الخطاب الطائفي وتهديدات الميليشيات يجبران سكان صنعاء على النزوح

نظام صالح ـ الحوثي حوَّل العاصمة إلى معسكرات ومخازن سلاح.. واختطاف المئات

يمنية تجر عربة تحمل غالونات ماء بجانب ابنية مدمرة في احد أحياء صنعاء أمس (إ.ب.أ)
يمنية تجر عربة تحمل غالونات ماء بجانب ابنية مدمرة في احد أحياء صنعاء أمس (إ.ب.أ)
TT

الخطاب الطائفي وتهديدات الميليشيات يجبران سكان صنعاء على النزوح

يمنية تجر عربة تحمل غالونات ماء بجانب ابنية مدمرة في احد أحياء صنعاء أمس (إ.ب.أ)
يمنية تجر عربة تحمل غالونات ماء بجانب ابنية مدمرة في احد أحياء صنعاء أمس (إ.ب.أ)

تحوّلت العاصمة اليمنية إلى معتقل كبير لليمنيين، تقوم فيها الميليشيات الحوثية وقوات المخلوع علي عبد الله صالح يوميا بحملة اعتقالات وعمليات نهب لممتلكات خصومهم والمخالفين لهم، حتى وإن كانوا من المتحالفين معهم.
وتشهد الأحياء السكنية في صنعاء نزوحًا كبيرًا للسكان، خاصة في المناطق المحيطة بمنازل قيادات مقربة من صالح أو الحوثيين، أو قريبة من معسكرات تسيطر عليها الميليشيات، فيما تعرّض عشرات الناشطين والسياسيين للاختطاف والاعتداء، بسبب رفضهم الأفكار الطائفية التي يروّج لها المتمردون التي نقلوها من إيران وحزب الله إلى اليمن.
وتعد الأحياء المحيطة بجبل عطان في جنوب غربي صنعاء أكثر المناطق التي نزح منها عشرات الأسر، بسبب قربها من معسكرات الجيش ومخازن السلاح التي أنشأها النظام السابق في الجبال المحيطة بصنعاء، كما تشمل مناطق النزوح بحسب شهادات السكان، أحياء محيطة بجبل نقم، والحفا، ومعسكر 48، ومعسكر الفرقة أولى مدرع، وقاعدة الديلمي الجوية، والقيادة العامة للقوات المسلحة، ومقر وزارة الدفاع في باب اليمن، إضافة إلى الأحياء التي تقع فيها منازل قيادات الحوثي وصالح، مثل حي حدة، ومنطقة عصر، والحي السياسي، ومنطقة الروضة والجراف.
وتصدّرت العاصمة صنعاء قائمة المحافظات اليمنية التي شهدت حملات اعتقال وخطف لمعارضي ميليشيا الحوثي وصالح، وأكد تقرير للتحالف اليمني رصد انتهاكات حقوق الإنسان، أنه جرى رصد 1097 حالة اختطاف خلال فترة لا تتجاوز العام، ويعود ذلك - حسب بعض المراقبين - إلى كونها تمثل أكبر نقطة تجمع لليمنيين من مختلف المحافظات، بمن فيهم المهجرون من محافظة صعدة حيث معقل الحوثيين، جراء الحروب الست بين الدولة والحوثيين، وكذلك النازحون من محافظة عمران وأجزاء من محافظة صنعاء عقب سقوطها في يد ميليشيات الميليشيا منتصف العام المنصرم.
وشكل انقلاب الحوثي وصالح على الحكومة الشرعية تهديدا خطيرا على وضع حقوق الإنسان في اليمن، ويعد يوم 21 سبتمبر (أيلول) 2014. بداية النكوص عن مسيرة حقوق الإنسان في البلاد، حيث بلغت انتهاكات حقوق الإنسان ذروة غير مسبوقة في تاريخ اليمن، وصاحب الانقلاب أشكال جديدة مروعة في الانتهاكات طالت الرجال والنساء والأطفال والممتلكات والحريات الصحافية والسياسية وحتى الاجتماعية.
وتقول سامية الأغبري، ناشطة وصحافية، لـ«الشرق الأوسط»: «إن العشرات من أساتذة الجامعات والسياسيين والعسكريين والصحافيين والناشطين، في قبضة عصابات الحوثي وصالح، وأغلبهم مختفون منذ أشهر طويلة، ولا يعرف عن مصيرهم شيء، وبعضهم يتعرضون للتعذيب الوحشي في سجون العصابات».
وأضافت: «منذ ما قبل دخول ميليشيا الحوثي وصالح صنعاء، عمل المتمردون على إرهاب الناس بملاحقتهم وتهجيرهم وتفجير منازلهم في صعدة وعمران، وانتقلوا بعد سيطرتهم على العاصمة، إلى مرحلة جديدة شملت المداهمات للمنازل والاعتقالات بالجملة، وإغلاق ونهب وسائل الإعلام وملاحقة الصحافيين والناشطين وطلاب جامعة صنعاء».
وذكرت أن الميليشيات اختطفت في صنعاء عشرات الصحافيين والناشطين والسياسيين ورجال الدولة، وقتلت عددًا منهم تحت لافتة «الدواعش»، كان آخرهم من زعمت أنه قاتل الصحافي عبد الكريم الخيواني، رغم أنه كان بإمكانهم القبض عليه وتقديمه للمحاكمة.
ولفتت الأغبري إلى أن «صنعاء اليوم أصبحت موحشة، ومدينة غير آمنة للجميع، تحوّلت إلى معتقل كبير لكل صوت مناوئ للجماعة، من سياسيين وناشطين وصحافيين وحتى للمدنيين، بسبب القمع الذي لم تشهد له اليمن مثيلاً من قبل، وأجبر الكثير منهم على النزوح بعيدا عن صنعاء، أكثرهم هاجر إلى مسقط رأسه، والبعض إلى خارج البلاد أو إلى مدن لا تسيطر عليها الميليشيا، وبالمقابل هناك صحافيون وناشطون عجزوا عن الخروج أو النزوح بسبب أوضاعهم الاقتصادية، وخشية تعرضهم للاختطاف في الطريق، بعد أن نشرت الميليشيات نقاط تفتيش على طول الخطوط البرية التي تصل صنعاء مع المحافظات الأخرى».
وتداهم ميليشيات الحوثي كل يوم جمعة عددًا من مساجد العاصمة صنعاء، حيث تشن حملات مستمرة لاعتقال خطباء مساجد يرفضون الرضوخ لأفكارهم الطائفية، وأكدت مصادر في وزارة الأوقاف التي يديرها الحوثيون، لـ«الشرق الأوسط»، أن المتمردين شكلوا لجانًا خاصة في كل مديرية في أمانة العاصمة لمراقبة وتنظيم خطب الجمعة، حيث تعقد اجتماعات دورية لخطباء المساجد، بحضور عقال الأحياء الموالين للمخلوع علي عبد الله صالح، مع ممثل من مكتب الأوقاف، بهدف توجيه خطب الجمعة بما يتناسب مع سياستهم الانقلابية، ونشر أفكار مذهبية آتية من إيران وحزب الله.
وأكدت المصادر أن من يرفض الحضور يُعتقل، ويستبدل بخطيب من جماعة الحوثي، وهو ما أجبر الكثير من خطباء المساجد المناهضين للحوثيين وصالح على الفرار من صنعاء إلى مناطق ريفية أو السفر إلى الخارج، وتفرض الميليشيات الحوثية خطابا طائفيا يجري تعميمه على خطباء المساجد وفي وسائل الإعلام التابعة لهم، يعتمد على نشر أخبار مفبركة وتضليل أتباعهم والترويج لانتصارات مزعومة.
وبحسب التقارير الحقوقية فإن الميليشيات دأبت على مداهمة المساجد ومراكز خيرية، في صنعاء، لفرض خطباء من جماعتهم في معظم المساجد في العاصمة صنعاء التي تضم أكثر من 8000 مسجد، منها نحو 2000 جامع تقام فيها خطب الجمعة.
وعد علماء دين تصرفات الحوثيين بأنها تساهم في زرع التفرقة المذهبية في المجتمع اليمني، وتنشر الكراهية والأفكار الدخيلة على اليمنيين، وقال لـ«الشرق الأوسط»، الدكتور أنور الشرعبي عضو هيئة علماء اليمن «إن هذه التصرفات مرفوضة من المجتمع، وقد تجلى ذلك في خروج المصلين من المساجد التي يصعد على منابرها خطيب حوثي».
وأضاف الشرعبي أن «الحوثيين ليسوا أهلا للتعايش، لأنهم يحملون فكرا مغلوطا، مخالفا للشريعة السمحاء، التي تحث على السلام والتعايش بين الناس جميعا، وما يقومون به - حاليا - هو محاولة لفرض أفكارهم ونشرها عبر منابر المساجد لتسخيرها لأغراض سياسية وأفكار طائفية تزرع الشحناء والكراهية والبغضاء بين اليمنيين».
وأشار إلى أن الحوثيين حرّفوا الرسالة السامية لمنابر المساجد التي هي في الأصل منابر للدعوة والإرشاد والوعظ والتعليم، وتعد من أهم الوسائل التي لها تأثير على الناس، لذا حرص الانقلابيون على السيطرة عليها ظنا منهم بأنهم قادرون على نشر أفكارهم، لكنهم لم ينجحوا، والدليل أن الناس يخرجون من المساجد التي يعتلون منابرها رفضا لهم واستنكارا لخطاب الكراهية والطائفية الذي يزرع الشحناء والتحريض والبغضاء في المجتمع.
وأوضح عضو هيئة علماء اليمن أن الكثير من العلماء والشيوخ أجبروا على ترك صنعاء وترك المساجد التي ظلوا لسنوات يخطبون فيها، بسبب مضايقات واعتداءات الحوثيين، خاصة أن بعضهم تعرض للاعتقال والبطش لرفضه الترويج للأفكار الضالة ودعمهم في خروجهم على الدولة.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.