الكوميديا في نيجيريا تنتعش من العلل الاجتماعية

أصبحت مقياسًا للثروة والمكانة في المجتمع

فنانو الكوميديا النيجيريون يسعون إلى اضحاك  الناس في أكثر اللحظات كآبة (نيويورك تايمز)
فنانو الكوميديا النيجيريون يسعون إلى اضحاك الناس في أكثر اللحظات كآبة (نيويورك تايمز)
TT

الكوميديا في نيجيريا تنتعش من العلل الاجتماعية

فنانو الكوميديا النيجيريون يسعون إلى اضحاك  الناس في أكثر اللحظات كآبة (نيويورك تايمز)
فنانو الكوميديا النيجيريون يسعون إلى اضحاك الناس في أكثر اللحظات كآبة (نيويورك تايمز)

لم يسبق لنيجيريا أن ضحكت بصوت أعلى مما تضحك به اليوم رغم فساد السياسيين، والانقطاع اليومي للكهرباء، والطوابير الطويلة أمام محطات الوقود، وويلات بوكو حرام في أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان.
وانتعشت الكوميديا في البلد، فقد أصبحت العروض الكوميدية خلال السنوات الماضية إحدى أفضل وسائل الترفيه الناجحة، وهي تعرض اليوم في كل أنحاء أفريقيا، بحسب خبراء في هذه الصناعة. كما ظهر فن الكوميديا الارتجالية، المعروفة بـ«ستاند أب كوميدي»، مع عودة نيجيريا للحكم الديمقراطي عام 1999 لتصبح ثالث أكبر وسيلة للترفية في البلاد بعد السينما والموسيقى.
وأصبح هذا الفن يجذب عددا كبيرا من فناني الكوميديا الطموحين لعرض فقراتهم الكوميدية في مختلف المدن، لتصبح مركز الضحك بالبلاد. وقال الكاتب ازيتشى اونرينوا إن «النيجيريين لا يزالون يتعرضون لكافة أنواع الصدمات في حياتهم اليومية بسبب حالة السبات التي تعيشها قيادتنا»، مضيفا: «يبحث الناس عن أماكن في الحياة يجدون فيها الملاذ، وهذا هو السبب في أن الكوميديا وجدت سوقا رائجة هنا». وتحولت فقرات «ستاند أب كوميدي» إلى عروض ثابتة في المناسبات الاجتماعية، كحفل نقابة محامين استعان أخيرا بأحد الكوميديين، يدعى علي بابا، لإحياء العشاء.
وقال بركلايس أيكروما، ناقد ثقافي كتب عن ظهور فن «ستاند أب كوميدي» في نيجيريا إنه «منذ عشر سنوات، كان متعهدو الحفلات يديرون برنامج الحفل تتخلله بعض المقاطع المضحكة القصيرة التي ترسم الابتسامة على وجوه الحاضرين»، مضيفا: «لكن اليوم، وبناء على ثروتك، يتعين عليك إحضار كوميديا ارتجاليا جيدا لإحياء الحفل. فنادرا ما ترى أي مناسبة من دون وجود كوميدي يعرض بين فقرات الحفل، فقد أصبحت عادة مألوفة في عرض البلاد وطولها».
ففنانو الكوميديا أو «بائعو الضحك والابتسامة»، يسعون إلى إضحاك الناس في أكثر اللحظات كآبة، وأحيانا حينما يعم إحساس البؤس على الجميع. كما يتحدى هؤلاء العادات والتقاليد الاجتماعية، خاصة أن نيجيريا لا تزال دولة ذات نظام حكم هرمي يحظى فيها الأشخاص من ذوي النفوذ على قدر كبير من التبجيل والاحترام.
وللمرة الثانية منذ نهاية الحكم العسكري عام 1999. وجدت نيجيريا نفسها محكومة من لدن جنرال سابق، الرئيس محمد بخاري، في دليل على نفوذ الجيش.
وتعرض الفنان الكوميدي المشهور «باسكتموث» لهجوم عنيف مؤخرا بسبب عروضه الساخرة عن اختلاسات الحكومة السابقة، التي أثارت انتقادات حزب الحكومة السابقة ومؤيديها، وجرى توجيه اتهام الإساءة إلى سمعة نيجيريا إلى فنان الكوميديا، واسمه الحقيقي برايت أكبوشا. وقال أكبوشا، البالغ من العمر 37 عاما: «أستطيع الابتعاد عن النكات الدينية، لكنني لن أبتعد عن النكات السياسية، فهي الشيء الذي يؤثر في الأشخاص العاديين، وليس هناك من يتحدث نيابة عنهم. وأنا متقيد بحدود معينة، حتى أعيش لفترة أطول، ولكن لا أستطيع أن أرى حقيقة وأكتمها».
وكان المسرح فنا شعبيا في البلد في الستينات وسبعينات القرن الماضي، لكن بالنسبة للكثير من النيجيريين، لم يكن فن «ستاند أب كوميدي» معروفا حتى بداية الحكم المدني الحالي. ويفيد الناقد أيكرومكا: «أثناء الحكم العسكري، لم يكن بمقدورك الذهاب لأداء فقرة كوميدية لانتزاع الضحك بنكات عن رئيس الدولة»، مضيفا: «إن حدث ذلك، فسيعتقلونك في الليلة نفسها، ولذلك فنحن نقول: إن الحكم المدني فتح السبيل للناس للسخرية من القادة دون خوف من الاعتقال».
ويعتبر «علي بابا»، واسمه الحقيقي أتينيوتا أليليا، رائدا فن «ستاند أب كوميدي» في نيجيريا، ويبلغ عمره الآن 50 عاما. ولأنه لم يسبقه فنان نيجيري يقتدي به، اضطر «علي بابا» إلى البحث في تاريخ ذلك الفن في الولايات المتحدة عن طريق الرجوع إلى النسخ القديمة من مجلة «ريديرز دايجيست»، واقتبس منها نحو 10 آلاف نكته وقصة.
وبعد تنامي قوة فناني الكوميديا، أدرك بعض الساسة فائدة ذلك الفن، فإذا كان مسؤول معين موضوعا لنكتة، فإن ذلك يعدّ دليلا على قوة المسؤول أو على صلته بذلك الفنان الكوميدي.
* خدمة «نيويورك تايمز»



بعد قرار تشاد وتصريحات السنغال... هل يُغير الفرنسيون تحالفاتهم الأفريقية؟

الرئيس الفرنسي ونظيره النيجيري في باريس قبل أيام (رويترز)
الرئيس الفرنسي ونظيره النيجيري في باريس قبل أيام (رويترز)
TT

بعد قرار تشاد وتصريحات السنغال... هل يُغير الفرنسيون تحالفاتهم الأفريقية؟

الرئيس الفرنسي ونظيره النيجيري في باريس قبل أيام (رويترز)
الرئيس الفرنسي ونظيره النيجيري في باريس قبل أيام (رويترز)

لعقود طويلة ظلت منطقة غرب أفريقيا توصف بأنها «الحديقة الخلفية» للنفوذ الفرنسي، ولكن في السنوات الأخيرة اندلع حريق غاضب في هذه الحديقة، طرد الجنود الفرنسيين من مالي ثم بوركينا فاسو والنيجر، وأخيراً من تشاد.

اليوم تنتشر القوات الخاصة الفرنسية في خمس دول أفريقية فقط، هي: تشاد وكوت ديفوار والغابون والسنغال وجيبوتي... دول ظلت توصفُ بأنها الأكثرُ وفاءً لباريس، ولكن المفاجآت لم تتوقف، فقد قررت تشاد -قبل أيام- إنهاء اتفاقية التعاون العسكري والأمني مع فرنسا والبحث عن «سيادتها».

الابنة المدللة لفرنسا

أما السنغال التي توصف بالابنة المدللة لفرنسا، وتلقَّب عاصمتها داكار بأنها «باريس الصغرى»، فقد بدأت تكتشف أن هنالك جنوداً أعينهم زرقاء وبشرتهم بيضاء يتحركون في شوارعها بشكل مستفز، وتحدث رئيسها الجديد والشاب عن اقتراب اليوم الذي سيغادر فيه الفرنسيون بلاده.

الرئيس الفرنسي خلال جولة أفريقية سابقة (أ.ف.ب)

خطة جديدة

الحديث عن انسحاب القوات الفرنسية من آخر معاقلها في أفريقيا، قد يكون متناغماً مع رغبة الشعوب الأفريقية في «التحرر» من هيمنة المستعمر السابق، ومحاولة أنظمة الحكم الاستجابة لهذه الرغبة أو على الأقل ركوبها سياسياً وانتخابياً، ولكنَّ بعض المراقبين يربطه بخطة فرنسية لتغيير «استراتيجيتها» في القارة السمراء، تكون أكثر هدوء وأقل خطراً.

من الواضح أن الفرنسيين مُنوا بخسائر اقتصادية وعسكرية كبيرة في منطقة الساحل، لصالح قوى صاعدة مثل الصين وروسيا وتركيا، مما دفع المسؤولين الفرنسيين إلى التفكير في التأقلم مع الواقع الجديد.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعلن في شهر فبراير (شباط) من العام الماضي (2023)، نيته خفض القوات الفرنسية في أفريقيا، وبعد عام، أي في شهر فبراير 2024، عيَّن جان-ماري بوكل مبعوثه الخاص إلى أفريقيا، وكلَّفه بإعداد خطة لإعادة هيكلة الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا. وركزت مهمة بوكل على أربع دول هي: تشاد، والغابون، وكوت ديفوار، والسنغال.

السياسي الفرنسي وعضو الحكومة السابق في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، طار إلى الدول الأفريقية، وعاد منها ليسلِّم تقريره لماكرون يوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ورغم أن التقرير لم يُنشر للعموم، فإن بعض المعطيات تشير إلى أنه اقترح تقليص عدد الجنود من 2300 إلى 600، مع تعزيز التعاون مع الجيوش المحلية.

ويشير التقرير إلى أنه من أجل «الحفاظ على الروابط الاستراتيجية» بين فرنسا ودول غرب أفريقيا، لا بد من تمكين هذه الدول من «إدارة أمنها بشكل مستقل»، والتحول نحو شراكات جديدة تقوم على «التنمية الاقتصادية».

نموذج للتعاون

تتحدث الخطة الجديدة عن «نموذج للتعاون» تتحول بموجبه القواعد العسكرية الفرنسية إلى «مراكز للدعم»، من خلال تقليص عدد الجنود إلى الحد الأدنى، فلا يبقى مثلاً في السنغال والغابون سوى 100 جندي، بدل 350 جندياً في كل دولة، ونفس الشيء بالنسبة إلى كوت ديفوار وتشاد، حيث يقارب عدد الجنود الفرنسيين في كل واحدة منهما ألف جندي.

المبعوث الفرنسي إلى أفريقيا قال في تصريحات صحفية قبل أيام، إن «مصطلح إعادة التشكيل يبدو الأنسب للمرحلة الحالية، لأن الفكرة هي تقديم مقترحات والاستماع، ثم التوصل إلى اتفاق يحقق مكاسب للطرفين».

ولكن بوكل في تصريحاته أكد بثقة واضحة أنه «لا توجد طلبات رسمية لمغادرة القوات الفرنسية» من الدول الموجودة فيها، مما يضع أسئلة حول مدى تعاون هذه الدول مع باريس لتنفيذ الخطة الفرنسية الجديدة.

ويبدو أن الخطة الفرنسية تتلخص في تحويل القواعد العسكرية إلى «مراكز مصمَّمة لتلبية الاحتياجات الخاصة لكل دولة مضيفة»، وهو ما تشرحه المصادر بأنه «سيتم استبدال الترتيبات العسكرية الثقيلة بوحدات ارتباط دائمة، مع التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية».

شركاء جدد

وإن كان الفرنسيون شرعوا في طي أسلحتهم وعتادهم للخروج من أفريقيا، إلا أنهم كانوا يمدّون اليد نحو شركاء جدد «غير تقليديين»، ويُعيدون إحياء العلاقات مع شركاء «تقليديين»، ولكن وفق صيغة جديدة تضمن لهم البقاء في قارة ظلت لأكثر من قرن مركز نفوذهم الأول.

ماكرون منذ أن وصل إلى السلطة وهو يحرص على زيارة الدول الأفريقية الناطقة باللغة الإنجليزية، مثل غانا وجنوب أفريقيا ونيجيريا، والأخيرة التي تعد أكبر منتج للنفط في القارة والقوة الاقتصادية الأولي في غرب أفريقيا، يشير الخبراء إلى أنها «ركيزة محورية» في الاستراتيجية الفرنسية الجديدة.

في 28 و29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، استقبلت فرنسا الرئيس النيجيري بولا تينوبو، وهي المرة الأولى التي يزور فيها رئيس نيجيري باريس منذ ربع قرن، وهيمنت على هذه الزيارة الملفات الاقتصادية الكبرى، وانتهت بوعود إقامة «شراكة اقتصادية» واعدة.

في السياق ذاته، حاول ماكرون أن يعيد صياغة الشراكة التي تربط بلاده بدول المغرب العربي، خصوصاً المغرب التي زارها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ووقَّع اتفاقيات استثمار بقيمة 10 مليارات يورو.

تحاولُ فرنسا أن توقف نزيف الخسائر الاقتصادية التي منيت بها خلال العقدين الأخيرين في أفريقيا، إذ يشير بعض التقارير الصادرة عام 2019 إلى انخفاض حصتها السوقية في القارة من 12 في المائة إلى 7 في المائة فقط، وكان ذلك لصالح منافسين جدد.

وازدادت الخسائر الفرنسية خلال العام الأخير، إذ علَّقت شركة «أورانو» الفرنسية المتخصصة في استخراج اليورانيوم عملياتها في النيجر اعتباراً من 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بسبب مضايقتها من طرف المجلس العسكري الحاكم هناك، كما انسحبت عدة بنوك وشركات فرنسية من دول أفريقية دخلت دائرة التصنيف المعادي لفرنسا.