محمد المّر: كاميرتي وقعت في غرام «جزيرة القرنفل»

معرضه الفوتوغرافي أول نشاط فني له بعد انتهاء رئاسته للمجلس الوطني الاتحادي الإماراتي

من المعرض
من المعرض
TT

محمد المّر: كاميرتي وقعت في غرام «جزيرة القرنفل»

من المعرض
من المعرض

أشجار النرجيل والمانغو، قوارب خشبية، صيادو السمك والحبّار والسردين، شواطئ صخرية، غابة البهارات، فضاءات زرقاء، أسواق شعبية، باعة خضراوات، قصر بيت العجائب، أبواب قديمة مزخرفة، عمارة القرن الثامن عشر، صنّاع السفن، والساعة القديمة، كل هذه العناصر شكلّت معرض الصور الفوتوغرافية الأول، الذي نظم أخيرًا في أروقة «ندوة الثقافة والعلوم» بدبي للأديب والفنان الإماراتي محمد المّر، المثقف المعروف بشغفه بالثقافة والفنون؛ من كتابة القصة إلى اقتناء لوحات الفن التشكيلي وروائع الخط العربي. وهذا المعرض أول نشاط له بعد تفرغه وانتهاء مدة ترؤسه للمجلس الوطني الاتحادي (البرلمان) في الإمارات.
من المعروف، أن ذاكرتنا العربية تحتفظ باسم جزيرة زنجبار منذ أن أطلق شهرتها أبو الحسن المسعودي في القرن الرابع الهجري ووثق جانبًا من رحلته في كتابه «مروج الذهب»، وكذلك أمير الرحالة «ابن بطوطة» الذي سافر من ميناء عدن اليمني إلى سواحل أفريقيا الشرقية كما في كتابه الشهير في رحلاته المعروفة. ولا ننسى أن تمازج العرب مع الأفارقة سكان السواحل أدى إلى تأثيرات ثقافية إيجابية متبادلة في مجال اللغة والأدب والموسيقى والغناء.
ويأتي هذا السفر الفوتوغرافي لكي يوثق جانبًا من هذه التأثيرات المتبادلة بيننا وبين الأفارقة، بعين الفنان التشكيلي، وقلب الشاعر، ورؤية السارد، عبر كاميرته (ليكا) التي يحتفظ بها منذ أعوام. رؤية بصرية أضاءت ما كان مجهولاً، واقتناص لحظات إنسانية في حياة بشر يعيشون في الظل من زوايا متنوعة، بألوان صاغتها ريشة فنان إذ لا تكفي التقنيات الحديثة دون براعة ومهارة ورؤية، وهذا ما يجعل عدسة الفنان تختلف عن عدسة العابر.
توجهنا بالسؤال عن سبب اختياره لزنجبار من بين جزر العالم، هل ثمة علاقة عاطفية تربط الفنان بها، فأجابنا: «سحرتني جغرافية تنزانيا بجغرافيتها المتنوعة، وجزيرة زنجبار بجمالها، إضافة إلى عراقة تاريخها وعلاقتها التاريخية مع منطقتنا في الخليج والجزيرة العربية. كنت أتمنى زيارتها منذ زمن طويل.
ولكن انشغالات الحياة والعمل حالت دون ذلك، إلى أن سنحت لي الفرصة في شهر يونيو (حزيران) الماضي وتحقق حلمي القديم». ولعل أول ما يتبادر إلى أذهننا في رؤية الصور الفوتوغرافية المعلقة في المعرض هو التساؤل: كيف جذبت زنجبار الأديب والفنان ليحوّل حياتها إلى لقطات فنية؟ يقول محمد المّر: «الأحياء القديمة والتاريخية في الجزيرة، التي يطلقون عليها (مدينة الحجر) تُذّكرنا بأزقة وحواري المدن الخليجية في أزمنة غابرة وهادئة وجميلة، هي التي جذبتني في الدرجة الأولى. كما سحرتني الخضرة الموجودة في غابات البهارات، بجمالها العذري وأشجارها، وخصوصا أشجار البهارات، بمختلف أنواعها وأشكالها، وتأتي في الدرجة الأولى، شجرة «القرنفل» التي سميّت بفضلها زنجبار بجزيرة القرنفل».
من الملاحظ أن الصور الفوتوغرافية تركز على الحياة اليومية لهذا الشعب الذي لا نعرف عنه الكثير رغم قربه منا، من التسوق وصيد الأسماك والزراعة وغيرها، لماذا هذا الشغف بحياة الزنجباريين؟ «لأن شعبها يتميز بروح حيوية ونابضة. وما أعانني في ذلك توقيت الزيارة في فصل الشتاء عندهم، وهو معاكس للوضع المناخي عندنا بفعل وقوع زنجبار في جنوبي خط الاستواء، وهذا ما منحني فرصة ذهبية لالتقاط حياتهم اليومية وهم يمارسونها بكل عفوية وصدق وانسيابية».
تتميّز صورك الفوتوغرافية بالوجوه التي تظهر ناصعة، وملامحها حادة ومعبّرة، لماذا التركيز على ملامح الوجوه؟ «تميّزت الوجوه التي قابلتها هناك بجمالها وحيويتها، وهو ما يطلق عليه الإنجليز «فوتو جينيك» أي الوجوه الصديقة للكاميرا، ومناظر زنجبار برمتها جميلة بتراثها المعماري العريق، وشواطئها الجميلة وغاباتها الفاتنة، بحيث إن أي كاميرا لا تستطيع إلا أن تقع في غرام هذه الجزيرة الساحرة وسكانها اللطفاء والكرماء».
يبدو من خلال صور المعرض أن يد التخريب الإنساني لم تصل إلى طبيعة هذه الجزيرة التي تحتفظ بألقها وبراءتها وعذريتها لحد الآن. «لكن علماء الطبيعة والمناخ يقرعون أجراس التحذير من أزمة القضاء على الغابات الاستوائية، هذه الرئة التي يتنفس منها كوكب الأرض، والتي تحمل أشجارها ليس فقط البهارات التي تحسّن مذاق طعامنا بل الكثير من النباتات التي تدخل في صناعة الأدوية التي تنقذ حياة الملايين من البشر. وتزّين شواطئ زنجبار الرملية والصخرية أشجار جوز الهند الباسقة، بجماليات الطبيعة الاستوائية، وتتنوع فيها التضاريس العجيبة، وهي تطل في مختلف جوانب الجزيرة الشرقية على المحيط الهندي، فيما تطل جوانب الجزيرة الغربية على قنال زنجبار. ويعتمد الرحالة والتجار على نظام الرياح الموسمية التي كانت تساعد السفن الشراعية على القيام بالرحلات».
ركز الأديب والفنان محمد المّر على الحياة اليومية والصناعات التقليدية والطرق القديمة التي يسلكها سكّان الجزيرة، إذ لم تمتد إليهم الحياة الحديثة بعد، كما يتميّز هؤلاء السكان بأصولهم المختلطة الأفريقية والعربية والفارسية والهندية، وهذا ما منح الصور الفوتوغرافية مسحة جمال خاصة، هل جذبتك هذه الحياة لتلخصها في معرضك؟ «جذبتني طريقة حياتهم العفوية، فهم ينخرطون بحماسة في تطوير جزيرتهم الجميلة من خلال الصناعات التقليدية، وبناء السفن الخشبية وصيد الأسماك والتجارة والنقل، نرى النجارين وانهماكهم في بناء أو إصلاح وترميم السفن الخشبية بأحجامها المختلفة، وكثافة الغابات التي يصنعون منها الأثاث والأبواب بروائع النقش والحفر التي أبدعتها أنامل الصناع الزنجباريين عبر العقود الزمنية الماضية. وأصبحت تلك الأبواب من التحف التي يتنافس مقتنو التحف والفنون على اقتنائها حتى أصبحت نادرة في أسواق التحف والأنتيك في المدينة القديمة. وفي أسواق السمك والخضراوات والفواكه تدخل في خضم الحركة اليومية لسوق المأكولات التي تزين المائدة الزنجبارية بأكلات لذيذة طبيعية تشبه الكثير من أنواعها المأكولات الخليجية. وقد جلب سكانها ورحالتها وتجارها من الهند وجزرها والملايو محاصيل من المنطقة الاستوائية مثل المطاط وجوز الهند والمانغو والقرفة وجوز الطيب والقرنفل».
هل يمكن الحديث عن العلاقات الثقافية التي تربط بين زنجبار وبلدان الخليج؟ يجيب المّر: «بالتأكيد، ترتبط الموسيقى والطرب في زنجبار ارتباطًا وثيقًا بالموسيقى العربية وأشهر المطربات الزنجباريات ستي بنت سعد (1880 – 1950) غنت الألحان العربية باللغة السواحيلية، وفاطمة بنت بركة بيكيدوردة (1910 - 2013) التي تأثرت بالموسيقى العربية والغناء العربي، وغنّت باللغتين السواحيلية والعربية، واستطاع الفن الزنجباري أن يمزج في تجربة فنية مميزة وخاصة بين الموسيقى الأفريقية والعربية والتأثيرات الأوروبية».
يبقى أن نقول إن عدسة الأديب والفنان محمد المّر ذهبت بعيدًا في تصوير جماليات زنجبار، بذاكرة بصرية دقيقة، في سبر أغوار عالمٍ زاخر بالألوان والظلال والضياء، فقدم لنا بانوراما تشكيلية أكثر مما هي فوتوغرافية، يتناظر فيها الواقعي والخيالي في إطار الصورة اللوحة، لعالم أشبه ما يكون بالأسطورة يتشكّل يوميًا لكنه لا ينتهي.



الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي
TT

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

تصدر قريباً الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي كمال سبتي (1955 - 2006)، أحد أهم شعراء ما عُرف بجيل السبعينات في العراق. متضمنة ثمانية دواوين، مستهلةً بديوان «وردة البحر ـ 1980»، ومختتمةً بـ«صبراً قالت الطبائع الأربع ـ 2006». هنا نص مقدمة هذه الأعمال التي ستصدر عن «دار جبرا للنشر والتوزيع ـ الأردن»، وبالتعاون مع «دار النخبة للتأليف والترجمة والنشر - لبنان».

وقد كتب مقدمة المجموعة الكاملة الشاعر العراقي باسم المرعبي، التي جاءت بعنوان «كمال سبتي... المرافعة عن الشعر» ويقول فيها:

«يحتاج شعر كمال سبتي، بالمجمل، إلى جَلَد عند قراءته، فهو على نقيض الكثير مما هو شائع من تقنيات شعرية تعتمد البساطة والعفوية والمباشرة، مع عدم تسفيه هذه النزعات الأسلوبية، طالما أن الشعر كقيمة وجوهر يبقى مُصاناً، غير منتهَك به. على أنّ إشاحة الشاعر عن مثل هذا الاتجاه ومخالفته، لم يجعل شعره غامضاً أو عصيّاً.

شعر مثقل بالمعنى ومزدحم به، لأنه ذو مهمة توصيلية، وهو يتطلب إصغاءً وإعمال فكر. والقصيدة لدى كمال معمار ذهني - فكري ونفسي، في الآن ذاته، يستمدّ فيها الشاعر مادته من مغاور النفس والسيرة الشخصية، فضلاً عن استثمار راهن التجربة الحياتية، مشظّياً كلّ ذلك في النص، صراحةً أو رمزاً. دون أن يستثني مادة الحلم من استثماره الفني والموضوعي، وهو ما يُتبيَّن أثره في نصوصه، لا سيّما النصوص النثرية الطويلة، المتأخرة، ليتصادى ذلك مع قراءات الشاعر في الرواية أو اعتماده السينما مصدراً مفعّلاً في كتابته الشعرية. وعن هذه الأخيرة قد أشار إلى ذلك الشاعر نفسه في واحد من الحوارات التي أُجريت معه، ليرقى كلّ ذلك إلى أن يكون جزءاً عضوياً من تجربته الحياتية، الذهنية هذه المرة، مُسقَطة بالمحصلة على القصيدة، لتنعكس خلالها حركةً وتوتراً درامياً. وهو ما ينسحب بالقدر ذاته على نزوع الشاعر في سنواته الأخيرة إلى قراءات في التصوف والقرآن والتراث، ما نجمَ أثره بشكل جلي، في مجموعته الأخيرة «صبراً قالت الطبائع الأربع»، وإلى حد ما في المجموعة السابقة لها. وهو فارق يلمسه القارئ، إجمالاً، بين المنحى الذي اتخذه شعر كمال سبتي في السبعينات أو الثمانينات وما صار إليه في التسعينات وما بعدها. وعلى الرغم مما ذهب إليه الشاعر من مدى أقصى في التجريب الكتابي مسنوداً برؤية يميزها قلق إبداعي، شأن كلّ شاعر مجدّد، إلا أنه وبدافع من القلق ذاته عاد إلى القصيدة الموزونة، كما تجسد في كتابيه الأخيرين. وكان لقراءاته المذكورة آنفاً، دورها في بسط المناخ الملائم لانتعاش هذه القصيدة، ثانيةً، وقد بدت محافظة في شكلها، لكن بالاحتفاظ بقدر عال ورفيع من الشعرية المتينة، المعهودة في شعر كمال سبتي، وبدافع من روح المعنى الذي بقي مهيمناً حتى السطر الأخير، لأن الشعر لديه مأخوذ بجدية حدّ القداسة، وهو قضية في ذاتها، قضية رافع عنها الشاعر طوال حياته بدم القلب.

تصدر هذه الأعمال في غياب شاعرها، وهو ما يجعل من حدث كهذا مثلوماً، إذ عُرف عن كمال اهتمامه المفرط بنتاجه وتدقيقه ومتابعته، واحتفائه به قبل النشر وبعده، لأن الشعر كان كل حياته، هذه الحياة التي عاشها شعراً. فكم كان مبهجاً، لو أن مجموع أعماله هذا قد صدر تحت ناظريه.

ولأهمية هذه الأعمال وضروة أن لا تبقى رهينة التفرّق والغياب، أي في طبعاتها الأولى المتباعدة، غير المتاحة للتداول إلّا فيما ندر، ولأهمية أن تأخذ مكانها في مكتبة الشعر، عراقياً وعربياً، كانت هذه الخطوة في جمعها ومراجعتها وتقديمها للنشر. وقد كان لوفاء الصديق، الفنان المسرحي رياض سبتي، لشقيقه وتراثه الشعري، دوره الحاسم في حفظ مجموعات الشاعر، ومن ثمّ إتاحتها لكاتب سطور هذه المقدمة، حين تم طرح فكرة طباعتها ونشرها، إسهاماً في صون هذا الشعر وجعله قابلاً للانتشار من جديد، بما يجدر به».

من المجموعة الكاملة:

«الشاعر في التاريخ»

الرجل الجالسُ في المكتبة

مورّخٌ يكتبُ عن شاعرٍ

الرجل الهاربُ في سيرةٍ

مشرّدٌ في الليل كالليلِ

رغيفهُ باردْ

رغيفهُ واحدْ

عنوانه مصطبة

محطّةٌ مغلقةُ البابِ

الرجلُ الخائفُ في سيرةٍ

يغيّر الشكلَ تباعاً، فمرّةً

بلحية كثةٍ

ومرّةً بشاربٍ، ثمّ مرّةْ

بنصفِ قلبٍ حائرٍ في الطريقْ

يسيرُ فوقَ جمرةٍ، ثمّ جمرةْ

تلقيه فوقَ جمرةٍ، في الطريقْ.