في صدر صفحتها الأولى، نشرت صحيفة «ذا صن» والتي يمتلكها روبرت مردوخ، مقالا اعتبر ذا طبيعة تتماشى مع صحف الإثارة، وبصرف النظر عن الاستقالة السريعة لنائب رئيس المجلس اللورد سيويل، هناك ملاحظتان حول المقال؛ الملاحظة الأولى هي أن الشرطة رفضت تقديم أدلة إدانة ضد سويل بعد مداهمتها لشقته، مما يعد دليلا على العلاقة الجديدة المتوترة بين صحيفة مردوخ التي كانت يوما ما قوية لأبعد الحدود وإدارة شرطة العاصمة لندن هنا. الملاحظة الثانية هي أنه أصبح من الغريب رؤية هذا النوع من المقالات هذه الأيام. فبعد فضيحة التنصت على المكالمات الهاتفية عام 2011 التي تورطت فيها صحيفة «نيوز أوف ذا ورلد» التي يمتلكها مردوخ والتي كشفت عن اعتماد بعض صحف الإثارة على ما يسمى الفن الأسود، الذي يعنى التنصت بشكل غير قانوني على الرسائل الصوتية، ورشوة ضباط الشرطة واستئجار مخبرين سريين للحصول على معلومات والقيام بالمراقبة غير القانونية وغيرها من الممارسات، أصبح من الضروري لتلك الصحف أن تنظف من نهجها وأسلوب عملها. بيده أنه الآن تراجعت معجلات تلك الفضائح عن ذي قبل.
وحسب آلان رسبريدجر، المحرر السابق في صحيفة الـ«غارديان»، والرئيس الحالي لمؤسسة «سكاوت تراست» التي تمتلك الـ«غارديان»، فإن مجلة «أيام الغرب المتوحش» ومقالاتها الأسبوعية عن لاعبي الكرة أو أعضاء مجلس النواب المنحرفين الذين ظهروا في صور بينما سراويلهم على الأرض كلها قد انتهت. وبدلا من كل تلك الفضائح، ظهرت المقابلات الشخصية السهلة مع المشاهير، وحلقات تلفزيون الواقع، ومقالات تروج للأجندات السياسية لمالكي الصحيفة. أما بالنسبة لعدد الأحد لصحيفة «ذا صن» وغيرها من الصحف التابعة لها، فكلها مليئة بالمقالات والافتتاحيات التي تعكس وجهة نظر معارضة لوجهة نظر أوروبا، وللهجرة، وللمسلمين.
ففي عدد الاثنين الماضي، على سبيل المثال، زعمت الصحيفة في صفحتها الأولى أن استطلاعًا للرأي أكد أن 20 في المائة من مسلمي بريطانيا يؤيدون التطرف، وربطت بينه وبين مقال رأي بعنوان: «يعنى هذا الاستطلاع الصادم أننا يجب أن نغلق أبوابنا أمام المهاجرين من الشباب المسلم». (ونشرت صحيفة «ذا تايمز أوف لندن» التي يمتلكها مردوخ أيضًا، مقالا مشابها ثم أعقبته بتصحيح قالت فيه إن العنوان كان مضللا). ولا تخضع الموضوعات القليلة التي تتعرض لفضائح المخدرات والجنس التي تنشرها الصحف للتدقيق القانوني الشديد، وكما هو الحال في أعمال اللورد سيويل الطائشة، تبرر الصحف ذلك باعتباره سعيا للصالح العام، لا لهثا وراء الفضائح.
ففي الماضي، كثيرا ما قال صحافيو الإثارة إن رؤساءهم في العمل أجبروهم على استخدام أساليب مشبوهة كي يحصلوا على سبق صحافي. وأفاد غراهام جونسون، صحافي سابق متخصص في تغطية أخبار الجريمة المنظمة بصحيفة «صانداي ميرور»، أن اللحظة التي تفتحت فيها عيناه في هذا الاتجاه كانت عندما طلب منه مدير التحرير النبش في خطايا أحد المشاهير من النساء التي ارتبطت بعلاقة عاطفية مع عضو في عصابة.
قال جونسون: «سألته، كيف عرفت؟ أجاب المدير، لقد تنصت على مكالماتها الهاتفية، ثم علمني كيف أتنصت عليها». ترك جونسون العمل بعدما تنصت على عشرات من الرسائل الصوتية وطلب منه متابعة الاثنين حتى باب الفندق، وفى النهاية اعترف جونسون باقترافه جرم التنصت على المكالمات الهاتفية، وحكم عليه بالسجن مع إيقاف التنفيذ وتأدية مائة ساعة من الخدمة العامة»، بحسب الـ«غارديان» البريطانية.
وتفاقمت فضائح التنصت على المكالمات الهاتفية مع الكشف عن قيام موظفي صحيفة «نيوز أوف ذا ورلد» بالتنصت على الرسائل الصوتية لطالبة قبل مقتلها ووصلت للذروة مع إغلاق الصحيفة، وساهم كل ذلك في تغيير تلك الممارسات.
فبعد الكشف عن التنصت على المكالمات، ألقي القبض على عدد من العاملين في صحف التابلويد (الفضائح).
قام المئات من ضحايا التنصت على المكالمات الهاتفية بمقاضاة صحيفة «نيوز يو كي» الذراع البريطانية لمردوخ ومجموعة صحف «ميرور» التي تورطت كذلك في جرائم التنصت على المكالمات، وحصل الضحايا على تعويضات يقدر إجماليها بمئات الملايين من الجنيهات. وبعد بحث طويل، أوصى القاضي لورد ليفيسون بمراجعة وتدقيق قانون الصحافة. وتسبب ذلك في إعادة البريطانيين النظر في الدور المبالغ فيه الذي يلعبه مردوخ في إنفاذ القانون وفى السياسة وفي حياة المشاهير، وبناء عليه أعيد تشكيل القانون غير المعلن لصحف التابلويد. صاغت صحيفة «نيوز يو كي» قوانين جديدة لصحافييها بشأن عدم رشوة مسؤولي الحكومة، ودفع مبالغ مالية مقابل عمل موضوعات صحافية (مسموح به في بعض الأحيان)، واستخدام محققين خاصين (بعد الحصول على موافقة رسمية)، وجمع معلومات خاصة إلكترونيا (غير مسموح به). موظفي تلك الصحف مطالبين بالتدريب على أمور مثل تجنب تضارب المصالح، الرشوة، التكنولوجيا، السلوك في مكان العمل، تكنولوجيا الاتصالات وكشف الأسرار.
فبالإضافة إلى الدعاوى المقامة ضد عشرات الصحافيين من مختلف المؤسسات الصحافية، واجه بعض رجال الشرطة اتهامات بقبول رشى من صحف التابلويد، وهى التهمة التي بُرئ منها بعض الصحافيين. وأثر ذلك سلبا على العلاقة بين الجانبين التي كانت تكافلية في السابق، فحسب سكوت هسكيت، محرر سابق في أخبار الجريمة بصحيفة التابلويد «ذا ديلي ستار»: «حدث شرخ كبير في العلاقة بين الصحافيين والشرطة». اعتاد كييسكيث دفع رشى للشرطة وعدد من العاملين بالسجون وفى المحاكم كي يمدوه بالأخبار، أغلبها أخبار عن مخالفات جسيمة.
وقال هيسكيث، في الماضي كان بالإمكان الاتصال بشرطي عادي وأقول: «هل لك أن تعطيني خبرا»، بيد أن «كل هذا تغير الآن». وكثيرا ما اشتعل غضب صحف التابلويد التابعة لمردوخ ونددت بالنيابة العامة الملكية في بريطانيا، خاصة عندما يتعلق الأمر بمحاكمة الصحافيين.
وصرح غراهام دودمان، المدير التنفيذي السابق لصحيفة «ذا صن»، للصحافيين بعد الإفراج عنه وتبرئته من تهمة رشوة موظفين عموميين الربيع الماضي، أن قسما كبيرا من أموال دافعي الضرائب ذهبت لوحدة التحقيقات في الرشى المقدمة لرجال الشرطة «أوبريشن ألفادين»، مضيفًا: «تكشفت الحقيقة الآن، إذ إن الأمر تم بدوافع سياسية ضد صحف التابلويد».
فعلى السطح يبدو وكأن شيئا لم يتغير، إذا إن أعداد توزيع صحيفة «ذا صن» بلغت 1.8، في حين تحقق صحيفة «ذا صن» الصادرة يوم الأحد 1.5 مليون نسخة، ولا تزالا الأعلى توزيعا في بريطانيا. وفي بداية الخريف الحالي، عادت ريبكا بروكس، التي كانت استقالت من عملها بإمبراطورية مردوخ ثم بُرئت لاحقا من كثير من الاتهامات عام 2014، لمنصبها القديم بعد أن عُينت مديرا تنفيذيا لمؤسسة «نيوز يو كي».
ولا يزال مردوخ لاعبا أساسيا في كواليس السياسية البريطانية، مستخدما صحفه في النيل من خصومة مثل «بي بي سي» والقناة الرابعة وغيرها. لكن الوقت تغير الآن، حتى بالنسبة لمردوخ نفسه. فلنتذكر محاذير محمود، الشيخ المزيف والمفضل عند مردوخ، الذي عمل صحافيا سريا بصحيفة «نيوز أوف ذا ورلد» وصحيفة «ذا صن»، فكان الرجل يجيد التنكر، ونجح في الإيقاع بمسؤولين حكوميين ومشاهير بدفعهم للتورط في جرائم، وقام بتصوير مخالفاتهم بالكاميرا ثم فضحهم في صحفه. تفاخر دوما أن مقالاته تسببت في إدانة مائة شخص.
بيد أن لدغته عام 2013 التي تنكر فيها في هيئة مدير في مجال صناعة الأفلام الهندية «بوليوود» وأقنع أحد مطربي البوب أن يبيع له الكوكايين انتهت بالفشل والخزي للصحيفة نفسها، حيث أسقط القاضي الدعاوى المقامة على المطرب «تسوليا كونتوستافلوس» المترتبة على هذه القضية، وواجه محمود تهمة تضليل العدالة، وينتظر الآن تهما بالتآمر لإفساد العدالة.
وعلى عكس المألوف والمتوقع منها في مثل هذه الحالات كما حدث في السابق، قامت صحيفة «ذا صن» الصادرة يوم الأحد بفصله من العمل، ولم تصرح الصحيفة ما إذا كانت سوف تتحمل تكاليف التقاضي.
حسب هسكيث، «كان يتعين على الصحافة البريطانية أن تنظف سجلها، وها قد فعلت».
صحف تابلويد مردوخ البريطانية تنظف نفسها
اعتمدت ما يسمى «الفن الأسود» ويعني التنصت على الرسائل.. ورشوة ضباط شرطة للحصول على معلومات
صحف تابلويد مردوخ البريطانية تنظف نفسها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة