبر في سوريا وسط المدينة التي يعيش فيها مسيحيون سريان وآشوريون وعرب وكرد. بينما نافستها مدينة السويداء جنوب سوريا بإقامة شجرة ميلاد كبيرة وسط المدينة، قال المنظمون لها (كنيسة مار جاورجيوس الأرثوذكسية في السويداء) إنها الأكبر في سوريا، حيث وصل ارتفاع الشجرة إلى نحو ثمانية أمتار، وطول قاعدتها سبعة أمتار، مشغولة يدويا من دون إدخال أي نوع من المسامير أو الحديد. وفي وادي النصارى وسط البلاد رفعت أشجار الميلاد في ساحات قرى الوادي، والحال نفسها في بلدة مشتى الحلو القريبة منه، وفي بلدات ومدن الساحل السوري رفعت شجرة ضخمة وسط مدينة صافيتا. كما احتفل سكان مدينة اللاذقية كبرى مدن الساحل السوري بالميلاد في الأحياء ذات الأغلبية المسيحية مثل حي الأميركان والمارتقلا. وفي مدينة حلب عاصمة الشمال السوري وثاني أكبر المدن السورية التي تعيش كارثة الحرب بشكل أكبر من باقي المدن السورية، احتفل المسيحيون فيها بإقامة مظاهر الزينة والقداديس في كنائسها.
في العاصمة دمشق انتشرت كما في مدن أخرى إعلانات عن تنظيم حفلات عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية الجديدة في مطاعم وفنادق العاصمة، خصوصًا في مطاعم المدينة القديمة كباب توما والقيمرية والشارع المستقيم والقشلة وغيرها، وفي مطاعم منطقتي جرمانا وصحنايا في الريف الدمشقي، لكن معظم مطربي هذه الحفلات الذين سيحيونها هم من الفنانين السوريين المحليين، بعد أن كانت هذه الفنادق والمطاعم تتسابق على استضافة مطربين عرب معروفين، خصوصًا من لبنان ومصر في أعياد الميلاد ورأس السنة ما قبل بداية الأزمة السورية، ومع الارتفاع الكبير الذي طال في الأيام الأخيرة من العام معظم المواد الغذائية خصوصًا الخضراوات والفاكهة المحلية الإنتاج، وهو أمر غير مسبوق، اضطر منظمو هذه الحفلات إلى رفع أسعار حفلاتهم، بما لا يناسب وضع السوريين المعيشي، خصوصًا أصحاب الدخل المحدود. ويقول في هذا الصدد «شادي. ع»، وهو أحد منظمي حفلات عيد الميلاد ورأس السنة في أحد مطاعم باب توما بمدينة دمشق القديمة، إن «الأماكن لديه حجزت على الهاتف وبشكل مباشر بعد أسبوع واحد من الإعلان عنها في الشوارع وصفحات التواصل الاجتماعي. ويبرر ذلك الإقبال السريع بأن السوريين سئموا الحرب ويريدون العيش مثل حال بقية البلدان المستقرة، ولذلك يحاولون نسيان مآسيها من خلال هذه المناسبات السنوية».
عمار صايغ، موظف في إحدى المدارس السورية الخاصة، كان واقفًا أمام إعلان لحفل في سوق القصاع الدمشقية يتمعن في مفرداته، يتنهد عمار قائلا: «لقد قرأت الإعلان نفسه على (فيسبوك)، وكنت أتمنى لو أحضر أنا وأسرتي الحفل، لكنه مكلف، فتكلفة حضور الشخص الواحد 7 آلاف ليرة سورية (يعادل نحو 18 دولارا أميركيا تقريبا)، يعني أنا وعائلتي علينا دفع نحو 28 ألف ليرة، وبالتالي لن يبقى من دخلي سوى 12 ألف ليرة كيف سأعيش بها طيلة الشهر؟! لذلك قررت البقاء في البيت مع عشاء بسيط لن يكلفنا أكثر من خمسة آلاف ليرة ومشاهدة التلفاز، وأتمنى أن لا ينقطع التيار الكهربائي في ليلة رأس السنة حتى لا تفوتنا حفلات الفضائيات وتوقعات المنجمين»، يضحك عمار معلقا: «أنا لا أصدقهم بعكس زوجتي، لكنني أشاهدهم لتمضية الوقت».
وكما ارتفعت أسعار الخضراوات والفاكهة قبل الأعياد ارتفعت أسعار اللحوم، خصوصا لحوم الدواجن، وكذلك حلويات العيد بشكل واضح، النواشف منها التي تحضر بشكل متميز لمناسبة العيدين، حيث تنتج بنماذج وقوالب خاصة أو تغلف بأغلفة بابا نويل ونجمات وشجرات العيد، وقد تراوح سعر كيلوغرام الشوكولاته ما بين 17 ألف ليرة للنوع الفاخر والمحلي الصنع، و3 آلاف ليرة للأنواع العادية التي تستخدم الزبدة الصناعية وليس زبدة الكاكاو الطبيعية المستوردة والمرتفعة الثمن. وكذلك وصلت تكلفة الشجرة الواحدة المتوسطة مع زينتها لنحو خمسين ألف ليرة سورية (130 دولارا أميركيا)، كذلك شهدت سوق الملابس ارتفاعات كبيرة في الأسعار مع انخفاض قيمة الليرة السورية في الشهرين الأخيرين أمام الدولار، حيث وصلت القيمة إلى نحو 395 ليرة للدولار الواحد، كذلك ارتفعت أسعار الذهب، ليصل سعر الغرام الواحد منه إلى 12 ألف ليرة لـ«عيار 21»، وهذا جعل كثيرا من السوريين يعزفون عن شراء الملابس الجديدة خصوصا لأطفالهم بمناسبة العام الجديد، كما أدى إلى عزوف العرسان عن شراء الذهب باستثناء خواتم الخطوبة فقط، الذين عادة ما يقيمون حفلات زفافهم أو خطوبتهم متزامنة مع الأعياد.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».