النظام السوري وداعموه يقاتلون لاستعادة السيطرة على المطارات واعتمادها قواعد عسكرية

خبير عسكري لـ«الشرق الأوسط»: لا تصلح لأن تستخدمها القاذفات الروسية قبل تأهيلها

دبابة تابعة لقوات النظام السورية داخل إحدى بلدات محافظة اللاذقية الجبلية في شمال المحافظة (إ.ب.أ)
دبابة تابعة لقوات النظام السورية داخل إحدى بلدات محافظة اللاذقية الجبلية في شمال المحافظة (إ.ب.أ)
TT

النظام السوري وداعموه يقاتلون لاستعادة السيطرة على المطارات واعتمادها قواعد عسكرية

دبابة تابعة لقوات النظام السورية داخل إحدى بلدات محافظة اللاذقية الجبلية في شمال المحافظة (إ.ب.أ)
دبابة تابعة لقوات النظام السورية داخل إحدى بلدات محافظة اللاذقية الجبلية في شمال المحافظة (إ.ب.أ)

تتجه قوات النظام السوري المدعومة بغطاء جوي روسي، وفق خطة مدروسة، لاستعادة السيطرة على مطارات عسكرية استراتيجية، كانت فقدت السيطرة عليها، أو عطّلتها المعارك القريبة منها في محافظات الشمال السوري وقرب العاصمة دمشق. وتهدف الخطة إلى تفعيل تلك المطارات، بما يخدم الخطة العسكرية التي توحي بها مسارات العمل الميداني.
وتشير خريطة المعارك التي أطلقتها قوات النظام إلى التقدم باتجاه مطاري تفتناز وأبو الظهور في محافظة إدلب، وتأمين مطار حماه العسكري في وسط البلاد، ومطار حلب المدني الدولي الذي لم يعد آمنًا بالنسبة لقوات النظام، نظرًا لقرب المعارك العسكرية منه. وكانت قوات النظام والقوى التي تدعمها كثفت ضرباتها لقوات تنظيم داعش قرب منطقة الطبقة التي تتضمن مطارًا عسكريًا استراتيجيًا كانت فقدت السيطرة عليه في أغسطس (آب) 2014، وذلك بعد استعادة السيطرة على مطار كويرس شرقي مدينة حلب.
وبالتوازي، كثفت قوات النظام والميليشيات الداعمة لها أيضًا بدعم جوي، ضرباتها لضاحية داريا بريف دمشق الجنوبي، بهدف منع المعارضة من التقدم إلى جوار مطار المزة العسكري الفاعل قرب العاصمة، إضافة إلى هجمات قريبة من مطار مرج السلطان العسكري الواقع تحت سيطرة المعارضة في الغوطة الشرقية. وفي الوقت عينه، تشن قوات النظام والميليشيات الحليفة هجمات في ريف محافظة حمص الشرقي، بهدف إبعاد قوات «داعش» عن مطار «تيفور» T4، وهو أبرز المطارات العسكرية الاستراتيجية في سوريا.
هذا، وفي حين يفيد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن سير تلك المعارك، يوحي بوجود «خطة استراتيجية» وضعتها القوات النظامية لاستعادة السيطرة على المطارات بهدف «تفعيلها، واستخدامها لقصف مواقع المعارضة القريبة منها في شمال البلاد»، تتحدث مصادر المعارضة السورية عن أن مسارات الهجمات التي شنتها قوات النظام منذ التدخل الروسي «توحي بأن استعادة المطارات العسكرية، أولوية بالنسبة لقوات النظام، كونها تشكل قواعد عسكرية قريبة تمكنها من أن تتحوّل إلى مرابض مدفعية ومنصات إطلاق صواريخ ضد المدن القريبة، فضلاً عن أنها تستخدم كمهبط للمروحيات (الهليكوبترات)، تقلل إجهاد تلك الطائرات التي باتت متهالكة».
وتتفاوت التقديرات حول أهمية استخدام تلك المطارات في حال استعادة السيطرة عليها، بين كونها تتمتع بأهمية للطائرات الروسية، أو لطائرات سلاح جو النظام، وبين أن تتحول إلى قواعد انطلاق ميدانية، كما يقول ياسر النجار عضو المجلس الأعلى لقيادة الثورة السورية في حلب الذي شرح لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً إن «حجم الانتشار العسكري على الأرض للقوات الإيرانية، يزيد قناعتنا بأن الإيراني يعطي تلك المطارات أولوية بهدف تحويلها إلى قواعد عسكرية ومنصة انطلاق لقواته، تساعده على الانتشار بطريقة سريعة». وأردف أن القوات الحليفة لطهران أو القوات الإيرانية الموجودة في سوريا «لا تحتاج إلى مناطق صحراوية تسكنها، بل إلى قواعد عسكرية مثل المطارات، تستطيع أن تتمترس فيها». ثم قال إن الهجمات في محيط حلب لاستعادة مطاراتها، «تشير إلى أن الطرف الإيراني يريد استثمارها في الحل السياسي، عبر القول إن الشام (دمشق) ومطاراتها واقعة تحت يد حليفه، إضافة إلى مدينة حلب ومطارات حلب التي ستتحول إلى قواعد عسكرية».
ولا يخفي النجار أن استعادة السيطرة على المطارات «ستعد انتصارات عسكرية بالنسبة للنظام، كما كانت بالنسبة للمعارضة، لأن السيطرة عليها في السابق احتاج إلى فترات طويلة من الحصار والمعارك الضارية، وكانت من أصعب المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام»، مشيرًا إلى أن «استعادة النظام السيطرة عليها، يعني إعادتنا سنة على الأقل إلى الوراء لأنها تشكل حصانة للنظام».
غير أن استعادة المطارات، في حالة تحققها، لا يعني أن هذه القواعد ستساعد قوات النظام كثيرًا في معاركها الجوية. وبينما يقول النجار إن النظام «استدعى الروسي للطيران، بعد استنزاف العمر الافتراضي لطائراته، واستهلك قدرتها المادية»، يشير العميد الدكتور هشام جابر رئيس «مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية» في بيروت إلى أن الطائرات الروسية «لا تستطيع استخدامها في وضعها الحالي»، موضحًا أن «شروط المطار أن يتمتع بمدرج طويل، يسمح بانطلاق القاذفات الاستراتيجية وهبوطها». وتابع جابر لـ«الشرق الأوسط» إنه «يجب أن تكون أرض المطار مجهزة لتحمل أثقال تلك الطائرات، فضلاً عن أن تُنشأ فيه أبراج مراقبة، كون المطار العسكري يحتاج إلى أجهزة تقنية ولا يمكن أن تعمل بلا أجهزة مراقبة وإنذار». ووفق هذه الشروط، «اعتمد الروس مطار حميميم لإعادة تأهيله، ليغدو صالحًا لطائرات السوخوي والتوبوليف التي تحتاج إلى مدى في المدرج ومنصة تحملها».
أيضًا، قال جابر إن المطارات بوضعها الحالي، في حال استعادة السيطرة عليها، «لن تكون صالحة للاستخدام، إذا لم يؤمن المطار بالسيطرة حوله على مسافة 25 كيلومترًا مربعًا تحيط به، منعًا لاستهداف الطائرات فيه»، مستطردًا أن «في المرحلة الأولى، سيستعمل للطائرات المروحية، بعد إصلاح المدرجات وأبراج المراقبة». وأكد أن الخطة العسكرية التي تفضي للسيطرة على المطارات «تعتبرها دمشق أولوية، لكون الطائرات تساند القوات الجوية، وكلما كانت قريبة من الميدان، ستكون تكلفة إشغالها أقل وستكون فعاليتها أكبر».
كذلك قال جابر إن سوريا قبل الأحداث «كانت تمتلك عددًا كبيرًا من القواعد الجوية، تقلصت بعد 5 سنوات من الأزمة، وانحسر عدد المطارات العاملة فيها إلى نحو 7 مطارات، أهمها اللاذقية وحلب المدني (مطار النيرب) ومطاران في ريف حمص الشرقي، ومطاران في القلمون الشرقي، إضافة إلى مطار المزة العسكري» الواقع جنوب غربي العاصمة السورية. ورأى الخبير العسكري اللبناني أن فقدان تلك المطارات «ألزم النظام بخسارة ميزة عسكرية لأن الطيران الذي يقصف، بات عاجزًا عن الوصول بسرعة، ويساهم ذلك في إرهاق الطائرات العاملة». وقال إن أهم خسائره في المطارات «يتمثل في خسارة مطار الطبقة في الرقة، ومطار منّغ في حلب، ومطار كويرس في حلب، ومطار أبو الظهور العسكري في إدلب».
وتشير خريطة العمليات الآن، بعد السيطرة على مطار كويرس، ومحاولة تأمينه بمهاجمة بلدة دير حافر ومدينة الباب بريف محافظة حلب الشرقي، إلى محاولة التقدم لاستعادة السيطرة على مطار تفتناز الذي يفتح باب العبور باتجاه محافظة إدلب، والاقتراب باتجاه بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين من قبل فصائل المعارضة، اللتين دخلتا في هدنة مقابل الزبداني. كما تكثف الطائرات قصف محيط مطار الطبقة في غرب الرقة، فضلاً عن محاولة تأمين مطار النيرب عبر استعادة السيطرة على محيطه في حلب.
وتحدث ناشطون أمس عن قصف مدينة سراقب التي تبعد نحو عشرة كيلومترات عن مطار تفتناز، بعد التقدم إليه من ريف حلب الجنوبي، حيث باتت قوات النظام بعيدة مسافة 15 كيلومترا عنه.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.