بغداد تبحث عن حل عربي لأزمتها مع تركيا بعد فشل الحلول الأممية

الخارجية تدعو إلى اتخاذ موقف صارم حيال إصرار أنقرة

بغداد تبحث عن حل عربي لأزمتها مع تركيا بعد فشل الحلول الأممية
TT

بغداد تبحث عن حل عربي لأزمتها مع تركيا بعد فشل الحلول الأممية

بغداد تبحث عن حل عربي لأزمتها مع تركيا بعد فشل الحلول الأممية

في الوقت الذي جددت تركيا رفضها الانسحاب التام من الأراضي العراقية وتمسكها بفرضية الدفاع عن الموصل، رضيت الحكومة العراقية أم لم ترضَ، فقد يممت بغداد وجهها شطر الجامعة العربية، بعد فشل مجلس الأمن الدولي في استصدار قرار يلزم تركيا بالانسحاب من الأراضي التي توغلت فيها في العمق العراقي في ناحية بعشيقة بالموصل.
وأعلنت تركيا عن انسحاب مشروط من الأراضي العراقية، بما يشبه إعادة الانتشار، في وقت جدد فيه رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو عدم نية بلاده الانسحاب، مؤكدًا استمرار هذا الوجود حتى تحرير الموصل. وقال أوغلو في اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة: «ندعم البيشمركة والمتطوعين المحليين، وسنفعل ذلك حتى تحرير الموصل، لن نسحب قواتنا العسكرية، حتى ينتهي التهديد الإرهابي في العراق».
وعلى العكس مما دعا إليه مجلس الأمن والمكالمة الهاتفية بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره التركي رجب طيب إردوغان، قال أوغلو إن «أنقرة ستُعزّز وجودها العسكري في العراق». وفيما تناقضت تصريحات أوغلو مع تصريحات للخارجية التركية مفادها مواصلة تركيا انسحابها من الأراضي العراقية، وهو ما جعل مجلس الوزراء العراقي يرحب بهذا الانسحاب، فإن إصرار أنقرة على عدم الاستجابة للمطالب الأممية سيكون اليوم على جدول أعمال الاجتماع الاستثنائي للجامعة العربية بخصوص التوغل التركي الذي عده الناطق الرسمي باسم الخارجية العراقية أحمد جمال «تهديدًا للأمن القومي العربي».
وأكد المسؤول العراقي لـ«الشرق الأوسط» أن «العراق يدرك أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الجامعة العربية على صعيد هذه الأزمة التي بقدر ما تمثل تهديدًا للأمن الوطني العراقي، فإنها في حقيقة الأمر تمثل تهديدًا للأمن القومي العربي، لأن العراق امتداد للأمن القومي العربي، وما يتعرض له العراق ينعكس بالضرورة على الأمن القومي برمته». وأضاف جمال أن «العراق عضو مؤسس للجامعة العربية، وهو يدعو إلى أهمية تفعيل ميثاق الجامعة من أجل مواجهة المخاطر التي تواجه عموم الأمن القومي العربي. حيث كنا قدمنا شكوانا إلى الجامعة العربية وإلى مجلس الأمن الدولي، انطلاقًا من شعورنا بأهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الجامعة العربية في مثل هذه الأزمات».
ودعا جمال العرب إلى «اتخاذ موقف صارم حيال إصرار تركيا على عدم سحب قواتها، علمًا أن المبررات التي تسوقها أنقرة غير مقنعة ولا منطقية وهو ما يتطلب من الدول العربية التي تملك علاقات جيدة مع الحكومة التركية أن تستخدم نفوذها لهذا الغرض». وأوضح أن «العراق حين تقدم بطلب إلى الجامعة العربية تفاعلت معه الأمانة العامة بشكل جيد فضلاً عن أن وزير الخارجية إبراهيم الجعفري تلقى اتصالات هاتفية بهذا الشأن من نحو 10 من نظرائه وزراء الخارجية العرب».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.