ليبيا الجديدة تبحث عن عاصمة

اتفاق الصخيرات.. دعم دولي وشكوك محلية

ليبيا الجديدة تبحث عن عاصمة
TT

ليبيا الجديدة تبحث عن عاصمة

ليبيا الجديدة تبحث عن عاصمة

يقول وهو يضع ساقًا فوق ساق، إن أبسط القواعد في أي دولة في العالم أن يكون لدى السُلطة قوة مسلحة تحميها وتنفذ قراراتها. ولا يبدو أن الحكومة الليبية الجديدة التي جرى الإعلان عنها في «اتفاق الصخيرات»، مساء يوم أول من أمس (الخميس)، تملك أي قوات تذكر تمكنها من الوصول إلى مبنى البرلمان في طبرق، في شرق البلاد، لكسب الثقة من المجلس التشريعي وحلف اليمين، أو إلى العاصمة طرابلس لمباشرة أعمالها.
ويقول عيسى عبد المجيد، مستشار رئيس البرلمان الليبي، لـ«الشرق الأوسط»، إن الأمر أكثر تعقيدًا من صيحات الابتهاج التي أبداها بعضٌ ممن وقعوا على الاتفاق تحت رعاية الأمم المتحدة وفي حضور ممثلي عدة دول عربية وأجنبية.. «حكومة الصخيرات ولدت ميتة».
لكن الإعلان عن الحكومة الجديدة برئاسة فايز السراج، حظي بمباركة الكثير من الأطراف الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا، ومن دول الجوار مصر، بالإضافة إلى تركيا وقطر والإمارات. فهل يمكن للتوجه الأممي المؤيد لفريق السراج أن يؤدي إلى إقناع باقي الأطراف الليبية الفاعلة بالالتفاف حول الحكومة التي جاءت بعد مفاوضات ماراثونية استمرت طوال عام ونصف العام.
ويكشف أحد القيادات الليبية القريبة من اتفاق الصخيرات عن أن اسم السراج لم يكن مطروحًا من البرلمان، وإنما كان الاسم المقترح، في مرحلة سابقة، هو السياسي الليبي المعروف، عبد الرحمن شلقم، رغم عدم حماس الأخير لشغل هذا الموقع في ظل الظروف المعقد التي تمر بها البلاد. كما كانت هناك أسماء أخرى طفت على السطح دون علم البرلمان أو «المؤتمر الوطني».
ومن جانبه، يضيف إبراهيم عميش رئيس لجنة المصالحة الوطنية ورئيس لجنة خريطة الطريق في البرلمان الليبي، لـ«الشرق الأوسط»، عن أن الألماني مارتن كوبلر، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، سار على نفس الطريق الذي كان يسير فيه سلفه، الإسباني برناردينيو ليون. ويقول إن ليون كانت له أخطاء، وأن كوبلر لم يتجنبها، وإنما أسس عليها مفاوضاته التي انتهت إلى الإعلان عن حكومة السراج.
ووفقًا لمشاركين في مفاوضات اللحظات الأخيرة، فإن كوبلر أضاف بعض اللمسات لتجميل المشهد، من بينها زيارته لعدة دول معنية بالشأن الليبي، وعقده لقاءً مع قائد الجيش الفريق أول خليفة حفتر، لـ«الإيحاء بأنه موافق، رغم أن هذا أمر غير حقيقي». لقد وقعت خلافات، من خلف الستار، أدت إلى إعلان كل من البرلمان و«المؤتمر الوطني» المنتهية ولايته إلى رفض الاتفاق في نهاية المطاف. ويقول عميش الذي حاول أثناء كوبلر، حين قابله في تونس، عن التسرع في توقيع الاتفاق: كان الرجل متعجلاً.
ويستند البرلمان المعترف به دوليًا على قوة عسكرية تتمثل في الجيش الوطني الذي يقوده حفتر، بينما يعتمد «المؤتمر الوطني» الذي يعمل من العاصمة طرابلس على قوات من الميليشيات والكتائب المسلحة. ويقول مسؤول عسكري في الجيش، إن غالبية «القوى المسلحة» في بنغازي وطرابلس ترفض استقبال حكومة السراج حتى الآن، في إشارة إلى القوات المسلحة المدعومة من البرلمان، والتي يتركز وجودها في شرق البلاد، وبعض المناطق في الغرب والجنوب، وكذلك قسم كبير من ميليشيات العاصمة.
جرى توقيع الاتفاق في قاعة مؤتمرات بلدة الصخيرات المغربية بين وفدي أطراف الحوار الليبي، بمشاركة كوبلر. ومن أبرز من وقعوا عليه نائب رئيس البرلمان، محمد شعيب، ونائب رئيس «المؤتمر الوطني» (المنتهية ولايته)، صالح المخزوم. لكنّ كلاً من البرلمان و«المؤتمر» قالا إنهما لم يفوضا شعيب ولا المخزوم بالتوقيع، وإن الرجلين كانا موفدين من البرلمان و«المؤتمر»، بالفعل، أثناء تولي ليون مهمة إجراء الحوار بين الليبيين في السابق، وإن مهمتهما انتهت. ولم يكلف أي منهما أي مفاوضين جدد. ويؤكد عميش: «البرلمان لم يكلف أحدًا بحضور اتفاق الصخيرات».
وعلى العكس من ذلك، كان مكتب رئيس البرلمان، المستشار عقيلة صالح، ومكتب رئيس «المؤتمر الوطني»، السيد نوري أبو سهمين، وهما خصمان سياسيان لدودان منذ الاقتتال الذي وقع حول العاصمة العام الماضي، قد كلفا رجلين آخرين بقيادة مقابلة هي الأولى من نوعها بين ممثلين للبرلمان و«المؤتمر»، وتمت بالفعل في تونس قبل اجتماع الصخيرات بعدة أيام.
ويقول عميش الذي كان ممثلاً عن البرلمان في هذه المهمة، إنه حين التقى كوبلر في تونس أخبره بأن الطرفين اللذين لم يتمكن ليون من جمعهما طوال شهور المفاوضات السابقة، قد التقيا بالفعل ها هنا في تونس، وإن عليه أن ينتظر حتى ينفذا بنود وثيقة التفاهم التي توصلا إليها، ومن بينها الاحتكام إلى دستور ليبيا الصادر عام 1951 وتعديلاته في عام 1963، بعد تنقيحه، وإنه توجد جهود لإجراء لقاء بين المستشار صالح والسيد أبو سهمين، لتسهيل مهمة الأمم المتحدة في عقد مصالحة بين الليبيين.
يبدو أن الوضع أمام كوبلر لم يكن يتحمل المزيد من الانتظار. فليبيا كما قال كوبلر نفسه في كلمته عقب توقيع اتفاق الصخيرات، تعاني من مشكلات كبيرة وتحتاج إلى حكومة توافق وطني لكي تنتهي من حسم الكثير من الملفات ومن بينها الأمن والاقتصاد. ويقول أحد المشاركين في اللقاء: «كوبلر لا يعمل منفردًا. توجد دول كانت تضغط بقوة من أجل إنجاز الاتفاق والإعلان عن حكومة توافق ليبية. كان هذا واضحًا من الاجتماع الذي عقد في روما قبل اجتماع الصخيرات بثلاثة أيام». ويقول عيسى عبد المجيد مستنكرًا الاتفاق: «من أين ستعمل الحكومة الجديدة؟ هل من المنفى؟ لا مكان لها بين الليبيين».
ومن جانبه، أكد كوبلر في كلمته، أن اتفاق الصخيرات بداية رحلة صعبة لبناء دولة ديمقراطية، وتعهد بأن يدعم المجتمع الدولي الحكومة الجديدة، وأقر بأن الاتفاق لا يرضي الجميع، لكنه قال إن «البديل أسوأ بكثير»، في إشارة إلى حالة الفوضى العارمة التي تضرب البلاد، بسبب انتشار التنظيمات المتطرفة ومن بينها تنظيم داعش.
لقد أصبحت ليبيا مصدر تهديد لدول الجوار والدول الواقعة على البحر المتوسط. وأضاف المبعوث الأممي أنه على رأس الأولويات معالجة الوضع الأمني وإنهاء الأزمة في بنغازي التي تشهد حربًا بين الجيش الوطني والتنظيمات المتطرفة. لكن عبد المجيد يقول إن المجتمع الدولي لو كان قد رفع الحظر عن تسليح الجيش لجرى حسم الحرب ضد المتطرفين بمن فيهم «داعش».
ورغم ما أعلنه البرلمان من أنه لم يشارك في اتفاق الصخيرات، فإن النائب شعيب، الذي كان معروفًا بتوجهاته اليسارية المتشددة أيام حكم معمر القذافي وسجن سنوات لهذا السبب، جرى التعامل معه في مراسم التوقيع باعتباره ممثلاً عن البرلمان. وقال على هامش اتفاق الصخيرات: «إنه اتفاق لكل الليبيين. والحكومة سيدعمها المجتمع الدولي. كما تعامل اجتماع الصخيرات مع المخزوم، وهو من أعضاء حزب البناء والتنمية التابع لجماعة الإخوان في ليبيا، كمندوب عن (المؤتمر الوطني)». وقال المخزوم إن «الظروف التي يمر بها الوطن دفعت الجميع للمجيء والموافقة».
ينص الاتفاق على تشكيل حكومة توافق تقود مرحلة انتقالية لمدة عام تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية. كما تضمن توسيع المجلس الرئاسي (من الحكومة نفسها) من ستة إلى تسعة أشخاص، رئيس وخمسة نواب وثلاثة بدرجة وزير دولة. وأفرز الاتفاق بشكل عام ثلاث مؤسسات لإدارة الدولة هي «مجلس النواب (البرلمان الحالي)»، و«مجلس الدولة (مجلس استشاري مستحدث ويضم غالبية أعضاء «المؤتمر الوطني» المنتهية ولايته)»، إلى جانب «المجلس الرئاسي (الحكومة)». ويقول عميش: «من سيعطي الشرعية لهذا الاتفاق؟ نحن نرفضه».
وتتعلق أهم مخاوف المجموعات المساندة لقائد الجيش، حفتر، ويوجد معظمها في شرق البلاد، من البنود الواردة في اتفاق الصخيرات والتي تقضي بنقل جميع الصلاحيات العسكرية والأمنية، إلى المجلس الرئاسي. بينما تنصب مخاوف المجموعات التي تساندها كثير من الميليشيات في طرابلس، من إقصاء قادتها من المشهد في المرحلة المقبلة، خاصة بالنسبة للمتشددين الذين بادروا بوصم الحكومة الجديدة بأنها حكومة نصبها الأجانب على ليبيا. ومع ذلك تبدو الخلافات بشأن حكومة السراج أكبر مما يظهر في الواقع.
يقول محمد الورفلي، الرئيس السابق للجنة القانونية لمؤتمر القبائل الليبية، لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه الحكومة، رغم ما قيل عن أنها تمثل كل الليبيين، فإنها في الحقيقة «حكومة غير توافقية بالمرة». ويضيف: «حتى ما بين الأطراف المستهدفة بالتوافق، لا يظهر أنه يوجد ثمة توافق، وهي أطراف (17 فبراير)، أي البرلمان و(المؤتمر الوطني)»، في إشارة إلى المجموعتين اللتين شاركتا في قتال نظام القذافي بمساعدة حلف الناتو طوال ثمانية شهور من عام 2011.
ويتابع الورفلي قائلا إن كلاً من البرلمان و«المؤتمر» يدعي أن هذه الحكومة لا تمثله.. «مجلس النواب في طبرق من خلال رئيسه صالح، أعلن أن الذين وقعوا على هذه الاتفاقية لا يمثلون مجلس النواب، وليس لديهم تفويض من المجلس، وهو يقصد بذلك محمد شعيب الذي كان رئيسًا لفريق الحوار إبان فترة ليون. وبهذا يكون صالح قد سحب البساط من تحت أقدام الذين كانوا يوقعون باسم مجلس النواب، لعدم اعترافه بأي شرعية يمثلها هؤلاء، وأنهم يمثلون أنفسهم فقط».
ويوضح أن «المؤتمر» برئاسة أبو سهمين، أعلن في بيان رسمي أن الذين يوقعون في الصخيرات لا يمثلون «المؤتمر».. «بل إن (المؤتمر) سوف يحيلهم إلى محاكم تأديبية لتجاوزهم الاختصاصات وتوقيعهم باسم (المؤتمر الوطني) في اتفاق الصخيرات. هذا المشهد الأول يدل على أنه حتى المستهدفون بالتوافق من البرلمانيين غير متفقين على هذه الحكومة».
ويقول الورفلي، إن هذا الواقع الجديد «يعطي مؤشرًا آخر على أن هذه الحكومة هي عبارة عن حكومة إضافية.. أي أن ليبيا كانت تعاني من وجود حكومتين وفي الوقت الراهن أصبحت تعاني من وجود ثلاث حكومات»، مشيرًا إلى أن الأمر لا يقتصر على هذا، بل إن «قادة الميليشيات الإسلامية ومفتي البلاد (مقره طرابلس) المحسوب على التيار المتشدد، أعلنوا منذ اليوم الأول أن هذه الحكومة غير شرعية». وهذا الأمر ينطبق أيضًا على المنطقة الشرقية، كما يوضع الورفلي، قائلاً إن هناك ميليشيات ورؤساء بلديات، إضافة إلى الجيش الذي يقوده حفتر، ليسوا مع حكومة اتفاق الصخيرات.
ويقول مصدر في الجيش الليبي، إن موقف حفتر «حتى الآن يميل إلى موقف البرلمان الرافض للاعتراف بمخرجات حوار الصخيرات». وكان حفتر قد قدم في لقائه مع كوبلر في منطقة عسكرية قرب بنغازي، 12 شرطًا للموافقة على الحكومة الجديدة. ويقول المصدر نفسه، إن قائد الجيش الوطني لم يتلق من كوبلر ما يفيد تضمين مطالبه في اتفاق الصخيرات، لكنه أضاف أن المؤشرات تقول إنه لم يجرِ وضعها في الاعتبار، وإن الجانب الإيجابي الذي يمكن التعويل عليه لتطمين حفتر، هو تعيين ابن بنغازي المقرب له، علي القطراني، في حكومة التوافق كنائب لرئيس الوزراء. مع أن البعض يرى أن هذه الخطوة قد تكون محاولة لاستخدام اسم القطراني لشق الصف بين الموالين لحفتر نفسه، سواء داخل البرلمان أو خارجه. ويقول عميش: «كثير من الإجراءات ما زالت غامضة.. أعتقد أنه يوجد تعمد وراء هذا الوضع».
ويقول الورفلي، إن ما جرى في الصخيرات مربك، ويفتقر لإجابات كثيرة.. «هل جرى وضع النقاط الـ12 التي قدمها حفتر لكوبلر في الاتفاق أم لا.. وأين النظام السابق مما جرى (أي أنصار القذافي)، وهم الذين يشكلون نصف السكان أو أكثر من نصف السكان. كل هذه الأشياء، الآن، غير معلومة». وعن الشروط التي يرى أنه ينبغي أن تنفذها الحكومة الجديدة لكي تتجاوز كل هذه العقبات والمشكلات؟ يزيد الورفلي موضحًا أنه «لا بد أن يكون لديها برنامج عمل وخريطة طريق. الحكومة المزعومة حتى الآن ليس لديها أي برنامج».
ويضيف أن الغريب في الأمر أن السراج الذي تم تكليفه برئاسة الحكومة عندما تحدث في المؤتمر الصحافي لاتفاق الصخيرات اكتفى بالقول إنه ينادي الليبيين بالتوحد، ولم يقدم أي برنامج، بينما كوبلر تحدث عن صندوق لدعم بنغازي ومكافحة الإرهاب ومحاربة «داعش» وعن مشروعات التنمية وعن الأمن وعن المصالحة الوطنية.. «وكأن الذي يحمل برنامج الحكومة هو كوبلر. هذه وصمة عار وهذا مؤشر غير إيجابي من جانب الحكومة الجديدة».
ومن جانبه، يقول مستشار رئيس البرلمان الليبي، إن حكومة الصخيرات لا تمثل الشعب الليبي وهي بمثابة وصاية على الشعب.. الشعب لا يقبل الوصاية من أحد، حتى لو كانت الأمم المتحدة. وما حدث في الصخيرات لا يمثلنا. ويضيف عبد المجيد عن مستقبل حكومة السراج، وما إذا كان يتوقع لها أن تنجح أم أنها ستقابل بالرفض من جانب الليبيين، أجاب بشكل قاطع أن «هذه الحكومة ولدت ميتة». وتساءل: أين سيكون مقرها.. لا مكان لها في ليبيا، فهل ستكون حكومة منفى تعمل من إحدى الدول الأجنبية أو إحدى العواصم الأوروبية».
وعما إذا كان هناك شرط بأن هذه الحكومة لا بد أن تحوز الثقة من البرلمان قبل أن تبدأ أعمالها، رد عبد المجيد قائلاً إن هؤلاء الذين اتفقوا في الصخيرات «لا يمكن أن يكون لديهم جرأة حتى للوصول إلى طبرق. هذه حكومة منفى وحكومة ولدت ميتة». بينما أكد عميش على أن أي حكومة لا بد أن تأتي للبرلمان لكي تحوز الثقة قبل مباشرة عملها.. «لا بد من موافقة الثلثين زائد واحد. وهذا صعب المنال».
مع ذلك توجد محاولات من جانب الفريق الحكومي الجديد الذي جرت تسميته للعمل مع السراج بشكل أساسي، للتواصل مع الأطراف الفاعلة خاصة القوى التي تملك السلاح في المنطقتين الشرقية والغربية من البلاد. ويجري هذا بالاعتماد على علاقات قديمة للسراج نفسه مع بعض الأطراف والقيادات، ومن بينهم عسكريون ورجال أعمال ونواب. ويأتي هذا مع وجود توجهات دولية بدعم الحكومة الجديدة، والتفاهم حول الشق الأمني خاصة في العاصمة طرابلس.
ومن بين المقترحات التي تبحث الحكومة الجديدة القيام بها بمساعدة المجتمع الدولي، إعطاء قادة من الجيش الوطني في غرب البلاد الضوء الأخضر للتقدم حول العاصمة طرابلس، مع انسحاب تدريجي للميليشيات من العاصمة إلى مسافة لا تقل عن 35 كيلومترًا في بعض المناطق و50 كيلومترًا في مناطق أخرى. وكذا وضع برنامج يستمر لعدة شهور من أجل تسليم الميليشيات، الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، كمرحلة أولى، مع بحث ملف عناصر الميليشيات سواء بدمجها في الجيش أو الشرطة أو العودة إلى الحياة المدنية. ويستمر هذا طوال عمل الحكومة المقرر له سنة كاملة.
وتدعم عدة قيادات ليبية من داخل البلاد، وأخرى تقيم في الخارج، الحكومة الجديدة رغم التحديات والعراقيل التي تواجهها، سواء على الصعيد السياسي أو الأمني أو العسكري. ويعزز من تفاؤل حكومة السراج ترحيب الولايات المتحدة بالاتفاق، ما يعني إمكانية توافق الدول الكبرى على إصدار قرار من مجلس الأمن برفع الحظر عن تسليح الجيش، بعد التوصل إلى توافق يرضي الأطراف في ما يتعلق باستمرار حفتر من عدمه.
كما يعطي الموقف المصري الداعم للاتفاق، وفقًا لمصادر شاركت في لقاء الصخيرات، دفعة للحكومة الجديدة.. و«قدرة على دخول مصر كوسيط لنزع الألغام من أمام عمل السراج.. مصر لديها علاقات جيدة مع قادة الشرق الليبي بما فيها الجيش والبرلمان وحكومة الثني (الحكومة التابعة لبرلمان طبرق).
وتقول مصر إن الاتفاق «خطوة رئيسية على مسار استعادة الأمن والاستقرار في ليبيا، وتحقيق تطلعات الشعب الليبي الشقيق في إعادة بناء دولته وحماية وحدتها، كما أنه يمثل خطوة هامه لتعزيز جهود مكافحة الإرهاب بشكل متكامل وفعال وبدعم من المجتمع الدولي، فضلاً عن توفير الاحتياجات الأساسية ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب الليبي الشقيق».
لكن هذا لا ينفي أن قيادات من المنطقة الشرقية وأخرى من غرب البلاد في ليبيا سارعت بإبلاغ مصر بأن كلاً من البرلمان و«المؤتمر الوطني» يرفض اتفاق الصخيرات. كما جرى إخطار الجامعة العربية، في رسالة لأمينها العام، نبيل العربي، بوجود مسار جديد بين الليبيين، والمقصود به اللقاء الذي جرى في تونس بين ممثلين عن البرلمان و«المؤتمر الوطني»، وإمكانية وصوله إلى حلول جوهرية تجنب ليبيا المزيد من المشكلات. واطلعت «الشرق الأوسط» على نص الرسالة التي طلبت من العربي «دعم هذا الخيار» بالتعاون مع الأمم المتحدة، لكن يبدو أن هذا التحرك جاء متأخرًا مقارنة بالخطوات السريعة التي اتخذها كوبلر في محاولة لفتح آفاق جديدة لإنقاذ الدولة الليبية من الفشل.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.