760 ألف دولار.. رسم دخول «نادي الواحد في المائة» الأكثر ثراء

ثروات العالم تراجعت إلى 250 تريليون دولار في 2015 بسبب العملة الأميركية

760 ألف دولار.. رسم دخول «نادي الواحد في المائة» الأكثر ثراء
TT

760 ألف دولار.. رسم دخول «نادي الواحد في المائة» الأكثر ثراء

760 ألف دولار.. رسم دخول «نادي الواحد في المائة» الأكثر ثراء

قال بنك «كريدي سويس» إن مجموع ثروات 17 شعبًا عربيًا قد انخفضت بـ102 مليار دولار ما بين منتصف 2014 ومنتصف 2015، لتصل إلى 5.2 تريليون دولار. موضحًا أن السبب الرئيسي في هذا الانخفاض هو تغير أسعار الصرف، حيث انخفضت ثروات شعوب الدول غير المرتبطة بالدولار، مع استقرار أو ارتفاع ثروات شعوب الدول المرتبطة عملاتها بالدولار، مثل السعودية والإمارات.
وتصدر السعوديون قائمة الثروات العربية بـ678 مليار دولار، وفي المركز الثاني جاء الإماراتيون بـ560 مليار دولار، وفي المركز الثالث المصريون بـ379 مليار دولار.
ويقوم التقرير بقياس الثروة عن طريق جمع الأرصدة المالية في البنوك وأسواق المال مع الأصول غير المالية، مثل الأراضي والعقارات مخصوما منها الديون.
وبينما يتصدر السعوديون قمة ترتيب الثروات، يتصدر القطريون الترتيب من حيث متوسط ثروة الفرد البالغ، حيث يبلغ متوسط ثروة المواطن القطري 157 ألف دولار، وفي المركز الثاني يأتي المواطن الإماراتي بـ144 ألف دولار، ثم الكويت بـ113 ألف دولار.
وارتفع متوسط ثروة مواطني 6 دول، على رأسها قطر والسعودية، المرتبطان بالدولار، وانخفض في 11 دولة أخرى، وكان الانخفاض الأكبر من نصيب الكويتيين، حيث انخفض متوسط ثروة الفرد بـ9.4 ألف دولار، ليصل المتوسط إلى 113.4 ألف دولار. وعلى خلاف معظم دول الخليج يرتبط سعر الدينار الكويتي بسلة عملات وليس بالدولار منذ عام 2007، مما أدى إلى تأثر الدينار السلبي بالارتفاع الكبير في قيمة الدولار مقابل باقي العملات في العام الماضي. كما انخفض متوسط الثروة في دول الصراعات، ليبيا وسوريا ومصر بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى المغرب التي فقدت عملتها قرابة الـ16 في المائة من قيمتها أمام الدولار خلال عام.
ويقسم معهد الأبحاث ببنك «كريدي سويس»، في تقريره الذي تم بمشاركة خبراء عالميين، دول العالم من حيث متوسط ثروة الفرد، فالدول الأغنى هي التي يبلغ متوسط الفرد فيها أكثر من 100 ألف دولار، وتأتي على رأس هذه الدول سويسرا بمتوسط ثروة للفرد 567 ألف دولار، وهي الدولة الوحيدة في العالم القادرة على كسر حاجز الـ500 ألف دولار لكل مواطن، تليها نيوزيلندا بـ400 ألف دولار متوسط ثروة للمواطن، وأستراليا بـ365 ألف دولار.
أما ثاني قسم فيضم الدول ذات الثروات المتوسطة، ما بين 25 ألف دولار ومائة ألف دولار متوسط ثروة للفرد، ويضم هذا القسم دول منطقة اليورو الصغيرة مثل اليونان والبرتغال وسلوفينيا، ودول الخليج السعودية وعمان والبحرين بالإضافة إلى لبنان.
أما القسم الثالث فيضم الدول الموجودة على حدود أو حافة الثروة، ويضم معظم الدول كثيفة السكان كمصر والصين وروسيا والبرازيل، بالإضافة إلى دول أخرى في الشرق الأوسط مثل المغرب والجزائر والأردن، ويبلغ متوسط ثروة الفرد في هذه الدول ما بين 5 آلاف دولار و25 ألف دولار.
وفي آخر الأقسام تأتي الدول الفقيرة، التي يبلغ متوسط ثروة الفرد فيها أقل من 5 آلاف دولار، وعلى رأسها الهند ودول أفريقيا جنوب الصحراء.
وعن توزيع الثروة حول العالم، يقول التقرير إن النصف الأفقر من سكان العالم يملكون أقل من 1 في المائة من الثروات، بينما يملك أغنى 1 في المائة من السكان 50 في المائة من ثروات العالم، ويملك أغنى 10 في المائة من السكان 87.8 في المائة من الثروات.
أما عن قيمة الثروات، فيقول التقرير الصادر الشهر الماضي إن الـ71 في المائة الأفقر من سكان العالم يمتلكون 3 في المائة من الثروات، ولا تزيد ثروة الفرد فيهم عن 10 آلاف دولار، ممثلة في الأصول المالية وغير المالية، بينما يمتلك 0.7 في المائة من سكان العالم ثروة أكثر من مليون دولار، وهم يمتلكون 45 في المائة من أصول العالم.
ووضع التقرير حدودًا دنيا لانضمام الأفراد لكل فئة من فئات الثروة، فإذا كانت ثروة الفرد البالغ أكثر من 3210 دولارات، فهو من النصف الأغنى في العالم، وإذا تجاوزت ثروة الفرد 68800 دولار، فهو من أغنى 10 في المائة في العالم، بينما يمتلك أعضاء نادي الـ1 في المائة الأغنى 760 ألف دولار على الأقل.
وقد تجاوزت ثروات شعوب العالم 250 تريليون دولار في منتصف 2015، بانخفاض 12 تريليون دولار مقارنة بمنتصف 2014، وانخفض متوسط ثروة الفرد من 55.9 ألف دولار في منتصف 2014 إلى 52.4 ألف دولار في منتصف 2015، وكان السبب الرئيسي في هذا الانخفاض، وفقًا للتقرير، ارتفاع سعر الدولار أمام معظم العملات باستثناء اليوان الصيني، حيث انخفضت قيمة الأصول غير المقومة بالدولار بشكل كبير، وإذا تم تجاوز تغير أسعار العملات، سيكون متوسط ثروة الفرد للبالغ قد زاد بـ1920 دولارًا.
وكانت أكثر الشعوب استفادة في العالم، مواطنو هونغ كونغ والصين والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية، حيث ارتفع متوسط ثروة الفرد في هونغ كونغ بـ6.7 في المائة، وفي الصين بـ5.9 في المائة، والولايات المتحدة بـ4.5 في المائة، والمملكة المتحدة بـ1.7 في المائة، والسعودية بـ0.9 في المائة.
وباستثناء المملكة المتحدة التي تتعامل بالجنيه الإسترليني، فعملات هذه الدول لم تنخفض أمام الدولار خلال فترة الدراسة.
وارتفعت ثروات السعوديين بـ25 مليار دولار خلال هذه الفترة نتيجة ارتفاع قيمة العقارات بالأساس، وارتباط سعر الريال بالدولار. أما مصر فقد انخفضت ثروات شعبها بـ13 مليار دولار، مما يوازي 5.3 في المائة، في نفس الفترة، ارتباطا بانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار بـ6.3 في المائة.
وعلى المستوى العالمي، فإن شعوب أوكرانيا وروسيا كانوا الأسوأ حالا، حيث انخفضت ثروات هذه الشعوب بنحو 40 في المائة، ارتباطًا بانخفاض قيمة عملتي الدولتين أمام الدولار.
ويقيس التقرير معدل النمو الحقيقي للثروات ما بين عام 2000 و2015، بارتفاع أو انخفاض قيمة ثروة الوسيط، والوسيط هو الشخص الذي يتوسط دخله المجتمع، حيث تقل ثروة 50 في المائة من المجتمع عن ثروته، أفقر 50 في المائة، ويمتلك 50 في المائة من المجتمع ثروة أكبر من ثروته، أغنى 50 في المائة.
وخلال الـ15 عاما الأولى من الألفية، ارتفعت ثروة الوسيط حول العالم بـ2 في المائة، وكانت الصين الأفضل أداء.

عدالة توزيع الثروات

اهتم تقرير هذا العام بشكل موسع بعدالة توزيع الثروات في دول العالم، حيث تتركز الثروات بشكل واضح في الولايات المتحدة وأوروبا، وتسيطر الصين على الطبقة المتوسطة في العالم، بينما يقبع معظم الهنود والأفارقة في الدرك الأسفل من الفقر.
ويوجد قلة من الصينيين في قائمة الأغنى والأفقر في العالم، ولكن الجزء الأهم أن 40 في المائة من أعضاء نادي الطبقة المتوسطة العليا في العالم صينيون.
أما الجارة الهندية فتسيطر على ربع سكان النصف الأفقر من العالم، ويقع نصف البالغين الأفارقة في فئة أفقر 20 في المائة من سكان العالم.
أما في الجانب الغني، فتسيطر أميركا الشمالية وأوروبا على 63 في المائة من سكان العُشر الأغنى، فهناك 123800 شخص حول العالم يملكون أكثر من 50 مليون دولار، 48 في المائة منهم في الولايات المتحدة، وتأتي الصين في المركز الثاني بـ8 في المائة فقط.
وأفرد التقرير فصلاً كاملاً عن الطبقة المتوسطة، وقال إن حجم وموارد وصحة الطبقة المتوسطة هي مفتاح تحديد مدى سرعة واستمرارية التنمية الاقتصادية في أي دولة، كما أن الطبقة المتوسطة تكون دائما في قلب الحراك السياسي والتوجهات الاستهلاكية الجديدة، وهم أيضًا الممولون لمشاريع رجال ورواد الأعمال.
ويعرف التقرير الطبقة المتوسطة بأنها ليست ضمن الأفقر أو الأغنى، وأنها الطبقة التي تعيش حياة مريحة ولكنها ليست كريمة في كل مناحي الحياة، فهي الطبقة التي تمتلك الأصول مما يجعلها صامدة أمام التغيرات الاقتصادية، ومُعرضة بشكل أقل لخطر الفقر، مما يجعلها أكثر حرية لعرض القضايا التي تهم المجتمع في المدى الطويل.
ويؤكد التقرير أن ربط تعريف الطبقة المتوسطة بالدخل يفتقد لمفهوم الحريات المالية والأمن المالي، فعلى سبيل المثال من الممكن أن تؤدي موجة من ارتفاع معدلات البطالة في دولة ما إلى «تبخُر» الطبقة المتوسطة، أما تعريف الطبقة المتوسطة القائم على ربطها بالثروة فهو يعني قدرة ومرونة أكبر في مواجهة الأزمات والنكسات المؤقتة، فالثروة رصيد والدخل تدفق.
وتم تحديد الطبقة المتوسطة وفقًا للقوة الشرائية للعملات في كل دولة، حيث يؤدي اختلاف الأسعار إلى اختلاف قيمة «الثروة الدنيا» للطبقة المتوسطة من دولة لأخرى، وتصل قيمة «الثروة الدنيا» لقمتها في سويسرا، حيث تبلغ 72.896 دولار، حيث يملك 50 في المائة من السويسريين ثروة أكبر من 567122 دولارًا، أما أبناء الطبقة المتوسطة في الولايات المتحدة هم من تتراوح ثرواتهم بين 50 ألف دولار و500 ألف دولار. وتنخفض قيمة الثروة الدنيا لأعضاء الطبقة المتوسطة تدريجيا وتصل إلى 31.3 ألف دولار في الإمارات، و30.6 ألف دولار في قطر، و25.9 ألف دولار في الكويت، و21.4 ألف دولار في السعودية، و14.5 ألف دولار في مصر، و13.7 ألف دولار في الهند و11.3 ألف دولار في أوكرانيا.
ووفقًا لهذا التصنيف، فإن الطبقة المتوسطة تمثل 14 في المائة من السكان حول العالم، وتسيطر هذه الفئة على 32 في المائة من ثروات العالم، وإذا ما تمت إضافة الشريحة الأعلى من الطبقة المتوسطة، ستكون النسبة 16 في المائة من السكان و92 في المائة من الثروات.
وتضم هذه الطبقة 5.8 مليون سعودي، و3 ملايين جزائري، و2.7 مليون مصري، و2.5 مليون عراقي. كما يشير التقرير إلى أن هناك 2.2 مليون إماراتي يمكن تصنيفهم كأبناء للطبقة المتوسطة، و1.7 مليون تونسي، و1.3 مليون كويتي، و738 ألف قطري.
وعن مدى سيطرة هذه الطبقة على التركيبة السكانية، يقول التقرير إن أستراليا بها أكبر طبقة متوسطة بالعالم، حيث يصنف 66.1 في المائة من الأستراليين البالغين على أنهم من الطبقة المتوسطة، وتصل هذه النسبة إلى 56.4 في المائة في الإمارات، و33.1 في المائة في السعودية، وتنخفض في الصين إلى 10.7 في المائة، وفي مصر إلى 5 في المائة، وتحتفظ الهند بأصغر طبقة متوسطة في العالم، حيث يحظى 3 في المائة فقط من سكانها البالغين بعضوية نادي الطبقة المتوسطة.
ويشير التقرير إلى أن الطبقة المتوسطة في مصر قد انخفض عددها إلى النصف منذ عام 2000، في الفترة التي زاد عدد أبناء الطبقة المتوسطة في الصين وحدها بـ43.3 مليون شخص، وزاد عدد أعضاء الطبقة المتوسطة عالميا بـ139.7 مليون، ليصل إجمالي عدد أعضاء الطبقة المتوسطة والأعلى منها عالميا إلى 664 مليونًا، مقارنة بـ524 مليون في عام 2000، كما زادت ثرواتهم بـ122.6 تريليون دولار خلال نفس الفترة.

ارتفع متوسط ثروة مواطني 6 دول على رأسها قطر والسعودية المرتبطان بالدولار (رويترز)



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».