تصريحات المرشح الجمهوري «مدروسة» وتهدف إلى رفع شعبيته السياسية

متابعوه يرحبون بصراحته رغم تزويره للحقائق

تصريحات المرشح الجمهوري «مدروسة» وتهدف إلى رفع شعبيته السياسية
TT

تصريحات المرشح الجمهوري «مدروسة» وتهدف إلى رفع شعبيته السياسية

تصريحات المرشح الجمهوري «مدروسة» وتهدف إلى رفع شعبيته السياسية

منذ انطلاق حملته الانتخابية، أغضب ترامب الملايين بتصريحاته المثيرة للجدل، والعنصرية في كثير من الأحيان. فقد وصف المكسيكيين بـ«المغتصبين»، واستهزأ من المظهر الخارجي لمنافسيه في السباق الانتخابي، واتهم آلاف المسلمين بـ«الاحتفال» بعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية، ودعا إلى حمل السلاح ضد المسلمين ومنعهم من دخول الولايات المتحدة.
ورغم الفوضى السياسية التي تسبب بها داخل أميركا وعلى الصعيد الدولي، فإن إهاناته وخطابه المستفز دفع به إلى مقدمة السباق الانتخابي الجمهوري للبيت الأبيض. وفي حين توحي تصريحاته بأنه يقود حملة انتخابية فوضوية، إلا أنه في الواقع مرشح منهجي ومنطقي، وفقا لما كشفته نتائج تحليل صحيفة «واشنطن بوست» من خلال مقارنة الرسائل التي يروج لها من خلال خطاباته وآلاف التغريدات، بمستويات الدعم الشعبي التي تليها.
ويمكن تلخيص الخاصيات السياسية لتصريحات ترامب النارية في ثلاث نقاط أساسية، فالخاصية الأولى تتمثل في عملية اختبار مدى استجابة مؤيديه لمواقفه المثيرة للجدل، بهدف تحديد ما يعزز مكانته في السباق الانتخابي، وما يقوض فرصه. ولن يكون ترامب أول مرشح رئيسي يستعمل هذه الاستراتيجية السياسية، لكنه من القلائل الذين يختبرونها بطريقة تبدو تلقائية وعلى البث الحي.
أما الخاصية الثانية، فهي أنه ينطلق من حقائق، ثم يبالغ فيها أو يزورها إلى حد كبير. فلو عدنا إلى تصريحاته النارية حول استقبال أميركا للاجئين السوريين ووصفه هذه الخطوة بـ«الجنون»، فنجد أنه استغل تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما حول التزام إدارته باستقبال 10 آلاف سوري، إلا أنه بالغ في العدد ليصل إلى 250 ألف سوري ونسب العدد الضخم إلى «مصدر موثوق». كما استغل ترامب النقاشات السياسية حول تسرب إرهابيين ومتطرفين إلى بلدان غربية متنكرين كلاجئين، مما رفع شعبيته ضمن الجمهوريين والأميركيين الذين يربطون فتح أبواب الهجرة بزعزعة الأمن والاستقرار.
وتتعلق الخاصية الثالثة في إيحاء ترامب، من خلال تحديه مبادئ الخطاب السياسي المسؤول، بأنه صادق وحقيقي، عكس أغلبية السياسيين الآخرين الذين يفضلون اللجوء إلى مواقف دبلوماسية ويتفادون المواجهة ويهربون من الانتقادات. كما يرى مؤيدوه والمتعاطفون معه أنه رغم مواقفه المثيرة للجدل التي تفتقد إلى المصداقية في أغلب الأحيان، فإنه يبقى أكثر المرشحين إخلاصا لنفسه ولآرائه.
من ناحية أخرى، استفاد ترامب من الدعاية الانتخابية المجانية، حيث إن كل تصريح جديد يضمن له تغطية إعلامية كثيفة تتفوق على تلك التي سبقتها. كما أن ترامب وفر الملايين في حملته الانتخابية؛ إذ إنه، عكس غيره من المرشحين، لا يسعى جاهدا إلى إقناع الجهات الإعلامية باستقباله أو نشر برنامجه الانتخابي، بل إن هذه الأخيرة هي التي تتسابق للانفراد به.



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.