معبر رفح.. أزمة خانقة تضاعف من أزمات الفلسطينيين الإنسانية في غزة

يُفتح للمسؤولين.. وتنتشر فيه الواسطة والرشى والمحسوبية

معبر رفح.. أزمة خانقة تضاعف من أزمات الفلسطينيين الإنسانية في غزة
TT

معبر رفح.. أزمة خانقة تضاعف من أزمات الفلسطينيين الإنسانية في غزة

معبر رفح.. أزمة خانقة تضاعف من أزمات الفلسطينيين الإنسانية في غزة

يشكل معبر رفح الحدودي مع مصر، اليوم، الجزء الأكبر من الأزمات التي تعصف بحياة الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين لا يجدون سبيلا آخر يسلكونه، في ظل الحصار الإسرائيلي الخانق، وتوقف العمل بالأنفاق، التي كانت أحد طرق الخروج من القطاع، قبل أن يجري إغلاقها.
وكانت السلطات المصرية، فتحت المعبر يومي الخميس والجمعة الماضيين، بشكل استثنائي، بعد أكثر من 100 يوم من الإغلاق المتتالي. وسمحت لـ1500 مسافر فقط، بالانتقال من غزة إلى العالم الخارجي، في حين أن المسجلين للسفر في كشوفات وزارة الداخلية، التي تديرها حماس، وصلوا إلى 25 ألفا.
ولاحظ نشطاء في قطاع غزة، تلقي المعنيين، رشى وممارسة المحسوبية في انتقاء من يسمح لهم بالسفر من المواطنين. وجرت أحاديث، وحتى توجيه اتهامات إلى جهات فلسطينية في غزة ورام الله, بتلقي رشى مالية تصل إلى 3 آلاف دولار للشخص الواحد، لتمكين مسافرين محددين من السفر على الحافلات الأولى التي غادرت القطاع. وهذا ما أكده عدد من المسافرين الذين لم يفلحوا في الخروج من غزة، بعد أشهر طويلة من الانتظار.
وقال محمود ضاهر (28 عاما)، وهو من سكان حي الشجاعية، إنه سجل اسمه ضمن كشوفات السفر، لتلقي العلاج في أحد المستشفيات المصرية، بسبب مرض مفاجئ ألم به، منذ شهر أغسطس (آب) الماضي. إلا أن أحلامه لم تكتمل، في ظل تفشي المحسوبية التي بدت واحدة من أشياء كثيرة تجري في معبر رفح. وأوضح ضاهر لـ«الشرق الأوسط»، أن آلية العمل على المعبر، كانت بطيئة جدا من قبل الجانب المصري والفلسطيني. فقد كان الضباط المصريون يطلبون الأسماء المحددة للسماح لها بالسفر. في حين كان الضباط الفلسطينيون في غزة، يتولون بدورهم، وضع أسماء أقربائهم وغيرهم من المواطنين، ليتبين فيما بعد أن هناك وسطاء في هذه العمليات يتلقون عمولات.
من جانبها، قالت فاطمة قبلان (47 عاما)، وهي من سكان مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، إن ابنتها الوحيدة التي تعاني من مرض السرطان، كانت بحاجة ماسة للسفر لتلقي العلاج، لكن لم يسمح لها، وهي تعاني الآن من آلام حادة، بينما تمكن من يملك المال، أو لديه وسيط، من السفر. وأشارت قبلان، إلى أن لدى ابنتها تحويلة طبية من وزارة الصحة، تتيح لها الخروج من المعبر لتلقي العلاج في مستشفيات مصر، واليوم فقدت الأمل في ذلك.
ويقول الناطق باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، إن العمل الجزئي لمعبر رفح يومي الخميس والجمعة، زاد من آلام المرضى وفاقم من أوضاعهم الصحية. مضيفا «بتنا أكثر قلقا على حياة العشرات منهم وهم ينتظرون أن يسمح لهم بالسفر، ولا نريد أن يسجل التاريخ على الشقيقة مصر أن مرضى غزة قضوا نحبهم على أعتاب البوابات السوداء في معبر رفح البري».
ودعا القدرة، السلطات المصرية إلى فتح المعبر باستمرار، لإفساح المجال أمام الحاﻻت المرضية والإنسانية، التي باتت تعيش عذابات حقيقية في ظل احتياجاتها الملحة للسفر وإنهاء معاناتها اليومية.
ودشن نشطاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي هاشتاغ «#سلموا_المعبر»، وطالبوا حركة حماس بتسليم إدارة المعبر إلى السلطة الفلسطينية، التي وعدت في حال جرى ذلك فعلا، بفتحه باستمرار. وأثار ذلك جدلا واسعا، تفاعل معه سياسيون من الفصائل الفلسطينية كافة. بينما روجت قيادات حمساوية إلى أن تسليم المعبر يعني تسليم سلاح المقاومة، كما كتب المسؤول الإعلامي في الحركة، إيهاب الغصين، عبر صفحته على «فيسبوك»، قبل أن يقدم على حذف ذلك بعد 5 ساعات، تعرض خلالها إلى انتقادات حادة، خاصة وأنه سافر، شخصيا، قبل أشهر إلى تركيا لتلقي العلاج، وقد فتح المعبر له بشكل خاص، ومعه عدد من المرضى.
يذكر أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، والرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، كانا قد ربطا مرارا، في تصريحات سابقة لهما، فتح المعبر، بالسيادة الشرعية، وسيطرة السلطة الفلسطينية عليه وإدارته، وعلى معابر قطاع غزة كافة. وهذا ما رفضته حماس، ولا تزال، على لسان قياداتها، وخصوصا موسى أبو مرزوق، الذي أكد أن حركته، ترفض تسليم المعبر من دون اتفاق وطني فلسطيني، كما تنص اتفاقيات المصالحة.
يذكر أن المعبر، ظل تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، برقابة أوروبية - إسرائيلية، حتى يونيو (حزيران) 2007، حين سيطرت حركة حماس على قطاع غزة، وانسحب المراقبون الأوروبيون منه، ومن ثم أعلنت مصر إغلاقه، قبل أن تعود لفتحه على فترات متباعدة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.