معرض جدة للكتاب يختتم فعالياته وسط عصف ذهني وثقافي

القوة الشرائية وصلت إلى 2.5 مليون دولار

جانب من معرض الكتاب
جانب من معرض الكتاب
TT

معرض جدة للكتاب يختتم فعالياته وسط عصف ذهني وثقافي

جانب من معرض الكتاب
جانب من معرض الكتاب

يودع اليوم «الثلاثاء» ساكنو جدة (غرب السعودية) معرض الكتاب بعد عشرة أيام، وصفت بـ«العصف الذهني والثقافي» لمرتادي المعرض الذين تجاوز عددهم حاجز 800 ألف زائر من مختلف الأعمار والأجناس، وذلك يعود لتنوع الكتب المتناثرة على الأرفف والممرات، إضافة إلى الندوات والأمسيات الشعرية وورش العمل.
ويترقب المثقفون ومرتادو المعرض تراجع اللجنة المنظمة لمعرض جدة الدولي للكتاب عن قرارها، وأن تمدد فترة إقامة المعرض لعدة أيام تتيح لهم الفرصة لاقتناء الكتب، خصوصا أن المدينة تشهد تدفق كثير من الزوار بسبب اعتدال مناخها، ورغبة كثير من سكان جدة الذين لم يتمكنوا خلال الفترة الماضية من زيارة المعرض.
وفي حين لم تعلن اللجنة المنظمة لمعرض جدة الدولي للكتاب حجم مبيعات أكثر من 420 دار نشر، فإن التقديرات وبحسب كثير من العارضين تشير إلى أن أكثر من 45 في المائة من إجمالي زوار المعرض، أي ما يعادل 300 ألف شخص، اقتنوا كتبا أحادية، أو سلسلة لمجموعة من الروائيين، إضافة إلى كتب الأسرة والطفل التي لقيت رواجا في المعرض، وهو ما يقدر حسابيا بأكثر من 9 ملايين ريال (2.4 مليون دولار).
ورغم تنوع المعروض من الكتب، والإقبال على الشراء، فإن اللجنة تلقت شكاوى عدد من دور النشر حول ضعف عمليات الشراء لديها، التي أرجعته اللجنة بعد عملية بحث وتقصي عن الأسباب إلى المبالغة في سعر المعروض من الكتب التي تروج لها تلك الدور، خصوصا أن اللجنة دعت جميع العارضين إلى التقيد بتسعيرة متوسطة طيلة أيام معرض جدة للكتاب، وذلك بهدف فتح المجال أمام لاقتناء الكتب بأسعار متوازنة.
وحقق المعرض إقبالا كبيرا من الزوار، خصوصا الأطفال، بعد أن نظم كثير من المدارس في المراحل العمرية الابتدائية والمتوسطة رحلات إلى المعرض، الأمر الذي زاد الإقبال على مبيعات كتب الأطفال بخلاف المعارض الأخرى، بينما أصبح بعض زوار المعرض يتجولون في الأروقة، ويجلبون معهم حقائب السفر من أجل حمل الكتب التي يتم اقتناؤها من قبل أكثر من 420 دار نشر مختلفة.
وقال الدكتور سعود كاتب، المتحدث الرسمي لوزارة الثقافة والإعلام، عضو اللجنة العليا المنظمة لمعرض جدة الدولي للكتاب، لـ«الشرق الأوسط»: «إن المعرض حقق أهدافه بدفع المجتمع للقراءة والاطلاع بشكل كبير وواسع على المستويات كافة»، موضحا أن المعرض وبحسب الجدول الزمني المتاح له لن يمدد.
واستطرد كاتب أنه من الصعب تحديد حجم المبيعات والإقبال التي سيعكف عليها المنظمون بعد الانتهاء من المعرض لرصد كل الإحصاءات المتعلقة بالمعرض التي ستشمل حجم المبيعات ونوعية الكتب الأكثر إقبالا، مستدركا بأن الإقبال كان متميزا ويفوق كل التوقعات، وغالبية الناشرين أكدوا خلال لقائهم ارتفاع حجم مبيعاتهم في المجالات كافة، ولم تقتصر على مجال بذاته. وأضاف عضو اللجنة العليا المنظمة للمعرض أن بعض الناشرين اشتكوا من تدني حجم مبيعاتهم من الكتب، واتضح من خلال البحث أن السبب وراء ذلك يعود إلى تسعيرة الكتب التي كانت مرتفعة ومبالغا فيها، مقارنة بما هو معروض من قبل دور نشر أخرى، موضحا أن «المستهلك أصبح واعيا بكل ما يحدث، خصوصا أنه يجد ذلك الكتاب بسعر منافس في موقع آخر من المعرض، وهذا ما نبهنا الناشرين إليه، بضرورة الالتزام بالأسعار المعقولة لإيجاد المنافسة وترغيب الزائر في الاقتناء دون مبالغة في ما يعرض».
وحول ما إذا كانت اللجنة قد منعت دخول كتب وتسويقها ضمن المعرض، قال كاتب: «إن كل المعارض حول العالم تكون فيها كتب عليها ملاحظات وتحفظات من قبل اللجنة المنظمة، ويتضح فعلا أنها ملاحظات سليمة، فبالتالي يجري التعامل معها، وهذا ما حصل في معرض جدة الدولي للكتاب».
وشدد عضو اللجنة العليا المنظمة لمعرض جدة الدولي للكتاب على أن مدينة جدة لم ينقطع عنها الحراك الأدبي والثقافي طيلة السنوات الماضية، إلا أن معرض جدة الدولي للكتاب أضاف إلى هذا الحراك كثيرا ونقله نقلة نوعية مختلفة تماما، وستكون مدينة جدة بوجود هذا المعرض في السنوات المقبلة منبرا للحراك الثقافي تشد إليه الرحال من مختلف المدن.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».