العمدة.. «هيبة الماضي» يفقد بريقه في زمن التقنية والحداثة

رغم التحديات.. ما زال صامدًا في الغرب السعودي

دور ثقافي - اجتماعي للعمدة يعقده في مجلسه ({الشرق الأوسط})
دور ثقافي - اجتماعي للعمدة يعقده في مجلسه ({الشرق الأوسط})
TT

العمدة.. «هيبة الماضي» يفقد بريقه في زمن التقنية والحداثة

دور ثقافي - اجتماعي للعمدة يعقده في مجلسه ({الشرق الأوسط})
دور ثقافي - اجتماعي للعمدة يعقده في مجلسه ({الشرق الأوسط})

فرضت التقنية الحديثة والتطور الملحوظ الذي تعيشه السعودية على مدار السنوات الماضية أسلوبا مغايرا عما كانت عليه البلاد في حقب زمنية سابقة، خاصة فيما يتعلق بالتعامل المباشر للمواطنين بالقطاعات الحكومية وإيجاد الحلول لبعض الإشكاليات وإنجاز الكثير من المعاملات من خلال المواقع الرسمية لتلك الجهات دون الذهاب لموقع هذه الإدارة أو تلك.
هذا التغير في المعطيات، والنقلة النوعية، انعكس بشكل أو بآخر على دور «العمدة»، الذي كان حتى فترة قريبة محور ارتكاز للمجتمعات المحلية وتقسيماتها، وكان دوره يفوق حل الخلافات التي تنشب بين قاطني الحي الذي يتزعمه، إضافة إلى دوره الأمني، إذ كان يدير ما يعرف بـ«العسس» وهم رجال أمن في زي مدني يجوبون شوارع الحي لحمايته ليلا، إضافة إلى دوره الثقافي والاجتماعي الذي يعقد في مجلسه «مركاز العمدة».
ورغم هذه العوامل، وتقلص الدور الذي يؤديه العمدة على المستوى العام، ظل العمدة في الشق الغربي من السعودية، متمسكا بهذا التقليد الذي يزيد عمره عن 100 عام، وإن غابت هذه الصورة في باقي مناطق البلاد، صمد العمدة في «مكة المكرمة، وجدة، والمدينة المنورة» في وجه التغيرات والتقدم، وسارع ليواكب هذه المعطيات، وإن تقلصت الأدوار عما كانت في السابق.
هذه الأدوار الحيوية لـ«العمدة» الذي كانت انطلاقتها في جدة، وتبنتها السعودية بشكل رسمي في مطلع الأربعينات من القرن الماضي، وأصدرت نظاما يحدد مهامهم ومخصّصاتهم، حيث صدر ملحق نظام العمد عام 1349هـ ليحدد مهام مسؤوليتهم، وما يقع ضمن محلتهم أو حارتهم، في حين زاد النظام الصادر عام 1363هـ والخاص بمديرية الأمن العام مهام العمد إلى مراقبة السجلات الشخصية والأشخاص المشبوهين، والإبلاغ عن حالات الوفاة المشتبه فيها وعن الدجالين والمشعوذين، وفي عام 1369هـ صدر النظام الثاني لمديرية الأمن العام وتضمن (32) مادة وفقرة لعمد المحلات شملت أغلب مواد النظام القديم بعد تنقيحها لتواكب المستجدات.
يقول طلال الجحدلي، عمدة حي الرويس، إن للعمدة دورًا حيويًا وإن مرت السنين وتغيرت المعطيات، ويتعاظم دور العمدة من خلال نظرة المجتمع الذي يعمل فيه، وقربهم إليه من خلال ما يقوم به من حل الخلافات وإنهاء مشكلاتهم، إضافة إلى دوره الاجتماعي والأمني الذي يلعبه لحماية الحي، كما يعتبره سكان الحي مستشارًا لهم في جميع ما يقع في الحي.
وأضاف الجحدلي، أن تنوع الأدوار واختلافها يختلف من حي لآخر، فعمل العمد ليس على وتيرة واحدة؛ فهناك مناطق يلعب فيها العمدة دورًا مهمًا وملحوظًا، لافتًا أن هذا الدور في تقديم العون والحفاظ على الأمن عرف في البلاد منذ عقود طويلة وكان أحد الركائز في تصريف شؤون مواطني الحي، ولم يغير التطور ما كان يعمل في السابق، فما زال للعمدة صلاحيات وسلطات في الأحياء، ويقوم بدور حيوي في تجميع سكان الحي بشكل عام رغم التوسع في الأحياء، عما كانت عليه في الماضي.
وحول آلية تقليد منصب العمدة، قال الجحدلي، في السابق كانت العملية وراثية في عائلة مرموقة في الحي، تكون حي من يتولى زمام الأمور وإدارة الحي، فإن توفي العمدة، يحل ابنه من بعده وهكذا، وضلت كثير من العائلات التي اشتهرت بهذا المنصب متمسكة به حتى يومنا هذا، ومن ثم جاء نظام التعين من قبل الأجهزة المعنية لعدد من الشباب.
ويضيف العمدة طلال، كان لدى العمدة صلاحيات كبرى ومنها ما يسمى بـ«سجين العمدة»، بحيث إذا أقدم أحد سكان الحي على مشكلة يقوم العمدة بإرساله مع مندوبه إلى قسم الشرطة فيسجن، ويُسمّى سجين العمدة، بحيث لا يطلق سراحه إلاّ بأمر منه، إلا أن هذا الإجراء تلاشى، واقتصر دور العمدة على الإبلاغ عن أي واقعة أمنية تحدث في حيه.
ويعد «المركاز» وهو المكان الذي يجلس فيه العمدة، بصحبة عدد من أعيان ووجهاء الحي، المكان الرسمي للتشاور وتبادل الآراء، وحل كثير من المشكلات التي وقعت في الحي، ورصد المخالفات، وفي الجانب الاجتماعي يلعب هذا المجلس دورًا اجتماعيًا في رصد الحالات الحرجة، والفقراء وأصحاب الاحتياجات والرفع بها إلى الجهات المعنية، مع تقديم العون للمرحلة الحالية.
ويتحول المجلس مع سدول الليل، إلى مجلس ثقافي أدبي، من خلال طرح القصص والحكايات المتوارثة، ويتصدر هذا المجلس كبار السن الذين يعرضون تجربتهم ويسردون عددًا من المواقع والتجارب التي مروا بها، فيما يأخذ الشعر حصته في المجلس وتحديدا الشعر الشعبي، ويعرف في منطقة مكة المكرمة بـ«الكسرة» إضافة إلى الشعر العربي الذي يحاكي تاريخ العرب في العصور السابقة.
وقول المهندس سامي نوار، المختص في المورث الشعبي، إن مفهوم العمدة عرف منذ عهد قديم في جدة على وجه الخصوص، وتطور هذا المفهوم بعد إقرار نظام خاص به، وكان العمدة بحكم التقسيم الجغرافي يدير الحي الذي يقطنه، وغالبا يكون من الأسر المعروفة في هذا الحي، ويقوم بأدوار كبيرة تنصب في خدمة المجتمع الذي يحيط به.
وأضاف نوار، أن العمدة كانت له صلاحيات كبيرة وكثيرة، بخلاف دوره الاجتماعي وحل الخلافات، كان هناك دور أمني، إذ كان العمدة في فترة سابقة يدير «العسس» وله صلاحيات في إحالة أي مخالف للجهات الأمنية، موضحًا أن الدور في الوقت الراهن اختلف في الوقت الراهن مع التطور وتوسع المدن والأحياء.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».