ألمشهد: ليوناردو ضد الدب

ألمشهد: ليوناردو ضد الدب
TT

ألمشهد: ليوناردو ضد الدب

ألمشهد: ليوناردو ضد الدب

* أحد المشاهد الواردة في أفلام الموسم التي ستبقى طويلاً في البال، هو المشهد الذي نراه في فيلم «المنبعث» عندما يهاجم فيه دب (حقيقي) الممثل ليوناردو ديكابريو وينهال عليه ضربًا وفتكًا حتى يكاد يقتله. بعض المشهد وارد في «تريلر» الفيلم. لكن هناك فيديو كليب آخر يظهر نحو دقيقة ونصف من ذلك المشهد الذي بالتأكيد يزيد عن ذلك.
* المخرج أليخاندرو غونزاليز إيناريتو لا يود الحديث طويلاً في هذا الشأن عندما تم له لقاء عدد كبير من الجمهور في قاعة «جمعية الكتاب الأميركية» حيث كان ذلك المشهد محور اللقاء. يذكر بعض الجوانب المضيئة ويتحاشى ذكر التفاصيل الدقيقة كونها تخفي، على الأرجح، خفايا إذا ما تم الكشف عنها بدا المشهد أخف وقعًا لمن قرأ أو سمع تفاصيله من أليخاندرو.
* ما قاله هو إنه، بداية، كان لديه بضعة اتجاهات لتصوير هذا المشهد الذي يقع بينما كان ليوناردو ديكابريو يسير في الغابة مستطلعًا. كان لدى المخرج أن يعمد إلى شيء من المعالجة التسجيلية أو إلى معالجة من الإثارة عبر تصوير معركة، ولو غير متكافئة، بين الدب وضحيّته. كذلك كان يستطيع الاعتماد كليًا على الكومبيوتر غرافيكس (ولو أنه، على الأرجح، استعان به في بعض اللقطات).
* لكن أليخاندرو عمد إلى تصوير واقعي وكان على ديكابريو أن ينصاع. إذا لم يفعل قد يستطيع الهرب لكن المشهد سيتحوّل إلى نكتة. بداية، شاهد عشرات الأشرطة المصوّرة واقعيًا على ضحايا من البشر. درس كيف تتقدّم صوب الضحية وكيف تبدأ بالهجوم عليها وكيف تغرز تلك الأظافر الهائلة فيه وتنتزع منه بعض لحمه. شاهد ما يحدث لمن يدّعي أنه ميت لأنه سمع بأن الدببة لا تهاجم الموتى وشاهد فيلما عن ناجين وكيف هربوا من المواجهة في آخر لحظة.
* بعد ذلك استشار المخرج الألماني فرنر هرتزوغ الذي كان صوّر فيلما تسجيليًا بعنوان Grizzly Man (ما يمكن ترجمته بـ«رجل الدب») هاتفيًا، وهذا اقترح عليه، فيما اقترح، ألا يستخدم صوت الدب الهائج كثيرًا. قال له «الصوت يزعج المشاهدين ويغير من شدّة التأثير». معه حق.
* لكن أليخاندرو يتوقّف عند هذا الحد عمليًا ولا يفصح عن كيف صوّر المشهد فعليًا. في «التريلر» ينحني الدب فوق ليوناردو ديكابريو، المنبطح على صدره، محاولا حمله من وسطه. ثم يقلبه على ظهره بضربة واحدة من يمينه، تشبه قيام الطباخ بقلب قطعة «ستيك» في المقلاة أو ربما أسهل. كل هذا وخطر أن يخرج الدب عن التعليمات أو عن توجيهات المخرج ماثل.
* في الكثير من أفلام الماضي البعيد كان صانعو الفيلم يعمدون إلى ممثل رجل يلبسونه بذلة دب ويعطونه تعليمات كيف يتحرك ومتى. وكان المسكين يغرق في عرقه داخل هذه البذلة وهو يحاول أن يحسن «التمثيل». والأمر لم يكن وقفًا على الدببة بل على الغوريللات أيضًا وبشكل مفضوح في بعض الأحيان. الآن، تستطيع السينما أن تصوّر حياة داخل حبة حمّص أو مبارزي كونغ فو وهم يرتفعون عموديا ليقفوا فوق أضعف غصن شجرة أو ليجمدوا في الفضاء في تحد كبير للجاذبية. لكن مشهد الدب وليوناردو سيبقى كلاسيكيًا بين تلك التي تصوّر المستحيل.



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).