طرق واعدة لتسخير كهربائية الجسم في معالجة الأمراض

قد تحل محل العقاقير

طرق واعدة لتسخير كهربائية الجسم في معالجة الأمراض
TT

طرق واعدة لتسخير كهربائية الجسم في معالجة الأمراض

طرق واعدة لتسخير كهربائية الجسم في معالجة الأمراض

طور الباحثون فكرة تسخير الكهربائية في الأعصاب البشرية التي تلعب دورا بارزا في تنسيق عمليات الأعضاء، والغدد، والخلايا في جسم الإنسان.. لأغراض علاجية، وأصبح ممكنا الآن توظيف النظام العصبي لتحفيز الجسم على معالجة ذاته بأساليب لم نحلم بها من قبل.
وهناك مشاريع كثيرة حاليا في الصناعة الصيدلانية في العالم كله تهدف إلى وضع خرائط دقيقة للدوائر الكهربائية التي تتيح للنظام العصبي التدخل، عندما تسوء الأمور وتكشف أمراض المناعة الذاتية عن أنيابها، مثل الربو، ومرض السكري، وأمراض المعدة وغيرها، التي يعتقد أنه يمكن معالجتها بالتدخل الكهربائي. وثمة احتمالات أنه يمكن استخدام ذلك أيضا في معالجة السرطان.

* التحكم الكهربائي
ويتوقع العلماء أنه وخلال عقد أو عقدين من الزمن يمكن لعمليات الزرع الكهربائية الحلول محل كثير من العقاقير الشائعة.
وقد تبدو فكرة توظيف قدرات الإشارات الكهربائية للتحكم بالنظام المناعي في الجسم، أمرا غريبا بالنسبة لأي شخص درس علم البايولوجيا، لأن الكهرباء هي لغة النظام العصبي، وليس نظام المناعة. فالإشارات الكهربائية تسافر من الدماغ وإليه عبر ممرات عصبية كثيرة في الجسم البشري، لتنظم ضربات القلب مثلا، لأن الألياف العصبية الاستشعارية تقوم بتوصيل المعلومات إلى الدماغ الذي يقوم بدوره بإرسال التعليمات إلى القلب لكي يسرع أو يبطئ من ضرباته.
وتقوم دائرة أخرى مشابهة بالتحكم بضغط الدم، تماما مثل جهاز تثبيت الحرارة في المنزل، كما يقول كيفن ترايسي من معهد «فينشتاين» للأبحاث الطبية في نيويورك، الذي أشار إلى أن النظام العصبي يتجاوب باستمرار مع التغيرات، ويقوم بتعديلها إلى وضعها الأول. لكن بإمكاننا استغلال اللغة الكهربائية لدى اختلال عملها هذا كمنظم، عن طريق استخدام أجهزة تنظيم ضربات القلب التي تستخدم الكهرباء لإعادة تشغيل القلب المتوقف، وهنالك أيضا منظم ضربات القلب الذي يزرع في صدر المريض».
لكن ما من أحد فكر أن بإمكان هذا المنظم المركزي التحكم بالنظام المناعي، الذي هو عبارة عن جيش من خلايا الدم و«آكلات» الفيروسات، التي تجوب مجرى الدم في الجسم لمحاربة البكتريا والفيروسات المختلفة.
وفي التسعينات من القرن الماضي كان ترايسي ورفاقه يختبرون دواء جديدا مضادا للالتهابات، عندما لاحظوا أن بمقدورهم تحفيز مفعوله عن طريق تحفيز أعصاب مختلفة كهربائيا موصولة إلى الطحال مثلا، الذي هو موطن الخلايا التائية، وهي خلايا مناعية. كما اكتشف أن الخلايا العصبية تتواصل مع الخلايا المناعية في الطحال عن طريق استخدام مواد كيميائية تسمى «الناقلات العصبية».

* علاج التهاب المفاصل
وقام ترايسي بتأسيس شركة تدعى «سيت بوينت ميديكال» لمعالجة التهاب المفاصل، ولهذا الغرض اختارت الشركة هذه، البوسنة والهرسك، لإجراء التجارب الأولية. وكانت الخطة تقضي بزرع كومبيوترات صغيرة في أعناق 12 مريضا، للتأكد من أن التحفيز الكهربائي من شأنه تخفيف أعراض المرض.
وكان من بين المتطوعين غوران أوستوفيش، الذي تحولت قيادته لشاحنته الصغيرة إلى معاناة حقيقية، إذ إن ساعديه المتورمين، ورسغيه الملتهبين أدت إلى صعوبة إدارة عجلة القيادة وتحميل البضاعة عليها وتنزيلها. ولم تساعده الأدوية والعقاقير التي كان يتناولها لسنوات، لعلاج التهاب المفاصل الروماتويدي، بل أرغم حتى على التخلي عن عمله ورياضته المفضلة، وهي كرة الطاولة، قبل أن يستفحل المرض ويجعله حتى عاجزا عن حمل أطفاله. وحينذاك قرر أوستوفيش اللجوء إلى العلاج الأخير بأن تطوع ليكون «حيوان التجارب» في علاج ثوري جديد.

* نجاحات ملموسة
وقام العلماء بتوصيل الكومبيوتر بالعصب المبهم الذي هو الموصل الكهربائي الذي يربط الدماغ بجميع الأعضاء الرئيسية، بغية تحفيز الأنسجة العصبية الموصولة بالطحال. ويأمل الباحثون من وراء ذلك أن يقوم الجهاز هذا بإرشاد نظام المناعة في جسم المريض لكي يتوقف عن مهاجمة المفاصل. وبالنسبة إلى أوستوفيش فقد توقف الألم وعاد إلى ممارسة رياضته السابقة، بل حتى ممارسة كرة المضرب، كما وأن مستويات البروتين الناجم عن الالتهابات الذي يسمى «سي آر بيCRP» تراجع إلى المعدلات العادية. والمهم أن مثل هذا العلاج لا أثار جانبية له قط.
ويمكن زرع دارات كهربائية في أماكن أخرى أيضا، في الجسم السباتي مثلا، الذي هو مجموعة من الخلايا في الشريان الرئيسي الذي يحمل الدم إلى الدماغ، وذلك لكي تقوم بمراقبة مستويات الغلوكوز فيه، كما أن لها ارتباطات مع النظام العصبي الذي يؤثر على حساسية الخلايا للإنسولين، وعلى ضغط الدم.
ونقلت مجلة «يوساينتست» العلمية البريطانية عن سيلفيا كوندي من جامعة نيو يونيفيرستي» في لشبونة التي تجري دراسات في هذا الصدد، أن زرع بعض الأقطاب الكهربائية من شأنه تسخير بعض الإشارات الكهربائية لتعديل حساسية الخلايا تجاه الإنسولين، من دون الإخلال بالوظائف الأخرى. وتعمل شركة «إلكتروكور» التي مقرها ولاية نيوجيرسي في أميركا التي تنتج أجهزة لمثل هذه الأغراض، على عزل الألياف المختلفة داخل الشريان المبهم لمعالجة الربو أيضا. كما تهدف شركات أخرى مثل «غلاكسو سميث كلاين» على تطوير أقطاب زرع كهربائية بحجم حبة الأرز لمعالجة أمراض مستعصية مثل السكري، وضغط الدم العالي، والتهاب المفاصل وغيرها، فضلا عن إدارة الآلام المبرحة التي تصاحب بعض الأمراض.



«متلازمة ريت»... حدتها تختلف عند الإناث عن الذكور

«متلازمة ريت»... حدتها تختلف عند الإناث عن الذكور
TT

«متلازمة ريت»... حدتها تختلف عند الإناث عن الذكور

«متلازمة ريت»... حدتها تختلف عند الإناث عن الذكور

كشفت دراسة حديثة أجراها معهد البحث الطبي في اضطرابات النمو العصبي بجامعة كاليفورنيا الأميركية، عن فروق مهمة في كيفية ظهور «متلازمة ريت» التي تكون عادة أثر شيوعاً في الإناث. ويميل الذكور المصابون بالمتلازمة إلى إظهار أعراض أكثر حدة تظهر في وقت مبكر من الحياة بسبب كروموسوم «إكس» X الأنثوي الوحيد لديهم. وفي العادة تمتلك الإناث كروموسومي «إكس».

«متلازمة ريت»

«متلازمة ريت» Rett syndrome اضطراب وراثي نادر يصيب الفتيات في المقام الأول، حيث تبدأ المتلازمة الناجمة عن طفرات في جين MECP2 على الكروموسوم «إكس» عادة بعد فترة من النمو الطبيعي في مرحلة الطفولة؛ ما يؤدي لاحقاً إلى أعراض مثل فقدان وظيفة اليد وصعوبات التنفس والنوبات وضعف كبير في الكلام والحركة والأكل.

ويحتاج الأطفال والبالغون المصابون بـ«متلازمة ريت» إلى المساعدة في أداء معظم المهام اليومية، مثل تناول الطعام والمشي واستخدام الحمَّام، ويمكن أن تكون هذه الرعاية المستمرة واضطراب النوم أمراً منهكاً ومسبباً للتوتر للعائلات، ويمكن أن تؤثر على صحة أفراد العائلة ورفاهيتهم. وفي الدراسة التي نُشرت في عدد 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 في مجلة Communications Biology، وأشرفت عليها جانين لاسال، الباحثة من قسم الأحياء الدقيقة الطبية والمناعة كلية الطب بالجامعة، فحص الباحثون نماذج الفئران الذكور والإناث لـ«متلازمة ريت».

وركَّزت الدراسة على كيفية تحول التعبير الجيني في خلايا المخ عبر ثلاث مراحل، هي: قبل ظهور الأعراض وعند ظهورها وفي المرض المتقدم، حللت التعبير الجيني في 14 نوعاً من خلايا الدماغ لفهم الاختلافات في كيفية تقدم المرض في كلا الجنسين. خلل تنظيم الجينات

وأظهرت الفئران الإناث «تأثيراً متأرجحاً» عند حدوث خلل في تنظيم الجينات، حيث حاولت الخلايا التي تعبّر عن الجين الطبيعي تعويض الخلايا التي تحتوي على الجين المتحور.

وهذا التوازن في التعبير الجيني ذهاباً وإياباً الذي يُرى بشكل أساسي في الخلايا العصبية في وقت مبكر أو مع تطور الأعراض في المراحل اللاحقة، يسلط الضوء على كيفية محاولة أدمغة الإناث للحفاظ على التوازن مع تقدم المرض، حيث يكون الاختلال أسوأ في المراحل المبكرة، لكنه يستقر بمرور الوقت.

كما أظهرت الدراسة أيضاً أن الفئران الإناث لديها عدد أكبر من الجينات غير المنظمة قبل ظهور الأعراض مقارنة بالوقت الذي تظهر فيه لاحقاً، حيث تحتوي خلايا الدماغ في الإناث المصابات بـ«متلازمة ريت» على نمط فسيفسائي من التعبير الجيني يعبّر نصف خلاياها عن جين MECP2 الطبيعي ويعبّر النصف الآخر عن الجين المتحور.وهذا يتناقض مع التوقعات بأن اختلال تنظيم الجينات يرتبط ارتباطاً مباشراً بشدة الأعراض؛ ما يشير إلى وجود عملية تنظيمية معقدة.

وأكدت جانين لاسال أن نماذج الفئران الأنثوية أكثر أهمية للبحوث البشرية؛ لأنها تعكس بشكل أفضل التعبير الفسيفسائي لجين MECP2 الموجود لدى الفتيات المصابات بـ«متلازمة ريت». ولا تلتقط الفئران الذكور التي تُستخدم غالباً في الأبحاث هذا التعقيد الفسيفسائي، حيث لا يمتلك الذكور سوى كروموسوم «إكس» واحد؛ ما يعني أن جميع خلاياهم تتأثر بطفرة الجين MECP2.

جين يرتبط بأمراض أخرى

وربط الباحثون أيضاً طفرة MECP2 بمسارات أخرى مثل تلك التي تشارك في مرض ألزهايمر والإدمان؛ وهو ما يشير إلى أن الطفرة قد يكون لها آثار أوسع نطاقاً تتجاوز «متلازمة ريت»، وقد تؤثر على حالات عصبية أخرى.