السبسي: السعودية ركيزة الأمن العربي.. ونتطلع لجهودها في ترميم اقتصادنا

الرئيس التونسي أكد أن بلاده تجاوزت مرحلة الخطر الاقتصادي ومقبلة على مرحلة جديدة من التطور والنماء

جانب من لقاء الرئيس التونسي والوفد المرافق له بقطاع الأعمال السعودي أمس بمجلس الغرف بالرياض (تصوير: إقبال حسين)
جانب من لقاء الرئيس التونسي والوفد المرافق له بقطاع الأعمال السعودي أمس بمجلس الغرف بالرياض (تصوير: إقبال حسين)
TT

السبسي: السعودية ركيزة الأمن العربي.. ونتطلع لجهودها في ترميم اقتصادنا

جانب من لقاء الرئيس التونسي والوفد المرافق له بقطاع الأعمال السعودي أمس بمجلس الغرف بالرياض (تصوير: إقبال حسين)
جانب من لقاء الرئيس التونسي والوفد المرافق له بقطاع الأعمال السعودي أمس بمجلس الغرف بالرياض (تصوير: إقبال حسين)

كشف الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، عن خطة بلاده لرسم خريطة طريق سياسية واقتصادية وأمنية، للخروج بها من الوهدة التي ألمت بها مؤخرًا، منوها بأن زيارته للسعودية تهدف في المقام الأول إلى بث رسالة واضحة بشأن عمق العلاقات الثنائية، وتطابق الرؤى المشتركة، وأن السعودية تعد ركيزة الأمن العربي، متطلعا إلى جهودها في ترميم اقتصاد بلاده.
وأكد السبسي أن بلاده تجاوزت وستتجاوز بفضل دعم الأشقاء، خصوصًا السعوديين، كل الأزمات، مبينا أن تونس مقبلة على مرحلة جديدة من التطور والنماء بفضل القوانين والإصلاحات الكثيرة التي يجري عملها، مقرا في الوقت نفسه بالحاجة إلى العمل المشترك للنهوض بشكل تصاعدي بالعلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وأوضح السبسي أن بلاده تتلمس طريقها - حاليا - لتستنهض مقوماتها الاقتصادية والسياسية، في ظل التوافق الذي خرج بالبلاد إلى بر الأمان، مشددا على ضرورة الاهتمام بالشراكات بين القطاعين العام والخاص، على المستوى المحلي، وعلى مستوى قطاع الأعمال بين الرياض وتونس.
وأكد الرئيس التونسي، رغبة بلاده في تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع السعودية، مبينا سعيه للانفتاح على الاستثمارات السعودية، مبديا حرصه على دعم جهود حل المعوقات التي تواجه المستثمرين السعوديين في تونس، مقرا بحاجة بلاده إلى مشاركة قطاع الأعمال السعودي في تطوير مشروعات استثمارية هناك.
وأوضح الرئيس السبسي، أن هناك اتجاها نحو تعميق الشراكة بين القطاعين العام والخاص من خلال قانون يتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، يتيح للدولة أن تعهد للقطاع الخاص بتنفيذ مشروعات بنية تحتية ومشروعات كبرى، مشيرا إلى ترحيب بلاده بالاستثمارات السعودية، وخص بالذكر القطاع الزراعي في تونس.
من جهته، نوه الدكتور عبد الرحمن الزامل، رئيس مجلس الغرف السعودية بالواقع التجاري، لافتا إلى ارتفاع التبادل التجاري السلعي بين البلدين من 179 مليون دولار في عام 2010 إلى 320 مليون دولار في عام 2014، أي بمعدل نمو بلغ نحو 79 في المائة، خلال السنوات الأربع الماضية، بمتوسط نمو سنوي بلغ 20 في المائة، في وقت أصبحت فيه السعودية ثالث مستثمر عربي في تونس.
وأوضح الزامل، أن بلاده ترحب بالاستثمارات التونسية في ظل إنفاق حكومي مخطط في السعودية يزيد على 300 مليار دولار سنويا، متوقعا أن يتزايد خلال الأعوام المقبلة، في ظل الخطط التنموية التي تقوم السعودية بتنفيذها في إطار الاستراتيجية بعيدة المدى للاقتصاد السعودي، التي تستهدف تطوير مختلف القطاعات الاقتصادية.
وأكد الزامل أن هناك معوقات تحد من اتساع التعاون والشراكة بين البلدين، منها ارتفاع الضرائب، وصعوبة تأشيرات دخول المستثمرين السعوديين لتونس، وارتفاع تكاليف تمويل المصارف التونسية للمشروعات الاستثمارية التونسية والمشتركة، وصعوبة الحصول على الإعفاء الجمركي لبعض المواد المتعلقة بالمشروعات الإنشائية.
وأقر مجلس الأعمال المشترك، بضعف حجم الاستثمار بين البلدين وضرورة إيجاد آليات جديدة لمضاعفته، مثل إنشاء شركة استثمارية مشتركة برأسمال كبير، منوها بوجود فرص استثمارية كبيرة في كلا البلدين، داعيا إلى الاستفادة من الكوادر التونسية المدربة في المجالات الصحية والزراعية وغيرها.
من ناحيته، كشف محمد الكعلي، رئيس الجانب التونسي، عن إعداد قانون جديد للاستثمار، يشتمل على إصلاحات وحوافز وتقليص من الإجراءات الإدارية، حيث اتفق الطرفان، على إنشاء شركة أو صندوق استثماري مشترك برأسمال عالٍ يدعم من حكومة البلدين ورجال الأعمال السعوديين والتونسيين، مع مقترح لإنشاء شركة للنقل البحري.
بينما قال الرئيس التونسي إن بلاده تقف بشدة إلى جانب السعودية في التحالف الاستراتيجي لمكافحة الإرهاب، وإنها مبادرة موفقة، وإن هذا التحالف يخلق حالة من التضامن معه على الأرض على نطاق واسع من العالم، مشيرا إلى أن السعودية تقف سندا منيعا ضد خطورة المسعى الإيراني في المنطقة، وأن السعودية تلعب دورا أساسيا في التصدي للخطر الإيراني، منوها بأن التضامن بات أمرا ملحا لمواجهة التحديات كافة، مبينا أن الرياض تعي بوضوح ماهية دورها في المرحلة المقبلة ودور العرب وضرورة التضامن والائتلاف والتآزر بهدف الصمود أمام كل التحديات التي تواجه الأمة.
وزاد الرئيس التونسي: «في مثل هذا الوضع، لا يمكن لتونس أن تكون غائبة عن مبادرة التحالف الاستراتيجي لمكافحة الإرهاب، لأننا نقاوم في الإرهاب في الصف الأول، وكل ما أخرنا عن واجباتنا الأخرى هو بسبب الإرهاب الذي استهدفنا بثقافتنا وسياحتنا والحرس الرئاسي».
وحول ما يتعلق بالجدل الذي يدور بتوقيع اتفاقية استثمارية بين تونس وإيران وخطورتها، أوضح السبسي أن السياحة في بلاده منكوبة، بفضل التطرف والهجمات الإرهابية، لكن إيران رجعت إلى المشهد بفعل فاعل الدول العظمى، مشددا على ضرورة عدم تجاهل هذا الوضع، داعيا إلى التضامن العربي للتقية من الخطر الإيراني.
وأضاف: «القيادة السعودية متفهمة متطلبات التطور، وسائرة بخطى ثابتة نحوه، بتضامن عربي، وفي مقدمتها تونس، لأن تونس كانت دائمة في المقدمة، وسنتعهد القيام بنصيبنا بمقاومة التطرف والإرهاب بما في ذلك إرهاب (داعش)، لأنه ملة واحدة»، مهنئا المرأة السعودية بنجاحاتها في الانتخابات الأخيرة، مبينا أن القيادة السعودية تنظر دائمًا إلى المستقبل وفي تقدم مستمر.
ولفت إلى أن حرب الإرهاب بالجيوش والأمن لا تكفي، ولا بد من محاربته بالثقافة والقلم، وبالتعاون الاقتصادي، من خلال خلق المناخ الملائم للاستثمارات، مشيرا إلى أن المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين تونس والسعودية رجع إلى وضعه الطبيعي، وينبئ بآفاق واعدة، مبينا أن البلدين وقعا عددًا من الاتفاقيات الاقتصادية والدفاعية لتعزيز العلاقات الثنائية.
ومن ناحية ما يتعلق بظهور التكتلات السياسية في تونس، بما فيها تكتل المرزوقي، أوضح السبسي أن المشهد السياسي تطلب قيام «نداء تونس»، في وقت كان فيه حزب مهيمن ومعه أحزاب أخرى على الوضع، لشيء في نفس يعقوب، مشيرا إلى أن الساحة تترقب ما سيفصح عنه نشاط المرزوقي.
وزاد: «كان من الضروري أن ندخل في المشهد السياسي كشيء من التوازن، وهذا تحقق، والنتيجة أن (نداء تونس)، أصبح الحزب الأول أمام أحزاب أمضت 30 عامًا بين الكفاح والسجون، فمشكلة العرب تكمن في الزعامة، إذ لا يمكن للإنسان في عشية وضحاها أن يصبح زعيما، فالحبيب بورقيبة أمضى 14 سنة بين السجون والمنفى».
وقال السبسي، خلال لقاءين عقدهما مع وسائل الإعلام المحلي والدولي، وكذلك مع ممثلي قطاع الأعمال السعودي في مقر مجلس الغرف السعودية بالرياض أمس: «نحن ضد الإقصاء، لكن لا يعني أن من يأتي من جديد سيتحكم في المشهد السياسي، لقد غبت عن المشهد السياسي منذ 21 عامًا، ولكن رجعت بعد الثورة، وأحافظ عليها من الانزلاق، والتاريخ يشهد أن هناك ثورات أهم من الثورة التونسية، لكنها انتهت بالدماء وتصفية الحسابات والقتل والشنق».
وأضاف: «الثورة التونسية كانت لأسباب اجتماعية، منها البطالة الكبيرة بين الشباب المتعلم والفقر وتهميش مناطق كبرى داخلية، ولكن الوضع هذا لو يستمر فهو الذي يعطي القوة للتطرف، وقوى مثل (داعش) وغير (داعش)، ودورنا الأخذ بروح الثورة الحقيقية في القضاء على أسبابها الحقيقية، وتونس سائرة في هذا الاتجاه».
وقال السبسي، في تصريحات صحافية، إن «تونس تسترجع مكانتها الحقيقية في الأبعاد العربية والإسلامية، ودول الخليج هي في المقدمة، وهو بعدنا الحقيقي، فعلاقاتنا مع السعودية من وقت الملك عبد العزيز، ونحن امتداد لهذا البعد»، مشيرا إلى أن «الربيع العربي اختراع أوروبي، غير أنه كان لا بد من تأخر البلاد العربية عن نظيرتها الأوروبية».
وعن واقع الجامعة العربية، قال السبسي: «الجامعة العربية مرت بفترات مختلفة، من وقت نشأتها، حصلت خلالها مشكلات وخلافات بين الزعماء، في ظل تفاقم مشكلة فلسطين، وفي وقت ما كل اجتماعاتنا كان ينتهي بالخلافات والتناحر من وقت جمال عبد الناصر، ومع ذلك تعد الجامعة خيمة العرب، ولا بد من إصلاحها».



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.