الرئاسة اليمنية: هادي يشرف شخصيًا على إعادة مؤسسات الدولة للعمل

المتمردون يوقفون المستحقات المالية عن «المحافظات المحررة»

الرئيس عبد ربه منصور هادي لدى اجتماعه بقيادات المصالح المالية والإيرادية في البنك المركزي ومكاتب المالية والضرائب والجمارك بحضور وزير المالية منصر القعيطي أول من أمس في عدن (سبأ)
الرئيس عبد ربه منصور هادي لدى اجتماعه بقيادات المصالح المالية والإيرادية في البنك المركزي ومكاتب المالية والضرائب والجمارك بحضور وزير المالية منصر القعيطي أول من أمس في عدن (سبأ)
TT

الرئاسة اليمنية: هادي يشرف شخصيًا على إعادة مؤسسات الدولة للعمل

الرئيس عبد ربه منصور هادي لدى اجتماعه بقيادات المصالح المالية والإيرادية في البنك المركزي ومكاتب المالية والضرائب والجمارك بحضور وزير المالية منصر القعيطي أول من أمس في عدن (سبأ)
الرئيس عبد ربه منصور هادي لدى اجتماعه بقيادات المصالح المالية والإيرادية في البنك المركزي ومكاتب المالية والضرائب والجمارك بحضور وزير المالية منصر القعيطي أول من أمس في عدن (سبأ)

بدأ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أمس، مراجعة مسودة الملاحظات التي وضعتها الهيئة الاستشارية الوطنية على أجندة مشاورات جنيف، التي تقدم بها المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، إلى طرفي النزاع (الحكومة الشرعية والمتمردون الحوثيون)، وحمل مشروع الملاحظات إلى الرئيس هادي في عدن، عبد الملك المخلافي، رئيس وفد الحكومة الشرعية إلى مشاورات جنيف، ونائب مدير مكتب الرئاسة، عبد الله العليمي، وهو أحد أعضاء وفد الحكومة الشرعية إلى مشاورات جنيف.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر سياسية يمنية مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، أن الكثير من الأطراف الدولية تبذل مساعي غير معلنة من أجل وقف الحرب في اليمن، و«ذلك لوقف نزيف الدم اليمني». وأشارت المصادر إلى أن هذه الجهود «تلتقي مع الجهود التي يبذلها المبعوث الأممي ولد الشيخ، في التوصل إلى صيغة اتفاق لوقف القتال واستئناف العملية السياسية». واستدركت المصادر أن «على الحوثيين في صنعاء استيعاب الوضع وتقديم مبادرات حسن نيات لطمأنة جانب الشرعية ودول المنطقة والمجتمع الدولي».
على صعيد آخر، يواصل الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، منذ عودته إلى عدن منتصف الشهر الماضي، الوقوف على الوضع في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد، وتهيئتها لممارسة الرئاسة والحكومة لمهامها من المدينة.
وقال الدكتور محمد مارم، مدير مكتب الرئاسة اليمنية، لـ«الشرق الأوسط»، إن لدى الرئيس برنامجا مكثفا حتى منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول)، وهو برنامج تنفيذي لمتابعة كافة ما يتعلق بالحياة اليومية بالنسبة للمواطنين، مشيرا إلى أنه يجري اجتماعات متواصلة، بشكل يومي، مع المسؤولين في الوزارات والمؤسسات من مختلف المستويات، وذلك من أجل تذليل كل الصعوبات التي تعترض أداء سير مؤسساتهم، إضافة إلى جهود أخرى يقوم بها من أجل إعادة بعض المؤسسات المتوقفة إلى العمل، وإلى أن هذه الجهود يقوم بها هادي، نظرا لعدم وجود جزء كبير من أعضاء الحكومة في عدن.
وذكر مارم لـ«الشرق الأوسط» أن «الحوثيين أوقفوا كل المستحقات والمخصصات المالية عن المحافظات الجنوبية والمحافظات المحررة، بشكل كامل، منذ وقت مبكر، والآن أوقفوا كل المستحقات والسيولة عن المحافظات الجنوبية والمتعلقة بالمرتبات وغيرها وامتنعوا عن تسليم نحو 6 مليارات ريال يمني»، مؤكدا أن «الأمر لم يقتصر على ابتزاز الدولة واختطافها، بل تعداه إلى ابتزاز المواطنين في كل المحافظات»، وأن هذه الخطوة تسبب الكثير من الضغط على القيادة اليمنية من أجل الإيفاء بالكثير من الالتزامات الخاصة بمؤسسات الدولة وتسيير مهامها والخاصة بمتطلبات المواطنين من خدمات وغيرها.
وأشار مارم إلى أن الاعتمادات المالية باتت مقتصرة على إيرادات بعض المؤسسات التي تعمل في عدن وبعض المحافظات، وإلى أن الجهود تنصب على توفير مصادر بدائل لمصادر الدخل من الإيرادات الحكومية، في ظل توقف صادرات وواردات النفط جراء الحرب.
وتطرق مارم إلى سيطرة الميليشيات الحوثية على البنك المركزي في صنعاء، وأكد أن هناك تفهما دوليا كبيرا للوضع الذي تعيشه السلطة الشرعية، وتعاون من أجل مساعدتها لممارسة مهامها.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.