شاشة الناقد: هو هي!

إيدي ردماين في مشهد من «الفتاة الدنماركية».
إيدي ردماين في مشهد من «الفتاة الدنماركية».
TT

شاشة الناقد: هو هي!

إيدي ردماين في مشهد من «الفتاة الدنماركية».
إيدي ردماين في مشهد من «الفتاة الدنماركية».

‫«الفتاة الدنماركية» The Danish Girl ‬
- إخراج: توم هوبر
- تقييم الناقد:(3*)(من خمسة).
أينر وغنر ليس شخصية خيالية، بل فعلية عاشت في مطلع القرن. وكان رجلاً مثقفًا ومتزوّجًا من امرأة يحبها وتحبه اسمها غيردا. وحكايتهما ملأت صفحات كتاب من نحو مائتي صفحة (يعتمد ذلك على أي طبعة تمتد يدك إليها) وضعه ديفيد إيبرشوف ليسرد ما حدث لأينر الذي قرر أن يصبح ليلي.
القرار بدا مفاجئًا: ذات يوم احتاجت زوجته الرسّامة إلى موديل نسائي. لم يكن لديها بديل سوى إلباس زوجها رداءا نسائيًا والقيام بوضع المساحيق المناسبة على وجهه. وإذ جلس أمامها تحت وعد أنه موديلاً أنثويًا مناسبًا، تمدد في كيانه شعور لم يكن يعلم بأنه موجود وهو أنه يريد أن يصبح امرأة.
بالتأكيد كان شعورًا خفيًا، لكن حتى ولو لم يكن فإن نقطة التحوّل بدأت من تلك اللحظة. بعد ذلك، وحسب فيلم البريطاني توم هوبر «الفتاة الدنماركية»، هو مشوار طويل لإنجاز هذا التحول بما فيه التصرّف فعليًا كامرأة وتغيير اسمه ودخول صالونات النساء وشراء حاجاتهن. لكن قيمة الفيلم الموازية هي في الزوجة التي تجد نفسها في صراع واضح: تحب الرجل الذي تزوّجته وأمامها إما قبول تحوّله ومعالجة الحرمان العاطفي الذي سيقع بالصبر، أو تركه وشأنه والارتباط برجل سعيد بأنه كذلك.
توم كوبر لا يسبر غور الزوجة (تقوم بها جيدًا أليسيا فيكاندر) على نحو كاف. لكن ما تشعر به موجود. الاهتمام المحوري هو شخصية الزوج أينر/ ليلي (إيدي ردماين في دور سيؤدي به إلى الأوسكار وسواه) لأن القرار والمضي فيه صعب ومثير لمن يريد معرفة كيف يمكن لشخص أن يتصرف في مثل هذه الحالة.
بطبيعة الحال، أينر/ ليلي هو في الصدارة لأن الفيلم يدور عنه قبل وبعد القرار مع مصاحبة الزوجة الصبورة له في قراراته حتى ذلك القرار الذي اتخذه لكي يكمل تحوّله. في مطلع القرن لم تكن عمليات التغيير الطبية من جنس لآخر منتشرة وما هو منتشر منها لم يكن مضمونًا لكن ذلك لم يردع بطل الفيلم (والرواية) من المضي قدمًا.
يعالج توم هوبر الفيلم بسلاسة لم يبدها حين تصدّى لرواية فيكتور هوغو «البائسون»: حجم تلك الرواية كان أكبر والمعالجة كانت أزخر. في فيلمه هذا الحجم أصغر لكن المشاعر أكثر تعقيدًا. ما لا ينجح فيه كثيرًا ينتمي إلى ما اختاره من مشاهد دون أخرى من الكتاب (متوفر في المكتبات حاليًا) حيث خلف وراءه، مثلاً، بعض المجابهات الأكثر حدّة بين الزوجين. صحيح أنها كانت مؤيدة، لكنها كانت تدرك ما تدفع ثمنه لقاء ذلك.
على ذلك، ما يوفره المخرج لمشاهديه هو معالجة محترمة لموضوع غير مثير للغالبية من الناس. ينتقي مشاهده بعناية ويدلف من مشهد لآخر بسرعة مشهودة ولو ميكانيكية. ومع أداء من بطليه لا يمكن ضحده فإنه ينجز ما يطلبه البعض من فيلم اليوم: موضوع شائك بمعالجة سهلة الهضم.



شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
TT

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

أرزة ★★☆

دراجة ضائعة بين الطوائف

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة. هي تصنع الفطائر وابنها الشاب يوزّعها. تفكّر في زيادة الدخل لكن هذا يتطلّب درّاجة نارية لتلبية طلبات الزبائن. تطلب من أختها التي لا تزال تعتقد أن زوجها سيعود إليها بعد 30 سنة من الغياب، بيع سوار لها. عندما ترفض تسرق أرزة السوار وتدفع 400 دولار وتقسّط الباقي. تُسرق الدرّاجة لأن كينان كان قد تركها أمام بيت الفتاة التي يحب. لا حلّ لتلك المشكلة إلا في البحث عن الدراجة المسروقة. لكن من سرقها؟ وإلى أي طائفة ينتمي؟ سؤالان تحاول أحداث الفيلم الإجابة عليهما ليُكتشف في النهاية أن السارق يعيش في «جراجه» المليء بالمسروقات تمهيداً لبيعها خردة، في مخيّم صبرا!

قبل ذلك، تنتقل أرزة وابنها والخلافات بينهما بين المشتبه بهم: سُنة وشيعة ومارونيين وكاثوليك ودروز. كلّ فئة تقترح أن واحدة أخرى هي التي سرقت وتشتمها. حتى تتجاوز أرزة المعضلة تدخل محلاً للقلائد وتشتري العُقد الذي ستدّعي أنها من الطائفة التي يرمز إليها: هي أم عمر هنا وأم علي هناك وأم جان- بول هنالك.

إنها فكرة طريفة منفّذة بسذاجة للأسف. لا تقوى على تفعيل الرّمز الذي تحاول تجسيده وهو أن البلد منقسم على نفسه وطوائفه منغلقة كل على هويّتها. شيء كهذا كان يمكن أن يكون أجدى لو وقع في زمن الحرب الأهلية ليس لأنه غير موجود اليوم، لكن لأن الحرب كانت ستسجل خلفية مبهرة أكثر تأثيراً. بما أن ذلك لم يحدث، كان من الأجدى للسيناريو أن يميل للدراما أكثر من ميله للكوميديا، خصوصاً أن عناصر الدراما موجودة كاملة.

كذلك هناك لعبٌ أكثر من ضروري على الخلاف بين الأم وابنها، وحقيقة أنه لم يعترف بذنبه باكراً مزعجة لأن الفيلم لا يقدّم تبريراً كافياً لذلك، بل ارتاح لسجالٍ حواري متكرر. لكن لا يهم كثيراً أن الفكرة شبيهة بفيلم «سارق الدّراجة» لأن الحبكة نفسها مختلفة.

إخراج ميرا شعيب أفضل من الكتابة والممثلون جيدون خاصة ديامان بوعبّود. هي «ماسة» فعلاً.

• عروض مهرجان القاهرة و«آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

سيلَما ★★★☆

تاريخ السينما في صالاتها

لابن بيروت (منطقة الزيدانية) لم تكن كلمة «سيلَما» غريبة عن كبار السن في هذه المدينة. فيلم هادي زكاك الوثائقي يُعيدها إلى أهل طرابلس، لكن سواء كانت الكلمة بيروتية أو طرابلسية الأصل، فإن معناها واحد وهو «سينما».

ليست السينما بوصفها فناً أو صناعة أو أيّ من تلك التي تؤلف الفن السابع، بل السينما بوصفها صالة. نريد أن نذهب إلى السينما، أي إلى مكان العرض. عقداً بعد عقد صار لصالات السينما، حول العالم، تاريخها الخاص. وفي لبنان، عرفت هذه الصالات من الأربعينات، ولعبت دوراً رئيسياً في جمع فئات الشعب وطوائف. لا عجب أن الحرب الأهلية بدأت بها فدمّرتها كنقطة على سطر التلاحم.

هادي زكّاك خلال التصوير (مهرجان الجونا)

فيلم هادي زكّاك مهم بحد ذاته، ومتخصّص بسينمات مدينة طرابلس، ولديه الكثير مما يريد تصويره وتقديمه. يُمعن في التاريخ وفي المجتمع ويجلب للواجهة أفلاماً ولقطات وبعض المقابلات والحكايات. استقاه من كتابٍ من نحو 600 صفحة من النّص والصور. الكتاب وحده يعدُّ مرجعاً شاملاً، وحسب الزميل جيمي الزاخم في صحيفة «نداء الوطن» الذي وضع عن الكتاب مقالاً جيداً، تسكن التفاصيل «روحية المدينة» وتلمّ بتاريخها ومجتمعها بدقة.

ما شُوهد على الشاشة هو، وهذا الناقد لم يقرأ الكتاب بعد، يبدو ترجمة أمينة لكلّ تلك التفاصيل والذكريات. يلمّ بها تباعاً كما لو كان، بدُورها، صفحات تتوالى. فيلمٌ أرشيفي دؤوب على الإحاطة بكل ما هو طرابلسي وسينمائي في فترات ترحل من زمن لآخر مع متاعها من المشكلات السياسية والأمنية وتمرّ عبر كلّ هذه الحِقب الصّعبة من تاريخ المدينة ولبنان ككل.

يستخدم زكّاك شريط الصوت من دون وجوه المتكلّمين ويستخدمه بوصفه مؤثرات (أصوات الخيول، صوت النارجيلة... إلخ). وبينما تتدافع النوستالجيا من الباب العريض الذي يفتحه هذا الفيلم، يُصاحب الشغف الشعور بالحزن المتأتي من غياب عالمٍ كان جميلاً. حين تتراءى للمشاهد كراسي السينما (بعضها ممزق وأخرى يعلوها الغبار) يتبلور شعورٌ خفي بأن هذا الماضي ما زال يتنفّس. السينما أوجدته والفيلم الحالي يُعيده للحياة.

* عروض مهرجان الجونة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز