مسلمو الجيش الأميركي: الولايات المتحدة لم تعد البلد الذي أقسمنا على الدفاع عنه

قالوا إن المناخ العام أسوأ الآن بكثير مما خبروه عقب هجمات سبتمبر

العريف إبراهيم حاشي من مشاة البحرية الذين تركوا الخدمة في عام 2011 ويلتحق الآن بالجامعة الأميركية في العاصمة واشنطن (واشنطن بوست)
العريف إبراهيم حاشي من مشاة البحرية الذين تركوا الخدمة في عام 2011 ويلتحق الآن بالجامعة الأميركية في العاصمة واشنطن (واشنطن بوست)
TT

مسلمو الجيش الأميركي: الولايات المتحدة لم تعد البلد الذي أقسمنا على الدفاع عنه

العريف إبراهيم حاشي من مشاة البحرية الذين تركوا الخدمة في عام 2011 ويلتحق الآن بالجامعة الأميركية في العاصمة واشنطن (واشنطن بوست)
العريف إبراهيم حاشي من مشاة البحرية الذين تركوا الخدمة في عام 2011 ويلتحق الآن بالجامعة الأميركية في العاصمة واشنطن (واشنطن بوست)

يقول هاجيتش، وهو مسلم من أصل بوسنوي كان قد فر من سراييفو في عام 1995: «كانت طريقة ترحيب الأميركيين بنا لها أبلغ الأثر علينا وتركت لدي انطباعا بأنه يجدر بي أن أقدم شيئا في المقابل». بعد فترة قصيرة من تواجده في الولايات المتحدة، التحق هاجيتش بقوات مشاة البحرية الأميركية (المارينز) كجندي للمشاة - على أمل المساعدة في قوات حفظ السلام المتجهة إلى بلاده.
يقول هاجيتش مضيفا: «اعتقدت أنه يتوجب علي الالتحاق بالجيش وسداد ديوني بالنيابة عن عائلتي». شارك هاجيتش في ثماني عمليات انتشار عسكرية بعد ذلك ولا يزال يخدم في سلاح مشاة البحرية، ثم صار شديد الانزعاج إثر مشاعر العداء ضد المسلمين المتصاعدة في الولايات المتحدة عقب هجمات تنظيم داعش الإرهابي الأخيرة في باريس وفي سان برناردينو الأسبوع الماضي. هذا ولقد دعا دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري الأميركي في الانتخابات الرئاسية ومن المرشحين الذين يؤيدهم السيد هاجيتش، مؤخرا إلى حظر المسلمين من دخول الولايات المتحدة.
يقول هاجيتش «لقد اعتدنا أن نكون شعبا متزنا. كما اعتدنا أن نكون صادقين وأمناء مع قيمنا، ولكن الآن فنحن على استعداد لخيانة تلك القيم بسبب الإحساس بالخوف؟ لا يمت ذلك إلى أميركا بصلة. ما الذي حاق بأميركا التي هاجرت إليها؟».
يقول الكثير من المسلمين الأميركيين إنهم يعيشون أوقاتا عصيبة في تلك البلاد. وبالنسبة للمسلمين الذين كانوا أو لا يزالون قيد الخدمة العسكرية، فإن مشاعر التحامل والعداء ضد المسلمين تسبب لهم إيلاما شديدا. ويقول من شاركوا في المقابلات الشخصية لأجل هذا المقال: إن تعليقات الكراهية قد زرعت إسفينا بينهم وبين الدولة التي أقسموا للدفاع عنها.
هناك ما يقرب من 5900 من أفراد الجيش الأميركي من المسلمين - وهي نسبة تمثل 0.27 في المائة من مكونات الجيش العامل والاحتياطي بالقوات المسلحة الأميركية. وفي الكثير من وحدات الجيش، فإن أعدادهم قليلة وفي أغلب الأحيان يجدون أنفسهم ممثلين عن دينهم داخل كتائبهم، حيث يجيبون عن الأسئلة الأساسية حول تعاليم الإسلام.
والآن فإنهم يجدون مناخا أسوأ بكثير من أي شيء خبروه عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) لعام 2001.
يقول العريف إبراهيم حاشي، وهو من مشاة البحرية الذين تركوا الخدمة في عام 2011 ويلتحق الآن بالجامعة الأميركية في العاصمة واشنطن «إن الخطاب مختلف كل الاختلاف، إنه مثير للمزيد من القلق. وإنني خائف على نفسي وعلى سلامة عائلتي الآن».
وقال حاشي إنه طالع مدونات مناوئة للمسلمين على صفحات «فيسبوك» وهي في الغالب ما تكون على الصفحات العسكرية غير الرسمية التي تعود لأفراد من الجيش الأميركي الحاليين والسابقين. ولقد شاهد مؤخرا صورة مكتوبا عليها «إن المسلم الجيد الوحيد هو المسلم الميت». وقال: إنه حاول مواجهة أصدقائه وزملائه من العسكريين السابقين الذين ينشرون المواد البغيضة عن المسلمين على الإنترنت. وكان ردهم، وفقا إلى حاشي: «حسنا يا صاح، نحن لا نتحدث عنك بالتأكيد، إنك رجل صالح. إننا نتحدث عن أولئك الإرهابيين».
يتابع حاشي الذي خدم ذات مرة في أفغانستان ومرتين في العراق: «أخبرهم بأنهم لا يمكنهم عزلي عن مجتمعي ويقولون إنني رجل صالح. إنه أمر سيئ للغاية. كان لزاما علي أن أخرج بعض الناس من حياتي، والبعض منهم أصدقاء، بسبب أنني لم أعد أتقبل ذلك. إنني أقدر ذاتي كثيرا. لدي احترام وتقدير لذاتي».
ووفقا إلى شادي حامد، وهو زميل بارز في معهد بروكينغز، فإن التصاعد المشهود في المشاعر المعادية للإسلام يرتبط ارتباطا وثيقا بوجود تنظيم داعش، وهو التنظيم الذي يشيع قدرا هائلا من الخوف، من الجماعات المتطرفة الأخرى مثل تنظيم القاعدة. بالإضافة إلى ذلك، يعتقد السيد حامد أن موقف الرئيس أوباما حول أن تنظيم داعش لا علاقة له بالإسلام قد أثار عاصفة من الانتقادات الحادة من جانب السياسيين الجمهوريين.
يقول السيد حامد «سيكون الأمر مختلفا إذا كان هناك رئيس من الجمهوريين ويكون قادرا على طرح تلك الرسالة وتأييدها. بعض الناس يعيدون اكتشاف تقديرهم لبعض الجوانب المهمة من رئاسة بوش للبلاد، وذلك لأنه كان صاحب موقف واضح لا لبس فيه حيال مسألة الإرهاب من حيث إنها مختلفة ومنفصلة وتصاحبها تمايزات متأنية».
بالنسبة إلى هاجيتش، المهاجر البوسنوي، فإن اقتراح ترامب بوجوب أن يحمل المسلمون بطاقات هوية خاصة هو اقتراح مشابه تماما لما سمعه في طفولته في البوسنة في بدايات التسعينات، حينما بدأ الصرب في اعتقال المسلمين مع أوامر بارتداء شارة بيضاء على الأذرع حتى يمكن تمييزهم وفقا لدينهم.
يقول هاجيتش «ذلك هو الشيء المفزع فيما يقوله من ترهات. إنني أدرك تماما كيف تكون الأحوال عندما تقطع حبال الثقة ما بين جيرانك وأصدقائك.. لقد رأيتهم ينقلبون على بعضهم البعض جراء ذلك».
تكلم بعض المحاربين السابقين من المسلمين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ومن بينهم طيب راشد، وهو جندي سابق في مشاة البحرية، كان قد غرد بصورة لبطاقته العسكرية بعدما قال ترامب إن المسلمين يجب أن يحملوا بطاقات خاصة.
وقال نقيب الجيش نادي قاسم إنه يرى الخطاب الشائع اليوم «معادٍ لأميركا» ولقد شهد بلاده تنزوي إلى هوة الخوف من الإسلام مجددا من مسافة بعيدة. ويعتقد النقيب قاسم، المتواجد في ألمانيا والمسؤول عن كتيبة من 120 جنديا وجندية، أن المناخ الحالي يضاد الجيش وقيمه بصورة عميقة.
ويقول النقيب قاسم «إن ذلك الخطاب لا يمثل ما يمثله الجيش عند الحديث عن المساواة. التمييز ليس أمرا جيدا، والتحيز العنصري ليس أمرا جيدا، وإنه أمر يأتي من شخص مسلم ممن قرروا الدفاع عن بلادهم، حيث لا يمكن للآخرين فعل ذلك».
والنقيب قاسم، وهو من خريجي الكلية الحربية الأميركية في عام 2010 ونجل لاجئين فلسطينيين، لديه سجل مهني عسكري إيجابي للغاية كمسلم، ويخدم حاليا مع فريق للقيادة المتنوعة الذي يدير وحدة للقيادة تحت الفوج الثاني للفرسان. ويقول العريف السابق بمشاة البحرية منصور شمس إن الخطاب المعادي للمسلمين ينزع الشرف والاحترام عن ذكرى المسلمين الأميركيين الذين لقوا حتفهم بالزي العسكري الأميركي.
يقول العريف شمس، وهو أميركي من أصل باكستاني كان قد غادر كراتشي في سن السادسة والتحق بمشاة البحرية الأميركية في عام 2000: «في كل مرة يُنشر تعليق معاد للإسلام فإننا نوجه به إهانة إليهم، إننا لا نكرمهم بذلك أبدا. إنهم الجنود الذين ماتوا من أجل هذا البلد، ونحن نستهين بمعتقداتهم طوال الوقت».
مشاهد العريف شمس هجمات الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 تتكشف أمامه من مقر عمله في ولاية كارولينا الشمالية، وفي الأيام التي أعقبت الهجمات كُلف بتلقين مشاة البحرية ما يعرفه عن دينه. ومن واقع أنه عريف حديث العهد في مشاة البحرية ممن عملوا في الإدارة حديثا، وقف شمس أمام مئات من زملائه في المسرح الرئيسي بمعسكر لوجون في كارولينا الشمالية وشرح أركان الإسلام الخمسة.
وخلال سنوات خدمته الخمس، قال حاشي إنه لم يجد سوى الحب داخل فصيلته. وإن دينه لم يكن الأساس في التعامل، كما يتذكر، وإن المزحة الوحيدة التي كان يسمعها كانت بسبب اسمه الأخير. ويفسر حاشي ذلك حيث يقول: إن اسمه الأخير يشبه كلمة دارجة غالبا ما كانت تستخدم كثيرا بواسطة الجنود الأميركيين في العراق وأفغانستان.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.