جانيت يلين.. المرأة التي تتطلع إليها الأسواق العالمية

وسط توقعات بدفعها «المركزي الأميركي» الذي ترأسه نحو رفع الفائدة

جانيت يلين لدى ادلائها بشهادتها أمام اللجنة الاقتصادية في كابيتول هيل بواشنطن (أ.ف.ب)
جانيت يلين لدى ادلائها بشهادتها أمام اللجنة الاقتصادية في كابيتول هيل بواشنطن (أ.ف.ب)
TT

جانيت يلين.. المرأة التي تتطلع إليها الأسواق العالمية

جانيت يلين لدى ادلائها بشهادتها أمام اللجنة الاقتصادية في كابيتول هيل بواشنطن (أ.ف.ب)
جانيت يلين لدى ادلائها بشهادتها أمام اللجنة الاقتصادية في كابيتول هيل بواشنطن (أ.ف.ب)

تسلمت جانيت إل يلين منصبها الراقي في بنك الاحتياطي الفيدرالي العام الماضي مع خبرة تفوق أي شخص آخر من الذين ترأسوا البنك المركزي الأميركي خلال تاريخه البالغ 100 عام. غير أنها أدركت أن النجاح يتطلب ما هو أكثر من الخبرة الاقتصادية، وهي البراعة السياسية التي لا تزال تحاول تعلمها.
وفي الوقت الذي يستعد فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي التعامل مع المهمة المثيرة للجدل من إيقاف الدعم المستمر لسنوات للاقتصاد الأميركي، كانت يلين تعاني من مواجهات مع الزملاء المعارضين والمنقسمين داخل واحدة من أكثر المؤسسات المالية نفوذا في العالم. وخارج بنك الاحتياطي الفيدرالي، يدعوها النواب الليبراليون وبعض من أبرز خبراء الاقتصاد في العالم لعدم التحرك سريعًا، خوفًا من أن الاقتصاد هو أضعف مما يبدو عليه الأمر. كما أنها اشتبكت كذلك، وبصورة حادة في بعض الأحيان، مع المحافظين الذين يحاولون إعاقة ممارستها لسلطاتها، في حين أن الكثير من المرشحين الجمهوريين لرئاسة البلاد قد وجهوا انتقادات لاذعة لسجلها الوظيفي خلال حملاتهم الانتخابية.
سوف يجتمع مجلس الاحتياطي الفيدرالي خلال أسبوع لاتخاذ القرار ما إذا كان سوف يرفع أسعار الفائدة في نهاية المطاف أم لا. ويقول الكثير من المحللين إن التصويت قد حُسم من خلال تقرير الوظائف القوي يوم الجمعة الماضي، الذي أظهر أن الاقتصاد أضاف في الشهر الماضي 211 ألف وظيفة، وأن معدل البطالة استقر عند معدل 5 نقاط مئوية.
وذلك القرار سوف يكون أكبر اختبار للسيدة يلين. ولقد رفضت التعليق على هذا المقال، ولكن الوثائق والمقابلات الشخصية لدى أكثر من 20 موظفًا تُظهر كيف أن يلين تحاول تلمس سبيلها في خضم تلك اللحظات العصيبة. ويكمن هدفها في تكوين إجماع داخل بنك الاحتياطي الفيدرالي في حين تستمر على حالة الاستجابة ذاتها لانتقادات الكابيتول هيل - وكل ذلك من دون إعاقة السياسات التي تقول إنها ساعدت الاقتصاد الأميركي في الحفاظ على مساره.
يقول لورانس ماير مؤسس شركة المستشارين الاقتصاديين وأحد الزملاء السابقين للسيدة يلين في بنك الاحتياطي الفيدرالي: «لا أعتقد أننا نعرف قدر الضغوط التي تعانيها السيدة يلين».
وغالبًا ما تُوصَف زعيمة بنك الاحتياطي الفيدرالي بأنها من بين الأشخاص الأكثر نفوذا في العالم. ولكن في أواخر الصيف الماضي، حينما كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يدرس ما إذا كان سيرفع أسعار الفائدة لأول مرة خلال عشر سنوات، وجدت يلين نفسها أقل عددا من حيث المؤيدين.
أرادت السيدة يلين الانتظار. كانت التقلبات الحادة في الأسواق المالية العالمية خلال الصيف من نذر السوء على الاقتصاد الصيني - الذي من شأنه أن يجر معه الاقتصاد الأميركي، كما كانت تخشى. ولكن زملاءها لم يكونوا على الموجة ذاتها من القلق، حيث كانت الأغلبية القليلة من بين 17 عضوا يشكلون الهيئة العليا لإدارة البنك المركزي الأميركي مستعدين لسحب دعم بنك الاحتياطي الفيدرالي للتعافي الاقتصادي في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وعلى صعيد متصل ووثيق، كانت مهمة يلين هي ضبط الموازين.
لقد أخلت السيدة يلين جدول أعمالها ليومين كاملين في الأسبوع السابق على تصويت بنك الاحتياطي الفيدرالي. وعبر الاتصالات المستمرة والاجتماعات المتواصلة في واشنطن، طرحت السيدة يلين قضيتها واستمعت إلى مخاوف زملائها. ثم صوت بنك الاحتياطي الفيدرالي أخيرا على الانتظار، وساند أغلب المسؤولين الفيدراليين موقف السيدة يلين. التي قالت عقب الاجتماع: «نريد أن نتريث قليلا ونكسب بعض الوقت لتقييم التأثيرات المحتملة على اقتصاد الولايات المتحدة».
يقود بنك الاحتياطي الفيدرالي اقتصاد البلاد من خلال وضع الأهداف لأسعار الفائدة، التي تؤثر على كل شيء، بما في ذلك تكاليف الرهن العقاري، وديون الشركات، وقيمة الدولار. وعندما يريد بنك الاحتياطي الفيدرالي العمل على انطلاق الاقتصاد الأميركي، يقوم بتخفيض السعر المستهدف للفائدة لتشجيع المستهلكين وأصحاب الشركات على الاستجابة. أما رفع سعر الفائدة فيساعد في إبطاء وتيرة الاقتصاد المحموم.
خلال السنوات السبع الماضية، كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يضغط وبشدة على دواسة الوقود. حتى إنه خفض أسعار الفائدة وصولا إلى الصفر في عام 2008، واحتفظ بالمعدلات عند ذلك المستوى منذ ذلك الحين. وعندما لم يكن ذلك الإجراء كافيا، بدأ البنك في ضخ الأموال في الاقتصاد من أجل التعافي، حتى بلغت مستوى 3.5 تريليون دولار.
ولكن لم تعد الولايات المتحدة تواجه أية أزمات، فلقد ترأست السيدة يلين بنك الاحتياطي الفيدرالي في وقت مبكر من العام الماضي، مع مهمة إعادة الاقتصاد - وسياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي - إلى وضعهما الطبيعي. يقول أدم بوسين مدير معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: «إنه لقرار كبير نظرًا لحالة عدم اليقين المتفشية لدى الجميع».
السيدة يلين البالغة من العمر 69 عامًا، ذات الشعر الثلجي والبنية الجسدية نحيفة، امرأة أكاديمية بكل معنى الكلمة، ودائما ما تعمل في أوقات مبكرة، وكثيرًا ما تحمل أكداسًا من المسودات في ظهورها العلني. ولقد أمضت عقدين من عمرها تدرس في جامعة كاليفورنيا فرع بيركلي، وهي الآن أستاذة فخرية هناك. ولقد كانت السيدة يلين أيضًا ضمن مجلس محافظي بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن في التسعينات وكانت ترأس بنك الاحتياطي الفيدرالي فرع سان فرانسيسكو في عام 2000 قبل تعيينها في منصب نائب البنك المركزي في عام 2010. ولقد قال الرئيس أوباما ذات مرة مازحًا إن فكرتها للرحلة العائلية الممتعة لم تكن سوى زيارة للشاطئ برفقة حقيبة مفعمة بالكتب الاقتصادية. ولقد حافظت السيدة يلين على عدم ظهورها الإعلامي خلال قمة مجموعة العشرين بوصفها رئيسا لبنك الاحتياطي الفيدرالي، حتى إن أفراد الأمن كان يطلبون الاطلاع على هويتها الشخصية لأنهم لا يعرفونها. وفي حين أن المحافظ السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي، بن إس برنانكي، كان يشتهر بذهابه إلى مكتبه 7 أيام في الأسبوع، فإن السيدة يلين تفضل في بعض الأحيان العمل من المنزل، حيث تجلس بمفردها إلى مكتبها وتتناول القهوة.
إن تمثيل الجبهة الموحَّدة من الأمور الضرورية للبنك المركزي الأميركي، خصوصًا مع انحرافه إلى منطقة مجهولة. ولقد كان محافظ البنك المركزي السابق آلان غريسبان يطبق نظامًا تنازليًا في اتخاذ قرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي، حيث كان يُفصح عن مواقفه قبل طلب الآراء من جانب زملائه. ولقد تزعم برنانكي التحول في ذلك النظام نحو المناقشات الداخلية المفتوحة وثقافة الشفافية.
يقول معظم مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي حاليًا إن الاقتصاد سوف يكون مستعدا للوقوف على قدميه بحلول نهاية هذا العام. وبعد تأخير شهر سبتمبر، تقول السيدة يلين في تصريحات علنية هذا الأسبوع إنها سوف تتطلع إلى رفع أسعار الفائدة كإشارة على قوة التعافي الاقتصادي. ومع ذلك فإن ثلاثة من مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي قد أعلنوا عن رغبتهم الصريحة في الانتظار حتى عام 2016 على أدنى تقدير قبل التحرك. ومن بين من يؤيدونهم هي مؤسسات مرموقة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
كانت السيدة يلين منهجية للغاية حول بناء الإجماع الداخلي في البنك. فقبل كل اجتماع لكبار مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي، كانت تستطلع رأي كل مسؤول على حدة من خلال مكالمات الهاتف والاجتماعات الثنائية، وفي بعض الأحيان أكثر من مرة. وعلى نحو خاص، قال أحد الزملاء مازحا إنه ينتظر المقابلة المقبلة معها ليتاح له المزيد من الوقت للاستعداد. وقال المحافظ السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي فرع فيلادلفيا تشارلز بلوسر، الذي طالما اختلف مع السيدة يلين، إن منهجها في العمل «ممل للغاية. هناك مقدار كبير من الأخذ والرد، وأعتقد أنها مناقشات صحية وجيدة للغاية. ولكن في بعض الأحيان ومع نهاية اليوم، فإننا نتفق على ألا نتفق، وهذا على ما يرام كما أرى».
أفصح النائب جيب هينسارلينغ (جمهوري - تكساس) عما يجول بقلبه أثناء بسطه للقضية أمام مجلس النواب أخيرا بخصوص مشروع القانون المثير للجدل، الذي من شأنه تشديد الرقابة على إشراف المشرعين على بنك الاحتياطي الفيدرالي، حيث قال إن «المساءلة المعززة من الضروريات الأساسية. وبخلاف ذلك، قد نستيقظ قريبًا لنجد أن محافظي البنوك المركزية لدينا قد تحولوا إلى مخططين مركزيين».
ولقد وافق مجلس النواب الذي يهيمن عليه الجمهوريون على مشروع القانون بأغلبية ساحقة خلال الشهر الماضي في تصويت حزبي منفرد، وهي آخر الأنباء المذكورة بشأن العلاقات المتوترة في غالب الأمر بين بنك الاحتياطي الفيدرالي والكونغرس ذلك الذي ظل يراقب بحذر عملية توسيع بنك الاحتياطي الفيدرالي لسلطاته عقب الأزمة المالية.
استخدمت السيدة يلين لهجة عدائية في صدها للجهود الهادفة إلى كبح جماح بنك الاحتياطي الفيدرالي. وفي خطاب صادر قبل عدة أيام من تصويت مجلس النواب، وجهت الانتقادات لبند من البنود الذي يتطلب من بنك الاحتياطي الفيدرالي متابعة القواعد المحددة في إرساء أسعار الفائدة ووصفها بأنها «مضللة». ولقد كسب بنك الاحتياطي الفيدرالي مساندة البيت الأبيض، الذي هدد بالتصويت ضد القانون. كما أنها رفضت اقتراحًا مماثلاً كان قيد النظر في مجلس الشيوخ خلال الصيف الماضي. ولقد قالت السيدة يلين في ذلك الوقت «أعتقد أنني يجب أن أسأل: ما المشكلة بالتحديد؟».
ناضلت السيدة يلين في بداية الأمر لتلمس سبيلها عبر العلاقة الشائكة دوما بين الكونغرس وبنك الاحتياطي الفيدرالي، مما سبب الإزعاج الكبير للسيد هينسارلينغ عندما لم تتواصل معه على الفور بعد تعيينها على رأس بنك الاحتياطي الفيدرالي، وفقًا لأحد الأشخاص من ذوي الاطلاع والدراية.
ويترأس نائب تكساس لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب وهو يقود الآن تحقيقا حول تسريب مزعوم للمعلومات من بنك الاحتياطي الفيدرالي في عام 2012، إلى جانب تحقيق آخر مستقل بواسطة المفتش العام لبنك الاحتياطي الفيدرالي ووزارة العدل.
كانت السيدة يلين منذ ذلك الحين تتواصل بصورة مباشرة مع النواب الجمهوريين وتتحدث مباشرة مع السيد هينسارلينغ عبر الهاتف حول تحقيقات التسريبات المزعومة. غير أن المناخ السياسي بالنسبة لبنك الاحتياطي الفيدرالي قد يكون أكثر سمية إذا ما انتقل الجمهوريون إلى المكتب البيضاوي.
فلقد صرح المرشح الرئاسي دونالد ترامب أخيرا إلى شبكة تلفزيون «بلومبيرغ» قائلا: «تحافظ جانيت يلين، ولأسباب سياسية، على انخفاض أسعار الفائدة حتى يمكن للشخص التالي الذي يتولى منصب الرئيس أن يواجه مشكلة حقيقية».
ولقد أوضحت السيدة يلين، في خطاب ألقته أمام جامعة ماساتشوستس فرع أمهرست، السبب وراء إيمانها المستمر بالنماذج الاقتصادية لبنك الاحتياطي الفيدرالي - ولماذا بات توقيت رفع أسعار الفائدة عاجلا، بدلا من كونه آجلا. ولقد ألقت خطابها بأسلوبها المعهود: 22 صفحة مشفوعة بـ34 هامشا مرجعيا، من 9 فقرات، وأربعة صفحات من المراجع والملاحق.
يقول توم بوغيل، أستاذ الاقتصاد لدى جامعة نيويورك الذي درس مادة الاقتصاد الكلي على يد السيدة يلين عندما كان طالبا صغيرا يحضر للدكتوراه في جامعة هارفارد: «كان خطابها هناك أشبه بالمحاضرة التي تلقيها في الفصل الدراسي بالجامعة. لا نزال نرى شخصية تتعامل مع الأمر من وجهة نظر محترفة تمامًا».
من بين أساتذة السيدة يلين كان جيمس توبين الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، الذي كان من بين الداعين إلى تخفيض كبير لمعدل البطالة خلال الستينات، حتى وإن تطلب الأمر تحمل زيادة كبيرة في الأسعار. يدخل العلماء الأكاديميون في مناقشات ساخنة حول تأثير تلك الفترة في إذكاء حالة التضخم الحادة التي عصفت بالبلاد في فترة السبعينات.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»



الروبية الهندية «الضحية الكبرى» للرسوم الأميركية... والمستثمرون يحذّرون

ورقة نقدية من الروبية الهندية (رويترز)
ورقة نقدية من الروبية الهندية (رويترز)
TT

الروبية الهندية «الضحية الكبرى» للرسوم الأميركية... والمستثمرون يحذّرون

ورقة نقدية من الروبية الهندية (رويترز)
ورقة نقدية من الروبية الهندية (رويترز)

لم تتأثر أي عملة بالرسوم الجمركية الأميركية كما تأثرت الروبية الهندية، وقد يظل هناك المزيد من الانخفاض مع انسحاب المستثمرين من البلاد حتى رؤية إبرام اتفاق تجاري مع واشنطن.

وتُعد الروبية واحدة من أسوأ العملات أداءً عالمياً هذا العام؛ إذ تراجعت بنسبة 6 في المائة مقابل الدولار، نتيجة اتساع العجز التجاري، وفرض رسوم أميركية عقابية بنسبة 50 في المائة، إلى جانب تدفقات استثمارية خارجة، مما أدى إلى وصولها إلى أدنى مستوى قياسي عند 91.075 روبية للدولار، وفق «رويترز».

وعند قياسها مقابل سلة من عملات شركاء التجارة، سجل سعر الصرف الحقيقي الفعّال 96، وهو الأدنى خلال أكثر من عقد من الزمن، وفقاً لشركة «سيتي». ويُعد هذا أدنى بكثير من متوسط 10 سنوات البالغ 103، وعادةً ما يُعدّ إشارة موثوقة إلى أن العملة مستحقة للارتداد.

لكن الأمر هذه المرة مختلف، وفق مديري الأموال الذين زادوا الضغط على العملة بسحب 18 مليار دولار من الأسهم الهندية هذا العام، ويقولون إن المزاج الحالي من غير المرجح أن يتغير سريعاً، رغم أن الروبية تبدو رخيصة. وقال كبير استراتيجيي الاقتصاد الكلي في آسيا لدى شركة «جي بي دراكس هونور»، فيفيك راجبال: «أعتقد أن صبر السوق بشكل عام بدأ ينفد»، في إشارة إلى أن أشهر المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة لم تسفر حتى الآن عن أي اتفاق أو تخفيف للرسوم الجمركية. وأضاف: «إنها نقطة دخول جيدة للأصول الهندية، لكن أولاً تحتاج السوق إلى ثقة بأن الرسوم الجمركية مؤقتة فقط».

الهند والولايات المتحدة أجرتا مفاوضات طوال معظم عام 2025، رغم أن المستشار الاقتصادي الرئيسي للهند صرّح الأسبوع الماضي، في مقابلة مع «بلومبرغ»، بأنه يتوقع التوصل إلى اتفاق بحلول مارس (آذار) 2026. ومع ذلك، فإن الكثير من دول آسيا لديها بالفعل اتفاقات أو على الأقل هدنة مع الولايات المتحدة، مما يترك الهند معرضة بشكل خاص، لتصبح الروبية بمثابة المخفف للصدمات.

ضعف الروبية مستمر

قد يساعد انخفاض قيمة العملة في تخفيف أثر الرسوم الجمركية عبر خفض أسعار الصادرات بالدولار، لكن مع رسوم أميركية تصل إلى 50 في المائة، يتوقع الاقتصاديون أن يكون ضعف الروبية أكبر لتغطية هذه الرسوم، إلى جانب ضغوط إضافية ناتجة عن العجز التجاري الكبير وتدفقات رأس المال الخارجة.

وبغياب اتفاق تجاري، لا يُتوقع أن تنعكس هذه العوامل قريباً، وقد عزّز تقرير لوكالة «رويترز» حول عدم نية البنك المركزي الوقوف في وجه العوامل الأساسية التوقعات بضعف أكبر للعملة.

وأشار محللو «إتش إس بي سي» إلى أن انخفاض الروبية الحاد يُشكّل مخاطر كبيرة على وضع إيجابي نسبياً للأسهم الهندية، رغم أنهم يرون أن الأسواق تستحق إعادة النظر بسبب تحسّن التقييمات والاقتصاديات، عادّين السوق الهندية تحوطاً ضد موجة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي.

كما قامت شركات وساطة أخرى، مثل: «سيتي»، و«غولدمان ساكس»، و«جي بي مورغان»، بترقية الأسهم الهندية مؤخراً، متوقعة تحسناً في السوق الهندية خلال 2026 بدعم من خفض أسعار الفائدة، ويرى بعضهم أيضاً احتمال ارتداد الروبية.

وقال رئيس قسم ديون الأسواق الناشئة لدى «تي تي» لإدارة الأصول الدولية في لندن، جان تشارلز سامبور: «الوتيرة الأخيرة لانخفاض العملة دفعتها جزئياً المخاطر الجيوسياسية وتأثيرها على توقعات الحساب الجاري»، مضيفاً: «نعتقد أن بعض هذه المخاطر قد تكون مبالغاً فيها الآن».

معضلة للمستثمرين العالميين

كما تأثرت الأسواق الهندية للأسهم التي تهيمن عليها البنوك وشركات التعهيد لتكنولوجيا المعلومات، بأداء ضعيف خلال 2025، حيث ارتفع مؤشر «نيفتي 50» نحو 10 في المائة، مقارنة بارتفاع 26 في المائة في مؤشر «إم إي سي آي» للأسواق الناشئة، نتيجة عدم وضوح الرهانات على الذكاء الاصطناعي.

وعند المقارنة بالدولار، تظهر الصورة أكثر ضعفاً، إذ ارتفع مؤشر «إم إي سي آي» لأسهم الهند أقل من 2 في المائة هذا العام، مقابل ارتفاع يقارب 30 في المائة لدى مؤشر «إم إي سي آي» للصين، المنافس الرئيس للمستثمرين الأجانب.

ويستمد المستثمرون إشاراتهم أيضاً من تجربة الصين خلال ولاية ترمب الأولى، لمعرفة مدى انخفاض الروبية المحتمل. وقالت نائبة الرئيس التنفيذي للاستثمار في «مورغان ستانلي إنفستمنت مانجمنت»، جتينيا كاندهاري: «يمكن مقارنة انخفاض الروبية بما حدث لليوان الصيني نتيجة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في الولاية الأولى لترمب، وقد تحتاج الروبية إلى مواصلة الانخفاض إذا استمرت الرسوم الجمركية».

وانخفض اليوان بنحو 12 في المائة بين مارس (آذار) 2018 ومايو (أيار) 2020 نتيجة سلسلة من الرسوم المتبادلة. وأضافت أن شركتها التي تدير 1.8 تريليون دولار أميركي من الأصول، تحافظ على مركز زائد في الأسهم الهندية رغم تقليص بعض الحيازات، لرؤية القيمة في أماكن أخرى.

وقال رئيس الأسواق الناشئة العالمية في «فيدراتيد هيرميس»، كونغال غالا، إن «انخفاض الروبية ضروري لتحسين تنافسية الصادرات الهندية، لكن الروبية الضعيفة تُشكّل معضلة للمستثمرين العالميين الذين يقيسون محافظهم بالدولار».


«إنفيديا الصينية» تكتب تاريخاً جديداً في بورصة شنغهاي

علم الصين فوق لوحة إلكترونية مكتوب عليها «صُنع في الصين» (رويترز)
علم الصين فوق لوحة إلكترونية مكتوب عليها «صُنع في الصين» (رويترز)
TT

«إنفيديا الصينية» تكتب تاريخاً جديداً في بورصة شنغهاي

علم الصين فوق لوحة إلكترونية مكتوب عليها «صُنع في الصين» (رويترز)
علم الصين فوق لوحة إلكترونية مكتوب عليها «صُنع في الصين» (رويترز)

سجّلت شركة «ميتا إكس» الصينية لصناعة رقائق الذكاء الاصطناعي واحدة من كبرى القفزات في تاريخ بورصات الصين، بعدما ارتفعت أسهمها بنحو 700 في المائة في أول يوم تداول لها في سوق شنغهاي، في مؤشر واضح على الزخم القوي الذي تحظى به شركات أشباه الموصلات المحلية، مدفوعةً بدعم حكومي واسع لتقليص الاعتماد على التكنولوجيا الأميركية.

وارتفع سهم «ميتا إكس إنتغريتد سيركيتس» من سعر الطرح البالغ 104.66 يوان إلى 700 يوان عند الافتتاح، قبل أن يصل إلى ذروة 895 يواناً، وينهي جلسة التداول عند 829.9 يوان، مسجلاً مكاسب بنحو 693 في المائة. وجاء هذا الأداء الاستثنائي بعد أيام فقط من إدراج منافستها الكبرى «مور ثريدز»، التي قفز سهمها بأكثر من 400 في المائة عند الإدراج.

ويرى محللون أن هذا الاندفاع يعكس مزيجاً من الحماس الاستثماري والمضاربة، إلى جانب الرهان طويل الأجل على استراتيجية الصين لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الرقائق المتقدمة، في ظل القيود الأميركية المفروضة على تصدير تقنيات الذكاء الاصطناعي.

اكتتاب محموم

وجمعت «ميتا إكس» نحو 4.2 مليار يوان (نحو 600 مليون دولار) من خلال طرحها العام الأولي، الذي شهد إقبالاً غير مسبوق من المستثمرين الأفراد، إذ تجاوزت طلبات الاكتتاب حجم المعروض بأكثر من 4000 مرة. وحسب «كي بي إم جي»، يُعد هذا الطرح سادس أكبر اكتتاب في الصين خلال عام 2025.

غير أن التقييمات المرتفعة أثارت تساؤلات في السوق، إذ جرى تسعير الشركة الخاسرة عند مضاعف يبلغ نحو 50 مرة من مبيعاتها لعام 2024، مقارنةً بنحو 34 مرة لشركة «إنفيديا»، و14 مرة لشركة «إيه إم دي»، وفق بيانات الإفصاح قبل الإدراج. وقال مدير صندوق استثماري في شنغهاي إن «الارتفاع الحالي يخلق فرص مضاربة هائلة، لكن من المرجح أننا نشهد ذروة سعرية يصعب تكرارها خلال السنوات المقبلة».

تأسست «ميتا إكس» قبل خمس سنوات على يد تشن ويليانغ (49 عاماً)، وهو مدير تنفيذي سابق في «إيه إم دي» عمل في فرعها في شنغهاي لأكثر من 13 عاماً، إلى جانب مؤسسين مشاركين من مهندسي الشركة الأميركية. وتستحوذ الشركة حالياً على نحو 1 في المائة من سوق رقائق الذكاء الاصطناعي في الصين، لكنها تتوقع مضاعفة مبيعاتها هذا العام، وتحقيق نقطة التعادل في وقت مبكر من العام المقبل.

يأتي هذا الزخم في وقت تتسابق فيه شركات الرقائق الصينية على دخول أسواق المال، بدعم مباشر من صناع القرار. فقد حصلت «بيرين تكنولوجي» على موافقة لطرح أسهمها في هونغ كونغ، فيما تستعد «كونلونشين» و«إنفليم» لخطوات مماثلة.

ويرى محللون أن بكين «تفتح صنبور التمويل» أمام شركات الرقائق المحلية، إدراكاً منها أن فجوة التكنولوجيا مع الولايات المتحدة لا يمكن سدها دون استثمارات ضخمة في البحث والتطوير واستقطاب الكفاءات.

مخاوف الفقاعة والتحديات التقنية

رغم التفاؤل، حذّر مديرو صناديق من «فقاعة سعرية» واضحة في أسهم الذكاء الاصطناعي. وأشارت «ميتا إكس» نفسها في نشرة الاكتتاب إلى مخاطر عدة، أبرزها القيود الأميركية على سلاسل التوريد، والفجوة التكنولوجية الكبيرة، مقارنةً بشركات مثل «إنفيديا» و«إيه إم دي».

كما تواجه الشركة منافسة شرسة في السوق المحلية من «مور ثريدز»، و«هايغون»، و«بيرين»، إضافةً إلى عمالقة التكنولوجيا مثل «هواوي» و«علي بابا»، الذين يملكون موارد مالية وتقنية أضخم.

وتزامن إدراج «ميتا إكس» مع انتعاش واسع في الأسهم الصينية، إذ أنهت بورصات البر الرئيسي وهونغ كونغ سلسلة خسائر استمرت يومين، بدعم من أسهم الذكاء الاصطناعي. وقفز مؤشر الذكاء الاصطناعي في الصين بأكثر من 3.6 في المائة، فيما ارتفع مؤشر شنغهاي المركب بنحو 1.2 في المائة.

وفي المقابل، ظل اليوان مستقراً قرب أعلى مستوى له في 14 شهراً، مع إشارات واضحة من البنك المركزي الصيني إلى عدم رغبته في السماح بارتفاع سريع للعملة، خشية تأثير ذلك على تنافسية الصادرات. ويرى محللون أن بكين تحاول الموازنة بين دعم الأسواق المالية، والحفاظ على استقرار اقتصادي أوسع في ظل تباطؤ عالمي وعدم يقين جيوسياسي.

وتعكس قصة «ميتا إكس» ملامح المرحلة الراهنة في الاقتصاد الصيني، بين طموح تكنولوجي مدفوع بالسياسة، وسيولة تبحث عن فرص نمو، وأسواق لا تخلو من المخاطر. وبينما يراهن المستثمرون على أن تكون هذه الشركات نواة «إنفيديا الصينية» المستقبلية، يبقى السؤال مفتوحاً حول قدرة الزخم السعري الحالي على الصمود أمام التحديات التقنية والمنافسة العالمية في السنوات المقبلة.


تراجع طفيف في استهلاك الطاقة بألمانيا عام 2025 رغم برودة الطقس

مهندس يتحكم في تدفق الغاز بمنشأة تخزينه في ألمانيا (رويترز)
مهندس يتحكم في تدفق الغاز بمنشأة تخزينه في ألمانيا (رويترز)
TT

تراجع طفيف في استهلاك الطاقة بألمانيا عام 2025 رغم برودة الطقس

مهندس يتحكم في تدفق الغاز بمنشأة تخزينه في ألمانيا (رويترز)
مهندس يتحكم في تدفق الغاز بمنشأة تخزينه في ألمانيا (رويترز)

من المتوقع أن ينخفض إجمالي استهلاك الطاقة في ألمانيا عام 2025 بشكل طفيف، وفق تقديرات مجموعة العمل لموازنات الطاقة (إيه جي إي بي)، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وأشارت الإحصاءات إلى وجود عوامل أدت إلى زيادة الاستهلاك وأخرى إلى خفضه. فقد ساهمت برودة الطقس مقارنة بالعام الماضي؛ خصوصاً في فبراير (شباط) ومارس (آذار) وأكتوبر (تشرين الأول)، في ارتفاع استهلاك الطاقة للتدفئة.

وجاء في التقديرات: «لولا تأثير الطقس البارد لكان استهلاك الطاقة في ألمانيا قد انخفض بنحو 1.2 في المائة». وكان الخبراء قد توقعوا في نهاية أكتوبر زيادة طفيفة في الاستهلاك بسبب الطقس البارد.

وذكرت المجموعة أن انخفاض أسعار الوقود وزيت التدفئة والغاز الطبيعي ربما ساهم أيضاً في زيادة الاستهلاك، ولكن العوامل التي خفَّضت الاستهلاك كانت أقوى، مثل ضعف قطاع الصناعات الكيميائية الذي قلل الطلب على منتجات النفط.

وحسب التقديرات، سينخفض الاستهلاك الإجمالي في 2025 بنسبة نحو 0.1 في المائة ليصل إلى 10 آلاف و553 بيتاجول (بي جيه)، أي ما يعادل 2931 تيراواط/ ساعة. وللمقارنة؛ بلغ إجمالي الكهرباء التي ضخت في الشبكة عام 2024 نحو 432 تيراواط/ ساعة، بينما استهلكت مدينة هامبورغ وحدها نحو 10 تيراواط/ ساعة.

أما على مستوى مزيج الطاقة، فقد ارتفعت حصة مصادر الطاقة المتجددة إلى 20.6 في المائة (مقابل 19.8 في المائة في العام السابق)، كما زادت حصة الغاز الطبيعي إلى 26.9 في المائة (مقابل 26 في المائة العام السابق).

في المقابل، تراجعت حصة النفط إلى 35.7 في المائة (مقابل 36.5 في المائة العام السابق)، وكذلك الفحم البني إلى 7.2 في المائة والفحم الحجري إلى 7.1 في المائة. وتشمل النسب المتبقية واردات الكهرباء وكميات ناتجة من حرق النفايات.

وبسبب هذه التغيرات في مزيج الطاقة، انخفضت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة بأكثر من 6 ملايين طن، أي ما يزيد على 1 في المائة مقارنة بالعام السابق، حسب بيانات الإحصائيين.