ملاحظات على أفلام إماراتية جديدة

مشاركة محلية كبيرة منذ بدء مهرجان دبي السينمائي

من الفيلم الكرتوني الإماراتي «بلال»
من الفيلم الكرتوني الإماراتي «بلال»
TT

ملاحظات على أفلام إماراتية جديدة

من الفيلم الكرتوني الإماراتي «بلال»
من الفيلم الكرتوني الإماراتي «بلال»

تبني السينما الإماراتية الكثير من توقعاتها وآمالها على مهرجان دبي السينمائي خصوصًا في هذه الدورة الثانية عشرة، كونها تزخر بالإنتاجات المحلية والمحلية - المشتركة. نحو 45 فيلما طويلا وقصيرا، ومن إنتاجات منفردة أو مشتركة تم توزيعها على 4 تظاهرات بالمهرجان، كمسابقة المهر الإماراتي ومسابقة المهر الخليجي للفيلم القصير ومسابقة المهر العربي وتظاهرة «ليالٍ عربية» (لا مسابقة لها). وتشهد السينما الإماراتية أكبر كم من الأفلام لها منذ أن بدأت أعمال مهرجان دبي السينما قبل اثنتي عشرة سنة، حيث شاركت مجموعة كبيرة من السينمائيين العاملين في إطار السينما الإماراتية في المهرجان أمثال المخرج سعيد سالمين المري، المشترك بفيلمه «ساير الجنة» ومثل حميد السويدي، صاحب فيلم «عبد الله» وناصر الظاهري الذي أنجز «في سيرة الماء والنخل والأهل»، وهو فيلم تسجيلي طويل (من 162 دقيقة) وماجد الأنصاري الذي وفر لمشاهديه فيلما تشويقيًا بعنوان «زنزانة».
* أدوات طموحة
من دون خطّة مسبقة، يلتقي فيلم «زنزانة»، الذي تقع أحداثه في بلد عربي غير محدد، والذي يتولى حكاية رجل يفيق ليجد نفسه سجينًا من قبل أفراد لا يعرف من يمثلون، بفيلم «غرفة» الذي افتتح الدورة، من حيث أن ذلك الفيلم الآيرلندي- الكندي هو أيضًا فيلم سجون.
في «غرفة» حكاية وقعت أحداثها في هولندا قبل سنوات قليلة عندما لجأت امرأة للسلطات القانونية لتخبرهم أنها هربت من سجن عائلي كانت محبوسة فيه لأكثر من ثلاثين سنة. الكاتبة الروائية إيما دونوهيو استوحت وغيّرت الكثير من المعطيات وسردت الحكاية من وجهة نظر الصبي الذي شاطر أمه الغرفة التي حُبسا فيها لأكثر من خمس سنوات قبل أن يهربا. الاختلاف الأساسي في هذا المجال أن الرواية مسرودة من وجهة نظر الصبي والفيلم من وجهة نظر الأم.
فيلم ماجد الأنصاري ينحو صوب التشويق ويبني على كل مشهد، ما يرفع من وتيرة الأحداث وتوترها طارحًا قصّة تصلح للمناسبة، من دون أن يكترث لأي بعد سياسي محدود أو مباشر. إنه فيلم جماهيري مصنوع بأدوات طموحة ليس من بينها ما يمكن اعتباره فنًا فعليًا، لكنه إذا ما حقق وصوله إلى جمهوره فإنه سيجلب لمخرجه تقديرًا واسعًا بين المشاهدين.
الفيلم الزنزاني الثالث هو «3000 ليلة» للمخرجة مي المصري، الذي هو إنتاج مشترك بين الإمارات وقطر وفرنسا مع مساهمات لبنانية وفلسطينية.
هذا هو الفيلم الروائي الأول لها، ويدور حول نساء فلسطينيات وإسرائيليات يشتركن العيش في أحد السجون الإسرائيلية في عام 1980، بطلة الفيلم (ميساء عبد الهادي) اقتيدت للسجن لمجرد أنها توقفت لنقل فلسطيني بسيارتها حدث أنه كان مطاردًا من قبل السلطات الإسرائيلية. يسألها المحقق لماذا ومن يكون ذلك الهارب وإلى أين أوصلته؟ وعندما تخفق في الجواب تنضم إلى السجينات، متعرضة لما يتعرض معظمهن له من قسوة مباشرة وغير مباشرة.
* من نوعية إلى أخرى
بعد ذلك هي حكاية هذا السجن ومن فيه. هناك شخصية آمرة السجن الشريرة التي تكره الفلسطينيين وشخصية مديرة السجن التي تكن شعورًا أقرب إلى النظام المعتدل، والمحامية الإسرائيلية راتشل (لورا حوا) التي تؤيد المعتقلات وتعارض تعنيفهن.
لكن الفيلم، الممول جانبيا من الإمارات وقطر، لا يذهب في أي اتجاه غير متوقع. طبعًا كفيلم عربي هو الأول الذي يتعرض لمثل هذا الموضوع، لكنه كدراما سجون فإن ما فيه من مشاهد ومواقف (إلى حد التفاصيل أحيانًا) ورد سابقًا في أفلام سجون نسائية أميركية. الفارق، بلا ريب، أن تلك لم تحمل قضايا سياسية على الإطلاق بل كانت نوعًا من الصراع المتجذر شرًا بين شلل نسائية تتقاتل، بينما هذا الفيلم لديه قضيّته السياسية التي يأمل أن تصب في خانة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وتفعل، كونها لا يمكن أن تصب في سواها.
التشابه في المواقف والمفارقات (إدمان مخدرات، خناق بين النساء، دخول فتاة بريئة إلى سجن مليء بالسجينات الأكثر تجربة منها في حياة السجون، التمرد واستخدام الفناجين النحاسية لإثارة الضجيج) كلها متوفر في أفلام سابقة من النوع.
جدية الموضوع توازيها جدّية المعالجة وأسلوب المخرجة الذي يسجل لها أنها لم تستند إلى خلفيتها في الفيلم التسجيلي وتستوحي منها أسلوب عمل بصري وإيقاعي، كما الحال مع الكثير من المخرجين المتحولين من نوعية أفلام إلى نوعية أخرى.
بالعودة إلى الأفلام الإماراتية، مثّل فيلم «بلال» إحدى الفرص الأكثر طرحًا للنقاش حولها. أهو فيلم إسلامي أم هو فيلم مغامرات بعيد عن الغاية الإسلامية؟ هل هو دعائي للإسلام في هذا الزمن الصعب أو أنه خيال من المغامرات الفانتازية التي كان عليها أن تقدم بطلاً باسم بلال المحبب لدينا كونه كان مؤذن الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم).
الفيلم من نوع الأنيميشن ومنفذ جيّدا من قبل مخرجيه خورام علافي وأيمن جمال، ولو أن تنفيذه لا يتبع فن الرسوم المتحركة القديم بصعوبة تنفيذه (وهو أسلوب ما زال مستخدمًا في إنتاجات إلى اليوم) بل منفذ على الكومبيوتر غرافيكس وببرنامج يمنح الشخصيات قدرًا من الحس الواقعي أكثر مما تمنحه أفلام من التي تنتجها ديزني مثلاً.
والمقارنة صحيحة من وجهة أخرى: «بلال» هو أول أنميشن إماراتي طويل للسينما، بينما «سيرة الماء والنخل والأهل» لناصر الظاهري هو أول فيلم إماراتي تسجيلي طويل جدًا. يربط المخرج هنا بين عناصر الحياة الصحراوية، فهناك الإنسان والشجر والماء على نحو لا ينفصل. لا الإنسان ولا الشجر يستطيع البقاء بلا ماء، والفيلم يمضي في تصوير كيف يتم استخراجه من بين الصخور وكيف يسقي الأرض ومن عليها ويؤثر في صياغة البيئة الخاصّة لمجتمع عاش خارج المدن منذ البداية ولا يزال.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.